الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه
(1)
- ألَيْسَ يصدق صدورَ الخطأ المضاد لمنصب النبوة؟ ولقد يلزمك على هذا محال من الهذيان
(2)
، وهو أنْ يكون بعض المجتهدين في حالة إصابته أكمل من المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة - معاذ الله - أنْ يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك.
وأنا قد اقتصرت على ما ذكرت تطهيرا لكتابي من البحث مع هذا القائل، ووفاء بحقّ الشرح، وإلّا فيعزّ علينا أن نفوه فيه أو نثني نحوه عطفًا
(3)
.
قال:
(الثانية يجوز للغائبين عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفاقًا وللحاضرين أيضًا إذ لا يمتنع أمرهم به
.
(1)
والقول الثاني: وهو الجواز لكن بشرط أن لا يقرّ عليه. وهو مذهب الأكثرية من الحنابلة والحنفية وأصحاب الحديث، وجماعة من المعتزلة، واختاره الآمدي وابن الحاجب: ينظر هذا القول وأدلته في: التبصرة: ص 524، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 22، والإحكام للآمدي: 4/ 290 - 291، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 303، والمسودة: ص 905، وتيسير التحرير: 4/ 190، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3811، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 537.
(2)
الهذيان: من هَذَى يَهْذِي هذْيًا، وهَذَيَانًا، تكلم بغير معقول لمرض أو غيره، والاسم كدعاء، ورجل هذَّاء وهذّاءة كثيره. ينظر: القاموس المحيط: ص 1734، مادة "هذى".
(3)
تراجع أدلة المجيزين: في التبصرة: ص 24، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 34، والإحكام للآمدي: 4/ 291 - 292، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 303، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 538، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3813 - 3815.
قيل: عرضة للخطأ.
قلنا: لا نسلم بعد الإذن).
اتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأمّا في عصره فقد اختلفوا فيه:
فمنهم من جوزه مطلقًا، وهو المختار عند الأكثرين منهم الإمام وصاحب الكتاب
(1)
.
ومنهم من منع منه مطلقًا
(2)
.
وقالت طائفة: يجوز للغائبين عن الرسول صلى الله عليه وسلم من القضاة والولاة دون الحاضرين
(3)
.
(1)
وهو مذهب معظم الأصوليين، واختاره الإمام والبيضاوي والصفي الهندي والآمدي وابن الحاجب.
ينظر: التبصرة: ص 519، والمستصفى للغزالي: 2/ 354، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 25، والروضة: 3/ 965، والإحكام للآمدي: 4/ 235 - 236، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 292، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 538، والمسودة: ص 511، وفواتح الرحموت: 2/ 374.
(2)
وهو مذهب أبي علي الجبائي وأبي هاشم. ينظر: المعتمد: 2/ 722، والتبصرة: ص 519، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 26، والإحكام للآمدي: 4/ 236.
(3)
وهو اختيار الغزالي، وابن الصباغ وإليه مال إمام الحرمين. ينظر: البرهان للجويني: 2/ 1355، والمستصفى للغزالي: 2/ 354، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 25، والإحكام للآمدي: 4/ 236، وشرح العبر للمنهاج: ص 664، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 538، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3816.
وجوزه آخرون للغائبين مطلقًا دون الحاضرين
(1)
.
ومنهم من قال: يجوز إن لم يوجد في
(2)
ذلك منع.
قال صفي الدّين الهندي وهذا ليس بمرضي؛ لأنَّ ما بعده أيضًا كذلك فلم يكن له خصوصية بزمانه صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ومنهم من قال إن ورد الإذن بذلك جاز وإلا فلا
(4)
.
ثمّ من هؤلاء من نزّل السكوت عن
(5)
المنع منه مع العلم بوقوعه منزلة الإذن
(6)
.
ومنهم من اشترط صريح الإذن
(7)
.
هذه جملة المذاهب في المسألة، وبه يعلم أنّ دعوى المصنف الاتفاق على جوازه للغائبين ليس بجيد
(8)
.
(1)
أيّد هذا القول الغزالي في المنخول: ص 468. وإن كانت عبارته لا تفيد التفريق بين القاضي وغيره.
(2)
في (ص): مع.
(3)
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3817.
(4)
ينظر: المصدر نفسه.
(5)
في (غ): على المنع.
(6)
ينظر: التبصرة: ص 519، والمستصفى للغزالي: 2/ 354، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 26، الإحكام للآمدي: 4/ 236، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3817، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 539.
(7)
ينظر: المصادر نفسها.
(8)
وهذا من مواطن الاعتراض من الشارح على المصنف.
واحتج المصنف على الجواز بأنّه لا يمتنع أنْ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد أوحي إليَّ أنّك مأمورٌ بأنْ تجتهدَ أو بأنْ تعملَ على وِفْقِ ظنّك.
واحتج المانعون بأنّ الاجتهاد في معرض الخطأ والنّص آمن منه وسلوك السبيل المخوف مع القدرة على سلوك السبيل الآمن قبيح عقلًا.
وأجاب عنه تبعا للإمام: بأنّ الشَّرع لا قال له: أنت مأمورٌ بأنْ تجتهد، وتعمل على وفق ظنّك كان آمنا من الغلط؛ لأنّه بعد الاجتهاد يكون آتيًا بما أمر به وهو ضعيف، فإنّ الإذن في الاجتهاد لا يمنع وقوع الخطأ فيه.
وقد يقال: في تقرير الجواب إنَّه بالأمر صارَ آمنًا من الخطأ بفعل الاجتهاد أي يكون فعله الاجتهادَ صوابًا لا أنَّه يأمن من تأدية الاجتهاد إلى الخطأ. وإذا كان الإقدام على الاجتهاد صوابًا فلا عليه أنْ يخطئ بعد إتيانه بما أمر به.
وأجيب عنه أيضًا: بأنّا لا نسلم أنَّه قادر على التوصل إلى النّص؛ وذلك لأنَّ ورود النّص ليس باختياره ومسألته بل جاز أنْ يسأل عن القضية ولا يرد فيها نصّ بل يؤمر بالعمل فيها بالظنّ ولا يمكنكم نفي هذا الاحتمال إلا إذا أثبتم نفي جواز الاجتهاد، فبيان نفي جواز الاجتهاد بناءً على نفي هذا الاحتمال دور.
واعلم أنّ الإمام قال: الخوض في هذه المسألة قليل الفائدة؛ لأنّه لا ثمرة له في الفقه.
وهذا فيه نظر إذ ينبني على هذا الأصل مسائل:
- منها إذا شكّ في نجاسة أحدِ الإناءين ومعه ماءٌ طاهر بيقين، أو الثوبين ومعه آخر طاهر بيقين، أو ماء يغسل به أحدهما، ففي جواز الاجتهاد له بين الإناءين والثوبين وجهان أصحهما أنَّه يجتهد
(1)
.
- وكذلك إذا غاب عن القبلة فإنّه لا يعتمد على خبر من أخبره عن علمٍ ولا على الاجتهاد إلَّا إذا لم يقدر على معرفة القبلة يقينًا، وكذلك حكى الأصحاب وجهين في المصلي إذا استقبل حِجْر الكعبة وحده وقالوا: الأصحّ المنع؛ لأنَّ كونه من البيت غير مقطوع به، وإنما هو مجتهد فيه فلا يجوز العدول عن اليقين إليه
(2)
.
قال: (ولم يثبت وقوعه)
هذا عائد إلى اجتهاد الحاضر الذي جعله المصنف محلّ الخلاف.
وقد ذهب الأكثرون إلى ما قاله المصنف من التوقف
(3)
.
(1)
ينظر: الوسيط للغزالي: 2/ 146.
(2)
قال النووي في روضة الطالبين: 1/ 217 "اعلم أن القادر على يقين القبلة لا يجوز له الاجتهاد وفي من استقبل حجر الكعبة مع تمكنه منها وجهان: الأصح المنع لأن كونه من البيت غير مقطوع به بل هو مظنون ثم اليقين قد يحصل بالمعاينة وبغيرها كالناشئ بمكة العارف يقينا بأمارات وكما لا يجوز الاجتهاد مع القدرة على اليقين لا يجوز اعتماد قول غيره، وأما غير القادر على اليقين فإن وجد من يخبره بالقبلة عن علم اعتمده ولم يجتهد بشرط عدالة الخبر يستوي فيه الرجل والمرأة والعبد".
(3)
أي في حق من حضر وهذا اختيار القاضي عبد الجبار. ينظر: المعتمد: 2/ 722، والإحكام للآمدي: 4/ 322.
ومنهم من قال بوقوعه
(1)
.
ومنهم من نفاه
(2)
. وهذا في حقّ الحاضرين.
وأما الغائبون.
فمنهم من ذهب إلى وقوع التعبد به في حقهم
(3)
.
ومنهم من منعه
(4)
.
(1)
وهو مذهب الآمدي وابن الحاجب، وقد نسب الإسنوي هذا القول إلى الغزالي، ولكن الإمام الغزالي يصرح في المستصفى للغزالي: 2/ 355 بقوله: "فالصحيح أنه قام الدليل على وقوعه في غيبته بدليل قصة معاذ فأما في حضرته فلم يقم فيه دليل". ينظر: الإحكام للآمدي: 4/ 236، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 541 - 542.
(2)
وهو ما ذهب إليه أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم على المشهور، وإن كان الآمدي قد نقل عنهما التوقف، والحق أن أبا علي توقف في الغائب وقطع هو وابنه في حق الحاضر إذا أمكنه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الغائب إذا أمكنه مراسلة الرسول عليه الصلاة والسلام. ينظر: المعتمد: 2/ 722، والإحكام للآمدي: 4/ 322، وفواتح الرحموت: 2/ 375.
(3)
ونسبه صاحب مسلم الثبوت إلى الأكثر. وينظر: البرهان للجويني: 2/ 1355، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 25، وشرح تنقيح الفصول: ص 436، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 292، والمسودة: ص 511، وفواتح الرحموت: 2/ 375. ومستندهم خبر معاذ لما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن الذي سبق تخريجه.
(4)
أي المنع مطلقًا إلا لضرورة مانعة من السؤال كالغائب البعيد أو للإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم وذهب إلى هذا صاحب مسلم الثبوت. فالأصل عنده المنع ويستثنى من ذلك =
وتوقفت فرقة ثالثة
(1)
.
واحتج من قال بالوقوع في الحاضر والغائب؛ بقول الصديق رضي الله عنه لأبي قتادة
(2)
حيث قتل رجلا من المشركين فأخذ غيره سلَبه: "لاها الله
(3)
، إذًا لا نعمد إلى أسَدٍ من أسود الله يقاتل عن الله ورسوله فنعطيك
= حالان: أولهما الغائب البعيد فيجوز له الاجتهاد مطلقًا، وقد وقع بدليل قصة معاذ. وثانيها الحاضر بعد إذن الرسول صلى الله عليه وسلم له بالاجتهاد كقصة سعد بن معاذ. ينظر: فواتح الرحموت: 2/ 375.
(1)
أي توقف في ذلك بالنسبة إلى الفريقين أي الحاضرين والغائبين. ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3817.
(2)
هو الحارث بن ربعي بن بُلْدُمة أبو قتادة الأنصاريّ الخزرجيّ السلمي، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف في شهوده بدرًا، وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد، توفي سنة 45 هـ وقيل قبل ذلك سنة 40 هـ. ينظر ترجمته في: الاستيعاب: 4/ 1731 - 1732 رقم (3130)، وأسد الغابة: 6/ 250 - 251 رقم (6166)، والإصابة: 7/ 327 - 329 رقم (10405).
(3)
قول أبي بكر الصديق "لاها الله، إذن لا يعمد إلى أسد من أسود الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه" قال ابن حجر في فتح الباري: 8/ 47 - 56 "فأما لاها الله فقال الجوهري: ها للتنبيه وقد يُقْسم بها يقال: لاها الله ما فعلت كذا. قال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن، قال: وفي النطق بها أربعة أوجه: أحدها ها الله باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين، ثانيها: مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز كقولهم: التقتا حلقتا البطان، ثالثها: ثبوت الألفين بهمزة القطع، رابعها: بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلامه. والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث والأول. وقال أبو حاتم السجستاني: العرب تقول: =
سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق"
(1)
.
فإنّ الصديق رضي الله عنه قال ذلك اجتهادًا وإلّا لأسنده إلى النّص؛ لكونه أدعى إلى الانقياد وقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فإذا جاز في حقّ الحاضر جاز بطريق أولى في حق الغائب.
ويخصّ الغائب حديث معاذ
(2)
المذكور في كتاب القياس.
وأجيب عنهما: بأنّهما أخبار آحاد والمسألة علمية، وقول الغزالي هذا حديث معاذ مشهور قبلته الأمّة
(3)
أخذه من إمام الحرمين
(4)
، وإمام الحرمين تلقاه من القاضي فإنّه قال في التقريب: إنّ الأمّة تلقته بالقبول
(5)
. وليس بجيد لما عرفت في كتاب
= لاهأ الله ذا بالهمز، والقياس ترك الهمز، وحكى ابن التين عن الداودي أنه روي برفع الله، قال: والمعنى يأبى الله. وقال غيره: إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه والله مبتدأ ولا يعمد خبره انتهى. ولا يخفى تكلفه. وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره. . ." اهـ كلامه.
(1)
الحديث سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
قال الغزالي في المستصفى 2/ 254 "وهذا حديث تلقته الأمة بالقبول ولم يظهر أحد فيه طعنًا وإنكارًا وما كان كذلك فلا يقدح فيه كونه مرسلًا بل لا يجب البحث عن إسناده".
(4)
ينظر البرهان 2/ 772 - 773.
(5)
قال في التلخيص للجويني: 3/ 211 "وهذا حديث متلقى بالقبول، صريح في إثبات القياس".