الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الكتاب السادس: في التعادل
(1)
والتراجيح
.
وفيه أبواب:
الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر منعه الكرخي وجوزه قوم، وحينئذ فالتخيير عند القاضي وأبي علي وابنه والتساقط عند بعض الفقهاء، فلو حكم القاضي بإحديهما مرّة لم يحكم بالأخرى لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:"لا تقض في شيء واحد بحكمين مختلفين").
التعادل
(2)
بين القاطعين المتنافيين ممتنع كما ستعرفه إن شاء الله تعالى
(1)
في (غ): تعاديل.
(2)
التعادل: في اللغة التساوي، و (عِدْلُ الشيء) بالكسر مثله من جنسه أو مقداره، قال في المصباح المنير: ص 396 مادة "عدل""والتعادل التساوي، .. والتعديل قسمة الشيء باعتبار القيمة والمنفعة" وينظر: القاموس المحيط: ص 1332، مادة "عدل".
وأما التعارض: لغة التمانع ومنه تعارض البينات؛ لأنّ كل واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها. ينظر: القاموس المحيط: ص 833 مادة "عرض".
والجمهور من الأصوليين دأبوا على استعمال التعادل بمعنى التعارض في نفس المعنى، حيث لا تعادل إلَّا بعد التعارض. فالأدلة إذا تعارضت ولم يكن لبعضها مزية على البعض الآخر فهو التعادل، أي التكافؤ والتساوي.
لكنّ شارح الكوكب المنير الفتوحي من الحنابلة يرى التفريق بين التعادل والتعارض حيث يقول: "وأما التعارض فهو تقابل دليلين ولو عامين في الأصح على سبيل الممانعة، وذلك إذا كان أحد الدليلين يدل على الجواز والدليل الآخر يدل على المنع، فدليل الجواز يمنع التحريم، ودليل التحريم يمنع الجواز، فكل منهما مقابل الآخر، ومعارض له، ومانع له. . . وأما التعادل فهو التساوي"(شرح الكوكب المنير: 4/ 605 - 606). =
عقليين كانا أو نقليين، وكذلك بين القطعي والظني لتقدم القطعي
(1)
.
وأما التعادل بين الأمارتين في الأذهان فصحيح، وأمّا في نفس الأمر، فمنعه الكرخي
(2)
والإمام أحمد
(3)
وجمعٌ من فقهائنا
(4)
.
وجوزه الباقون
(5)
. هذا هو النقل المشهور.
= وينظر في تعريف التعادل: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 505، والروضة: 3/ 1029، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 432، وجمع الجوامع مع حاشية البناني: 2/ 382، وفواتح الرحموت: 2/ 189.
(1)
ينظر: المستصفى للغزالي: 2/ 393، والإحكام للآمدي: 4/ 320، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 298، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 432، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3616.
ويرى الكمال بن الهمام من الحنفية جواز التعارض بين الدليلين القاطعين؛ لأن التعارض بينهما، إنما يكون في الظاهر فقط، وحينئذ يكون أحدهما محمولًا على غير ما حمل عليه الآخر، أو أنّ أحدهما ناسخًا، والآخر منسوخًا، وقالوا: إنّ إجازة التعارض في الظنيين فقط، ومنعه بين القطعيين تحكم. ينظر: تيسير التحرير: 3/ 136، ومسلم الثبوت: 2/ 189.
(2)
وحكاه الإسفراييني عن أصحابه، وصححه السبكي في جمع الجوامع، كما حكاه ابن عقيل عن أكثر الفقهاء ينظر: كشف الأسرار: 4/ 77، وفواتح الرحموت: 2/ 189، وجمع الجوامع مع حاشية البناني: 2/ 359، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 506، وتيسير التحرير: 3/ 136.
(3)
ينظر: المسودة: ص 448.
(4)
ينظر: التبصرة للشيرازي: ص 510، والمستصفى للغزالي: 2/ 392 - 394، والإحكام للآمدي: 4/ 320، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 434، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3617.
(5)
وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني والجبائي وابنه ونسبه الآمدي إلى أكثر الفقهاء. ينظر: المستصفى للغزالي: 2/ 392 - 394، والإحكام للآمدي: 4/ 321.
وكلام الغزالي يدلّ على أنّ من قال: المصيب واحد، لم يجوز تعادل الأمارتين، وأنّ الخلاف بين المصوّبة، حيث قال: إذا تعارض دليلان عند المجتهد فالمصوبة يقولون: هذا لعجزه وإلا فليس في أدلة الشرع تعارض انتهى
(1)
.
واختار الإمام أن تعادل الأمارتين في حكمين متنافيين
(2)
، والفعل واحد ككون الفعل الواحد واجبًا وحرامًا جائزٌ في الجملة، غير واقعٍ شرعًا، أي غير جائز الوقوع شرعًا
(3)
.
يظهر ذلك بتأمل كلامه وأنّ تعادلهما في فعلين متنافيين والحكم واحد جائز
(4)
كوجوب التوجه إلى جهتين قد غلب على الظنّ أنّهما جهتا القبلة
(5)
.
وقد احتج مَنْ مَنَعَ مِنْ تَعَادل الأمارتين مطلقًا، بأنّه لو وقع فإمَّا أنْ يعمل بهما، وهو جمع بين المتنافيين أو لا يعمل بواحد منهما، فيكون وضعهما عبثًا، أو يعمل بأحدهما على التعيين وهو ترجيح من غير مرجح أو لا على التعيين، بل على التخيير والتخيير بين المباح وغيره يقتضي ترجيح أمارة الإباحة بعينها؛ لأنّه لما جاز له الفعل
(1)
ينظر المستصفى: 2/ 392.
(2)
في (غ): متناقضين.
(3)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 507.
(4)
(جائز) ساقط من (ت).
(5)
ينظر: المصدر السابق: ج 2/ ق 2/ 507.
والترك مع أنَّه لا معنى للإباحة إلا ذلك، لزم أنْ يكون ذلك الفعل مباحًا له فيكون ترجيحًا لأحد
(1)
الأمارتين بعينها وقد وضح فساده
(2)
.
وأجيب: بأنه لم لا يجوز أنْ يعمل بأحدهما على التعيين؟
(3)
.
قوله: ذلك ترجيح لأمارة الإباحة بعينها.
قلنا: ممنوع وهذا لأنَّ الإباحة هي التخيير بين الفعل والترك مطلقًا لا التخيير بينهما بناءً على الدليلين اللذين يدلّ أحدهما على الإباحة والآخر على الحظر، إذ يجوز أنْ يقول الشارع للمكلف أنت مخير في الأخذ بأمارة الإباحة أو بأمارة الحظر إلا أنك متى أخذت بأمارة الإباحة فقد أبحت لك الفعل أو بالحظر فقد حرمت منه
(4)
وتصرح له بأن الفعل على أحد التقديرين إباحة وعلى الآخر حرام. ولو كان ذلك إباحة
(5)
للفعل لما جاز ذلك، ويؤكده أنَّه يجب عليه اعتقاد كلّ منهما على تقدير الأخذ بأمارته فلو كان ترجيحًا لأمارة الاباحة لما اختلف وجوب الاعتقاد.
(1)
في (ص): لأخذ.
(2)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 507 - 508، والإحكام للآمدي: 4/ 323، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 298.
وينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3619 - 3620.
(3)
ينظر هذه الإجابة في: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3620.
(4)
في (ص): حرمته.
(5)
(إباحة) ليس في (ص).
ومثاله في الشرع: أنّ المسافر مخير بين أنْ يصلي أربعًا فرضًا وبين أنْ يترك ركعتين، ولا يقال: لما خير بين فعل الركعتين وتركهما كانتا مباحتين وكذلك الصلاة المعادة على الوجه الذاهب إلى أنها فرض
(1)
.
وفي الدليل وجوابه مواقف أخر لا نطول بذكرها.
واحتج من جوز تعادل الأمارتين في نفس الأمر.
بالقياس على التعادل في الذهن.
وبأنّه لو امتنع لم يكن امتناعه لذاته إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال أو لدليل والأصل عدمه.
وأجيب عن الأول بأنّ التعادل الذهني لا يمنع إمكان التوصل فيه إلى رجحان إحدى الأمارتين فلا يكون نصبهما عبثًا.
وعن الثاني: بأنّه إثبات للجواز بعدم ما يدل على الفساد، وليس أولى من عكسه وهو إثبات الفساد بعدم ما يدل على الجواز
(2)
.
وأما اختيار الإمام فعليه كلام طويل
(3)
ولا نرى الاشتغال بذكره لأن صاحب الكتاب أهمل حكايته؛ واقتصر في المسألة كلّها عن مجرد حكاية المذاهب فلنتبعه في الاختصار.
(1)
ينظر هذا الإجابة في: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3620 - 3621.
(2)
ينظر أدلة المجوزين والإجابة عنها: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3628 - 3629.
(3)
لكن صاحب النهاية ذكره على طوله وأجاب عنه. ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3629 - 3631.
قوله: "وحينئذ" أي إذا قلنا بتجويز تعادل الأمارتين في نفس الأمر وتعادلهما
(1)
.
فذهب القاضي أبو بكر وأبو علي وابنه أبو هاشم إلى التخيير
(2)
فيعمل المجتهد في شأنه بما شاء ويخير العامي في الاستفتاء، ويختار أحد الأمرين في الحكم للمتخاصمين ولا يخيرهما درءًا للتخاصم.
وذهب قوم إلى أنّ حكمه التساقط كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى البراءة الأصلية
(3)
.
وقال قوم إنْ وقع هذا التعادل بالنسبة إلى الواجبات بالتخيير إذ لا يمتنع التخيير في الشرع بين الواجبات
(4)
.
كما أنّ من ملك مائتين من الإبل يجب عليه أنْ يخرج ما شاء من الحقائق
(5)
وبنات اللبون
(6)
عند من يجعل الخيرة للمالك من
(1)
في (ت): وتعادلا.
(2)
ينظر: المستصفى للغزالي: 2/ 395، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 506.
(3)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 506، وتيسير التحرير: 3/ 136، وكشف الأسرار: 4/ 76، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص 197.
(4)
ينظر: المستصفى للغزالي: 2/ 380، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 517 - 518، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3630 - 3631.
(5)
الحقاق: جمع حقة وهي من الإبل الداخلة في الرابعة، سميت بذلك لأنها استحقت أن تركب، أو استحقت الضراب. القاموس المحيط "حقق" ص 1130.
(6)
وابن اللبون أو بنت اللبون، ولد الناقة إذا كان كان في العام الثاني، واستكمله، أو إذا دخل في الثالث. القاموس المحيط مادة "لبن" ص 1586.
أصحابنا
(1)
.
ومن دخل الكعبة استقبل ما شاء من جدرانها
(2)
.
وإن وقع بالنسبة إلى حكمين متنافيين
(3)
كالإباحة والتحريم فحكمه التساقط والرجوع إلى البراءة الأصلية
(4)
.
قوله: "فلو حكم" أي إذا اختار القاضي إحدى الأمارتين وحكم بها لم يكن له أنْ يحكم بالأخرى.
(1)
لقوله صلى الله عليه وسلم في زكاة الإبل: "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة" فمن ملك مائتين فقد ملك أربع خمسينات، وخمس أربعينات، فإن أخرج الحقاق فقد أدّى الواجب إذ عمل بقوله صلى الله عليه وسلم:"في كل خمسين حقة" وإن أخرج بنات اللبون فقد عمل بالحديث الآخر وليس أحدهما بأولى من الآخر فتخير بينهما. أفاده الصفي الهندي في النهاية: 8/ 3630.
وقال الرافعي في العزيز: "فقد روينا في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة" فما الواجب فيها؟ نص في الجديد على أنّ الواجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون. وفي القديم على أنه يجب أربع حقاق واختلفوا على طريقين. ." العزيز شرح الوجيز: 2/ 481.
والحديث: أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة: 1/ 358، والترمذي في أبواب الزكاة باب في زكاة الإبل والغنم. وقال حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء. 2/ 66، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزكاة، باب صدقة الابل: 1/ 330.
(2)
قال الغزالي في الوسيط: 2/ 71 "جوف الكعبة: فالواقف فيها له أن يستقبل أي جدار شاء". وينظر: العزيز شرح الوجيز: 1/ 441.
(3)
في (ت): متناقضين.
(4)
ينظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 298، وشرح تنقيح الفصول: ص 417، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3629.
وقد استدل على ذلك بما روي أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: "لا تقض في شيء واحد بحكمين مختلفين"
(1)
وهذا الحديث لا أعرفه وقد سألت عنه شيخنا الذهبي فلم يعرفه
(2)
.
ولا يكاد المجتهد يحيط علمًا بتعادل الأمارتين في نفس الأمر ويخير المسافر في الركعتين، وكونهما مع جواز تركهما يقعان على وجه الوجوب، إنما هو في ظنّ المجتهد ومن أين لنا أنّ الحال في نفس الأمر كذلك؟ .
فمن يوجب القصر من العلماء لا يجوز فعلهما، ومن لا يوجبه لا يقطع بوقوعه على وجه الوجوب، إذ القطع
(3)
بوقوعه على وجه الوجوب، فرع كونه جائز الوقوع. وكذا القول في الصلاة المعادة.
وقد يعلل ما ادعاه المصنف في الحاكم بأنه لو حكم بخلافه مرّة أخرى لاتُّهِم، والحاكم يتوقى مظانّ التُّهَم، ويجري مثل هذا في
(1)
هكذا في كتب الأصول عن أبي بكر، والصواب عن أبي بكرة، نفيع بن الحارث كما رواه النسائي بلفظ:"لا يَقْضِيَنَّ أحدٌ في قضاءٍ بقضاءين مختلفين، ولا يقض أحد بين خصمين وهو غضبان" كتاب آداب القضاء (49) باب النهي عن أن يقضي في قضاءين مختلفين (32) رقم الحديث (4523) 8/ 347، ورواه الدارقطني: 4/ 205، وإرواء الغليل: 8/ 253.
وذكر الزركشي حكاية عن الذهبي كحكاية الشارح السبكي قال ذكر الذهبي وغيره قالوا: إنه غير معروف.
(2)
هذا هو الموضع الثاني الذي يذكر فيه شيخه الذهبي ويسأله فيه عن درجة الحديث.
(3)
في (ت): النطوع.