الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
وَالْمَشْهُور الأول.
وَمِمَّا تحكي الْعَرَب عَن الضَّب من أكاذيبهم أَنه إِذا ولد للضب ولد قَالَ: يَا بني اتَّقِ الحرش.
قَالَ: وَمَا الحرش قَالَ: إِذا سَمِعت حَرَكَة بِبَاب الْجُحر فَلَا تخرج.
فَسمع يَوْمًا صَوت فأس يحْفر بِهِ جحرهما فَقَالَ: يَا أَبَت أَهَذا الحرش فَقَالَ: هَذَا أجل من الحرش فَصَارَ مثلا يضْرب لمن يخَاف شَيْئا فَيَقَع فِي أَشد مِنْهُ.
وَإِنَّمَا ضحِكت مِنْهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ لما رَأَتْهُ يصيد الضَّب لِأَنَّهُ صيد العجزة والضعفاء.
وَرَوَاهُ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى كَذَا: تعجبت لما رأتني أحترش وَقَوله: وَلَو حرشت الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب يَعْنِي لَو كنت تصيدين الضَّب لأدخلته فِي فرجك دون فمك إعجاباً بِهِ وإعظاماً للذته.
وَالْحر بِالْكَسْرِ للمهملة: فرج الْمَرْأَة وَأَصله حرح بِسُكُون الرَّاء فحذفت الْحَاء الْأَخِيرَة مِنْهُ وَاسْتعْمل اسْتِعْمَال يدٍ وَدم وَيدل عل أَصله تصغيره وَجمعه فَإِنَّهُ يُقَال: حريح وأحراح.
وَلم أَقف على قَائِله وَلَا على تتمته. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)
وَهُوَ آخر الشواهد:
الطَّوِيل
(
فعيناش عَيناهَا وجيدش جيدها
…
سوى أَن عظم السَّاق منش دَقِيق)
عل أَنه كَانَ الْقيَاس فِي هَذَا الشين المبدلة من كَاف المخاطبة أَن تحذف فِي الدرج لَكِنَّهَا أجريت فِي حَاله الْوَصْل مجْرى حَالَة الْوَقْف.
قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَمن الْعَرَب من يُبدل كَاف الْمُؤَنَّث فِي الْوَقْف شيناً حرصاً على الْبَيَان لِأَن الكسرة الدَّالَّة على التَّأْنِيث فِيهَا تخفى فِي الْوَقْف فاحتاطوا للْبَيَان بِأَن أبدلوها شيناً فَقَالُوا: عليش ومنش ومررت بش. وتحذف فِي الْوَصْل.
وَمِنْهُم من يجر ي الْوَصْل مجْرى الْوَقْف فيبدل مِنْهُ أَيْضا.
وأنشدوا للمجنون: فعيناش عَيناهَا وجيدش جيدها قَالَ الفالي فِي شرح اللّبَاب: وَإِنَّمَا سميت هَذِه اللُّغَة أَعنِي إِلْحَاق الشين بِالْكَاف الكشكشة لِاجْتِمَاع الْكَاف والشين فِيهَا. وَإِنَّمَا كسرت الكافان فِي لفظ الكشكشة لحكاية الْكسر لكَون الْكَاف للمؤنث.
وَمِنْهُم من يفتحهما على حد قَوْلهم فِي التَّعْبِير عَن بِسم الله بالبسملة وَكَذَلِكَ الكسكسة بِالْوَجْهَيْنِ.
قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: حَدثنِي من لَا أحصي من أَصْحَابنَا عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا: من أفْصح النَّاس فَقَامَ رجل من السماط فَقَالَ: قوم تباعدوا عَن فراتيه الْعرَاق وتيمانوا عَن كسشكشة تَمِيم وتياسروا عَن كسكسة بكر لَيْسَ فيهم غمغمة قضاعة وَلَا طمطمانية حمير.
-
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: من أُولَئِكَ فَقَالَ: قَوْمك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: من أَنْت قَالَ: رجل من جرم قَالَ الْأَصْمَعِي: وجرم من فصحاء النَّاس.
قَوْله: تيامنوا عَن كشكشة تَمِيم فَإِن بني
عَمْرو بن تَمِيم إِذا ذكرت كَاف الْمُؤَنَّث فوقفت عَلَيْهَا أبدلت مِنْهَا شَيْئا لقرب الشين من الْكَاف فِي الْمخْرج وَأَنَّهَا مهموسة مثلهَا فأرادوا الْبَيَان فِي الْوَقْف لِأَن فِي الشين تفشياً.)
فَيَقُولُونَ للْمَرْأَة: جعل الله لَك الْبركَة فِي دارش وويحك مالش. فالتي يدرجونها يدعونها كافاً وَالَّتِي يقفون عَلَيْهَا يبدلونها شيناً.
وَأما بكر فتختلف فِي الكسكسة فقوم مِنْهُم يبدلون من الْكَاف سيناً كَمَا فعل التَّمِيمِيُّونَ فِي الشين وهم أقلهم.
وَقوم يبينون حَرَكَة كَاف الْمُؤَنَّث فِي الْوَقْف بالشين فيزيدونها بعْدهَا فَيَقُولُونَ: أعطيتكش.
وَأما الغمغمة فقد تكون من الْكَلَام وَغَيره لِأَنَّهُ صَوت لَا يفهم تقطيع حُرُوفه. والطمطمة: أَن يكون الْكَلَام مشبهاً لكَلَام
الْعَجم. انْتهى.
وَكَذَا أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل.
والسماط بِالْكَسْرِ: الصَّفّ من النَّاس والجانب.
قَالَ ابْن يعِيش قَالَ: جرمٌ بطْنَان من الْعَرَب.
أَحدهمَا: فِي قضاعة وَهِي جرم بن زبان.
وَالْآخر: فِي طَيئ يوصفون بالفصاحة والفراتية: لُغَة أهل الْفُرَات الَّذِي هُوَ نهر أهل الْكُوفَة.
والفراتان: الْفُرَات ودجيل.
ويروى: لخلخانية الْعرَاق واللخلخانية: العجمة فِي الْمنطق يُقَال: رجل
لخلخاني إِذا كَانَ لَا يفصح والغمغمة: أَن لَا يتَبَيَّن الْكَلَام وَأَصله أصوات الثيران عِنْد الذعر وأصوات الْأَبْطَال عِنْد الْقِتَال.
وقضاعة: أَبُو حَيّ فِي الْيمن وَهُوَ قضاعة بن مَالك بن سبأ. والطمطمانية بِضَم الطاءين: أَن يكون الْكَلَام مشبهاً لكَلَام الْعَجم يُقَال: رجل من طمطم بِكَسْر الطاءين أَي: فِي لِسَانه عجمة لَا يفصح. والطمطماني مثله.
وحمير: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وَمِنْهُم كَانَت الْمُلُوك الأول. وصف هَذَا الْجرْمِي قومه بالفصاحة وَعدم اللكنة والتباعد عَن هَذِه اللُّغَات المستهجنة. انْتهى.
وَأورد الحريري فِي درة الغواص هَذَا الْخَبَر عَن الْأَصْمَعِي كَذَا فَقَالَ: قوم تباعدوا عَن عنعنة
تَمِيم وتلتلة بهراء وكشكشة ربيعَة وكسكسة بكر لَيْسَ فيهم غمغمة قضاعة
…
. إِلَخ.
قَالَ: وَأَرَادَ بعنعنة تَمِيم أَن تميماً يبدلون من الْهمزَة عينا كَمَا قَالَ ذُو الرمة: الْبَسِيط)
أعن ترسمت من خرقاء منزلَة يُرِيد: أأن ترسمت. وَأما تلتلة بهراء فيكسرون حُرُوف المضارعة فَيَقُولُونَ: أَنْت تعلم.
-
وحَدثني أحد شيوخي أَن ليلى الأخيلية مِمَّن كَانَت تَتَكَلَّم بِهَذِهِ اللُّغَة وَأَنَّهَا اسْتَأْذَنت ذَات يَوْم على عبد الْملك بن مَرْوَان وبحضرته الشّعبِيّ فَقَالَ لَهُ: أتأذن لي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أَن أضْحكك مِنْهَا قَالَ: افْعَل.
فَلَمَّا اسْتَقر بهَا الْمجْلس قَالَ لَهَا الشّعبِيّ: يَا ليلى مَا بَال قَوْمك لَا يكتنون فَقَالَت لَهُ: وَيحك أما نكتني فَقَالَ: لَا وَالله وَلَو فعلت لاغتسلت. فخجلت عِنْد ذَلِك واستغرب عبد الْملك فِي الضحك. انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ.
وَرَأَيْت فِي أمالي ثَعْلَب: ارْتَفَعت قُرَيْش فِي الفصاحة عَن عنعنة تَمِيم وكشكشة ربيعَة وكسكسة هوَازن وتضجع قيس وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء.
فَأَما عنعنة تَمِيم فَإِن تميماً تَقول فِي مَوضِع أَن: عَن تَقول: عَن عبد الله قَائِم. وَأما تلتلة بهراء فَإِنَّهَا تَقول: تعلمُونَ وتفعلون وتصنعون بِكَسْر أَوَائِل الْحُرُوف.
انْتهى.
رَجعْنَا إِلَى الْبَيْت الشَّاهِد. قَالَ ابْن الْمبرد فِي الْكَامِل. عين الْإِنْسَان مشبهة بِعَين الْبَقَرَة فِي كَلَامهم المنثور وشعرهم المنظوم.
قَالَ الْمَجْنُون:
(فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها
…
وَلَكِن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق)
(فَلم تَرَ عَيْني مثل سربٍ رَأَيْته
…
خرجن علينا من زقاق ابْن وَاقِف)
(طلعن بأعناق الظباء وأعين ال
…
جآذر وامتدت لَهُنَّ الروادف
)
انْتهى.
فَروِيَ الْبَيْت على الأَصْل من غير إِبْدَال وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة. وَكَذَا القالي فِي ذيل أَمَالِيهِ بِسَنَدِهِ قَالَ: كَانَ مَجْنُون بني عَامر فِي بعض مجالسه وَكَانَ يكثر الْوحدَة والتوحش فَمر بِهِ أَخُوهُ وَابْن عَمه قد قنصا ظَبْيَة فَهِيَ مَعَهُمَا فَقَالَ: الْبَسِيط
(يَا أخوي اللَّذين الْيَوْم قد أخذا
…
شبها لليلى بحبلٍ ثمَّ غلاها)
…
(إِنِّي أرى الْيَوْم فِي أعطاف شاتكما
…
مشابها اشبهت ليلى فحلاها))
فامتنعا بهَا مِنْهُ فهم بهما وَكَانَ جلدا قبل مَا أُصِيب بِهِ فخافاه فدفعاها إِلَيْهِ فأرسلها فَوَلَّتْ تَفِر ثمَّ أَقبلت تنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: الطَّوِيل
(أيا شبه ليلى لَا تراعي فإنني
…
لَك الْيَوْم من وحشيةٍ لصديق)
(تَفِر وَقد أطلقتها من وثاقها
…
فَأَنت لليلى إِن شكرت طليق)
(فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها
…
وَلَكِن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق)
انْتهى.
(أرى فِيك من خرقاء يَا ظَبْيَة اللوى
…
مشابه جنبت اعتلاق الحبائل
)
(فعيناك عَيناهَا ولونك لَوْنهَا
…
وجيدك إِلَّا أَنَّهَا غير عاطل)
وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الْمَجْنُون فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَهَذَا آخر الْكَلَام على شرح الشواهد الغزيرة الْفَوَائِد والناظم للنكت الفرائد وَالْحَاوِي للطارف والتالد وَالْجَامِع بَين الشوارد والأوابد وَالْحَمْد لله من البدء إِلَى الختام على توفيق هَذَا النظام والتيسير إِلَى الْإِتْمَام وَالْبُلُوغ إِلَى المرام.
وَأفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام على محمدٍ خير الْأَنَام وَأفضل الرُّسُل
الْكِرَام وَآله السَّادة الْأَعْلَام وَصَحبه قادة الْإِسْلَام على تعاقب اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وترادف الشُّهُور والأعوام.
وَكَانَ ابْتِدَاء التَّأْلِيف بِمصْر المحروسة فِي غرَّة شعْبَان من سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وانتهاؤه فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة تسع وَسبعين فَيكون مُدَّة التَّأْلِيف سِتّ سِنِين مَعَ مَا تخَلّل فِي أَثْنَائِهَا من العطلة بالرحلة فَإِنِّي لما وصلت إِلَى شرح الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الستمائة سَافَرت إِلَى قسطنطينة فِي الثَّامِن عشر من ذِي الْقعدَة من سنة سبع وَسبعين وَلم يتَّفق لي أَن أشرح شَيْئا إِلَى أَن دخلت مصر المحروسة وَفِي الْيَوْم السَّابِع من ربيع الأول من الْعَام الْقَابِل ثمَّ شرعت فِي ربيع الآخر وَقد يسر الله التَّمام وَحسن الختام.
فَلهُ الْحَمد والْمنَّة وأسأله أَن ينفع بِهِ وَأَن يخْتم عَمَلي بِكُل خير ويدرأ عني كل ضير وَأَن يفعل كَذَلِك بِجَمِيعِ أحبائي وَسَائِر أودائي إِنَّه على ذَلِك قدير وبالإجابة جدير.
وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل نعم الْمولى وَنعم النصير.
قَالَه بفمه وزبرة بقلمه مُؤَلفه الْفَقِير إِلَى الله فِي جَمِيع أَحْوَاله:
عبد الْقَادِر بن عمر الْبَغْدَادِيّ لطف الله بِهِ وبأسلافه وَأَوْلَاده وأحبائه وَجَمِيع الْمُسلمين. آمين.