الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد
.
اختلف في تصويب المجتهدين في مسائل الفروع بناءً على الخلاف في أنّ لكلّ صورة حكمًا معينًا، وعليه دليل
(1)
قطعي أو ظني.
والمختار ما صحّ عن الشافعي رضي الله عنه: أنّ في الحادثة حكمًا معينًا وعليه أمارة من وجدها أصاب، ومن فقدها أخطأ ولم يأثم).
المسألة عظيمة الخطب، وقد اختصر المصنف القول فيها، فلنتوسط فيما نورده، ثمّ نلتفت
(2)
إلى ما ذكره
(3)
. فنقول: في المسألة أبحاث:
أولها: ذهب طوائف المسلمين على طبقاتهم إلى أنَّه: ليس كلُّ مجتهدٍ في الأصول مصيبًا
، وأنّ الإثمَ غيرُ محطوطٍ عنه إذا لم يصادف ما هو الواقع،
(1)
(دليل) ليس في (ص).
(2)
(نلتفت) ليس في (غ).
(3)
هذه المسألة معقودة للمُجتَهَد فيه. والمجتهد فيه هو الحكم الشرعي الذي لا يعدو أن يكون أصوليًا اعتقاديًا، أو فرعيًا عمليًّا. وهذا الأخير إما أن يكون من ضروريات الدّين أو لا؟ فأمَّا الأحكام الشرعية الأصولية الاعتمادية، كإثبات الوحدانية والصِّفات، وما يجري مجراها، وكذا الأحكام الشرعية الضرورية، كأركان الإسلام من وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج والمسألة الإجمالية الجلية فلا يجتهد فيه ألْبَتَة. ولا يلتفت للخلاف فيها. وغير هذين القسمين فهو المجتهد فيه. وهنا وقع خلاف العلماء في تصويب المجتهد.
وإنْ بالغ في الاجتهاد والنظر.
سواءً كان مدركُه عقليًا، كحدوثِ العالمَ، وخلقِ الأعمال.
أو شرعيًا لا يعلم إلا بالشرعِ، كعذابِ القبرِ والحشرِ.
ولا يعلم خلافٌ بين المسلمين في ذلك
(1)
.
إلَّا ما نقل عن الجاحظ
(2)
وعبيد الله بن الحسين العنبري
(3)
أنهما قالا: بالتصويب في الأصول.
(1)
ينظر مذاهب الجماهير: المعتمد: 2/ 988، والتبصرة: ص 496، والقواطع للسمعاني: 5/ 11، والمستصفى للغزالي: 2/ 357، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 3/ 42، والإحكام للآمدي: 4/ 221، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 293، والمسودة: 495، وتيسير التحرير: 4/ 195، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3837.
(2)
هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي المعروف بالجاحظ البصري، المولود سنة 163 هـ، العالم المشهور، وهو من أشهر الأذكياء، ومن أئمة اللغة والأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. له تصانيف كثيرة منها: كتاب الحيوان، والبيان والتبيين، والبخلاء، والعرجان والبرصان والقرعان، وتوفي سنة 255 هـ.
ينظر ترجمته في: تاريخ بغداد: 12/ 212 رقم (6669)، ومعجم الأدباء: 6/ 56، بغية الوعاة: 2/ 228.
(3)
هو عبيد الله بن الحسن العنبري، البصري، قاضي القضاة، كانت ولادته عام 100 هـ وتوفي عام 168 هـ. ثقة فقيه لكن عابوا عليه تكافؤ الأدلة [وهي قوله: كل مجتهد مصيب في أصول الدين] وهي ما نحن بصدده. ينظر ترجمته في: تاريخ بغداد: 10/ 306 رقم (5456)، وتقريب التهذيب: ص 370 رقم (4283).
قال ابن السمعاني: وكان العنبري يقول في مثبتي القدر: هؤلاء عظّموا الله، وفي نافي القدر: هؤلاء نزَّهوا الله
(1)
.
ومنهم: من لم ينقل عن الجاحظ التصويب، بل نفي الإثم والحرج فقط
(2)
.
والقاضي في مختصر التقريب اقتصر على النقل عن العنبري ثم قال: واختلفت الرواية عنه، فقال في أشهر الروايتين: إنما أصوِّبُ كلّ مجتهد في الدّين لجمعهم الملّة، فأمّا الكفرة فلا يصوبون.
وغلا بعض الرواة عنه فصوب الكافة من المجتهدين دون الراكنين إلى الدّعة
(3)
.
ونحن نتكلم معهما على سبيل الاختصار فنقول:
(1)
ينظر: قواطع الأدلة لابن السمعاني: 5/ 11.
(2)
ينظر: قواطع الأدلة لابن السمعاني أيضًا: 5/ 11 - 12، فقد حكى ذلك بصيغة التضعيف فقال:"وقد قيل: إنّ هذا القول منه في أصول الديانات التي يختلف فيها أهل القبلة، ويرجع المخالفون فيها إلى آيات وآثار محتملة للتأويل كالرؤية وخلق الأعمال، وما أشبه ذلك، وأما ما اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل كاليهود والنصارى والمجوس فإن هذا الموضع نقطع بأن الحق فيما يقوله أهل الإسلام. وينبغي أن يكون التأويل على هذا الوجه؛ لأنا لا نظن أن أحدًا من هذه الأمة لا يقطع بتضليل اليهود والنصارى والمجوس. . ." وقال الزركشي في تشنيف المسامع: 4/ 585: "ثم اختلف النقل عنهم [أي الجاحظ والعنبري] فمنهم من أطلق ذلك فشمل سائر الكفار والضلال، ومنهم من شرط الإسلام، وهذا هو اللائق بهما".
(3)
التلخيص للجويني: 3/ 335.