المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الشاهد الحادي والعشرون بعد التسعمائة) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١١

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْحُرُوف العاطفة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي والتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الموفي للتسعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي بِعَهْد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعَاشِر بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد لحادي عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(حُرُوف التَّنْبِيه)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(حُرُوف الْمصدر)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(حُرُوف التحضيض)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(حُرُوف الشَّرْط)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد وَالثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(نون التوكيد)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بِهِ التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(هَاء السكت)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)

الفصل: ‌(الشاهد الحادي والعشرون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده

(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

الطَّوِيل على أَنه قد تَجِيء الْجُمْلَة الفعلية بعد لَوْلَا غير التحضيضية.

-

وَإِنَّمَا كَانَت هُنَا غير تحضيضية لِأَن الحض طلب بحث وإزعاج والشاعر لم يرد أَن يحث نَفسه على مُنَازعَة الشّغل وَإِنَّمَا يُرِيد الِاعْتِذَار عَن الْقيام بمحبتها بِهَذَا الْمَانِع وَهُوَ مجاذبته الشّغل.

وَإِنَّمَا لم يقل الشَّارِح الْمُحَقق: وَغير الامتناعية لِأَنَّهَا لَا تدخل على الْفِعْل. وَأجَاب عَنْهَا بجوابين: أَحدهمَا: أَن لَوْلَا لَيست كلمة وَاحِد ركبت من كَلِمَتَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ كلمتان.

قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: لَوْلَا هُنَا غير مركبة بل لَا نَافِيَة على حَالهَا وَلَو على حَالهَا وَإِنَّمَا أول لَا ب لم ليبين أَنَّهَا مُسْتَقلَّة فِي إِفَادَة النَّفْي كلم فِي: لَو لم.

وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن لَوْلَا هِيَ الامتناعية لَكِن كَانَ الأَصْل: لَوْلَا أَن يُنَازعنِي شغلي فَلَمَّا حذفت أَن ارْتَفع الْفِعْل كَمَا فِي قَوْلهم: تسمع بالمعيدي لَا أَن ترَاهُ فَيكون أَن المحذوفة مَعَ الْفِعْل فِي تَأْوِيل مُبْتَدأ أَي: لَوْلَا منازعتي شغلي. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من مَوَاضِع حذف أَن.

وَالْجَوَاب الْجيد هُوَ الأول وَلذَا قدمه الشَّارِح.)

وَقد أَشَارَ إِلَيْهِمَا ابْن مَالك فِي التسهيل فَقَالَ: وَقد يَلِي الْفِعْل لَوْلَا غير مفهمة تحضيضاً فيؤول بلو لم أَو تجْعَل المختصة بالأسماء وَالْفِعْل صلَة أَن.

قَالَ

ص: 246

شَارِحه ابْن عقيل: يُشِير بِهَذَا تَأْوِيل مَا اسْتشْهد بِهِ الْكسَائي على مَا ذهب إِلَيْهِ من أَن أَلا زعمت أَسمَاء أَن لَا أحبها الْبَيْت

وَقَوله: الْبَسِيط

(لَا در دَرك إِنِّي قد رميتهم

لَوْلَا حددت وَلَا عُذْري لمحدود)

والتأويل هُوَ أَن لَو حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَلَا نَافِيَة بِمَعْنى لم أَي: لَو لم يُنَازعنِي وَلَو لم أحد. وَلَا قد نفي بهَا الْمَاضِي نَحْو: فَلَا صدق وَلَا صلى أَي: لم يصدق وَلم يصل. أَو لَوْلَا حرف امْتنَاع لوُجُود وَمَا بعْدهَا مُبْتَدأ بإضمار أَن أَي: لَوْلَا أَن يُنَازعنِي وَلَوْلَا أَن حددت. وَلما حذفت بَطل عَملهَا فِي تنازعني فارتفع. انْتهى.

وَلَا حَاجَة إِلَى قَوْله: وَلَا قد نفي بهَا الْمَاضِي

إِلَخ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الأول لِأَن لَا إِنَّمَا تؤول بلم إِذا دخلت على الْمَاضِي كالبيت الثَّانِي. وَأما إِذا دخلت على الْمُضَارع كالبيت الشَّاهِد فَلَا تؤول بِهِ. وَإِنَّمَا قَالُوا عِنْد إِيرَاده وَحده: إِن لَوْلَا بِمَعْنى لَو لم لما ذكرنَا.

وَذهب الإِمَام المرزوقي إِلَى أَن لَوْلَا الامتناعية قد يَليهَا الْفِعْل بقلة وَلَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل كالبيتين.

وَأعلم أَن لَوْلَا فيهمَا سَوَاء كَانَت لَو الشّرطِيَّة مَعَ لَا أَو امتناعية لَا بُد لَهَا من جَوَاب فجوابها إِمَّا فِي مَا أوجبه بلَى قبلهَا أَو الْبَيْت الَّذِي يَليهَا وَهُوَ:

ص: 247

والبيتان أَو لَا قصيدةٍ لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ. قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرحها: قَوْله: أَلا زعمت أَسمَاء

إِلَخ الزَّعْم يسْتَعْمل فِيمَا يرتاب بِهِ وَلَا يُحَقّق

وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَأَن لَا أحبها قد سد مسدهما وَأَن هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. أَرَادَ أَنِّي لَا أحبها.

أَو أَن الْأَمر والْحَدِيث لَا أحبها كَأَنَّهَا استزادت زيارته لَهَا. وتوفره عَلَيْهَا واستقصرت تهالكه فِيهَا وشغفه بهَا وَادعت عَلَيْهِ أَنه قد حَال عَن الْعَهْد وتحول متراجعاً فِي دَرَجَات الود فَقَالَ مجيباً لَهَا ومبطلاً لدعواها: بلَى أحبك وَأرى من المثابرة عَلَيْك وَالسَّعْي فِي تَحْصِيل بعض المُرَاد بالنيل مِنْك مَا هُوَ الْهوى والمنى لَوْلَا الشّغل المنازع والعائق الْمَانِع.

وللا يدْخل لِامْتِنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره وَهُوَ يرْبط جملَة من مُبْتَدأ وَخبر بجملة من فعل وفاعل)

إِلَّا أَن خبر الْمُبْتَدَأ يحذف تَخْفِيفًا ويكتفى بِجَوَاب لَوْلَا عَنهُ.

وَقد يُؤْتى بِالْفِعْلِ وَالْفَاعِل بَدَلا من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَهَذَا كَمَا نَحن فِيهِ أَلا ترى أَنه قَالَ: لَوْلَا يُنَازعنِي شغلي.

وَجَوَاب لَوْلَا فِي قَوْله: بلَى وَقد تقدم وَالتَّقْدِير: لَوْلَا مجاذبة الشّغل الَّذِي أَنا بصدده لقمت فِيك مقَام الْمُحب فَإِنِّي أحبك. وَمثل هَذَا فِي تقدم الْجَواب وَكَون الْفِعْل وَالْفَاعِل مَكَان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر قَول الآخر: الْبَسِيط وَذكر بَعضهم أَن جَوَاب لَوْلَا فِيمَا بعده وَهُوَ: جزيتك ضعف الود الْبَيْت. والضعف هُنَا بِمَعْنى المضاعف كَقَوْلِه تَعَالَى: فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار أَي: مضاعفاً.

وَبعده:

ص: 248

(فَإِن تَكُ إنثى فِي معدٍّ كَرِيمَة

علينا فقد أَعْطَيْت نَافِلَة الْفضل)

والنافلة: الْغَنِيمَة وَبِه سمي مَا لَا يجب من الطَّاعَات نوافل. وَقيل لمن فعل

إحساناً لَا يلْزمه: تنفل بِهِ. وَالْمعْنَى: إِن تكرم علينا امْرَأَة فِي نسَاء معدٍ فقد جعل لَك عَلَيْهَا بعد الْوَاجِب فِي إيثارك وتكرمتك زِيَادَة تفضلين بهَا وَإِنَّمَا أضَاف النَّافِلَة إِلَى الْفضل لما كَانَت تفضل على من وساها بِتِلْكَ النَّافِلَة.

ثمَّ قَالَ بعد أَرْبَعَة أَبْيَات: الطَّوِيل

(فَإِن تزعميني كنت أَجْهَل فِيكُم

فَإِنِّي شريت الْحلم بعْدك بِالْجَهْلِ)

(وَقَالَ صَحَابِيّ: قد غبنت وخلتني

غبنت فَمَا أَدْرِي أشكلهم شكلي)

(على أَنَّهَا قَالَت: رَأَيْت خويلداً

تنكر حَتَّى عَاد أسود كالجذل)

(فَتلك خطوبٌ قد تملت شبابنا

زَمَانا فتبلينا الْمنون وَمَا نبلي)

(وتبلي الألى يسلئمون على الألى

تراهن يَوْم الْوَرع كالحدإ الْقبل)

وَقَوله: فَإِن تزعميني

إِلَخ قَالَ المرزوقي: الْأَكْثَر زعمت أَنه كَانَ يفعل كَذَا. وَقد جَاءَ: زعمته كَانَ يفعل فَلهَذَا قَالَ تزعميني. وَقَالَ الله تَعَالَى: زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا وَقَالَ عز ذكره: بل زعمتم أَن لن نجْعَل لكم موعداً.

وَيسْتَشْهد أَصْحَابنَا بِدُخُولِهِ على أَن المخففة والمثقلة على حد مَا يدْخل حسبت وظننت عَلَيْهِمَا أَنه بتعدي لمفعولين. وَقد اسْتشْهد سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت أَيْضا.

)

وَأَرَادَ أَبُو ذُؤَيْب الِاعْتِذَار إِلَى الْمَرْأَة لما قَالَت: إِنَّك لَا تحبني فَقَالَ متنصلاً إِلَيْهَا وذاكراً الْوَجْه الَّذِي تداخلها مِنْهُ مَا أشكلها وأخرجها إِلَى عَتبه وَسُوء الظَّن بِهِ: إِن احتججت فِي دعواك عَليّ بِأَنِّي كنت اسْتعْمل الْجَهْل فِي

ص: 249

حبكم فأقدم على ألأمور الْمُنكرَة وأركب الْأَهْوَال المردية والآن قد كَفَفْت وَكنت أتعاطى من اللَّهْو وَالصبَا مَا قد اطرحته السَّاعَة فَذَلِك ذَلِك على زَوَال الْحبّ.

فَلَيْسَ استدلالك بِصَحِيح وَمَا حدث لي اسْتغْنَاء عَنْك وَلَا استبدلت بحبك قلاك وَلَكِنِّي تحملت فَجَمِيع مَا ترينه وتنكرينه من الْعَادَات المستجدة نتائج الْحلم وَالْعقل فَأَما الْحبّ فَكَمَا كَانَ وَالْأَيَّام تزيده استحكاماً وشريت واشتريت بِمَعْنى وَهُوَ هُنَا مثل. انْتهى كَلَامه.

أَقُول: وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب ظَنَنْت وَأُخُوَّتهَا من أَوَائِل كِتَابه فَإِنَّهُ بعد أَن ذكر عَملهَا قَالَ: وَمِمَّا وَلم يرد أَن عَملهَا إِنَّمَا يكون فِي الشّعْر وأنما أرا وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر شَاهدا على إعمالها هَذَا الْبَيْت. وَالْيَاء الْمَفْعُول الأول وَجُمْلَة كنت أَجْهَل فِيكُم فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي.

وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْجُمْلَة الَّتِي تقع مَفْعُولا ثَانِيًا من الْبَاب الثَّانِي. قَالَ: وَقد أجتمع وُقُوع خبري كَانَ وَإِن وَالثَّانِي من مفعولي بَاب ظن جملَة فِي قَول أبي ذُؤَيْب. وَأنْشد الْبَيْت.

وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا على أَن الاشتراء فِيهِ مستعار للاستبدال كَمَا فِي الْبَيْت.

وَزعم بعض من كتب عَلَيْهِ أَن أَجْهَل فِيهِ أفعل تَفْضِيل فَرَوَاهُ بِالنّصب وَقَالَ: أَي: إِن تزعميني أَنِّي أَجْهَل النَّاس فِيكُم لارتكاب بطالات الْهوى فتحولي عَن هَذَا الزَّعْم فَإِنِّي أخذت الْحلم بعْدك بِالْجَهْلِ. وَهَذَا وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحا إِلَّا أَنه لَيْسَ بِرِوَايَة.

ص: 250

وَقَوله: وَقَالَ صَحَابِيّ قد غبنت

إِلَخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: أنكر أَصْحَابِي مني مَا تمسكت بِهِ من ارعواء وحلم حَتَّى قَالُوا: إِنَّك مغبون فِيمَا قايضت

عَلَيْهِ من صبا وَجَهل. وأظنني الغابن الرابح لَا المخدوع الخاسر. فَلَا أعلم أمقصدهم مقصدي وطريقهم طريقي ثمَّ غلط أَحَدنَا حَتَّى افترقنا أم اخْتَلَفْنَا فِي أصل مَا نَظرنَا فِيهِ وأخذنا بِهِ فَلذَلِك لم يتَّفق معتبرنا.

وَقَالَ هَذَا وَهُوَ يعلم اخْتِلَاف أَحْوَالهم وتباين طرقهم زارياً عَلَيْهِم وموبخاً لَهُم. وَمن هَذَا وعَلى هَذَا التَّفْسِير يكون أم لَا مضمراً بعد قَوْله: أشكلهم شكلي وساغ حذفه لما فِي الْكَلَام من الدّلَالَة عَلَيْهِ وَتَكون الْألف للتسوية.)

وَيجوز أَن يَكْتَفِي بقوله: أشكلهم شكلي فَلَا يقْصد إِلَى معادلة وَلَا تَسْوِيَة. وَذَلِكَ أَن أَدْرِي من أَخَوَات أعلم وَقد يجوز أَن تَقول: قد علمت أَزِيد فِي الدَّار.

وَحكى ذَلِك سِيبَوَيْهٍ. وَلَو قلت: سَوَاء عَليّ أَو مَا أُبَالِي لم يكن بُد من ذكر أم. وَمثل الأول قَول أبي ذُؤَيْب فِي أُخْرَى: الطَّوِيل فَمَا أَدْرِي رشدٌ طلابها وَقد سَمِعت من يَقُول: إِن ألأمر فِي الْكل سَوَاء وَإِن أم حَيْثُ لم ينْطق بِهِ مُقَدّر وَإِن أَبَا الْحسن حكى أَن بَعضهم قَالَ: علمت أزيدٌ عنْدك لَا يَكْتَفِي بِهِ إِلَّا بعد إِضْمَار. وَهُوَ قَول قوي وَفِي هَذَا كَلَام لَيْسَ هَذَا مَوضِع بَسطه. انْتهى.

وَقَوله: على أَنَّهَا قَالَت

إِلَخ يُرِيد أَن هَذِه الْمَرْأَة كَمَا أنْكرت عادتي أنْكرت حالتي فَقلت: رَأَيْت أَبَا ذُؤَيْب وَهُوَ خويلد تغير عَن الْمَعْهُود واسود

ص: 251

حَتَّى صَار كالجذل بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي تنصب لِلْإِبِلِ الجربي فتحتكط بهَا وَتسود بِمَا يعلقها من طلائها.

فَتلك خطوب الْبَيْت يَقُول: إِن الَّذِي غَيرنَا خطوب تناولت من قوانا واستمتعت بِنَا من لدن شبابنا إِلَى يَوْمنَا.

والدهر يبلي جدة أَهله وهم لَا يبلونه ويأكلهم وَيشْرب عَلَيْهِم وَلَا ينتقمون مِنْهُ وَأَشَارَ إِلَى أَنْوَاع المنايا وأجناس الْحَوَادِث بقوله: الْمنون.

وَقَوله: وتبلى الألى الْبَيْت يَقُول: وتبلي حوادث الدَّهْر الرِّجَال الَّذين يستلئمونه اللأمات وَهِي الدروع راكبين الْخَيل الَّتِي تراهن فِي يَوْم الْفَزع لطموح أبصارهن وتقليب أعينهن ذكاءً وشهامة كأنهن الحدأ الْقبل.

ويستلئمون صلَة الألى لِأَنَّهُ فِي معنى الَّذين وعَلى الألى: فِي مَوضِع الْحَال لِأَنَّك إِذا قلت: رَأَيْت زيدا على فرس فَالْمَعْنى رَاكِبًا فرسا وتراهنّ مَعَ مَا بعده صلَة الألى الثَّانِيَة. والحدأ: جمع حدأة كعنب جمع عنبة وَهِي طَائِر تصيد الجرذان.

قَالَ الْخَلِيل: وَقد تفتح حاؤه. والقبل: جمع أقبل وقبلاء وَهُوَ من صفة الحدأ. والقبل: أَن تقبل كلّ واحدةٍ من الْعَينَيْنِ على الْأُخْرَى وَهُوَ أشدّ من الْحول وَإِذا كَانَ خلقَة كَانَ مذموماً وهم)

يصفونَ الْخَيل بالشّوس والخوص والقبل يُرِيدُونَ أَنَّهَا تفعل ذَلِك لعزّة أَنْفسهَا.

وَقد اسْتشْهد شرّاح الألفيّة وَغَيرهم بِهَذَا الْبَيْت على اسْتِعْمَال الألى لجَمِيع الْمُذكر والمؤنث.

وَهُوَ الَّذين واللاتي بِدَلِيل مَا عَاد على كلّ مِنْهُمَا من ضَمِيره.

-

وترجمة أبي ذُؤَيْب تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب.

ص: 252

(

حرف التوقع)

أنْشد فِيهِ

(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله هُوَ صدر وعجزه: كَأَن أثوابه مجّت بفرصاد على أنّ قد مَعَ الْمُضَارع تكون للتكثير فِي مقَام التمدّح والافتخار.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتَكون قد بِمَنْزِلَة ربّما. وَأنْشد الْبَيْت وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: ربّما. وَأَرَادَ بربّما التكثير.

وَنَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَقَالَ: الرَّابِع من مَعَاني قد التكثير قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي قَول الْهُذلِيّ: قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله وَقَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قد نرى تقلّب وَجهك فِي السَّمَاء قَالَ: أَي: ربّما

وَمَعْنَاهُ تَكْثِير الرُّؤْيَة. ثمَّ

(قد أشهد الْغَارة الشّعواء تحملنِي

جرداء معروقة اللّحيين سرحوب)

انْتهى.

ص: 253

وَقد جعل الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير سُورَة التكوير: أصل مفَاد قد وربّما التقليل والتكثير إِنَّمَا جَاءَ من عكس الْكَلَام. قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: علمت نفسٌ مَا أحضرت قَالَ: فَإِن قلت: كلّ نفس تعلم مَا أحضرت كَقَوْلِه تَعَالَى: يَوْم تَجِد كلّ نفسٍ مَا عملت من خيرٍ محضراً والأنفس وَاحِدَة فَمَا معنى قَوْله: علمت نفس قلت: هُوَ من عكس كَلَامهم الَّذِي يقصدون بِهِ الإفراط فِيمَا يعكس عَنهُ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: رُبمَا يودّ الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين وَمَعْنَاهُ معنى كم وأبلغ.)

وَمِنْه قَول الْقَائِل: قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله وَتقول لبَعض قوّاد الْعَسْكَر: كم عنْدك من الفرسان فَيَقُول: ربّ فارسٍ عِنْدِي أَو: لَا تعدم فَارِسًا عِنْدِي. وَعِنْده المقانب وقصده بذلك التّمادي فِي كَثْرَة فرسانه وَلكنه أَرَادَ إِظْهَار بَرَاءَته من التزيّد وَأَنه ممّن يقلّل كثير مَا عِنْده فضلا أَن يتزيّد فجَاء بِلَفْظ التقليل ففهم مِنْهُ معنى الْكَثْرَة على الصِّحَّة وَالْيَقِين. انْتهى كَلَامه.

-

وَزعم ابْن مَالك أَن مُرَاد سِيبَوَيْهٍ أَن قد مثل رُبمَا فِي التقليل لَا فِي التكثير. ورد عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان وانتصر بَعضهم لَا بن مَالك. وَقد نقل الْجَمِيع الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَصحح كَلَام أبي حَيَّان ولابأس بإيراده فَنَقُول:

ص: 254

قَالَ ابْن مَالك: إِطْلَاق سِيبَوَيْهٍ القَوْل بِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة رُبمَا مُوجب للتسوية بَينهمَا فِي التقليل وَالصرْف إِلَى المضيّ. وَاعْتَرضهُ أَبُو حَيَّان فَقَالَ: لم يبين سِيبَوَيْهٍ الْجِهَة الَّتِي فِيهَا قد بِمَنْزِلَة رُبمَا وَلَا يدل على ذَلِك التَّسْوِيَة فِي كل الْأَحْكَام بل يسْتَدلّ بِكَلَام سِيبَوَيْهٍ على نقيض مَا فهمه ابْن مَالك وَهُوَ أَن قد بِمَنْزِلَة رُبمَا فِي التكثير فَقَط.

وَيدل عَلَيْهِ إنشاد الْبَيْت لِأَن الْإِنْسَان لَا يفخر بِمَا يَقع مِنْهُ على سَبِيل الندرة والقلة وَإِنَّمَا يفتخر بِمَا يَقع مِنْهُ على سَبِيل الْكَثْرَة فَيكون قد بِمَنْزِلَة رُبمَا فِي التكثير. انْتهى.

وانتصر بعض الْفُضَلَاء لِابْنِ مَالك رادّاً كَلَام أبي حَيَّان فَقَالَ: أما قَوْله: لم يبين سِيبَوَيْهٍ الْجِهَة

إِلَخ فإطلاق التَّسْوِيَة كافٍ فِي الْأَحْكَام كلهَا إِلَّا مَا تعين خُرُوجه.

وَأما قَوْله: لِأَن الْإِنْسَان

إِلَخ فَجَوَابه أَن فَخر الْإِنْسَان بِمَا يَقع مِنْهُ كثيرا إِنَّمَا يكون فِيمَا يَقع قَلِيلا وَكَثِيرًا فيفخر بالكثير مِنْهُ أما مَا لَا يَقع إِلَّا نَادرا فَقَط فَإِنَّهُ يفخر بِالْقَلِيلِ مِنْهُ لِاسْتِحَالَة الْكَثْرَة فِيهِ.

وَترك الْمَرْء قرنه مصفرّ الأنامل يَسْتَحِيل وُقُوعه كثيرا وَإِنَّمَا يتَّفق نَادرا فَلذَلِك يفتخر بِهِ لِأَن الْقرن هُوَ المقاوم للشَّخْص الْكُفْء لَهُ فِي شجاعته فَلَو فرض مَغْلُوبًا مَعَه فِي الْكثير من الْأَوْقَات لم يكن قرنا لَهُ إِذْ لَا يكون قرنا إِلَّا عِنْد الْمُكَافَأَة غَالِبا.

إِذْ تقرر هَذَا فَنَقُول: لما كَانَ قَوْله الْقرن يَقْتَضِي أَنه لَا يغلب قرنه لِأَن القرنين غَالب أَمرهمَا التَّعَارُض ثمَّ قضى بِأَنَّهُ قد يغلبه حملنَا ذَلِك على الْقلَّة صونا للْكَلَام عَن التدافع وَقُلْنَا: المُرَاد)

أَنه بِتَرْكِهِ كَذَلِك تركا لَا يُخرجهُ عَن كَونه قرنا. وَذَلِكَ هُوَ التّرْك النَّادِر لِئَلَّا يدْفع آخر الْكَلَام أَوله.

والزمخشري فهم مَا فهمه أَبُو حَيَّان من أَن قد فِي الْبَيْت للتكثير فقد اتجهت

الْمُؤَاخَذَة على ابْن هِشَام فِي نَقله هَذَا الْمَعْنى عَن سِيبَوَيْهٍ فَإِن سِيبَوَيْهٍ لم يقلهُ نصا وَإِنَّمَا فهمه أَبُو حَيَّان عَنهُ.

ثمَّ أَبُو حَيَّان لَيْسَ جَازِمًا بِهِ وَإِنَّمَا قَالَه مُعَارضا لفهم ابْن مَالك وَمثل هَذَا لَا يَكْفِي فِي تسويغ النَّقْل عَن

ص: 255

سِيبَوَيْهٍ أَنه قَالَ: إِن قد فِي الْبَيْت للتكثير وغايته فهمٌ فِي جوّزه أَبُو حَيَّان وَسَبقه الزَّمَخْشَرِيّ إِلَيْهِ وَهُوَ معَارض لفهم ابْن مَالك أحد الْمُجْتَهدين فِي النَّحْو.

كَذَا قَالَ ذَلِك الْفَاضِل.

قلت: حَاصِل كَلَامه على الْبَيْت أَن التكثير فِيهِ مُلْزم للتناقض بِنَاء على أَن الْقرن هُوَ الْكُفْء وَإِنَّمَا يتم ذَلِك أَن لَو كَانَ المُرَاد بالقرن وَاحِدًا وَهُوَ مَمْنُوع بل الظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ الْجِنْس. فَإِذا فَرضنَا أَنه غلب جَمِيع أقرانه وهم مائَة مثلا كلّ واحدٍ مرّة حصلت كَثْرَة الْغَلَبَة مَعَ انْتِفَاء التَّنَاقُض لتَعَدد الْمحَال وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمقام الافتخار.

وَظهر بِهَذَا أَن: قَوْله: لِاسْتِحَالَة الْكَثْرَة فِيهِ مُسْتَدْرك وَأَن قَوْله: إِن ذَلِك فِيمَا يُمكن وُقُوعه قليلاًَ وَكَثِيرًا فَلَا يفتخر مِنْهُ إِلَّا بالكثير لَا يجديه نفعا فِي مرامه بل هُوَ عَلَيْهِ كَمَا عَرفته. هَذَا آخر مَا أوردهُ الدماميني.

وَقد أَجَاد فِي ردّه على هَذَا الْفَاضِل. وَقد أورد كَلَام هَذَا الْفَاضِل فِي شرح التسهيل مسلّماً وشنّع على ابْن هِشَام غَايَة التشنيع.

وَالْبَيْت من قصيدة لِعبيد بن الأبرص الْأَسدي أوردهَا الْأَصْمَعِي فِي الأصمعيات.

-

وَهَذَا مطْلعهَا:

ص: 256

الْبَسِيط

(طَاف الخيال علينا لَيْلَة الْوَادي

من آل أَسمَاء لم يلمم بميعاد)

(أنّى اهتديت لركبٍ طَال ليلهم

فِي سبسبٍ بَين دكداك وأعقاد)

(يطوفون الفلا فِي كل هاجرةٍ

مثل الفنيق إِذا مَا حثه الْحَادِي)

إِلَى أَن قَالَ:

(قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله

كَأَن أثوابه مجّت بفرصاد)

(أبلغ أَبَا كربٍ عني وَإِخْوَته

قولا سيذهب غوراً بعد إنجاد))

(لَا أعرفنّك بعد الْيَوْم تندبني

وَفِي حَياتِي مَا زوّدتني زادي)

(فَإِن حييت فَلَا أحسبك فِي بلدي

وَإِن مَرضت فَلَا أحسبك عوّادي)

(فَانْظُر إِلَى ظلّ ملكٍ أَنْت تَاركه

هَل ترسينّ أواخيه بِأَوْتَادٍ)

(الْخَيْر يبْقى وَإِن طَال الزّمان بِهِ

والشّرّ أَخبث مَا أوعيت من زَاد)

وَقَوله: أنّى اهتديت الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. والسّبسب:

الْمَفَازَة والقفر. والدّكداك بِفَتْح الدَّال هُوَ من الرمل: مَا التبد وَلم يرْتَفع.

وأعقاد: جمع عقد بِفَتْح فَكسر هُوَ مَا تعقّد من الرمل أَي: تراكم وطوّف: مُبَالغَة طَاف.

والفنيق بِفَتْح الْفَاء وَكسر النُّون: الْفَحْل المكرم من الْإِبِل.

وَقَوله: اذْهَبْ إِلَيْك فِيهِ حذف مُضَاف أَي: اذْهَبْ إِلَى قَوْمك بِدَلِيل قَوْله: فَإِنِّي من بني اسد فَلَا يرد أَن مجرور إِلَى وفاعل متعلّقها ضميران لشَيْء وَاحِد.

ص: 257

وَقَوله: قد أترك الْقرن هُوَ بكسسر الْقَاف: الْمثل فِي الشجَاعَة. والأنامل: رُؤُوس الْأَصَابِع.

وأترك: يحْتَمل أَن يكون من التّرْك بِمَعْنى التَّخْلِيَة وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد فمصفرّاً: حَال من وَيحْتَمل أَن يكون من التّرْك بِمَعْنى التصيير فيتعدّى لمفعولين ثَانِيهمَا مصفرّاً. وَالْمعْنَى: اقتله فينزف دَمه فتصفرّ أنامله.

وَقَالَ الأعلم: خصّ الأنامل لِأَن الصُّفْرَة إِلَيْهَا أسْرع وفيهَا أظهر. وَقَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْغَرِيب المصنّف: يُرِيد أَن يقتل الْقرن فتصفرّ أنامله. وَيُقَال: إِنَّه إِذا مَاتَ الميّت اصفرّت أنامله.

وأثواب: جمع ثوب. ومجّت: دميت وَالْمرَاد صبغت. والفرصاد بِكَسْر الْفَاء قَالَ الأعلم: هُوَ التّوت شبّه الدَّم بحمرة عصارته.

وَفِي الْقَامُوس: الفرصاد: التوث أَو أحمره أَو صبغ أَحْمَر. والتوث فِيهِ لُغَتَانِ يجوز فِي آخِره بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالمثناة. وَأنكر صَاحب الصِّحَاح الأول ورد عَلَيْهِ. حكى أَبُو حنيفَة الدّينوريّ فِي كتاب النَّبَات أَنه بِالْمُثَلثَةِ وَقَالَ: لم يسمع فِي الشّعْر إِلَّا بِهِ.

-

وَأنْشد لمحبوب النّشهليّ: الْبَسِيط

(لروضةٌ من رياض الْحزن أَو طرفٌ

من الْقرْيَة حزنٌ غير محروث)

(أشهى وَأحلى لعَيْنِي إِن مَرَرْت بِهِ

من كرخ بَغْدَاد ذِي الرّمّان والتوث))

وَقَوله: لَا أعرفنّك لَا: ناهية. وَنهي الْمُتَكَلّم نَفسه قَلِيل. والأواخي: جمع آخية بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَالْبَيْت الشَّاهِد قد تداوله الشُّعَرَاء فبعضهم أَخذ المصراع وَبَعْضهمْ أَخذه تَمامًا بِلَفْظِهِ وَبَعْضهمْ أَخذ مَعْنَاهُ.

قَالَ أَبُو المثلّم الهذليّ يرثي صَخْر الغيّ الْهُذلِيّ: الْبَسِيط

(وَيتْرك الْقرن مصفرّاً أنامله

كأنّ فِي ربطتيه نضح إرقان)

ص: 258

والإرقان بِكَسْر الْهمزَة وبالقاف: الزّعفران.

وَقَالَ المتنخّل الْهُذلِيّ يرثي ابْنه أثيلة: الْبَسِيط

(والتّارك الْقرن مصفرّاً أنامله

كأنّه من عقارٍ قهوةٍ ثمل)

وَقَالَ زُهَيْر بن مَسْعُود الضّبّي: الْبَسِيط

(

هلاّ سَأَلت هداك الله مَا حسبي

عِنْد الطّعان إِذا مَا احمرّت الحدق)

(هَل أترك الْقرن مصفرّاً أنامله

قد بلّ من جَوْفه العلق)

وَقَالَت ريطة الهذلية ترثي أخاها عمرا ذَا الْكَلْب: الْبَسِيط

(الطاعن الطعنة النجلاء يتبعهَا

مثعنجرٌ من نجيع الْجوف أسكوب)

(والتارك الْقرن مصفرّاً أنامله

كَأَنَّهُ من نجيع الْجوف مخضوب)

وَقَالَ زُهَيْر بن أبي سلمى: الْبَسِيط المائح: الَّذِي يمْلَأ الدَّلْو فِي أَسْفَل الْبِئْر عِنْد قلَّة مَائِهَا. والأسن بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين: الَّذِي أَصَابَته ريح مُنْتِنَة من ريح الْبِئْر أَو غير ذَلِك فَغشيَ عَلَيْهِ أَو دَار رَأسه.

وَقَالَ أحد بني جرم:

ص: 259

الْبَسِيط

(وأترك الْقرن مصفرّاً أنامله

دامي المرادع منكبّاً على العفر)

وَقَالَت عمْرَة بنت شَدَّاد الْكَلْبِيَّة ترثي أخاها مَسْعُود بن شَدَّاد: الْبَسِيط

(

قد يطعن الطعنة النجلاء يتبعهَا

مضرّج بعْدهَا تغلي بإزباد)

(وَيتْرك الْقرن مصفرّاً أنامله

كَأَن أثوابه مجّت بفرصاد)

وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة عبيد بن الأبرص فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْمِائَة وَوَقع نِسْبَة الْبَيْت الشَّاهِد فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ إِلَى بعض الهذليين وَلم أره فِي أشعارهم من رِوَايَة السكرِي. وَالله أعلم.)

وَأنْشد بعده: الْكَامِل لما تزل برحالنا وَكَأن قد على أَنه قد يحذف الْفِعْل بعد قد لدليلٍ وَالتَّقْدِير: وَكَأن قد زَالَت فَحذف زَالَت لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ وَكسرت الدَّال من قد للقافية.

وَهَذَا عجز وصدره: أفد الترحل غير أَن رِكَابنَا

وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ.

(

حرفا الِاسْتِفْهَام)

وَأنْشد بعده

(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)

الرجز أهل عرفت الدَّار بالغريين على أَن هَل فِي الأَصْل بِمَعْنى قد كَمَا فِي الْبَيْت فكون قد حرف اسْتِفْهَام إِنَّمَا تكون بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام ثمَّ حذفت الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال إِقَامَة لَهَا مقَامهَا. وَقد جَاءَت على اللأصل فِي قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان أَي: قد أَتَى.

هَذَا أحد مَذَاهِب أَرْبَعَة وَهُوَ مَذْهَب الزَّمَخْشَرِيّ ف هَل عِنْده أبدا بِمَعْنى قد وَأَن الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَاد من همزَة مقدرَة. قَالَ فِي الْمفصل: وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن هَل بِمَعْنى قد إِلَّا أَنهم تركُوا الْألف قبلهَا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فِي الإستفهام. وَقد جَاءَ دُخُولهَا عَلَيْهَا فِي قَوْله: الْبَسِيط

(سَائل فوارس يَرْبُوع بشدتنا

أهل رأونا بسفح القاع ذِي الأكم

)

انْتهى.

قَالَ ابْن يعِيش فِي شَرحه: هَذَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أَنه قَالَ عِنْد الْكَلَام على من وَمَتى: وَكَذَلِكَ هَل إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قد وَلَكنهُمْ تركُوا الْألف إِذْ كَانَت هَل إِنَّمَا تقع فِي الِاسْتِفْهَام كَأَنَّهُ يُرِيد أَن هَل تكون بِمَعْنى

ص: 261

قد والاستفهام فِيهَا بِتَقْدِير ألف الِاسْتِفْهَام كَمَا كَانَ ذَلِك فِي من وَمَتى وَالْأَصْل أَمن أمتى وَلما كثر اسْتِعْمَالهَا فِي الِاسْتِفْهَام حذفت أللف وتضمنت مَعْنَاهَا.

وَكَذَلِكَ هَل الأَصْل فِيهَا: أهَل وَكثر اسْتِعْمَالهَا فِي الِاسْتِفْهَام فحذفت الْألف للْعلم بمكانها.)

انْتهى.

وَمَا نَقله عَن سِيبَوَيْهٍ مَذْكُور فِي بَاب بَيَان أم لم تدخل على حُرُوف الِاسْتِفْهَام وَلم تدخل على ألف. وَقد وَقع مثل هَذَا فِي أَوَائِل كتاب سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يخْتَار فِيهِ النصب من ابواب الِاشْتِغَال أَيْضا: وَتقول أم هَل فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة قد وَلَكنهُمْ تركُوا الْألف اسْتغْنَاء إذكان هَذَا الْكَلَام لَا يَقع لَا فِي اسْتِفْهَام. انْتهى.

وَلم يقف ابْن هِشَام على هذَيْن النصين من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَاعْترضَ على الزَّمَخْشَرِيّ بقوله: وَلم أر فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ مَا نَقله عَنهُ وَإِنَّمَا قالفي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم مَا نَصه: وَهل هِيَ للاستفهام لم يزدْ على ذَلِك. انْتهى.

وَقد رد عَلَيْهِ الدماميني بِأَنَّهُ لَا لُزُوم من عدم رُؤْيَته هُوَ لذَلِك عدم وُقُوعه وَكَانَ الأولى بِهِ تَحْسِين الظَّن بالزمخشري فَإِنَّهُ أَمَام فِي هَذَا الْفَنّ ثَبت فِي النَّقْل وَمَا نَقله عَن سِيبَوَيْهٍ مسطور فِي موضِعين من كِتَابه.

ثمَّ نقل كلاميه من كِتَابه وَقَالَ: فَإِن قلت فَمَا تصنع فِي دفع الْمُعَارضَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا وَهِي مُخَالفَة قَول سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلَام لقَوْله فِي غَيره: إِن هَل إِنَّمَا تكون بِمَنْزِلَة قد قلت: أحمل ذَلِك على أَنَّهَا للاستفهام بِاعْتِبَار قِيَامهَا مقَام الْهمزَة

ص: 262

المحذوفة المفيدة

للاستفهام لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَة للاستفهام بِنَفسِهَا جمعا بَين كلاميه. انْتهى.

وَكَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه كالمفصل قَالَ: هَل بِمَعْنى قد فِي الِاسْتِفْهَام خَاصَّة وَالْأَصْل أهل بِدَلِيل قَوْله: أهل رأونا بسفح القاع ذِي الأكم وَالْمعْنَى: أقد أَتَى على التَّقْرِير والتقريب جَمِيعًا أَي: أَتَى على ألإنسان قبل زمَان قريب حينٌ من الدَّهْر لم يكن فِيهِ شَيْئا مَذْكُورا أَي: كَانَ شَيْئا منسياً غير مَذْكُور. انْتهى.

وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ فَقَالَ: هُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير وتقري وَلذَلِك فسر بقد وأصل أهل كَقَوْلِه: أهل رأونا الْبَيْت وَمعنى قَول الزَّمَخْشَرِيّ: فِي الِاسْتِفْهَام خَاصَّة أَن هَل لَا تكون بِمَعْنى قد إِلَّا وَمَعَهَا اسْتِفْهَام لفظا كالبيت الْمُتَقَدّم أوتقديراً كالآية الْكَرِيمَة. فَلَو قلت: هَل جَاءَ زيد بِمَعْنى قد جَاءَ من غير اسْتِفْهَام لم يجز.)

وَقَوله: على التَّقْرِير أَي: الْمَفْهُوم من الِاسْتِفْهَام الْمُقدر. وَقَوله: والتقريب أَي: الْمَفْهُوم من هَل بِمَعْنى قد.

وَإِنَّمَا اسْتشْهد الشَّارِح بِالْبَيْتِ الَّذِي أوردهُ دون بَيت الْمفضل فَإِنَّهُ طعن فِي ثُبُوته. قَالَ ابْن هِشَام: وَقد رايت عَن السيرافي أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: أم هَل رأونا وَأم هَذِه مُنْقَطِعَة بِمَعْنى بل فَلَا دَلِيل فِيهِ. انْتهى. وَلِهَذَا عدل الشَّارِح عَنهُ فَللَّه دره مَا أدق نظره.

الْمَذْهَب الثَّانِي أَن هَل بِمَعْنى قد دون اسْتِفْهَام مُقَدّر وَهُوَ مَذْهَب الْفراء. قَالَ فِي تَفْسِير الْآيَة: الْمَعْنى قد أَتَى على الْإِنْسَان حينٌ من الدَّهْر

ص: 263

وَهل قد تكون جحداً وَتَكون خَبرا فَهَذَا من الْخَبَر.

-

وَقَوله: لم يكن شَيْئا مَذْكُورا يُرِيد: كَانَ شَيْئا وَلم يكن مَذْكُورا ذولك حِين خلقه من طينٍ إِلَى أَن نفخ فِيهِ الرّوح. انْتهى.

وَتَبعهُ الإِمَام الواحدي فِي الْوَسِيط: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأهل الْمعَانِي: قد أَتَى فَهَل هَا هُنَا خبر وَقَوله: على ألإنسان يَعْنِي آدم حينٌ من الدَّهْر: قدر أَرْبَعِينَ سنة لم يكن شَيْئا مَذْكُورا لَا فِي السَّمَاء وَلَا فِي ألأرض يَعْنِي أَنه جسداً ملقى من طين قبل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح.

قَالَ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا تمّ خلقه بعد عشْرين وَمِائَة سنة. انْتهى.

وَقَالَ ابْن هِشَام: إِن هَل تَأتي بِمَعْنى قد وَذَلِكَ مَعَ الْفِعْل وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان حينٌ جمَاعَة مِنْهُم ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما وَالْكسَائِيّ وَالْفراء والمبرد قَالَ فِي مقتضبه: هُبل للاستفهام نَحْو: هَل جَاءَ زيد وَتَكون بِمَنْزِلَة قد نَحْو قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان. انْتهى.

وَبَالغ الزَّمَخْشَرِيّ فَزعم: أَنَّهَا ابداً بِمَعْنى قد وَأَن الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَاد من همزةٍ مقدرَة مَعهَا. وفسرها غَيره بقد خَاصَّة وَلم يحملوا قد على معنى التَّقْرِيب بل على معنى التَّحْقِيق.

وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهَا التوقع و: أَنه قيل لقومٍ يتوقعون الْخَبَر عَمَّا أَتَى على الْإِنْسَان وَهُوَ آدم عليه السلام. قَالَ: والحين هُوَ زمن كَونه طيناً. انْتهى.

الْمَذْهَب الثَّالِث لِابْنِ مَالك أَنَّهَا تتَعَيَّن لِمَعْنى قد إِن دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام وَأَن لم تدخل فقد تكون بِمَعْنى قد تكون بعنى قد وَقد تكون للاستفهام: قَالَ فِي

ص: 264

التسهيل: وَقد تدخل عَلَيْهَا الْهمزَة فَيتَعَيَّن مرادفة قد. انْتهى.)

وَمَفْهُومه أَنَّهَا لَا تتَعَيَّن لذَلِك إِذا لم تدخل عَلَيْهَا الْهمزَة بل قد تَأتي لذَلِك مَا فِي الْآيَة وَقد لَا تَأتي لَهُ.

-

الْمَذْهَب الرَّابِع أَنَّهَا لَا تَأتي بِمَعْنى قد وَإِنَّمَا هِيَ للاستفهام. وَذهب إِلَيْهِ جمَاعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْآيَة فَقَالَ أَبُو حَيَّان: هِيَ على بَابهَا من الِاسْتِفْهَام أَي: هُوَ مِمَّن يسْأَل عَنهُ لغرابته أَتَى عَلَيْهِ حِين من الدَّهْر لم يكن كَذَا لإنه يكون الْجَواب: أَتَى عَلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ بِالْحَال الْمَذْكُورَة.

وَقَالَ مكي فِي تَقْرِير كَونهَا على بَابهَا من الِاسْتِفْهَام: وَالْأَحْسَن أَن تكون على بَابهَا للاستفهام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْرِير وَإِنَّمَا هُوَ تَقْرِير لمن أنكر الْبَعْث فَلَا بُد أَن يَقُول: نعم قد مضى دهراً طَوِيل لَا إِنْسَان فِيهِ فَيُقَال لَهُ: من أحدثه بعد أَن يكن وَكَونه بعد عَدمه كَيفَ يمْتَنع عَلَيْهِ بَعثه وإحياؤه بعد مَوته هُوَ معنى قَوْله: وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فَلَولَا تذكرُونَ أَي: فَهَلا تذكرُونَ فتعلمون أَن من أنشأ شَيْئا بعد أَن لم يكن قَادر على أعادته بعد مَوته وَعَدَمه. انْتهى.

قَالَ السمين فِي الدّرّ المصون: قد جعلهَا لاستفهام التَّقْرِير خلافًا لأبي حَيَّان فِي جعله استفهاماً مَحْضا لِأَن التَّقْرِير الَّذِي يجب أَن يكون لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يرد من الْبَارِي تَعَالَى إِلَّا على هَذَا النَّحْو.

وَإِلَى القرير ذهب الزجاح أَيْضا. قَالَ: معنى هَل أَتَى على الْإِنْسَان أَي: ألم يَأْتِ على الْإِنْسَان حينٌ من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا. واللمعنى: قد كَانَ شَيْئا إِلَّا أَنه كَانَ تُرَابا وطيناً إِلَى أَن نفخ فِيهِ الرّوح فَلم يكن قبل نفخ الرّوح فِيهِ شَيْئا

ص: 265

مَذْكُورا.

وَيجوز أَن يكون يعْنى بِهِ جَمِيع النَّاس وَيكون أَنهم كَانُوا نطفاً ثمَّ علقاً ثمَّ مضغاً إِلَى أَن صَارُوا شَيْئا مَذْكُورا. انْتهى.

وَقد اخْتَار هَذَا الْمَذْهَب ابْن جني فَقَالَ فِي بَاب إقار الْأَلْفَاظ على أوضاعها الأول من كتاب الخصائص: وَأما هَل فقد أخرجت عَن بَابهَا إِلَى معنى قد نَحْو قَول الله: هَل أَتَى على الْإِنْسَان قَالُوا: مَعْنَاهُ قد أَتَى عَلَيْهِ ذَلِك.

-

وَقد يكن عِنْدِي أَن تكون مبقاةً فِي هَذَا الْموضع على بَابهَا من الِاسْتِفْهَام فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالله أعلم: هَل أَتَى على الْإِنْسَان هَذَا.

فلابد فِي جَوَابه من نعم ملفوظاً بهَا أَو مقدرَة أَي: فَكَمَا أَن ذَلِك كَذَلِك فَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَن)

يحتقر نَفسه.

وَهَذَا كَقَوْلِك لمن تُرِيدُ الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ: بِاللَّه هَل سَأَلتنِي فأعطيتك أم هَل زرتني فأكرمتك أَي: فَكَمَا أَن ذَلِك كَذَلِك فَيجب أَن تعرف حَقي عَلَيْك.

ويوؤكد هَذَا قَوْله تَعَالَى: إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان إِلَى هديناه السَّبِيل أَفلا ترَاهُ عز اسْمه كَيفَ عدد عَلَيْهِ أياديه وألطافه لَهُ.

فَإِن قلت: فَمَا تصنع بقول الشَّاعِر: أهل رأونا بسفح القف ذِي الأكم أَلا ترى إِلَى دُخُول همزَة الِاسْتِفْهَام على هَل ول كَانَت للاستفهام لم تلاق همزته لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع حرفين لِمَعْنى وَاحِد. وَهَذَا يدل على خُرُوجهَا عَن الِاسْتِفْهَام إِلَى الْخَبَر.

فَالْجَوَاب أَن هَذَا يُمكن أَن يَقُوله صَاحب هَذَا الْمَذْهَب. وَمثله خُرُوج همزَة الإستفهام إِلَى التَّقْرِير.

أَلا ترى أَن التَّقْرِير ضرب من الْخَبَر وَذَلِكَ ضد الإستفهام. وَيدل على أَنه قد فَارق الِاسْتِفْهَام امْتنَاع النصب بِالْفَاءِ فِي جَوَابه والجزم بِغَيْر الْفَاء.

أَلا تراك لَا تَقول: أَلَسْت صاحبنا فنكرمك كَمَا تَقول: لست صاحبنا فنكرمك وَلَا تَقول فِي التَّقْرِير: أَأَنْت فِي الْجَيْش أثبت اسْمك كَمَا تَقول فِي

ص: 266

الا ستفهام الصَّرِيح: أَأَنْت فِي الْجَيْش أُثبت اسْمك كَمَا تَقول: مَا اسْمك أذكرك أَي: إِن أعرفهُ أذكرك. وَلأَجل مَا ذكرنَا من حَدِيث همزَة التَّقْرِير مَا صَارَت تنقل النَّفْي إِلَى الْإِثْبَات وَالْإِثْبَات إِلَى النَّفْي.

(

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)

أَي أَنْتُم كَذَلِك. انْتهى كَلَامه.

وَقَوله: لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع حرفين لِمَعْنى وَاحِد على نمط مَا تقدم عَنهُ فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة وَتقدم رده.

وَصوب أَبُو حَيَّان هَذَا الْمَذْهَب ورد مَا عداهُ قَالَ فِي شرح التسهيل: إِن مرادفه هَل لقد لم يقم عَلَيْهَا دَلِيل وَاضح إِنَّمَا هُوَ شَيْء قَالَه الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين: إِن مَعْنَاهُ قد أَتَى.

وَهَذَا تَفْسِير معنى لَا تَفْسِير إِعْرَاب وَلَا يرجع إِلَيْهِم فِي مثل هَذَا وَإِنَّمَا يرجع فِي ذَلِك إِلَى أَئِمَّة)

النَّحْو واللغة لَا إِلَى الْمُفَسّرين. وَإِمَّا الْبَيْت فَيحْتَمل أَن يكون من الْجمع بَين أداتين لِمَعْنى وَاحِد على سَبِيل التوكيد كَقَوْلِه: الوافر وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء بل الْجمع بَين الْهمزَة وَهل أسهل لاخْتِلَاف لَفْظهمَا.

وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَقَالَ: وَقد عكس قوم مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ

فزعموا: أَن هَل لَا تَأتي بِمَعْنى قد أصلا. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي إِذْ لَا متمسّك لمن أثبت ذَلِك إلاّ أحد ثَلَاثَة أُمُور:

ص: 267

أَحدهَا: تَفْسِير ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما ولعلّه إِنَّمَا أَرَادَ أَن الِاسْتِفْهَام فِي الْآيَة للتقرير وَلَيْسَ باستفهام حَقِيقِيّ. وَقد صرح بِهِ جمَاعَة من الْمُفَسّرين وَقَالَ بَعضهم: لاتكون هَل للإستفهام التقريري وَإِنَّمَا ذَلِك من خَواص الْهمزَة. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ.

وَالثَّانِي: قَول سِيبَوَيْهٍ الَّذِي شافه الْعَرَب وَفهم مقاصدهم. وَقد مضى أَن سِيبَوَيْهٍ لم يقل ذَلِك.

وَالثَّالِث: دُخُول الْهمزَة عَلَيْهَا فِي الْبَيْت والحرف لَا يدْخل على مثله فِي الْمَعْنى وَهُوَ شَاذ وَيُمكن تَخْرِيجه على أَنه من الْجمع بَين حرفين بِمَعْنى وَاحِد على سَبِيل التوكيد. انْتهى بِاخْتِصَار.

وَيرد عَلَيْهِمَا أَن مَا ردّاه هُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ إِمَام البصيرين والمبرد وَقَول إِمَام الْكُوفِيّين الْكسَائي وتلميذه الْفراء وَكلهمْ أَئِمَّة النَّحْو وَالتَّفْسِير واللغة وَقد خالطوا الْعَرَب الفصحاء وسمعوا كَلَامهم وفهموا مقاصدهم وَثَبت النَّقْل عَنْهُم فَيتَعَيَّن الْأَخْذ بِهِ وردّ من خالفهم فِي هَذَا الْبَاب.

وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

وَقَوله: أهل عرفت الديار بالغريين هُوَ من قصيدة لخطام الْمُجَاشِعِي تقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة مَعَ تَرْجَمته.

قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح ابيات الْجمل: هَذِه القصيدة من بَحر السَّرِيع وَرُبمَا حسب من لَا يحسن الْعرُوض أَنَّهَا من الرجز. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الرجز لايكون فِيهِ معولان فَيرد إِلَى فعولان. وَمثله:

ص: 268

قد عرضت أروى بقول إفناد وَهُوَ مستفعلن مستفعلن فعولان. انْتهى.

-

والغريان: مَوضِع بِالْكُوفَةِ نَحْو فرسخين عَنْهَا وَهُوَ مثنى الغري بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء.

قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ المفجع: الغري: مَوضِع بِالْكُوفَةِ وَيُقَال: إِن قبر عَليّ بن)

أبي طَالب رضي الله عنه بالغري. وَيُقَال: الغريان.

وَيُقَال أَن النُّعْمَان بناهما على قَبْرِي عَمْرو بن مَسْعُود. وخَالِد بن نَضْلَة لما قَتلهمَا. قَالَت هِنْد بنت معبد بن نَضْلَة ترثيهما: الطَّوِيل

(أَلا بكر الناعي بخيري بني أَسد

بِعَمْرو بن مسعودٍ وبالسيد الصَّمد)

انْتهى.

وَقَوله: النُّعْمَان خطأ وَصَوَابه الْمُنْذر. والغريان فِي الأَصْل: منارتان على قَبْرِي بن عَمْرو بن مَسْعُود وخَالِد بن نَضْلَة الأسديين كَانَ الْمُنْذر

ص: 269

الْأَكْبَر اللَّخْمِيّ يغريهما بالدماء أَي: يطليهما بهَا.

كَذَا فِي كتاب أَسمَاء المغتالين من الْأَشْرَاف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام لِابْنِ حبيب وَفِي ذيل الأمالي للقالي وَفِي الأغاني وَفِي الْأَوَائِل لأبي ضِيَاء الْموصِلِي.

-

وَزعم الْجَوْهَرِي وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن نباتة فِي شرح رِسَالَة ابْن زيدون أَنَّهُمَا قبرا مَالك وَعقيل: نديمي جذيمة الأبرش وسميا غريين لِأَن النُّعْمَان كَانَ يغريهما بِدَم من يقْتله فِي يَوْم بؤسه.

وَهَذَا غلط واشتباه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن بَين جذيمة الأبرش وَبَين النُّعْمَان بن الْمُنْذر سِتَّة مُلُوك أحدهم: عَمْرو اللَّخْمِيّ وَهُوَ ابْن أُخْت جذيمة الأبرش.

ثانيهم: امْرُؤ الْقَيْس بن عَمْرو الْمَذْكُور.

ثالثهم: النُّعْمَان بن امْرِئ الْقَيْس الْمَذْكُور وَهُوَ النُّعْمَان الْأَكْبَر الَّذِي بنى الخورنق.

رابعهم: الْمُنْذر بن امْرِئ الْقَيْس صَاحب الغريين وَهُوَ الْمُنْذر الْأَكْبَر ابْن مَاء السَّمَاء أَخُو النُّعْمَان الْأَكْبَر.

خامسهم: الْمُنْذر بن الْمُنْذر وَهُوَ الْأَصْغَر.

سادسهم: أَخُوهُ عَمْرو بن الْمُنْذر وَهُوَ عَمْرو بن هِنْد. ثمَّ النُّعْمَان بن الْمُنْذر الَّذِي ذكره الْجَوْهَرِي. وَكلهمْ مُلُوك الْحيرَة وَهِي أَرض بِالْكُوفَةِ. وَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا ذكر فَمَا معنى تغريتهما النُّعْمَان بن الْمُنْذر بِالدَّمِ مَعَ كَونهمَا نديمي جذيمة الأبرش.

الثَّانِي: أَن الَّذِي كَانَ لَهُ يَوْم بؤس إِنَّمَا هُوَ الْمُنْذر الْأَكْبَر. وَلم يتَنَبَّه لهَذَا ابْن برّي فِي حَاشِيَته على وَهَذِه قصَّة الغريين من عدَّة طرق أَحدهَا: لِابْنِ حبيب قَالَ فِي كتاب المغتالين:

ص: 270

ومهم عَمْرو بن مَسْعُود وخَالِد بن نَضْلَة الأسديان وَكَانَا يفدان على الْمُنْذر الْأَكْبَر فِي كل سنة)

فيقيمان عِنْده وينادمانه وَكَانَت أَسد وغَطَفَان لايدينون للملوك ويغيرون عَلَيْهِم.

-

فوفدا سنة م السنين فَقَالَ النمنذر لخَالِد يَوْمًا وهم على الشَّرَاب: يَا خَالِد من رَبك فَقَالَ خَالِد: عَمْرو بن مَسْعُود رَبِّي وَرَبك فَأمْسك عَلَيْهِمَا ثمَّ قَالَ لَهما: مَا يَمْنَعكُمَا من الدُّخُول فِي طَاعَتي وَأَن تدنوا مني كَمَا دنت تَمِيم وَرَبِيعَة فَقَالَا: أَبيت اللَّعْن هَذِه الْبِلَاد لَا تلائم مواشينا وَنحن مَعَ هَذَا قريب مِنْك بِهَذَا الرم فَإِذا شِئْت أجبناك.

فَعلم أَنه لَا يدينون لَهُ وَقد سمع من خَالِد الْكَلِمَة الأولى فَأوحى إِلَى الساقي فَسَقَاهُمَا سما فانصرفا من عِنْده بالسكر على خلاف مَا كَانَا ينصرفان فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل أحس حبيب بن خَالِد بِالْأَمر لما رأى من شدَّة سكرهما فَنَادَى خَالِدا فَلم يجبهُ فَقَامَ إِلَيْهِ فحركه فَسقط بعض جسده وَفعل بعمروٍ مثل ذَلِك فَكَانَ حَاله كَحال خَالِد وَأصْبح الْمُنْذر نَادِما على قَتلهمَا.

فغذا عَلَيْهِ حبيب بن خَالِد فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن أسعدك الْأَهْل نديماك وخليلاك تتابعاً فِي سَاعَة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُ: يَا حبيب أَعلَى الْمَوْت تستعديني وهلى ترى إِلَّا ابْن ميت وأخا ميت ثمَّ امْر فحفر لَهما قبران بِظَاهِر الْكُوفَة فدفنا فيهمَا وَبنى عَلَيْهِمَا منارتين فهما الغريان وعقر على كل قبر خمسين فرسا وَخمسين بَعِيرًا وغراهكما بدمائهما وَجعل يَوْم نادمهما يَوْم نعيم ويم دفنهما يَوْم يؤس. هَذَا مَا أوردهُ ابْن حبيب.

وَقَالَ القالي فِي ذيل أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو بكر بن ديري: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن عَمه قَالَ: قَالَ لي عمي: سَمِعت يُونُس بن حبيب يَقُول: كَانَ

ص: 271

الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء جد النُّعْمَان بن الْمُنْذر ينادمه رجلَانِ من الْعَرَب: خَالِد بن المضلل وَعَمْرو بن مَسْعُود الأسديان.

فَشرب لَيْلَة مَعَهُمَا فراجعاه الْكَلَام فأغضباه فَأمر بهماوفجعلا فِي تابوتين ودفنا بِظَاهِر الْكُوفَة فَلَمَّا أصبح سَأَلَ عَنْهُمَا فَأخْبر بذلك فندم وَركب حَتَّى وقف

عَلَيْهِمَا وَأمر بِبِنَاء الغريين وَجعل لنَفسِهِ يَوْمَيْنِ: يَوْم بؤس وَيَوْم نعيم فِي كل عَام فَكَانَ يضع سَرِيره بَينهمَا فَإِذا كَانَ يَوْم نعيمه فَأول من يطلع عَلَيْهِ وَهُوَ على سَرِيره يُعْطِيهِ مائَة من إبل الْمُلُوك وَأول من يطلع عَلَيْهِ فِي بؤسه يُعْطِيهِ رَأس ظريان وَيَأْمُر بدمه فَيذْبَح ويغرى بدمه الغريان. انْتهى.

وَكَذَا روى هَذِه الْحِكَايَة إِسْمَاعِيل بن هبة الله الْموصِلِي فِي كتاب الْأَوَائِل عَن الشَّرْقِي بن الْقطَامِي.)

وَقد رَجَعَ الْمُنْذر عَن هَذِه السّنة السَّيئَة. روى الْموصِلِي فِي أَوَائِله أَن الْمُنْذر اسْتمرّ على ذَلِك زَمَانا حَتَّى مر بِهِ رجل من طَيئ يُقَال لَهُ: حَنْظَلَة بن عفراء فَقَالَ لَهُ: أَبيت اللَّعْن أَتَيْتُك زَائِرًا ولأهلي من خيرك مائراً فلاتكن ميرتهم قَتْلِي.

فَقَالَ: لَا بُد من ذَلِك وسلني حَاجَة قبله أقضها لَك. قَالَ: تؤجلني سنة أرجع فِيهَا إِلَى أهلى وَأحكم أَمرهم ثمَّ أرجع إِلَيْك فِي حكمك. قَالَ: وَمن يتكفل بك حَتَّى تعود فَنظر فِي وُجُوه جُلَسَائِهِ فَعرف مِنْهُم شريك

ص: 272

بن عمروٍ أَبَا الحوفزان بن شريك فَأَنْشَأَ يَقُول: مجزوء الرمل

(يَا شَرِيكا يَا ابْن عَمْرو

هَل من الْمَوْت محاله

)

(يَا أَخا كل مصابٍ

يَا اخا من لَا أَخا لَهُ)

(يَا أَخا شَيبَان فك ال

يَوْم رهنا قد أَنى لَهُ)

(إِن شَيبَان قبيلٌ

أكْرم الله رِجَاله)

(وأبيوك الْخَيْر عمروٌ

وشراحيل الحماله)

(وفتاك الْيَوْم فِي المج

د وَفِي حسن المقاله)

فَوَثَبَ شريك وَقَالَ: ابيت اللَّعْن يَده يَدي وَدَمه دمي إِن لم يعد إِلَى أَجله. فَأَطْلقهُ الْمُنْذر فَلَمَّا كَانَ الْقبل جلس فِي مَجْلِسه وَإِذا ركب قد طلع عَلَيْهِم فتأملوه فَإِذا هُوَ حَنْظَلَة قد أقبل متكفناً متحنطاً مَعَه نادبته وَقد قدمت نادبة شريك تندبه فَلَمَّا رَآهُ الْمُنْذر عجب من وفائهما وكرمهما فأطلقهما وأبطل تِلْكَ السّنة.

وَقد ذكر فِي إبِْطَال الْمُنْذر هَذِه السّنة غير هَذَا وَأوردهُ الْموصِلِي والميداني فِي مثلٍ وَهُوَ: إِن غَدا لناظره قريب

ص: 273