الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(السادس بالحكم
فيرجح المبقي لحكم الأصل؛ لأنَّه لو لم يتأخر عن الناقل لم يفد، والمحرم على المبيح لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال" وللاحتياط ويعادل الموجب ومثبت الطلاق والعتاق لأنَّ الأصل عدم القيد ونافي الحدّ لأنّه ضرر
(1)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات").
الترجيح بحسب الحكم على وجوه:
الأول: إذا كان أحد الخبرين مقررًا لحكم الأصل والثاني ناقلًا.
فالجمهور على أنَّه يجب ترجيح الناقل
(2)
.
وذهب بعضهم واختاره الإمام وبه جزم المصنف: أنَّه يجب ترجيح المقرر
(3)
.
مثاله: خبر من روى عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ"
(4)
، وخبر من روى قوله صلى الله عليه وسلم:"هل هو إلا بضعة منك"
(5)
فإنَّ الأوّل ناقل عن
(1)
في (ت): هدر.
(2)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 579، والمسودة: ص 314، وشرح تنقيح الفصول: ص 424، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3718.
(3)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 579، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 501.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
رواه أحمد في مسنده: 4/ 22 رقم (1632)، وابن حبان في صحيحه: 3/ 403 رقم (1120)، والدارقطني في سننه: 1/ 149 رقم (18) وشرح معاني الآثار: 1/ 79.
حكم الأصل والثاني مقرر.
وكذلك خبر من روى: "أفطر الحاجم والمحجوم"
(1)
مع من روى أنَّه صلى الله عليه وسلم "احتجم وهو صائم"
(2)
.
واحتج المصنف على ما ذهب إليه، بأنّ حملَ الحديثِ على ما لا يستفاد إلَّا من الشرع أولى من حمله على ما يستقل العقل بمعرفته، فلو جعلنا المبقي
(3)
متقدّما على الناقل، لكان واردًا حيث لا يحتاج إليه؛ لأنَّا في ذلك الوقت نعرف ذلك بالعقل، ولو قلنا إنّ المبقي
(4)
ورد بعد الناقل لكان واردًا حيث يحتاج إليه فكان الحكم بتأخره أولى من الحكم بتقدمه عليه هذا تقريره.
(1)
أخرجه الشافعي في المسند: 1/ 255، كتاب الصوم، باب فيما يفسد الصوم وما لا يفسد، رقم (685، وعبد الرزاق في المصنف: 4/ 209، كتاب الصيام، باب الحجامة للصائم، رقم (7520)، وأحمد في المسند: 4/ 123، 124، 125، والدارمي في السنن: 2/ 14، كتاب الصوم، باب الحجامة تفطر الصائم، وأبو داود في سننه: 2/ 772، كتاب الصوم (8) باب في الصائم يحتجم (28)، رقم (2369)، وابن ماجه في السنن: 1/ 537، كتاب الصيام (7)، باب ما جاء في الحجامة للصائم (18)، رقم (1681)، والبيهقي في السنن الكبرى: 4/ 440 كتاب الصيام، باب الحديث الذي روى في الإفطار بالحجامة (82). رقم (8276).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه: ص 368 في كتاب الصوم (30) باب الحجامة والقيء للصائم (32) رقم (1938 - 1939).
(3)
في (غ)، (ت): المنفي.
(4)
في (ت): النفي.
وحاصله أنَّه يختار تقدم الناقل وتأخر المقرر لكونه متضمنا للعمل بالخبرين بالناقل في زمان، وبالمقرر بعد ذلك، فإن كانت الصورة هكذا، وهي أنَّه يقرر حكم الناقل مدّة في الشرع عند المجتهد، وعمل بموجبه، ثمّ نقل له المقرر في الشرع، ولم يعلم التاريخ فما ذكره من الاحتجاج والترجيح ظاهر
(1)
.
قال النقشواني: لكن ليست هذه الصورة بالتي فرض الخلاف فيها ولا يظن بهم المخالفة في ذلك وأمّا إن كانت الصورة على خلاف ذلك وهو أنّ
(2)
الثابت عند الجمهور مقتضى البراءة الأصلية، ونقل الخبرين
(3)
المقرر والناقل فلا يتأتى هذا الاحتجاج إذ يلزم تعطيل
(4)
الناقل بالكلية لعدم وقوع العمل به في شيء من المدّة بخلاف المقرر فإنّ الحكم العقلي يصير مستندًا إليه ويصير شرعيًا كذا ذكره النقشواني
(5)
.
(1)
ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 580، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3719.
(2)
(أنّ) ليس في (ت).
(3)
في جميع النسخ (الخبران) وليس لها مسوغ نحوى فيما أعلم.
(4)
في (ت): تعليل.
(5)
وعبارة النقشواني في تلخيص المحصول لتهذيب الأصول: 2/ 985 "لكن هذه الصورة ليست هي الصورة التي فرض الخلاف فيها، ولا أظنّ أنهم يخالفون في ذلك. وأما إذا كانت الصورة على خلاف ذلك وهو أن الثابت عند الجمهور مقتضى البراءة الأصلية فنقل الخبران أحدهما ناقل والآخر مقرر، فلا يتأتى فيه ما ذكره المؤلف من الاحتجاج والترجيح، إذ لو صرنا إلي ما يدعيه، تعطل الناقل بالكلية، إذ لم يقع العمل به أصلًا، لا في الماضي ولا في المستقبل، بل لا يقع العمل إلا بما لا =
ولقائل أنْ يقول: يتساقط الخبران بالتعارض ونرجع إلى البراءة الأصلية، ولا نقول إنّ الحكم العقلي صار شرعيًا، ولا نرجح أحد الخبرين لموافقته الأصل كما هو قضية تقرير الإمام والمصنف، ونحمل قولهم إن المقرر راجح على أنّ العمل بمضمونه ثابت
(1)
بالدليل العقلي لا أنَّه قدّم لموافقته الدليل العقلي.
الثاني: ذهب الأكثرون وبه جزم المصنف إلى ترجيح المقتضي للتحريم
(2)
.
وقال آخرون
(3)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يفيد، إلا عن ما استفيد من دليل العقل، مع وجود ما يفيد من الأحكام، ما لا يستفاد إلا من الشرع، وهذا لا يجوز فهذا الإشكال وارد على احتجاج المؤلف" اهـ. وهذا الذي ارتضاه السبكي من نجم الدين النقشواني كذلك ارتضاه الفتوحي في شرحه. ينظر شرح الكوكب المنير: 4/ 689.
(1)
(ثابت) ليس في (ت).
(2)
وإليه ذهب من الحنفية أبو بكر الرازي، والكرخي، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل. ينظر: فواتح الرحموت: 2/ 206، والعدة: 3/ 1041، والروضة: 3/ 1035 والمستصفى: 2/ 398، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 587، والإحكام للآمدي: 4/ 351، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب: 2/ 314، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 502، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3726 - 3727، وشرح العبري: ص 641.
(3)
كأبي هاشم من المعتزلة، وعيسى بن أبان، وبعض الشافعية، وبعض المالكية. ينظر: العدّة: 3/ 1042، وفواتح الرحموت: 2/ 206، والمستصفى: 2/ 398، والمحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 577، والمسودة: ص 312، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 214، =
بترجيح
(1)
المقتضي الإباحة
(2)
؛ لأنَّ الإباحة تستلزم نفي الحرج الذي هو الأصل. وحكاهما الشيخ أبو إسحاق وجهين
(3)
.
وذهب الغزالي إلى أنّهما يستويان؛ لأنّهما حكمان شرعيان صدق الراوي فيهما على وتيرة واحدة
(4)
.
واحتج الأولون بوجهين ذكرهما في الكتاب:
أحدهما: ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال"
(5)
وهو حديث لا أعرفه.
= والروضة: 3/ 1035، الإحكام للآمدي: 4/ 351.
(1)
في (ص): يترجح.
(2)
المراد بالإباحة هنا جواز الفعل والترك، ليدخل فيها المكروه، والمندوب، والمباح. المصطلح عليه. كذا أفاده الإسنوي نقلا عن ابن الحاجب. ينظر نهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 502، السراج الوهاج في شرح المنهاج: 2/ 1051، والمعراج شرح المنهاج: 2/ 271.
(3)
ينظر: اللمع: ص 120.
(4)
ينظر: المستصفى: 2/ 398.
(5)
حديث رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود به، قال البيهقي: فيه ضعف وانقطاع. وذلك لأن جابرًا ضعيف، والشعبي لم يدرك ابن مسعود. ونقل الحافظ السخاوي عن الحافظ العراقي أن هذا الحديث لا أصل له. وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق في مصنفه وهو موقوف على ابن مسعود لا مرفوع. ينظر: المقاصد الحسنة: ص 362 رقم (941)، وسنن البيهقي: 7/ 275 كتاب النكاح، باب الزنا لا يحرم الحلال رقم (13969)، وتخريج أحاديث مختصر المنهاج للعراقي: ص 307 رقم (87)، والابتهاج فى تخريج أحاديث المنهاج لعبد الله الغماري: ص 264.
والثاني: أنّ الأخذَ بالتحريمِ احتياطٌ؛ لأنَّ الفعلَ إن كان حرامًا، ففي ارتكابِه ضررٌ، وإنْ كان مباحًا، فلا ضررَ في تركهِ، وهذا ما
(1)
اعتمد عليه الشيخ أبو إسحاق
(2)
.
ولهذا إذا طلّق إحدى زوجتيه حرمتا إلى البيان
(3)
.
ومن أمثلة الفصلِ: روى أحمد بن حنبل بطريقين متصلين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"
(4)
وروى الدارقطني بسنده: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النبيذ حلال أو حرام قال حلال"
(5)
فيرجح الأوّل.
الثالث: إذا ورد خبران مقتضى أحدِهما التحريم
(1)
في (ت): مما اعتمد.
(2)
ينظر: شرح اللمع: 2/ 960.
(3)
وكذا لو أعتق إحدى إمائه، وكذا لو اشتبهت المنكوحة بالأجنبية، أو المذبوحة بالميتة، ففي هذه الصور كلها تغلب الحرمة على الحل.
ينظر: نهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3729.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في المسند: 3/ 343، وأخرجه أبو داود في السنن: 4/ 87، كتاب الأشربة (20) باب النهي عن المسكر (5) رقم (3681)، وأخرجه الترمذي في السنن: 4/ 292، كتاب الأشربة (27) باب ما جاء ما أسكر كثيره. . (3) رقم (1865)، وأخرجه ابن ماجه في السنن: 2/ 1125، كتاب الأشربة (30) باب ما أسكر كثيره. . . (10) رقم (3393) واللفظ لهم.
(5)
ولفظه عند الدارقطني: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النبيذ حلال هو أو حرام؟ قال: حلال" 4/ 264 كتاب الأشربة وغيرها رقم (87). ثم قال الدارقطني: عبد العزيز بن أبان متروك الحديث.
والآخر الإيجاب.
فذهب المصنف إلى التسوية بينهما وإليه أشار بقوله: "ويعادل الموجب" أي يعادل الخبر المحرِّم الخبر الموجب
(1)
؛ لأنّ المحرّم يقتضي استحقاق العقاب على الفعل كتضمن الموجب العقاب على الترك
(2)
.
ورجّح آخرون المقتضي للتحريم؛ لأنَّ المحرِّم يستدعي دفع المفسدة، وهي أهمّ من جلب المصلحة وبه جزم الآمدي
(3)
.
ومن أمثلة الفصل ما روى نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غمَّ عليكم فاقْدُرُوا له"
(4)
قال نافع: فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من
(1)
(الخبر الموجب) ليس في (ت).
(2)
وهو رأي الإمام وأتباعه. ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 587 - 588، وشرح الأصفهاني على المنهاج: 2/ 807، وشرح المنهاج للعبري: ص 641، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 503، والسراج الوهاج في شرح المنهاج: 2/ 1051، ومعراج المنهاج: 2/ 271.
(3)
ينظر: الإحكام للآمدي: 4/ 352، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 315.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه: ص 362 في كتاب الصوم (30) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا (11) رقم (1907). وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصيام (13) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال. . (2) رقم (9/ 1080).
ينظر، فإن رُئِيَ، فذاك، وإن لم يُرَ ولم يحل دون منظره سحاب ولا قَتَرٌ، أصبح مفطرًا، وإنْ حال دون منظره سحابٌ أو قترٌ أصبح صائمًا
(1)
.
وهذا يستدل به من يقول بوجوب صوم يوم الشك ويعارضه خصمه بما روي عن عمار بن ياسر: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"
(2)
قال الترمذي: حديث صحيح
(3)
.
ومنها ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "في مال اليتيم زكاة"
(4)
إذ يدل على أنَّه يجب على الولي إخراجها مع قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث"
(5)
إذ
(1)
هذه الزيادة أخرجها الإمام أحمد في المسند (الموسوعة الحديثية) شارك في تحقيقه مجموعة من العلماء: 8/ 71 رقم (4488) مسند عبد الله بن عمر.
(2)
سبق تخرجه قريبًا.
(3)
سنن الترمذي: 3/ 70 كتاب الصوم (6) باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك (3)، رقم (686).
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه: 2/ 110، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم، الحديث رقم (3)، والحديث متكلم فيه، فهو حديث ضعيف. ولمزيد من التفصيل ينظر: نصب الراية: 2/ 331 - 332.
(5)
أخرجه البخاري معلقًا في صحيحه: ص 1043 في كتاب الطلاق (68) باب الطلاق في الإغلاق والكره (11) فقال: وقال عليٌّ: أم تعلم أن القلم رفع. . .، وأخرجه أبو داود في سننه: 4/ 560، كتاب الحدود (32) باب في المجنون يسرق (16) رقم (4403)، وأخرجه الترمذي في السنن: 4/ 32، كتاب الحدود (15) باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد (1) رقم (1423) واللفظ له، وأخرجه ابن ماجه في السنن: 1/ 658، كتاب الطلاق (10) باب طلاق المعتوه. . . (15) رقم (2041)، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 258، كتاب الصلاة باب رفع القلم =
يدلّ على عدم الوجوب، وإذا لم تجب حرُم على الولي إخراجها؛ لأنّه لا يتصرف إلا
(1)
بالمصلحة والغبطة
(2)
.
وذكر القاضي أبو بكر في مختصر التقريب باختصار إمام الحرمين في تعارض العلّة المقتضية للإيجاب مع العلّة المقتضية للندب أنّ بعضهم قدّم الإيجاب.
قال: وفي هذا نظر فإنّ الوجوب فيه قدر زائد على الندب والأصل عدمه
(3)
.
الرابع: إذا كان أحد الخبرين مثبتا للطلاق أو العتاق، والآخر نافيًا له.
فمنهم من قدّم المثبت على النافي؛ لأنَّ الأصل عدم القيد أي قيد النّكاح، وقيد الرقبة فما دلّ على ثبوت الطلاق أو العتاق فقد دلّ على زوال قيد النكاح أو ملك اليمين فكان موافقًا للأصل، فليرجح، وهذا ما جزم به المصنف
(4)
.
= عن ثلاث. . وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(1)
في (ت): لأنه يتصرف بالمصلحة.
(2)
الغبطة: حسن الحال (المصباح المنير: ص 442 مادة: "غبط".
(3)
3/ 330، وإن كانت عبارة التلخيص مقتضبة والذي نقله السبكي يؤيده ما نقله صاحب البحر المحيط أيضا: 6/ 172.
(4)
وهو مذهب الكرخي وابن الحاجب، ينظر: الإحكام للآمدي: 4/ 354، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 312، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 503، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3733 - 3734، وفواتح الرحموت: 2/ 206.
ومنهم من قدّم النافي؛ لكونه على وفق الدليل المقتضي لصحة النّكاح، وإثبات ملك اليمين
(1)
.
وهذا هو الصحيح عندي
(2)
.
وقولهم الأصل
(3)
عدم القيد لا يصح مع ثبوت وجوده فإنّ الأصل بعد ثبوت وجوده إنما هو بقاؤه.
ومنهم من سوّى بينهما
(4)
.
وتجري هذه الأقوال في تعارض الخبر المثبت والنافي في غير الطلاق والعتاق أيضًا كخبر بلال: "دخل النَّبي صلى الله عليه وسلم البيْتَ وصلَّى فيه"
(5)
وخبر
(1)
ينظر: الإحكام للآمدي: 4/ 354، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 503، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3733 - 3734.
(2)
من ترجيحات السبكي ومخالفته للبيضاوي.
(3)
(الأصل) ليس في (ت).
(4)
وهو قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة. حكاه الآمدي في الإحكام: 4/ 354، وينظر: المعتمد: 2/ 684، والمسودة: ص 314، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3734.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه: ص 116 عن ابن عمر قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيتَ وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال فأطال، ثم خرج، وكنت أوّل النّاس دخل على أثره، فسألت بلالًا أين صلى؟ قال بين العمودين المقدمين" كتاب الصلاة (8) باب الصلاة بين السواري في غير جماعة (96) رقم (504 - 505). وأخرجه مسلم في صحيحه: ص 525 كتاب الحج (15) باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلّها (68) رقم (391/ 1329).
أسامة: "لم يصل فيه"
(1)
.
ونقل إمام الحرمين هنا عن جمهور الفقهاء ترجيح الإثبات، ثم قال: وهو يحتاج إلى مزيد تفصيل عندنا، فإنْ كان الذي ينقله الناقل إثبات لفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتضاه النفي، فلا يرجح على ذلك اللفظ المتضمن للإثبات؛ لأنَّ كلّ واحد من الراويين مثبت فيما ينقله.
ومثاله أن ينقل أحد الراويين أنَّه أباح شيئا وينقل الآخر أنَّه قال لا يحل، وأمّا إذا نقل أحدهما قولًا أو فعلًا ونقل الآخر أنَّه لم يقله ولم يفعله فالإثبات مقدم، لأنَّ الغفلة تتطرق إلى المصغي المستمع وإن كان محدثًا، والذهول عن بعض ما يجري أقرب من تخيل شيء لم يجر له ذكر
(2)
.
وهذا التفصيل حق ولا يتجه معه خلاف في الحالتين بل ينبغي حمل كلام القائل بالاستواء على الحالة الأولى. والقائل بتقديم الإثبات على الثانية، ولا يجعل في المسألة خلاف.
نعم قد يقال في الحالة الثانية بعدم ترجيح الإثبات إذا كان النفي
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه: ص 525، عن ابن جريج قال:"قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله؟ قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكني سمعته بقول: أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا نواحيه كلّها، ولم يصلِّ فيه، حتى خرج فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين، وقال هذه القِبْلَة. . ." كتاب الحج (15) باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلّها (68) رقم (395/ 1330).
(2)
البرهان للجويني: 2/ 1200 - 1201.
محصورًا كخبر أسامة، فإنّ قوله:"لم يصل" نفي محصور، في وقت يمكن نفي الفعل فيه، فهذا له احتمال.
الخامس: يُرَجَّحُ الخبر النافي للحدِّ على الموجب له
(1)
.
خلافا لقوم
(2)
.
واستدل عليه المصنف بأن الحدّ مُدْرَأٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات"
(3)
وهذا الحديث لا يعرف بهذا اللفظ إلا في مسند أبي حنيفة لأبي محمد البخاري
(4)
، وروى الترمذي: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما
(1)
وهو قول الأكثرين منهم البيضاوي تبعا للإمام، وابن الحاجب والآمدي، وغيرهم، وضعفه الغزالي. ينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 590، والمستصفى للغزالي: 2/ 398، والإحكام للآمدي: 4/ 356، مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 315 - 316، ونهاية الوصول للصفي الهندي: 8/ 3735، نهاية السول مع حاشية المطيعي: 4/ 506، شرح العبري: ص 642، ومعراج المنهاج: 2/ 272، والسراج الوهاج:1051.
(2)
وهم المتكلمون كما صرح صاحب النهاية: 8/ 3735، القائلون إنهما سواء ورجحه الغزالي في المستصفى: 2/ 398 حيث قال: "الخبر الذي يدرأ الحد لا يقدم على الموجب وإن كان الحد يسقط بالشبهة وقال قوم الرافع أولى وهو ضعيف". وينظر: المحصول للرازي: ج 2/ ق 2/ 590، وتشنيف المسامع للزركشي: 3/ 530.
(3)
في مسند أبي حنيفة للحارث (أبو محمد البخاري) من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعًا بهذا. ينظر: الابتهاج في تخريج أحاديث المنهاج للغماري: ص 264، والتلخيص الحبير: 4/ 1370.
(4)
عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث بن خليل، الحارثي البخاري الكلابذي الحنفي، أبو محمد المشهور بعبد الله الأستاذ. الفقيه العلامة عالم ما وراء النهر، =
استطعتم"
(1)
ثم صحح أنَّه موقوف.
ووجه الحجّة: أنّ الخبر المعارض لوجوب الحدِّ، أقلّ درجاتِه أنْ يكون شبهةً، والشبهةُ تَدْرأ الحدَّ؛ للحديث.
فائدة: الخلاف في أنَّه هل يرجّح النافي للحدّ جار في أنَّه هل ترجّح العلّة المثبتة للعتق على النافية له لتشوف الشارع إلى العتق ذكره ابن السمعاني
(2)
.
= مولده سنة 258 هـ ألف مسندًا لأبي حنيفة الإمام، وتعب عليه، وله كتاب كشف الآثار في مناقب أبي حنيفة، توفي رحمه الله في شوال سنة 340 هـ. ينظر: تاريخ بغداد: 10/ 126 - 127 رقم (5262)، وسير أعلام النبلاء: 15/ 424 رقم (237)، وتاج التراجم: ص 30 - 31، والطبقات السنية: رقم (1107)، والجواهر المضيئة: 2/ 344 - 345 رقم (734).
(1)
أخرجه الترمذي عن عائشة مرفوعًا: 4/ 25 في كتاب الحدود (15)، باب ما جاء في درء الحدود (2) رقم (1424) ولفظه:"ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإنّ الإمام أن يخطيءَ في العفو خير من أن يخطيء في العقوبة"، وأخرجه الدارقطني في سننه، والبيهقي: 8/ 413 - 414 في كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود بالشبهات (31)، رقم (17057)، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 426 في كتاب الحدود (46)، رقم (8163/ 140)، قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص وقال: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك، وينظر: التلخيص الحبير: 4/ 1369 رقم (1755)، ونصب الراية: 3/ 309، وتخريج أحاديث مختصر المنهاج للعراقي: ص 32، والابتهاج تخريج أحاديث المنهاج لعبد الله الغماري: ص 265.
(2)
قال ابن السمعاني في القواطع تحقيق علي عباس الحكمي: 4/ 432 "والثامن عشر: أن تكون إحداها توجب حدًا، والأخرى تسقطه أو إحداهما توجب العتق، =