الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
159 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي دَفْنِ الْأَظْفَارِ وَالشَّعَرِ وَالدَّمِ
1045 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ادْفِنُوا الْأَظْفَارَ وَالشَّعَرَ وَالدَّمَ؛ فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ)).
[الحكم]:
سنده ضعيف جدًّا، وضعَّفه العُقَيلي، والبَيْهَقي، وعبدُ الحق الإشْبيلي، وابن الجوزي، وابن عبد الهادي، والذهبي، وابن القيِّم، والزَّيْلَعي، وابنُ حَجَر. وقال الألباني:"موضوع".
[التخريج]:
[عد (6/ 548) / هق 75 / تحقيق 81 / علج 1143]
[التحقيق]:
انظره عقب الرواية التالية:
رواية بلفظ: "أَمَرَ رَسُولُ اللهِ":
• وَفِي رِوَايَةٍ عن ابن عُمرَ، قال:((أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِدَفْنِ الشَّعَرِ وَالظُّفُرِ وَالدَّمِ)).
[الحكم]:
سنده ضعيف جدًّا، وضعَّف الحديثَ مَن سمَّيْناهم آنفًا.
[التخريج]:
[عق (2/ 374)]
[السند]:
رواه ابن عَدِي في (الكامل) - ومن طريقه البَيْهَقي في (الكبرى)، وابن الجوزي في (العلل) و (التحقيق) - قال: حدثنا محمد بن الحسن السَّكُوني النابُلُسي بالرَّمْلة، قال: حدَّث أحمد بن سعيد البغداديُّ وأنا حاضرٌ، حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، حدثني أبي، عن نافع، عن ابن عُمر، به.
ورواه العُقَيلي في (الضعفاء)، عن شيخه أحمد بن محمد بن سعيد المَرْوزي، قال: حدثنا نصْر بن داود بن طَوْق، قال: حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عُمر، به، بلفظ الرواية الثانية.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فمدارُه بروايتَيْه على عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد؛ وهو واهٍ جدًّا، وهذه بعض أقوال النُّقَّاد فيه:
قال أبو حاتم: "نظرتُ في بعض حديثِه فرأيت أحاديثَه أحاديثَ منكرةً،
ولم أَكتب، عنه ولم يكن محلُّه عندي الصدق" (الجرح والتعديل 5/ 104).
وقال ابن الجُنَيد: "لا يَسْوَى فَلْسًا، يحدِّث بأحاديثَ كذِبٍ"(الجرح والتعديل 5/ 104)، (الميزان 2/ 455)، و (اللسان 3/ 310).
وقال العُقَيلي: "أحاديثه مناكيرُ، غيرُ محفوظة، ليس ممن يُقِيم الحديثَ"(الضعفاء 2/ 373).
وقال ابن حِبَّان: "يُعتبَر حديثُه إذا روَى عن غير أبيه"(الثقات 8/ 347).
وهذا مما رواه عن أبيه؛ فلا يُعتبَر به عنده.
وقال ابن عَدِي: "حدَّث عن أبيه عن نافعٍ بأحاديثَ لم يُتابِعْه أحدٌ عليها".
وقال أيضًا بعد أن روَى له هذا الحديثَ وغيرَه: "له غيرُ ما ذَكرتُ، أحاديثُ لم يُتابِعْه أحدٌ عليها، ولم أرَ للمتقدِّمين فيه كلامًا، والمتقدمون قد تكلَّموا فيمَن هو أصدقُ مِن عبد الله بن عبد العزيز"(الكامل 1013).
قلنا: يشير بالمتقدِّمين إلى مثْل أحمدَ وابنِ مَعِين والبخاريِّ وغيرِهم من أئمة النقد الذين يُكثِر مِن التعويل عليهم في كتابه، ولكن لا ندري كيف غَفَلَ عن قول أبي حاتم السابق؟ ! .
وأبو حاتم من أئمة النقد الكبار الذين تقدَّموا ابنَ عَدِي. وعلى كلٍّ، ففي قول مَن سبق ذِكرُهم كفايةٌ لبيان حال الرجل، وقد ضعَّف حديثَه هذا غيرُ واحد من الأئمة:
فقال العُقَيلي بعد أن روَى هذا الحديثَ وآخَرَ معه: "جميعًا ليس لهما أصلٌ عن ثقة"(الضعفاء 2/ 374).
وقال البَيْهَقي: "هذا إسناد ضعيف، قد رُوي في دفن الظُّفُر والشَّعَرِ أحاديثُ
أسانيدُها ضِعَافٌ" (السنن الكبرى عقب حديث 75).
وقال أيضًا: "ورُوي بإسناد ضعيفٍ مرفوعًا عن ابن عُمر: ((ادْفِنُوا الْأَظْفَارَ وَالدَّمَ وَالشَّعَرَ؛ فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ)). ورُوي في دفن الشَّعرِ والظُّفرِ أحاديثُ ضعيفةٌ"(الخلافيات 1/ 250)، (المختصر 1/ 158).
وضعَّفه عبد الحق الإشْبيلي في (الأحكام الوسطى 1/ 243 - 244)، وابنُ الجوزي في (التحقيق 1/ 91)، و (العلل 1143)؛ بعبد الله بن أبي رَوَّاد، وأقرَّه ابنُ عبد الهادي في (التنقيح 1/ 120)، والذهبي في التنقيح أيضًا، وقال:"عبدُ الله واهٍ"(1/ 32).
وضعَّفه ابن القيِّم في (الزاد 5/ 670)، والزَّيْلَعي في (نصب الراية 1/ 122)، وابنُ حَجَر في (التلخيص 2/ 230) و (الدراية 1/ 59).
وقال الألباني: "موضوع"(الضعيفة 2181)؛ اعتمادًا على قول ابن الجُنَيد السابق.
* * *
1046 -
حَدِيثُ مِيلِ بِنْتِ مِشْرَحٍ الْأَشْعَرِيِّ:
◼ عَنْ مِيلِ بِنْتِ مِشْرَحٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أَبِي-[وَكَانَ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم]- قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، [فَجَمَعَهَا]، ثُمَّ دَفَنَهَا، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، ((هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ)).
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا. والحديث ضعَّفه ابن عَدِي، والبَيْهَقي، وابنُ طاهر القَيْسَرانيُّ، والذهبي، وابنُ مُفْلح، والهيثمي، وابن ناصر الدِّين الدمشقي، وابن حَجَر، والألباني.
[التخريج]:
[بز (كشف 2968) / طب (20/ 322/762) "واللفظ له" / طس 5938 / تخ (8/ 45) "والزيادة الأولى له ولغيره" / خلا (ترجل 156) / عد (9/ 254) / مقط (4/ 2094 - 2095) / صحا 6336 / مث 2513 / قا (3/ 93) / شعب 6068 "والزيادة الثانية له" / أزدي (مؤتلف 2/ 678)]
[السند]:
رواه البخاري في (التاريخ الكبير 8/ 45) - ومن طريقه الدارَقُطْنيُّ في (المؤتلف والمختلف 4/ 2094) - قال: قال لي يحيى بن موسى: أنا محمد بن سُلَيْمان بن مَسْمُول، قال: حدثني عُبيد الله بن سلَمةَ بن وَهْرام، عن أبيه، قال: حدثتْني مِيلُ بنتُ مِشْرَح الأَشْعري، به.
ورواه البزَّار في المسند (2968 زوائده)، والخَلَّال في (الترجُّل 156)، والطبراني في (الكبير 20/ 322) و (الأوسط 5938) -وعنه أبو نُعَيم في (المعرفة 6336) -، وابن قانِع في (المعجم 3/ 93)، وابن أبي عاصم في
(الآحاد والمثاني 2513)، وابن عَدِي في (الكامل 1687)، والأَزْديُّ في (المؤتلف 2/ 678)، والبَيْهَقي في (الشُّعَب): من طُرق، عن محمد بن سُلَيْمان بن مَسْمُول، عن عُبيد الله بن سَلَمة بن وَهْرام، عن أبيه، عن مِيل بنت مِشْرَح، به
(1)
.
وقال الطبراني عَقِبه: "لا يُروَى هذا الحديثُ عن مِشْرَح إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به محمد بنُ سُلَيمان بن مَسْمول".
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: محمد بن سُلَيْمان بن مَسْمول؛ ضعيف جدًّا، بل رماه بعضُهم بالكذب، وقد تقدمَتْ ترجمتُه قريبًا في:"باب ما رُوي في تقليم الأظفار وقصِّ الشارب يوم الجمعة".
وقد ضعَّفه به ابنُ طاهر القَيْسَرانيُّ في (ذخيرة الحفاظ 2957).
وقال ابن حجر: "وفي سنده محمد بن سُلَيْمان بن مَسْمول، وهو ضعيف جدًّا"(الإصابة 10/ 182)، وضعَّف سندَه أيضًا في (التلخيص 2/ 231).
وكذا ضعَّفه به ابنُ ناصر الدمشقيُّ في (التوضيح 8/ 166).
قلنا: ومع ضعف هذا الراوي فقد تفرَّد بهذا الحديثِ كما سبق عن الطبراني، وابنِ عَدِي، ولَمَّا ذَكر الذهبيُّ قولَ ابنِ عَدِي:"عامَّةُ ما يرويه لا يُتابَع عليه متنًا أو إسنادًا"، قال: "فمِن ذلك
…
"، وذكر عدةَ أحاديثَ، منها حديثُنا هذا، (الميزان 3/ 570)؛ فيُعَدُّ هذا من مناكيره.
(1)
- هناك سقط في سند بعض المراجع، فانظر له التنبيهات.
العلة الثانية: عُبيد الله بن سلَمةَ بن وَهْرام؛ وهو ضعيف، وقد تقدمَتْ ترجمتُه قريبًا في:"باب ما رُوي في تقليم الأظفار وقصِّ الشارب يوم الجمعة".
ولذا قال الهيثمي: "رواه البزَّار، والطبرانيُّ في الكبير والأوسط، من طريق عُبيد الله بن سلَمةَ بن وَهْرام، عن أبيه، وكلاهما ضعيفٌ، وأبوه وُثِّق"(المجمع 8860).
* قلنا: أبوه سلَمة بن وَهْرام؛ قال فيه ابن حَجَر: "صدوق"(التقريب 2515)، وهو الراجح، وانظر ترجمتَه في الباب المشار إليه، والله أعلم.
العلة الثالثة: مِيل بنت مِشْرَح؛ لم نجِدْ مَن ترجم لها سوى ابنِ ماكولا في (الإكمال 7/ 62)، ولم يَذكُرْها بجرح ولا تعديل؛ ولذا قال الألباني:"مِيل هذه لم أَعرفْها"، انظر (الضعيفة 5/ 381 - 382).
وأما أبوها مِشْرَحٌ فقد جَزم بصُحبته البخاريُّ وغيرُه.
هذا، وقد سبَق قولُ البَيْهَقي:"ورُوي في دفن الشعر والظُّفرِ أحاديثُ ضعيفةٌ"(الخلافيات 1/ 250).
فيُضافُ البَيْهَقيُّ إلى مَن سبق ذِكرُهم ممَّن ضعَّفوا هذا الحديثَ، وهم: ابن عَدِي، والذهبي (استنباطًا من صَنِيعهما)، وابنُ طاهر، وابن مُفْلِح، والهَيْثَمي، وابن ناصر الدمشقي، وابنُ حَجَر، والألباني.
[تنبيهات]:
الأول: سقطَتْ عبارةُ [عن أبيه] من سند معجَمَي الطبراني، فصار الحديث من رواية عُبيد الله بن سلَمةَ عن مِيل، بدون ذكر أبيه سلَمة! وقد رواه أبو نُعَيم في (المعرفة) عن الطبراني بذكر سلَمةَ على الصواب.
الثاني: سَقطَ ذِكرُ (محمد بن سُلَيْمان) من معجم ابن قانِع من رواية الشَّاذَكُوني، وهو ثابت في بقية المراجع عامة، وعند الطبراني من رواية الشَّاذَكُوني خاصَّةً.
الثالث: (محمد ابن مَسْمُول) وقع ذِكرُه في بعض المراجع هكذا: "ابن مشمول" بالمعجمة، والصواب بالمهملة كما عند الأكثر.
كما وقع ذكر الصحابي "مِشْرَح" في بعض المراجع هكذا: "مسرح" بالمهملة، والصواب بالمعجمة كما عند الأكثر، وانظر تعليق محقِّقِ المؤتلف والمختلف للدارقطني (4/ 2095).
* * *
1047 -
حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ:
◼ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِدَفْنِ الشَّعَرِ وَالْأَظْفَارِ)).
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا، وضعَّفه البَيْهَقي، والسُّيوطي، والمُناوي، والألباني.
[التخريج]:
[طب (22/ 32/73) "واللفظ له" / شعب 6069]
[السند]:
رواه الطبراني في (الكبير)، قال: حدثنا عَلَّان بن عبد الصمد الطيالسي ماغَمَّهُ، قال: ثنا محمد بن الحسن الأَسَدي، ثنا أبي، ثنا قَيْس، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، به.
هكذا وقع الإسناد في المطبوع، وقد سقطت منه كلمة [عُمر بن] قبل محمد بن الحسن، فالصواب أن علَّان يرويه عن عُمر بن محمد بن الحسن، عن أبيه، وليس عن محمدٍ نفْسِه، ودليل ذلك ثلاثةُ أمور:
أولها: أن علَّانَ قد أتى بصيغة السماع، فقال:"ثنا محمد"، وعَلَّانُ لم يَسمع من محمد بن الحسن، بل ولعله لم يدركْه؛ فقد مات محمد سنة (200 هـ) ومات عَلَّان سنة (289 هـ)، فهذه تسعٌ وثمانون سنةً، وكي يمكنَه السماعُ من محمد يحتاج على الأقل إلى عشرين سنةً أو خمسَ عشرةَ سنةً أخرى، ولم يَذكر أحدٌ أن عَلَّانَ قد عُمِّر، فضلًا عن مجاوزته المائةَ.
وأيضًا؛ فإن أقدم شيوخِ عَلَّانَ وفاتُهم ما بين (233 هـ) إلى (250)، وهذه
هي طبقة تلاميذ محمد بن الحسن، ومنهم ابنُه المتوفَّى (250).
الثاني: أن عامة أحاديثَ محمدِ بن الحسن الأَسَدي إنما يرويها عَلَّان، عن عُمر بن محمد، عن أبيه، كما تجده في عدة مواضعَ من المعجم الكبير، وانظر على سبيل المثال:[2752، 7950، 7958 - 7967، (22/ 371/929)].
الثالث: أن هذا الحديث بالفعل إنما يرويه عُمرُ عن أبيه:
فقد أخرجه البَيْهَقي في (الشُّعَب 6069) من طريق عليِّ بن سعيد العَسْكَري، ثنا عُمر بن محمد بن الحسن، ثنا أبي، ثنا قيس بن الربيع، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، به.
إذًا، فمدارُ الحديث على عُمرَ بن محمد، عن أبيه، عن قيس، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا، فيه علل:
الأولى: الانقطاع؛ فعبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه شيئًا، قاله ابن مَعين والبخاريُّ وعامَّةُ النُّقَّاد كما في (تهذيب التهذيب 6/ 105).
الثانية: قيس بن الربيع؛ فيه اختلاف، فوثَّقه شُعبةُ والثوري، وليَّنه أحمدُ وأبو حاتم وأبو زُرْعة، وضعَّفه عامَّةُ مَن سواهم من النُّقَّاد، وشدَّد في أمره ابنُ مَعين والنَّسائي، والراجح في أمره أنه كان صدوقًا على سُوء حفظ فيه، وكان له ابنٌ يُدخِل عليه ما ليس من حديثه، فيُحدِّثُ به ولا يَعرفُه، وهذه هي علتُه كما قال ابنُ المَدِيني وأبو داودَ وغيرُهما، انظر (تهذيب التهذيب 8/ 391 - 395)، وقال الحافظ:"صدوقٌ، تغيَّر لما كَبِرَ، وأَدخل عليه ابنُه ما ليس من حديثه فحدَّث به"(التقريب 5573).
الثالثة: محمد بن الحسن الأَسَدي، يعرف بالتَّلِّ؛ وهو مختلَفٌ فيه كما تجدُه في (تهذيب التهذيب 9/ 117)، وقال ابن حَجَر:"صدوق، فيه لِين"(التقريب 5816).
وقد بيَّن ابنُ حَجَر في (مقدمة الفتح ص 438) أن له عند البخاري حديثين فقط، وهما في المتابعات.
وأما ابنُه عُمر، فأحسنُ حالًا من أبيه، كما يتبيَّنُ بالمقابلة بين ترجمة أبيه وترجمتِه من (تهذيب التهذيب 7/ 495)، ولذا قال فيه ابن حَجَر:"صدوق، ربما وَهِمَ"(التقريب 4964).
هذا وقد ضعَّف البَيْهَقي الحديثَ، فقال عَقِبَ روايتِه له:"هذا إسناد ضعيف، ورُوي من أوجُهٍ، كلُّها ضعيفة"(الشُّعب 6069)، وكذا ضعَّفه في (الآداب 1/ 228)، وأقرَّه الزَّيْلَعي في (نَصب الراية 1/ 122).
ورمز لضعفه السُّيوطي في (الجامع الصغير 6952)، وضعَّف إسنادَه المُناويُّ في (التيسير 2/ 269)، والألبانيُّ في الضعيفة (2357).
* * *
1048 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا احْتَجَمَ، أَوْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ، أَوْ مِنْ ظُفُرِهِ، بَعَثَ بِهِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَدَفَنَهُ)).
[الحكم]:
باطل، قاله أبو زُرعة، والألبانيُّ. وضعَّفه البَغَوي.
[التخريج]:
[خل 815 "واللفظ له" / نبغ 1103 / علحا 2533 معلقًا]
[التحقيق]:
هذا الحديث رُوي من طريقين عن هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة:
الأول:
أخرجه أبو الشيخ في (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم - ومن طريقه البَغَوي في (الشمائل) - قال: حدثنا عليُّ بن سعيد، نا الحسن بن ناصح المُخَرِّمي، نا يوسف بن زيادة، نا يعقوب بن الوليد الأَزْدي، نا هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها
…
به.
وهذا إسناد تالف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: يعقوب بن الوليد الأَزْديُّ؛ كذاب وضَّاعٌ هالك، قال الإمام أحمد:"كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث"، وكذَّبه يحيى بنُ مَعِين وأبو حاتم، وقال ابن حِبَّان:"يضع الحديث على الثقات، لا يحلُّ كتْبُ حديثِه إلا على التعجُّب". انظر (ميزان الاعتدال 4/ 455)، (تهذيب التهذيب 11/ 397 - 398)، ولذا قال الحافظ:"كذَّبه أحمد وغيرُه"(التقريب 7835).
العلة الثانية: يوسف بن زياد؛ قال البخاري وأبو حاتم والساجيُّ: "منكر الحديث"(التاريخ الكبير 8/ 388)، و (الجرح والتعديل 9/ 222)، (تاريخ بغداد 16/ 434)، وقال النَّسائي:"ليس بثقة"(تاريخ بغداد 16/ 434)، وقال الدارَقُطْني:"شيخ مشهور بالأباطيل"(تعليقات الدارَقُطْني على المجروحين 1/ 156)، وقال ابن عَدِي:"ليس بالمعروف"(الكامل 7/ 170)، وقال ابن حِبَّان:"ساقط الاحتجاج به"(المجروحين 2/ 486).
وبهما ضعَّفه البَغَوي- مع شيء من التساهل- فقال: " في سنده يعقوب بن الوليد ضعيف، وفي سنده يوسف بن زياد ليس بقوي".
الطريق الثاني:
علَّقه ابن أبي حاتم في (العلل): عن يعقوب بن محمد الزُّهْري، عن هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وهذا الإسناد- مع تعليقه- واهٍ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: يعقوب بن محمد الزُّهْري؛ قال فيه أحمد: "ليس بشيء، ليس يَسْوَى شيئًا"، وقال أبو زُرْعة:"واهي الحديثِ"، وقال أيضًا:"ليس عليه قياس. يعقوب الزُّهْري، وابن زَبالةَ، والواقدي، وعُمر بن أبي بكر المُؤَمَّلي: يتقاربون في الضعف"، وهؤلاء كلُّهم متروكون، وقال أبو حاتم:"هو على يَدَيْ عَدْلٍ، أدركتُه فلم أكتب عنه"، وهذا جرحٌ شديد، وقال العُقَيلي:"في حديثه وهَمٌ كثير"، وقال ابن عَدِي:"ليس بالمعروف، وأحاديثُه لا يتابَع عليها"، ومع ذلك وثَّقه بعضُهم، انظر:(علل أحمد 5745)، و (الجرح والتعديل 9/ 214)، و (الضعفاء للعقيلي 2079)، و (الكامل 2064)، و (تهذيب التهذيب 11/ 396).
وقال الحافظ: "صدوق، كثير الوَهَمِ والروايةِ عن الضعفاء"(التقريب 7834).
هذا، وقد سُئل أبو زُرْعة عن هذا الحديث، فقال:"حديث باطل، ليس له عندي أصْلٌ". قال ابن أبي حاتم: "وكان- (يعني: أبا زُرْعة) - حدَّثهم قديمًا في كتاب الآداب، فأبَى أن يَقرأَه، وقال: اضربوا عليه، ويعقوب بن محمد هذا شيخٌ واهي الحديث"(العلل 2533).
العلة الثانية: الانقطاع؛ فيعقوب هذا لم يسمع من هشام، قال الذهبي:"وأخطأَ مَن قال: إنه روَى عن هشام بن عُرْوة، لم يَلحقْه، ولا كأنه وُلد إلا بعد موت هشام"(الميزان 4/ 454).
ولذا قال الألباني بعدما حكَمَ ببطلانه: "ولعل الآفةَ من بعض الضعفاء الذين تلقَّى هذا الحديثَ عنه؛ فإنه لم يسمع من هشام بن عُرْوة، بل لم يلحقْه كما جزم بذلك الذهبيُّ"(الضعيفة 713).
قلنا: لعله أخذه من يعقوب بن الوليد الأَزْدي، فعاد الحديثُ إلى الطريق الأول، وهو تالفٌ.
* * *
1049 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُصُّوا أَظَافِيرَكُمْ، وَادْفِنُوا قُلَامَاتِكُمْ، وَنَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ، وَنَظِّفُوا لِثَاتِكُمْ مِنَ الطَّعَامِ، وَتَسَنَّنُوا، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُخْرًا بُخْرًا)).
[الحكم]:
ضعيف، وضعَّفه العراقي، وابن حَجَر، والسُّيوطي، والمُناوي، والألباني.
[التخريج]:
[حكيم 196]
سبق تخريجُه وتحقيقُه في باب: "ما ورد في تقليم الأظفار".
* * *
1050 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِدَفْنِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ مِنَ الْإِنْسَانِ: الشَّعَرُ، وَالظُّفُرُ، وَالدَّمُ، وَالْحَيْضَةُ، وَالسِّنُّ، والْقُلْفَةُ، وَالْمَشِيمَةُ)).
[الحكم]:
ضعيف، وضعَّفه السُّيوطي، والمُناويُّ، والألباني.
[التخريج]:
[حكيم 199 "واللفظ له" / تد (1/ 455)]
[السند]:
قال الحكيم التِّرْمذي في (النوادر): حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثنا مالك بن سُلَيْمان الهَرَوي، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وذكره الرافعي في (التدوين) من جزء رواه أبو إبراهيم بن أبي الحسن القَطَّانُ، عن أبيه، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الحسن الذهبي، حدثني أبو محمد سعيد بن عبدٍ الفِرْيابي بسَرَخْسَ، ثنا مالك بن سُلَيْمان الهَرَويُّ، به.
فمدارُه- عندهما- على مالك بن سُلَيمان.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ؛ فيه علتان:
الأولى: مالك بن سُلَيمان الهَرَوي قاضي هَرَاةَ؛ قال أبو حاتم: "لا أعرفُه"، وضعَّفه النَّسائي، وقال العُقَيلي:"فيه نظرٌ"، وكذا قال السُلَيْماني، وضعَّفه الدارَقُطْني، وذكره ابن حِبَّان في (الثقات 9/ 165) وقال: "كان
مُرْجئًا، ممن جمع وصنَّفَ، يُخطئ كثيرًا، وامتُحِن بأصحابِ سوء كانوا يَقْلِبون عليه حديثَه
…
على أنه من جملة الضعفاء
…
وهو ممن أستخير اللهَ عز وجل فيه"، وذكر كلامًا استنبط منه ابنُ حَجَر أنه يرميه بالتدليس، وقال الساجي: "بصري، يروي مناكيرَ"، انظر (الجرح والتعديل 8/ 210)، (الضعفاء للعقيلي 1753)، (اللسان 5/ 4)، (طبقات المدلسين ص 57).
الثانية: عليُّ بن الحسن بن بِشْر، والد الحكيم التِّرْمذي؛ لم نجد له ترجمة بعد عناء وطولِ بحث.
فإن قيل: ولكنه متابَع كما في الإسناد الذي ذكره الرافعي.
قلنا: إنما تابعه أبو محمد سعيد بن عبدٍ الفِرْيابي، وهذا أيضًا لم نجد له ترجمةً، وقد قال الألباني:"والفِرْيابي هذا لم أعرفْه"(الضعيفة 3263)، ونخشى أن يكون الاسمُ محرَّفًا؛ فالنسخة المطبوعة سيئة جدًّا، ثم إن راويه عن الفِرْيابي هذا هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الذهبي، قال الإسماعيلي:"كان مشتهرًا بالشرب"(سؤالات السَّهْمي للحاكم 43)، وكان أبو عليٍّ سيِّئَ الرأيِ فيه، وقال الحاكم:"وقع إليَّ مِن كُتبه بخطه، وفيها عجائبُ"، ولذا قال الذهبي:"مطعون فيه"(السير 14/ 461).
وأما داود بن عبد الرحمن، الراوي عن هشام بن عُرْوة، فثقةٌ من رجال الصحيح. (التقريب 1798).
والحديث عزاه السُّيوطي في (الجامع الصغير 6953) للحكيم، ورمز لضعفه.
وقال المُناوي: "ظاهر صنيع المصنف أن الحكيم خرَّجه بسنده كعادة المحدِّثين، وليس كذلك، بل قال: وعن عائشة، بل ساقه بدون سند كما
رأيتُه في كتابه النوادر، فلينظر" (الفيض 5/ 198).
قلنا: بل أسنده، ولكن كتاب النوادر له نسختان، إحداهما مسنَدة، والأخرى غير مسنَدة في أكثرها، وهي التي نظر فيها المُناوي. والله أعلم.
والحديث ضعَّفه الألباني في (الضعيفة 3263)، وفي (ضعيف الجامع 4525).
* * *
1051 -
حَدِيثُ جَمْرَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْعُذْرِيِّ:
◼ عَنْ جَمْرَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْعُذْرِيِّ- وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: ((أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِدَفْنِ الشَّعَرِ وَالدَّمِ)).
وفي رواية: عن جَمْرَة بنت النُّعْمان- وكانت لها صحبةٌ-
…
الحديثَ.
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا، ووهَّاه ابنُ حَجَر.
[التخريج]:
[صحا 1732 "بالرواية الأولى"، 7559 "بالرواية الثانية"].
[السند]:
رواه أبو نُعَيم في (المعرفة 1732)، قال: حدثنا الحسن بن عَلَّان، ثنا حُبَّان بن مَحْمُويَه بن إسماعيل، ثنا أحمد بن الخليل، ثنا الواقدي، ثنا شعيب بن ميمون المَخْزُومي، عن أبي مُرَاية البَلَوي، سمِع جَمْرة بن النعمان العُذْري- وكانت له صحبةٌ- يقول:
…
فذكره.
هكذا ذَكره تحت ترجمة جَمْرةَ من الرجال، وهكذا ورد في (أُسْد الغابة 1/ 552)، و (الإصابة 2/ 224).
ثم أعاده في المعرفة (7559) تحت ترجمة جَمْرةَ من النساء! بالإسناد نفْسِه، غير أنه قال: "سمِعَ جَمْرة بنتَ النعمان- وكانت لها صحبةٌ- تقول:
…
".
وكذلك أعاده ابن الأثير في (الأُسْد 7/ 51) وابن حَجَر في (الإصابة 13/ 239)! .
والمشهور أنه جَمْرة بن النعمان، رجلٌ وليس بامرأة، كذلك ذكره ابن سعد في الطبقات (5/ 273)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 545)، والدَّارَقُطْني في (المؤتلف والمختلف 2/ 599)، وابن عبد البر في (الاستيعاب 1/ 275)، وابن ماكولا في (الإكمال 2/ 504)، وابن الأثير في (اللباب 3/ 79)، وابن ناصر في (التوضيح 2/ 352).
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علل:
الأولى: محمد بن عُمر الواقدي؛ "متروك" كما في (التقريب 6175).
الثانية: شعيب بن ميمون المَخْزُومي، إن كان هو الواسطيَّ صاحب البُزُور، فهو ضعيف كما في (التقريب 2807)، وإلا فغيرُ معروف.
الثالثة: أبو مُرَاية البَلَوي، لم نجدْه، ولعله أبو مُراية العِجْليُّ المترجَمُ له في (طبقات ابن سعد 9/ 235)، و (التاريخ الكبير 5/ 154)، و (الجرح والتعديل 5/ 118) بلا جرح ولا تعديل، سوى قولِ ابن سعد:"كان قليلَ الحديث"، وذكره ابن حِبَّان في (الثقات 3698).
وأما بقية رجاله فمعروفون: الحسن بن عَلَّان، هو أبو عليٍّ الخطَّاب؛ "ثقة" كما في (تاريخ بغداد 3893)، وحُبَّان بن مَحْمُويه هو حُبَّان بن محمد؛ عرفه غُنْدَرٌ ولم يقل فيه إلا خيرًا، كما في (الإكمال 2/ 307)، وأحمد بن الخليل، هو البُرْجُلاني؛ "صدوق" كما في (التقريب 33).
والحديث قال عنه ابن حَجَر: "أخرجه أبو نُعَيم بسندٍ واهٍ"(الإصابة 13/ 239).
[تنبيه]:
كذا عزاه الحافظ في الموضع المذكور لأبي نُعَيم، وذكر في موضعٍ آخَرَ (2/ 224) أن الدارَقُطْني أخرجه في "المؤتلف" من طريق الواقدي.
ولم نقف عليه في المطبوع من "المؤتلف والمختلف"، فنخشى أن يكون سبْقَ قلَمٍ من الحافظ، صوابه:(أبو نُعَيم في "المعرفة")، لاسيما ولم يَذكر أن (أبا نُعَيم) خرَّجه، مع أنه تابعٌ في ذِكر الترجمة له، والله أعلم.
1052 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:((يَا عَبْدَ اللهِ، اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فأَهْرِقْهُ (فَادْفِنْهُ) حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ))، قَالَ: فَلَمَّا بَرَزْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمَدْتُ إِلَى الدَّمِ فَحَسَوْتُهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَا صَنَعْتَ يَا عَبْدَ اللهِ؟ ))، قُلْتُ: جَعَلْتُهُ فِي مَكَانٍ ظَنَنْتُ أَنَّهُ خَافٍ عَنِ النَّاسِ، قَالَ [صلى الله عليه وسلم]:((فَلَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟ ))، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ [صلى الله عليه وسلم]:((وَمَنْ أَمَرَك أَنْ تَشْرَبَ الدَّمَ (وَلِمَ شَرِبْتَ الدَّمَ)؟ وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ)). [قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عَاصِمٍ، فَقَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْقُوَّةَ الَّتِي بِهِ رضي الله عنه مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ].
• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعْطَانِي دَمَهُ، فَقَالَ:((اذْهَبْ فَوَارِهِ، لَا يَبْحَثْ عَنْهُ سَبُعٌ أَوْ كَلْبٌ أَوْ إِنْسَانٌ)). قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ، فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((مَا صَنَعْتَ؟ ))، قُلْتُ: صَنَعْتُ الَّذِي أَمَرْتَنِي، قَالَ:((مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ شَرِبْتَهُ))، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:((مَاذَا تَلْقَى أُمَّتِى مِنْكَ؟ )).
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ، بِلَفْظ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَانِي الدَّمَ، فَقَالَ:((اذْهَبْ، فَغَيِّبْهُ))، فَذَهَبْتُ، فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِي:((مَا صَنَعْتَ بِهِ؟ ))، قُلْتُ: غَيَّبْتُهُ، قَالَ:((لَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟ ))، قُلْتُ: شَرِبْتُهُ.
[الحكم]:
ضعيف. وقال ابن الصلاح: "لم نجد له أصلًا". وضعَّفه ابنُ كَثير، وابن دقيق، وابنُ المُلَقِّن.
[التخريج]:
تخريج الرواية الأولى: [ك 6493 / عل (مط 3821 "والروايتان والزيادات له"، (خيرة 3884، 6453) / طب (جامع المسانيد 6345، مجمع 14010) "واللفظ له" / مث 578 / صحا 4151 / حل (1/ 329 - 330) / حكيم 198 / ضيا (9/ 309/ 266، 267) / كر (28/ 163)].
تخريج الرواية الثانية: [هق 13537 / كر (28/ 163 - 164)].
تخريج الرواية الثالثة: [بز 2210].
[السند]:
رواه البزَّار في المسند (2210) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (578): عن محمد بن المُثَنَّى.
ورواه أبو يَعلَى كما في (المطالب 3821) و (الإتحاف 3884، 6453) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة 266)، وابنُ عساكرَ في (تاريخ دمشق 28/ 163) -: عن موسى بن محمد بن حَيَّان.
ورواه الطبراني كما في (جامع المسانيد والمجمع) -ومن طريقه أبو نُعَيم في (المعرفة 4151) و (الحلية 1/ 329)، والضياءُ في (المختارة 267) -: عن دُرَّان بن سفيان القَطَّان.
ورواه الحكيم في (النوادر 198): عن أبيه عليِّ بن الحسن بن بِشْر.
ورواه الحاكم في (المستدرك 6343): من طريق السَّري بن خزيمة.
ورواه البَيْهَقي في (الكبرى 13537): من طريق محمد بن غالب.
ورواه الزُّبَير بن بَكَّار- ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق 28/ 163) -: عن رجل لم يُسَمِّه.
كلُّهم عن موسى بن إسماعيل، عن الهُنَيْد بن القاسم، قال: سمِعْتُ عامرَ بن عبد الله بن الزُّبير يحدِّث أن أباه حدَّثه، به.
فالحديث مدارُه - عندهم- على موسى بن إسماعيل، وهو أبو سلمة التَّبُوذَكي، عن الهُنَيْد بن القاسم
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه هُنَيْد بن القاسم، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 8/ 249)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 9/ 121)، وابن نُقْطةَ في (التكملة 247)، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حِبَّان في الثقات (5/ 515)، ولذا قال الذهبي:"ما علمِتُ في هُنَيدٍ جَرْحَةً "(السير 3/ 366).
قلنا: ولا يُعلم فيه تعديلٌ أيضًا، ولا يُعرَف روى عنه إلا موسى بن إسماعيل، ولذلك قال ابن المُلَقِّن:"هُنَيد لا يُعلم له حالٌ، قال الشيخ تقيُّ الدِّين في ((الإمام)): ليس في إسناده مَن يحتاج إلى الكشف عن حاله إلا هو"(البدر المنير 1/ 476).
والشيخ تقيُّ الدين هو ابن دقيق، وانظر كلامه في (الإمام 3/ 385).
وتحرَّف اسمُ هُنَيد على الحافظ ابن كثير، فخالف مَن سبَقَ ومَن سيأتي، حيث قال: "رواه البَيْهَقي من طريق
…
عُبيد بن القاسم
…
وهذا إسناد ضعيف، لحال عبيد بن القاسم الأَسَدي الكوفي؛ فإنه متروك الحديث، وقد كذَّبه يحيى بنُ مَعين" (الفصول في السيرة ص 305).
هكذا تحرَّف عليه اسمُ هُنَيد إلى عُبيد، فقال ما قال، وعُبَيد غيرُ هُنَيد.
وتحرَّف اسمُه أيضًا على الحافظ الهَيْثمي، فقال:"ورجال البزَّارِ رجالُ الصحيح غير جُنَيد بن القاسم، وهو ثقة"(المجمع 14010).
هكذا وقع في المطبوع "جنيد"، ووثَّقه، وذلك يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون اسمُ هُنَيد تحرَّف على الهَيْثمي نفْسِه، وتوثيقُه هذا لراوٍ آخَرَ اسمُه جُنَيد، ويؤيد ذلك: أن الهيثمي قال في حديث آخَرَ لهُنَيد: "في إسناده هُنَيد بن القاسم، وهو مجهول"(المجمع 66).
الاحتمال الثاني: أن يكون الهيثمي أراد بالتوثيق صاحبَنا هُنَيدًا فعلًا، وإنما تحرَّف اسمُه من النُّسَّاخ، ويؤيد ذلك أنه لا يُعرَف في الرواة الثقات مَن يسمَّى بجُنَيد بن القاسم، وعلى هذا الاحتمال يكون الهيثميُّ قد اضطرب في حكمه على هُنَيد، فوثَّقه هنا، وحكم عليه بالجهالة في موضع آخَرَ! وعلى الاحتمال الأول يَسلَم من هذا الاضطراب.
وأما تلميذُه الحافظ ابن حَجَر، فقال:"في إسناده الهُنَيد بن القاسم، ولا بأس به، لكنه ليس بالمشهور بالعلم"(التلخيص 1/ 44، 45).
وقال البُوصِيري: "هذا إسناد حسَن"(إتحاف الخيرة 4/ 434)، وقال في موضع آخَرَ:"هذا حديث حسَن"(إتحاف الخيرة 7/ 91)! ! .
وحسَّن السُّيوطيُّ سندَه في (الخصائص الكبرى 2/ 376)، وقال عنه في موضع آخَرَ:"جيِّد"(مناهل الصفا / 72)! ! .
قلنا: والراجح أن حال هذا الراوي لا يحتمل منه التفرُّد، لاسيما بمثل هذا الحديث، ولاسيما عن مثل عامر بن عبد الله بن الزبير، ولذا فتحسينُ حديثِه يحتاج إلى متابعة أو شاهدٍ معتبَر يقوِّيه، وإلا فهو منكر.
فإن قيل: قد وُجد له ذلك، فقد قال البزَّار عَقِبه:"قد رُوي عن ابن الزُّبير من وجْه آخَرَ"، وقال البَيْهَقي عَقِبه أيضًا:"ورُوي ذلك من وجهٍ آخَرَ عن أسماء بنت أبي بكر، وعن سَلْمان"، وقال ابن حَجَر عَقِبه أيضًا:"وله شاهدٌ من طريق كَيْسان مولى ابن الزبير، عن سَلْمان الفارسي، رُوِّيناه في جزء الغِطْرِيف"(الإصابة 6/ 152).
فالجواب: أمَّا شاهِدُ سَلْمان، فأخرجه الغِطْرِيفي في (جزء ابن الغِطْريف 65) -ومن طريقه ابن عساكر في التاريخ (20/ 233، 28/ 162) - والخطَّابي في غريب الحديث (1/ 315) مختصرًا، وأبو نُعَيم في (الحلية 1/ 330) من طريق سعد أبي عاصم مولى سُلَيمان بن عليٍّ، عن كَيْسانَ مولى عبد الله بن الزبير، عن سَلْمان الفارسيِّ: أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا عبدُ الله بن الزُّبير معه طَسْتٌ يَشرَب ماءً فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مَا شَأْنُكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ ))، قال: إني أحببتُ أن يكون من دم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوفي، فقال:((وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، لَا تَمَسُّكَ النَّارُ إِلَّا قَسَمَ الْيَمِينِ)) اهـ، لفظ الغِطْرِيفي.
ولفظ أبي نُعَيم عن سعد قال: زعم لي كَيْسانُ مولى عبد الله بن الزُّبير قال: دخل سَلْمانُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عبدُ الله بن الزُّبير معه طَسْتٌ يشرَبُ ما فيها، فدخل عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:((فَرَغْتَ؟ ))، قال: نعم، قال سلمان: ما ذاك يا رسول الله؟ قال: ((أَعْطَيْتُهُ غُسَالَةَ مَحَاجِمِي يُهْرِيقُ مَا فِيهَا))، قال سلمان: ذاك شَرِبه والذي بعثك بالحق، قال:((شَرِبْتَهُ؟ ))، قال: نعم، قال:((لِمَ؟ ))، قال: "أحببتُ
…
" الخ، وهذا مرسَل.
وسنده ضعيف؛ فيه سعد بنُ زياد أبو عاصم مولى سُلَيمان بن عليٍّ، ذكره ابن حِبَّان في (الثقات 6/ 378)، وقال أبو حاتم: "يُكتب حديثُه وليس
بالمتين" (الجرح والتعديل 4/ 83)، واقتصر الذهبيُّ في (الميزان 2/ 120) و (المغني 2339) على قول أبي حاتم، ولم يحْكِ غيرَه.
وشيخُه كَيْسان مولى عبد الله بن الزُّبير، لا يُعرَف إلا في هذا الحديث، ولم نجد مَن ترجم له بعد عناءٍ وطولِ بحث، ثم إن روايته عند أبي نُعَيم ظاهرُها الإرسال، فحالُ هذا الشاهدِ أضعفُ من حديث هُنَيْد، ومع ذلك قال صاحب (كَنز العمال 13/ 202):"رجاله ثقات"! .
وأما الشاهد الثاني-حديث أسماء-، فساقطٌ لا يُفرَح ولا يُعتدُّ به، أخرجه البَغَوي في (معجم الصحابة 1503) -ومن طريقه الدَّارَقُطْني في (السنن 1/ 228)، وابنُ عساكر في التاريخ (28/ 162) - عن محمد بن حُمَيد الرازي، عن عليِّ بن مجاهد، عن رَباحٍ النُّوبي مولى آلِ الزُّبير قال: سمِعْتُ أسماءَ بنت أبي بكر تقول للحَجَّاج: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجَمَ، فدَفع دمَه إلى ابني، فشرِبه، فأتاه جبريلُ عليه السلام فأخبره، فقال:((مَا صَنَعْتَ؟ )) قال: كرِهتُ أن أَصُبَّ دمَك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لَا تَمَسُّكَ النَّارُ))، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، وقال:((وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ)).
وسنده تالفٌ، فيه عللٌ:
الأولى: محمد بن حُمَيد هو الرازيُّ؛ رُمي بسرقة الأحاديث، وكذَّبه أبو زُرْعة وغيرُه (تهذيب التهذيب 9/ 129 - 131).
الثانية: عليُّ بن مجاهد الرازي؛ "متروك" كما في (التقريب 4790)، وكذَّبه يحيى بن الضُّرَيس وغيرُه كما في (الجرح والتعديل 6/ 205).
الثالثة: رَباح النُّوبي، قال فيه الذهبي:"ليَّنه بعضُهم، ولا يُدرَى مَن هو"(الميزان 2/ 38).
ولذا ضعَّفه عبد الحق، وابنُ دقيق، وابن المُلَقِّن، وابن حَجَر، وغيرُهم، كما سيأتي بيانُه في موضعه من هذه الموسوعة، وانظر:(الأحكام الوسطى 1/ 232)، و (البدر المنير 1/ 478، 479) و (التلخيص 1/ 45).
[تنبيه]:
قال ابن الصلاح في كلامه على ((الوسيط)): "إن حديث عبد الله بن الزبير هذا لم نجد له أصلًا بالكلية"، نقله ابنُ المُلَقِّن في (البدر المنير 1/ 479)، وتعجَّب منه، وقال ابن حَجَر:"كذا قال! وهو متعقَّب"(التلخيص 1/ 45).
قلنا: ويمكن أن يُحمَل كلامُه على أنه لم يجد له أصلًا يحتجُّ به أو يعتمدُ عليه، والله أعلم.
* * *
1053 -
حَدِيثُ سَفِينَةَ:
◼ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، [فَأَعْطَانِي الدَّمَ]، فَقَالَ لِي: ((خُذْ هَذَا الدَّمَ فَادْفِنْهُ مِنَ الطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ وَالنَّاسِ))، [فَأَخَذْتُهُ] فتَغَيَّبْتُ، فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ سَأَلَنِي أَوْ أُخْبِرَ أَنِّي شَرِبَتْهُ، فَضَحِكَ".
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ، بِلَفْظ: "
…
وَقَالَ لِي: ((غَيِّبِ الدَّمَ))، فَذَهَبْتُ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ لِي:((مَا صَنَعْتَ؟ ))، فَقُلْتُ: غَيَّبْتُهُ، فَقَالَ:((شَرِبْتَهُ؟ ))، قُلْتُ: نَعَمْ".
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ، بِلَفْظ: "
…
فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَوَارِهِ))، فَذَهَبْتُ، فَشَرِبْتُهُ، فَرَجَعْتُ، فَقَالَ:((مَا صَنَعْت بِهِ؟ )) قُلْتُ: وَارَيْتُهُ أَوْ قُلْتُ: شَرِبْتُهُ. قَالَ: ((احْتَرَزْتَ مِنَ النَّارِ)).
[الحكم]:
منكر، وإسناده ضعيف، وضعَّفه البخاري، وابنُ عَدِي، وابن حِبَّان، وعبد الحق، وابن الجوزي، وابن كَثير، والذهبي، وابنُ طاهر القَيْسَراني، وابن المُلَقِّن، والبُوصِيري.
[التخريج]:
تخريج الرواية الأولى: [عل (مط 3822، خيرة 6454) / طب 6434/ تخ (4/ 209) "واللفظ له" تخث (السفر الثاني 2866) / ني 673 "والزيادتان له" / لي 526 "رواية ابن يحيى البيع" / عد (2/ 513) ، (7/ 405) / صحا 3515 / هق 13538 / شعب 6070]
تخريج الرواية الثانية: [بز 3834].
تخريج الرواية الثالثة: [مجر (1/ 108) / علج 285].
[السند]:
رواه البخاري في (التاريخ الكبير 4/ 209) عن عبد العزيز الأُوَيْسي.
والبزَّار في (المسند 3834) عن إسحاق بن حاتم.
وأبو يَعلَى كما في (المطالب 3822) عن إبراهيم بن محمد بن عَرْعَرة.
والمَحَامِلي في (الأمالي 526 رواية البيع) عن عليِّ بن شعيب.
وابن أبي خَيْثَمة في (التاريخ/ السفر الثاني 2866) عن إبراهيم بن حمزة المدني.
والطبراني في (الكبير 6434) من طريق إبراهيم بن حمزة، وأحمد بن صالح.
والرُّوياني في (المسند 673) من طريق دُحَيْم عبد الرحمن بن إبراهيم.
وابن حِبَّان في (المجروحين 1/ 108) - ومن طريقه ابن الجوزي في (العلل 285) - من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن بن مَهْدي.
وابن عَدِي في (الكامل 296) - ومن طريقه البَيْهَقي في (الكبرى 13538) - من طريق سُرَيج بن يونس.
وأبو نُعَيم في (المعرفة 3515) من طريق محمد بن زياد بن فَرْوة.
والبَيْهَقي في (الشُّعب 6070) من طريق محمد بن عُمر بن الوليد.
كلُّهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فُدَيْك، عن بُرَيْه
(1)
بن عُمر بن
(1)
- وقع في طبعتَي الشُّعَب: "يزيد"! ونَّبه محقِّق طبعة الرشد على هذا الخطإِ ظانًّا أنه صُوِّب في طبعته، وليس كذلك! .
سفينة، عن أبيه، عن جدِّه، به.
وفي رواية البزَّار: "إبراهيم بن عمر"، وهذا هو الاسم، وبُرَيْه لقبٌ.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: بُرَيْه، وهو إبراهيم بن عُمَر بن سفينة؛ قال البخاري:"إسناده مجهولٌ"(التاريخ الكبير 2/ 149)، وقال العُقَيلي:"لا يتابَع على حديثه، ولا يُعرَف إلا به"(الضعفاء 209)، وقال ابن حِبَّان:"يخالف الثقاتِ في الروايات، ويروي عن أبيه ما لا يتابَع عليه من رواية الأثبات، فلا يحلُّ الاحتجاجُ بخبره بحال"(المجروحين 1/ 108)، ثم أعاده في (الثقات 6/ 119) وقال:"كان ممن يخطِئ"! ، قال ابن حَجَر:"فكأنه ظنَّه اثنين"(تهذيب التهذيب 1/ 434)، وذكره الدارَقُطْني في (الضعفاء والمتروكين 10)، وقال:"لا يُعرف أبوه إلا به"، فإدخاله له في ضعفائه يَقْضي بضعفه عنده؛ ولذا قال الذهبي:"ضعَّفه الدارَقُطْني"(الميزان 1/ 51)، وفي (المغني 138)، وقال في موضع آخَرَ:"ضعَّفه النَّسائي"(الديوان 221)، وهذا النقل عن النَّسائي تفرَّد به الذهبيُّ إلا أن يكون أراد الدارَقُطْنيَّ، فسبقه القلم، والله أعلم. وقد قال الذهبي أيضًا في ترجمة عُمرَ والدِ بُرَيْه:"وتفرَّد بُرَيْه عن أبيه بمناكيرَ"(الميزان 3/ 201).
وفي المقابل قال ابن عَدِي: "وإنما ذكرتُه في كتابي هذا-ولم أجد للمتكلمين في الرجال لأحد منهم فيه كلامًا-، لأني رأيتُ أحاديثَه لا يتابِعه عليها الثقاتُ
…
وأرجو أنه لا بأس به" (الكامل 2/ 514).
قلنا: كيف يكون لا بأس به وأحاديثُه لا يتابعُه عليها الثقاتُ؟ ! ثم إن غير
واحد من المتكلمين في الرجال قبلَه قد تكلَّموا فيه وجهَّلوه كما سبق، ولذا قال ابن حَجَر:"مستور"(التقريب 221).
الثانية: عُمر بن سفينة؛ مختلَفٌ فيه، فقال فيه البخاري:"إسناده مجهول"(التاريخ الكبير 6/ 160)، وقال العُقَيلي:"حديثه غير محفوظ، ولا يُعرَف إلا به"(الضعفاء 1161)، وقال أبو حاتم:"شيخ"(الجرح والتعديل 6/ 113)، وذكر ابن عَدِي كلمةَ البخاري ثم قال: "وقد روَى ابن أبي فُدَيْك عن بُرَيْه عن أبيه عُمرَ أحاديثَ
…
وهي أحاديثُ إفرادات، لا تُروَى إلا من طريق بُرَيْه عن أبيه" (الكامل 7/ 405)، وهذه الإفرادات عبَّر عنها الذهبيُّ بالمناكير كما تقدَّم، وسبَق قولُ الدارَقُطْني في بُرَيه بن عُمر: "لا يُعرَف أبوه إلا به"، ولذا قال الذهبي في عُمر: "لا يُعرَف" (المغني 4475) و (الميزان 3/ 201).
وفي المقابل قال أبو زُرْعة: "صدوق"(الجرح والتعديل 6/ 113)، ووثَّقه العِجْلي في (الثقات 1347)، وذكره ابن حِبَّان في (الثقات 5/ 149) وقال:"يخطئ"، وقال الحافظ:"صدوق"(التقريب 4908).
* والحديث ضعَّفه غيرُ واحد من أهل العلم:
فقال البخاري: "في إسناده نظرٌ"(التاريخ الكبير 4/ 209)، وقد سبَق أيضًا أنه حكَم على إسناده بأنه مجهول، وأقرَّه ابن عَدِي في ترجمة عُمر بن سفينة، وبيَّن أن أحاديث ابنِه عنه إفراداتٌ، يعني: غرائبَ، أو مناكيرَ كما صرَّح به الذهبيُّ.
وأعلَّه ابن حِبَّان في (المجروحين 1/ 108) بإبراهيمَ بنِ عُمر.
وضعَّفه عبد الحق بأن قال: "قال فيه أبو أحمد: إسنادٌ مجهول" (الأحكام
الوسطى 1/ 232)، وأبو أحمدَ هو ابن عَدِي، وهذه الكلمة هي في الأصل كلمةُ البخاري، أسنَدَها عنه ابنُ عَدِي كما سبق.
وقال ابن الجوزي: "حديث لا يصحُّ"(العلل 1/ 181).
وقال ابن كَثير: "حديث ضعيف؛ لحالِ بُرَيه هذا، واسمه إبراهيم، فإنه ضعيف جدًّا"(الفصول في السيرة / ص 305).
وعدَّه الذهبيُّ في مناكيرِ بُرَيه (الميزان 1/ 306)، وانظر (3/ 201).
وقال ابن طاهر القَيْسَرانيُّ: "رواه بُرَيه بن عُمَر بن سفينة
…
ولم يتابَع بُرَيه على روايته" (ذخيرة الحفاظ 116).
وقال ابن المُلَقِّن: "حديث ضعيف"(البدر المنير 1/ 480).
وقال البُوصِيري: "هذا إسناد مجهول، لجهالة بعضِ رواته"(إتحاف الخيرة 7/ 92).
ومع كل ما سبق يقول الهَيْثمي: "ورجال الطبرانيِّ ثقاتٌ"!! (المجمع).
[تنبيه]:
جاء في رواية ابن حِبَّانَ لهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسفينةَ: ((احْتَرَزْتَ مِنَ النَّارِ))، وقد روَى هذا الحديثَ عن بُرَيه عددٌ كبير من الرواة الثقات، ولم يذكر واحدٌ منهم هذه الجملةَ، ولم تَرِد إلا في رواية ابن حِبَّان، وهي عنده من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن بن مَهْدي، فيحتمل أن تكون هذه الزيادةُ مِن قِبَلِه، فإن له مناكيرَ كما في (الكاشف 166) و (التقريب 207).
* * *
1054 -
حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ:
◼ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((يَأْمُرُ بِدَفْنِ الدَّمِ إِذَا احْتَجَمَ)).
[الحكم]:
إسناده ساقط. وضعَّفه ابن عبد البر، والذهبي، والهَيْثمي، وابن حَجَر. وقال الألباني:"موضوع".
[التخريج]:
[طس 882 "واللفظ له" / سعد (1/ 385) / تخث (السفر الثاني 3444) / صمند (إصا 14/ 378) / صحا 7947]
[السند]:
رواه ابن سعد في (الطبقات)، قال: أخبرنا سعيد بن سُلَيمان، أخبرنا هَيَّاج بن بِسْطام، أخبرنا عَنْبَسَة بن عبد الرحمن، عن محمد بن زَاذَان، عن أم سعد، به.
ورواه الطبراني في (الأوسط) عن أحمدَ الحُلْواني، عن سعيد، به.
ورواه ابن أبي خَيْثَمة في (التاريخ)، قال: حدثنا محمد بن بكَّار، قال، حدثنا هَيَّاج بن بِسْطام، به.
ومدارَهُ- عند الجميع- على عَنْبَسَةَ، عن محمد بن زَاذَانَ، عن أم سعد، به.
قال الطبراني: "لا يُروَى هذا الحديثُ عن أم سعد إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به عَنْبَسَة".
[التحقيق]:
هذا إسناد ساقط؛ مسلسَل بالعِلل:
الأولى: عَنْبَسَة بن عبد الرحمن القرشي الأُمويُّ؛ قال الحافظ: "متروك، ورماه أبو حاتم بالوضع"(التقريب 5206).
وبه أعلَّ الحديثَ ابنُ حجر في (الإصابة 14/ 378).
الثانية: محمد بن زَاذَانَ المَدَني؛ "متروك" أيضًا (التقريب 5882).
وأشار ابن عبد البر إلى علة أخرى في الإسناد، وهي:
الثالثة: الانقطاع بين ابن زاذانَ وأمِّ سعد، قال ابن عبد البر: "أم سعد بنت زيد
…
روَى عنها محمدُ بن زاذانَ، يقال: إنه لم يسمع منها، وبينهما عبد الله بن خارِجة" (الاستيعاب 4/ 1938).
وقال المِزِّي بعد أنْ ذَكرَ روايةَ ابنِ زاذانَ عن أم سعد: "وقيل: عن محمد بن زاذان، عن عبد الله بن خارجة، عنها"(التهذيب 35/ 363).
قال ابن حَجَر: "وكذا وقع في معرفة الصحابة أن محمد بن زاذان لم يَسمع منها"(النكت الظراف/ مع التحفة 13/ 81).
ولكن ابن حجر بعد أن ذكر كلامَ ابنِ عبد البر السابقَ وفيه أيضًا قولُ ابن عبد البر: "لها عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثُ منها: ((أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِ الدَّمِ إِذَا احْتَجَمَ))، علَّق عليه ابنُ حجر قائلًا: "قلت: وصَلَه ابنُ ماجَهْ، والحَسن بن سُفيان، وأبو يَعلَى، وابن مَنْدَه، وغيرُهم" (الإصابة 14/ 378).
فتعقَّبه الألبانيُّ قائلًا: "قلت: وهذا وهَمٌ من الحافظ رحمه الله؛ فإن ابن ماجَهْ لم يروِ لها هذا الحديثَ ولا غيرَه سوى حديثٍ واحدٍ في فضْل الخَل"(الضعيفة 6327).
قلنا: يحتمل أن يكون مرادُ الحافظ هو مجردَ دفْعِ الانقطاع الذي أشار إليه ابنُ عبد البر في هذا الإسناد، بغض النظر عن المتن، فاستدَلَّ لذلك بأنه قد جاء عند ابنِ ماجَهْ وغيرِه ما يدلُّ على الاتصال بين ابن زَاذَانَ وأمِّ سعد، فإن ابن زاذانَ قد قال في حديث الخَلِّ الذي خرَّجه ابنُ ماجَه:"حدثتْني أمُّ سعد"، فذَكر السماعَ، وعلى هذا التأويلِ يكون الضميرُ في قوله:"وصَلَه" عائدًا على الإسناد، وحينئذ يكون الجوابُ على ذلك بأنه لا يُعتدُّ بسماعٍ جاء من طريق تالفٍ، والله أعلم.
وقد ضعَّف الحديثَ الذهبيُّ؛ فقال في ترجمة أم سعد: "لها حديثٌ واهٍ، في دفن دم المَحْجوم"(تجريد أسماء الصحابة 3896).
وقصَّر الهيثميُّ في الكلام على إسناد هذا الحديث، فقال:"فيه هَيَّاج بنُ بِسْطام، وهو ضعيف"(المجمع 8341)! ! .
قلنا: نعم، هيَّاجٌ ضعيفٌ كما في (التقريب 7355)، ولكن قد تابعه اثنان، وإليك بيان حالِهما:
المتابِع الأول: غَسَّان بن مالك:
أخرج روايتَه ابنُ مَنْدَه-كما في (الإصابة) - قال: أخبرنا عليُّ بن محمد بن نصر، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا غَسَّان بن مالك، به.
وعليُّ بن محمد بن نصر هو ابن حَمْشَاذَ الحافظُ، ترجمَتُه في (السِّيَر 15/ 398).
وشيخه محمد بن أيوبَ بن الضُّرَيس ثقة حافظ، ترجمته في (السير 13/ 449).
فأما غسَّانُ، فمختلَفٌ فيه؛ فقال العُقَيلي:"مجهول"(الضعفاء 1488)،
وقال أبو حاتم: "ليس بقوي، بيِّنٌ في حديثه الإنكار"(الجرح والتعديل 7/ 50)، ولذا ذكره ابن الجوزي في (الضعفاء 2638).
وذكره ابن حِبَّان في (الثقات 9/ 2)، وقال ابن عَدِي في ترجمة ابنه خالد:"وأبوه معروفٌ ولا بأس به"(الكامل 4/ 335)، وكذا قال الذهبي في ترجمة خالد:"وأبوه صدوق"(تاريخ الإسلام 6/ 941)، مع أنه اقتصر في ترجمة غَسَّانَ على قوله:"ليَّنَه أبو حاتم"(تاريخ الإسلام 5/ 653)، واعتمد كلمتَه في (الديوان 3331) وغيرِه.
وفرَّق ابنُ حجر في (اللسان 6/ 307) بين الذي ليَّنَه أبو حاتم وبين الذي قال فيه العُقَيلي: "مجهول"، ولم يُصِبْ في ذلك.
المتابِع الثاني: عثمان بن عبد الرحمن:
أخرج روايتَه أبو نُعَيم في (المعرفة 7947)، قال: حدثنا أبو عَمرو بن حَمْدان، ثنا الحسن بن سُفيان، ثنا محمد بن عبد الله بن عَمَّار، ثنا عثمان يعني: ابنَ عبد الرحمن، عن عَنْبَسَة به.
وابن حَمْدانَ ثقةٌ حافظ، ترجمتُه في (السير 16/ 356)، ومِثْلُه الحسن وهو النَّسَوي، ترجمتُه أيضًا في (السير 14/ 157)، وابن عمَّار هو المُخَرِّمي المَوْصلي، ثقة حافظٌ أيضًا، ترجمتُه في (التقريب 6036).
فأما عثمان بن عبد الرحمن فهو الطَّرائِفي، صدوق، ووثَّقه ابنُ مَعِين وغيرُه، وإنما تُكلِّم فيه من أجل كثرةِ روايته عن الضعفاء والمجهولين، وترجمَتُه في (تهذيب التهذيب 7/ 135)، و (التقريب 4494).
ورماه ابنُ حِبَّان في (المجروحين 2/ 70) بالتدليس عن الضعفاء، وردَّه الذهبي في (الميزان 3/ 45 - 46)، ولو كان دَلَّسَ هنا لأسقط عَنْبَسَةَ من
الإسناد.
فتانِكَ المتابَعتانِ تَمنعان مِن إعلال الحديث بهَيَّاج، ثم إنه لو لم يتابَع هَيَّاجٌ، فما كان ينبغي من الهَيْثمي أن ينُصَّ على ضعفه ويَدَعَ عَنْبَسَةَ وابنَ زَاذانَ المتروكين؛ ولذا تعقَّب الألبانيُّ ذاك الصنيعَ من الهَيْثمي، فقال بعد أن حَكَم على الحديث بالوضع وبيَّنَ علتَه: "وغفَل عنه الهَيثميُّ، فأعلَّه بمن دونه، فقال:
…
"، وذكر كلامَ الهَيْثمي، ثم قال: "قلت: وهذا إعلالٌ قاصر؛ لأمرين، الأول: أنه لم يتفرَّد به
…
والآخَر: أن عَنْبَسَة شرٌّ بكثير من هَيَّاج بن بِسْطام، فإن هذا قد وُثِّق، وقال الحافظ في "التقريب":"ضعيف"، فأين هذا من قوله المتقدِّمِ في عَنْبَسَة: إنه من المتروكين؟! ونحوه محمد بن زَاذانَ" (الضعيفة 6327).
[تنبيه]:
لم تُنسَب أمُّ سعد في رواية ابن سعد وابنِ مَنْدَه، وجاء في رواية الطبراني:"عن أم سعد، امرأةِ زيد بن ثابت"، بينما جاء في رواية ابنِ أبي خَيْثَمة وأبي نُعَيم:"عن أم سعد بنت زيد بن ثابت"، وهذا هو الذي اعتمده ابنُ عبد البر وابنُ الأثير وابنُ حَجر في ترجمتها، وأشار أبو نُعَيم وابنُ الأثير للوجه الآخَر تمريضًا.
وأم سعد هذه لا تُعرَف صحبتُها إلا من هذا الوجه غيرِ الثابت سندًا، قال الدارَقُطْني:"محمد بن زاذان شاميٌّ، عن محمد بن المُنْكَدِر، وأمِّ سعد الأنصاريةِ، وهي لا تُعرَف إلا به"(الضعفاء والمتروكون 468).
* * *
1055 -
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ:
◼ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((ادْفِنُوا دِماءَكُمْ وأشْعارَكُمْ وأظْفارَكُمْ، لَا تَلْعَبْ بِهَا السَّحَرَةُ)).
[الحكم]:
إسناده ساقط. وقال الألباني: "موضوع".
[التخريج]:
[فر (ملتقطة 1/ ق 18)]
[السند]:
رواه الدَّيْلمي في (مسند الفردوس) - كما في (الغرائب الملتقطة) -: عن الحسن بن الحسين بن دُومَا، حدثنا أبو سعيد بن رُمَيْح، حدثنا محمد بن عَقِيل، حدثني إبراهيم بن محمد بن الحسين، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن مُقاتِل بن حَيَّان، عن أبي الزُّبَير، عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ساقط؛ فيه علل:
الأولى: الحسن بن دينار؛ متروك، وكذَّبه غيرُ واحد من الأئمة، انظر:(تهذيب التهذيب 2/ 275 - 276).
الثانية: الحسن بن الحسين بن دُومَا، قال الخطيب:"كان كثيرَ السماع، إلا أنه أَفسد أمرَه بأنْ ألْحقَ لنفْسِه السماعَ في أشياءَ لم تكن سماعَه"(تاريخ بغداد 3765)، قال الذهبي:"يعني: زَوَّر"(الميزان 1/ 485)، وقال في (تاريخ الإسلام 9/ 502):"ضعيف".
الثالثة: إبراهيم بن محمد بن الحسين البخاري، ترجم له ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 130) وابن ماكولا في (الإكمال 7/ 14) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
الرابعة: والد إبراهيم: محمد بن الحسين البخاري، ذكره ابن حِبَّان في (الثقات) وقال:"يُعتبَر حديثُه إذا بيَّن السماع في روايته". ولهذه العبارة ذَكره ابنُ حجر في المدلسين (التقديس 94)، والشأن هنا ليس في تدليسه؛ فقد صرَّح بالسماع، وإنما الشأنُ في قول ابن حِبَّان:"يُعتبَر حديثُه" أي: في المتابعات، وليس ثَمَّةَ متابِعٌ؛ فلا يُحتجُّ بحديثه.
وأما شيخُه عيسى بنُ موسى فهو غُنْجار محدِّثُ بُخَارَى، مختلَفٌ فيه، وهو كما قال الذهبي:"صدوق في نفْسِه إن شاء الله، لكنه روَى عن نحو مائةِ مجهول"، وقد رماه ابن حِبَّان بالتدليس عن الثقات، ولو دلَّس لأسقط شيخَه، انظر:(الميزان 3/ 325)، (تهذيب التهذيب 8/ 233).
وبقية رجال الإسناد ثقاتٌ مشهورون، فأبو سعيد بن رُمَيح حافظٌ ثقة، ترجمَتُه في (تاريخ بغداد 2623) و (السِّيَر 16/ 170)، ومحمد بن عَقِيل هو ابن الأَزْهر البَلْخيُّ، ثقةٌ حافظ، (السير 14/ 415)، ومُقاتِل بن حَيَّان ثقةٌ من رجال الصحيح (تهذيب التهذيب 10/ 278)، وأبو الزُّبير هو محمد بن مسلم، من رجال الصحيح، وتقدَّم ذِكرُه مِرارًا.
والحديث ذكره الألباني في (الضعيفة 2179)، و (ضعيف الجامع 262)، وقال:"موضوع".
هذا وقد أشار الحافظ إلى إعلاله في (الغرائب الملتقطة 1/ ق 18)؛ حيث قال- عَقِبَه: "قلت: الحسن بن دينار
…
وابن رُمَيح
…
وابن دُومَا
…
".
كذا ذَكَرهم وبيَّضَ لهم، ولم يقل فيهم شيئًا.
قال الألباني: "ويَكثر مِثْلُ هذا البياضِ فيه، وكأن الحافظ كان لا يستحضر بدقة حالةَ هؤلاء الرواةِ، فيُبيِّضُ لهم إلى أن يُراجِع، ثم عاجلَتْه المَنِيَّةُ، فلم يتمكَّنْ من ذلك"(الضعيفة 5/ 203).
* * *
1056 -
حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ:
◼ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((ادْفِنُوا شُعُورَكُمْ وَأَظْفَارَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ؛ لَا يَلْعَبْ بِهَا سَحَرَةُ بَنِي آدَمَ)).
[الحكم]:
مرسَل، وهو ضعيف الإسناد جدًّا، وضعَّفه ابن حِبَّانَ وابنُ طاهر القَيْسَراني.
[التخريج]:
[حرب (طهارة 427)]
[السند]:
أخرجه حرْب الكَرْماني في (مسائله)، قال: حدثنا عَمرو بن عُثمان، قال: حدثنا اليَمَان بن عَدِي، عن زُهَير بن محمد، عن الزُّهْري، عن قَبِيصَة بن ذُؤَيب، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد واهٍ؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: اليَمَان بن عَدِي الحِمْصي؛ ضعَّفه أحمدُ والدارَقُطْني (تهذيب التهذيب 11/ 406)، وقال البخاري:"في حديثه نظرٌ"(التاريخ الكبير 8/ 425)، وقال ابن حِبَّان: "كان ممن يُخْطئ، لم يفْحُش خَطؤُه حتى خرج به عن حد العدالة إلى الجرْح، ولا اقتصر منه على ما لم ينفَكَّ منه البَشَرُ فيكون محتجًّا به، فهو عندي يُترَك الاحتجاجُ بما انفرد من الأخبار، وإنِ اعتبَر بما وافق الثقاتِ معتبِرٌ لم أرَ بذلك بأسًا، روى عن زُهَير
…
" وذكر له هذا الحديثَ وآخَرَ معه، (المجروحين 2/ 497 - 498)، وقال أبو أحمدَ
الحاكمُ: "ليس بالقوي عندهم"(تهذيب التهذيب 11/ 406).
وفي المقابل: قال أبو حاتم: "صدوق"(الجرح والتعديل 9/ 311)، وقال ابن عَدِي:"لليَمَان أحاديثُ، يَروي عن الزُّبَيدي وعن غيره من أهل حِمص بأحاديثَ غرائبَ، وأرجو أنه لا بأس به"(الكامل 10/ 491)، وتوسَّط ابنُ حجر فقال:"ليِّنُ الحديث"(التقريب 7853).
قلنا: هو ضعيف، فلأبي حاتم قولٌ آخَرُ لم ينقُلْه أصحابُ التراجم، وهو قوله:"واليَمان هذا شيخٌ ضعيف الحديث"(علل الحديث 1143).
هذا، وقد نَقَل ابنُ الجوزي في (الموضوعات 3/ 76 - 483) عن أحمدَ أنه نَسَب اليَمانَ هذا إلى وضْع الحديث! وهذا تفرَّد بنقله ابنُ الجوزي كما قال الألباني في (الضعيفة 7/ 271)، والذي نراه- والله أعلم- أنه اشتبَه عليه كلمةُ أحمدَ:"رَفَعَ حديثَ التفليس" فقرأها ابنُ الجوزي: "وَضَعَ .. "! ، ولذا قال ما قال.
الثانية: زُهَير بن محمد، أبو المُنْذر العَنْبَري؛ تُكُلِّم في حفظه عامَّةً، وفي رواية الشاميِّين عنه خاصَّةً؛
فأمَّا بشأن الكلام في حفْظِه:
فقال أبو حاتم الرازي: "مَحَلُّه الصدقُ، وفي حفظِه سُوء، وكان حديثُه بالشام أَنْكرَ من حديثه بالعراق؛ لسوء حفظه
…
فما حدَّث مِن كُتبه فهو صالح، وما حدَّث من حفظه ففيه أغاليطُ" (الجرح والتعديل 3/ 589)، وقال عثمان الدارِميُّ: "ثقة صدوقٌ، وله أغاليطُ كثيرة"، وضعَّفه أبو زُرْعة والنَّسائيُّ وغيرُهما (تهذيب التهذيب 3/ 349 - 350)، وقال موسى بن هارون: "أرجو أنه صدوق، كثيرُ الخطإِ" (تاريخ دمشق 19/ 123)، وقال
ابن عبد البر: "زُهَير بن محمد عندَهم سيِّئُ الحفظ، كثيرُ الغلط، لا يُحتجُّ به"(التمهيد 2/ 145).
وفي المقابل: وثَّقه أحمد، وفي رواية قال:"مستقيم الحديث"، وفي ثالثة قال:"مقارِب الحديثِ"، وفي رابعة قال:"ليس به بأس"، واختلفَتِ الروايةُ عن ابن مَعِين في توثيقه وتضعيفه، والتوثيق أصَحُّ، انظر:(تهذيب التهذيب 3/ 349).
وأما بشأن الكلام في رواية الشاميِّين عنه:
فقال أحمدُ-وذَكرَ روايةَ الشاميِّين عنه-: "يَرْوُون عنه أحاديثَ مناكيرَ هؤلاء، ثم قال: ترَى هذا زهير بن محمد الذي يَرْوُون عنه أصحابُنا؟ ! ثم قال: أمَّا روايةُ أصحابِنا عنه فمستقيمةٌ"(تهذيب التهذيب 3/ 349)، وقال البخاري: روَى عنه أهلُ الشام أحاديثَ مناكيرَ، قال أحمد: كأنَّ الذي روَى عنه أهلُ الشام زهيرٌ آخَرُ، فقُلِب اسمُه" (التاريخ الكبير 3/ 427)، وقال البخاري: "ما روَى عنه أهلُ الشام فإنه مناكيرُ، وما روَى عنه أهلُ البصرة فإنه صحيح"، (تهذيب التهذيب 3/ 349)، وقال أيضًا: "أنا أتَّقي هذا الشيخَ، كأن حديثَه موضوع، وليس هذا عندي زهير بن محمد، وكان أحمد بن حنبل يضعِّف هذا الشيخَ، ينبغي أن يكون قَلَبَ اسمَه أهلُ الشام، يَرْوُون عن زهير بن محمد هذا مناكيرَ" (علل التِّرْمذي 713)، وقال التِّرْمذي: قال ابن حَنْبل: "كأنَّ زهيرَ بن محمد الذي وقع بالشام، ليس هو الذي يُروَى عنه بالعراق، كأنه رجلٌ آخَرُ قَلَبوا اسمَه"، يعني: لِمَا يَرْوُون عنه من المناكير"(جامع التِّرْمذي ح 3291)، قال ابن رجب:"يعني: سمَّوْا رجلًا ضعيفًا زهيرَ بن محمد، وليس بزهير بن محمد الخُراساني"(شرح العلل 2/ 822).
وأما ابن عَدِي فقال: "لعل الشاميين حيث رَوَوْا عنه أخطأوا عليه، فإنه إذا حدَّث عنه أهلُ العراق فرواياتُهم عنه شِبْهُ المستقيم، وأرجو أنه لا بأس به"(الكامل 5/ 142)، قال ابن رجب:"وفصْلُ الخطابِ في حال رواياته: أن أهل العراق يَرْوُون عنه أحاديثَ مستقيمة، وما خُرِّج عنه في الصحيح فمِن رواياتهم عنه، وأهل الشام يَرْوُون عنه رواياتٍ منكَرةً"(شرح علل التِّرْمذي 2/ 777).
قلنا: وهذا فيه نظرٌ من وجهين:
الأول: أنه قد جاءت المناكيرُ في حديث زُهَير من غير رواية الشاميِّين، كحديث ابن عُمر في قصة هَارُوتَ ومَارُوتَ، فهو من رواية يحيى بن أبي بُكَيْر البغداديِّ الكوفي عن زُهَير كما في (المسند 2/ 134) وغيرِه، وقد حَكَم عليه غيرُ واحد بالنَّكارة، ومنهم الإمام أبو حاتم كما في (العلل 1699)، وانظر أيضًا غيرَ هذا الحديثِ في علل الدارَقُطْني (1957) مع مسند البزَّار (8334).
الثاني: أن الشيخين لم يُخرِّجا لزُهَير هذا احتجاجًا، فأمَّا البخاريُّ، فقد قال ابن حَجَر: "قد أَخرج له الجماعةُ، لكن له عند البخاري حديث واحدٌ في كتاب المَرْضَى
…
((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ
…
)) الحديثَ، وقد تابعه الوليد بنُ كَثير عند مسلم، وأخرج البخاريُّ في الاستئذان بهذا الإسناد إلى زُهَيْر
…
حديثَ: ((إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ
…
)) الحديثَ، ولم يَنسب زُهَيرًا عنده، فذَكر المِزِّيُّ وغيرُه أنه زهير بن محمد، وقد تابعه عليه حفْصُ بن مَيْسَرة عندهما، والدَّرَاوَرْديُّ عند مسلم وأبي داودَ
…
وليس له في البخاري غيرُ هذا" (مقدمة الفتح ص 403).
قلنا: والحديثُ الأول- مع كونه انتقاءً كما هو ظاهرٌ- إنما خرجه
البخاري في الشواهد، فقد أخرجه قبلُ من حديث عائشةَ (الصحيح 5640).
وأما مسلم، فقد قال الذهبي:"أخرجه مسلم في الشواهد، قال الحاكم: "وهذا ممن خَفِيَ على مسلم بعضُ حاله؛ فإنه
…
ليس في الحديث بذاك"، انظر:(مَن تُكلِّم فيه وهو موثَّق 118).
قلنا: عدمُ احتجاجِه به يدلُّ على أنه لم يخْفَ عليه ذلك، لاسيما وأنه لم يُكْثِر من تخريج حديثِه، إنما أخرج له حديثين، كلاهما لأبي سعيد، أوَّلُهما برقْم (188)، وله عنده شاهدٌ من حديث ابن مسعود برقم (187)، والثاني برقْم (211) وله عنده شاهدان، أحدُهما من حديث ابن عباس (212) والثاني من حديث النُّعَمان بن بَشِير (213).
وعلى هذا فلم يُصِبِ الحافظُ في قوله: "وأفرط ابنُ عبد البر فقال: "إنه ضعيفٌ عند الجميع"، وتعقَّبه صاحبُ الميزان بأن الجماعة احتجُّوا به، وهو كما قال"! (المقدمة ص 403).
وخلاصة ما سبق: أن رواياتِ الشاميين عن زُهَير بن محمد منكَرةٌ، وحديثنا هذا من رواية اليَمان بن عَدِي عنه، واليَمان شاميٌّ؛ فيُعَدُّ هذا الحديثُ من المناكير التي رواها الشاميون عن زُهَير.
وقد أشار أحمدُ والبخاريُّ إلى أن زُهَيرًا الذي روَى عنه الشاميون يحتمل أن يكون رجلًا آخَرَ ضعيفًا، غيرَ الذي يروي عنه البصريون، وعلى هذا القولِ فهذا الرجلُ علةٌ في الإسناد بلا ريب.
وعلى القول بأنه واحد، فقد اختلَف فيه النُّقادُ بين مُوَثِّق ومضَعِّفٍ، ومنهم مَن توسَّط فوثَّقه على لِينٍ أو سُوء حفظ فيه، وهذا هو الذي اعتمده
الذهبي في (الديوان)، حيث قال:"زهير بن محمد التَّمِيمي الخراساني: ثقةٌ فيه لِينٌ"(ديوان الضعفاء 1486)، وقال ابن حَجَر: "روايةُ أهلِ الشام عنه غيرُ مستقيمة، فضُعِّف بسببها
…
وقال أبو حاتم: "حدَّث بالشام من حفظِه، فكثُرَ غلَطُه"(التقريب 2049).
العلة الثالثة: الإرسال؛ فروايةُ قَبيصَةَ بنِ ذُؤَيْب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسَلةٌ، وإنْ كانت له رؤيةٌ؛ فقد وُلِد عامَ الفتح وأُتِي به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليدعوَ له بالبركة، (تهذيب التهذيب 8/ 346، 347).
والحديثُ ذكره ابنُ القَيْسَراني في (تذكرة الحفاظ 36) وأعلَّه باليَمان بنِ عَدِي وبالإرسال معًا، وذكره أيضًا في (معرفة التذكرة 34).
* * *
1057 -
حَدِيثُ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ:
◼ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ:((ادْفِنْهُ؛ لَا يَبْحَثْ عَلَيْهِ كَلْبٌ)).
[الحكم]:
ضعيف؛ لإرساله أو إعضاله.
[التخريج]:
[مد 449 "واللفظ له" / سعد (1/ 385)]
[السند]:
رواه أبو داودَ في (المراسيل) عن محمد بن العلاء،
ورواه ابن سعد في (الطبقات) عن محمد بن مقاتِل،
كلاهما عن عبد الله بن المبارَك، عن الأَوْزاعي، عن هارونَ بنِ رِئاب، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله كلُّهم ثقاتٌ رجالُ الصحيح، لكنه مرسل، أو معضل؛ فهارونُ بن رِئاب قال فيه الحافظ:"ثقة عابدٌ من السادسة، اختُلِف في سماعه من أنس"(التقريب 7225).
والطبقة السادسة عند ابن حَجَر هي طبقةُ الذين عاصروا صغارَ التابعين، لكن لم يثبت لهم لقاءُ أحدٍ من الصحابة، ولذا قال الألباني:"ضعيف لإرساله، بل إعضاله؛ فإن هارون بن رِئاب قد اختُلِف في سماعه من أنس، فإذا لم يثبُتْ سماعُه منه ترجَّح الإعضالُ؛ لأن أَنَسًا متأخِّرُ الوفاة كما هو معروف، فإذا لم يسمع منه، فلَأَنْ لا يصحَّ له السماعُ من غيره أَوْلى"(السلسلة الضعيفة 2180).
* * *
1058 -
حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ:
◼ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِدَفْنِ الشَّعَرِ وَالظُّفُرِ وَالدَّمِ)).
[الحكم]:
ضعيف، وهو مرسَل أو منقطع.
[التخريج]:
[ش 26174]
[السند]:
رواه ابن أبي شَيْبة في (المصنف)، قال: حدثنا وَكِيع، عن عبد الجبار بن عبَّاس، عن رجل من بني هاشم، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه أو إعضاله؛ فإن كان الرجل الهاشميُّ صحابيًّا، فهو منقطع-أو معضل- بين عبد الجبار وبينه؛ فإن عبد الجبار من أتباع التابعين، ومُعْظم شيوخِه من صغار التابعين ومَن عاصرهم.
وإن كان الرجل الهاشميُّ من شيوخ عبد الجبار الذين أدركهم؛ فالإسناد مرسَل، أو معضل؛ إذْ ليس لعبد الجبار روايةٌ عن أحد من الصحابة.
وعبد الجبار هو ابن العباس الشِّبَاميُّ، مختلَفٌ فيه؛ فقال أحمد:"أرجو أن لا يكونَ به بأسٌ، وكان يتشيَّع"، وقال ابن مَعِين:"ليس به بأس"، وقال ابن أبي حاتم:"سألت أَبي عن عبد الجبار بن العباس الشِّبَامي، فقال: "ثقة"، قلتُ: "لا بأسَ به"؟ ، قال: "ثقة" (الجرح والتعديل 6/ 31)، وقال العِجْلي: "صُوَيْلِح، لا بأس به، وكان يتشيَّع" (الثقات 1004).
وفي المقابل قال أبو نُعَيم: "لم يكن بالكوفة أكذبُ منه"(الميزان 2/ 533)، وقال ابن سعد:"كان فيه ضعفٌ"(الطبقات 6/ 346)، وقال العُقَيلي:"لا يتابَع على حديثه"(الضعفاء 2/ 578)، وقال ابن حِبَّان:"كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الثقات، وكان غاليًا في التشيُّع، وكان أبو نُعَيم يقول: "لم يكن بالكوفة أكذبُ من عبد الجبار بن العباس وأبي إسرائيلَ المُلَائي" (المجروحين 2/ 145)، وقال ابن عَدِي: "ولعبد الجبار هذا غيرُ ما ذكرتُ، وعامَّةُ ما يرويه مما لا يُتابَع عليه (الكامل 8/ 420)، ورماه ابن الجوزي بالوضع، (الكشف الحثيث 422)، وحكَى ابنُ حَجَر هذا الخلافَ في (تهذيب التهذيب 6/ 103)، ثم لم يَزِدْ في (التقريب) على قوله:"صدوق يتشيَّع"! (التقريب 3741).
* * *
1059 -
حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ:
◼ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((كَانَ يُعْجِبُهُ دَفْنُ الدَّمِ)).
[الحكم]:
معضَل، وسنده ضعيف، وضعَّفه البَيْهَقي.
[التخريج]:
[جل (ترجل 155)]
[السند]:
رواه الخَلَّال في (الترجُّل)، قال: أخبرني عِصْمَة بن عصام ومحمد بن الصَّبَّاح، حدثنا يحيى بنُ اليَمان، عن سُفيانَ، عن ابن جُرَيج، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: الإعضال؛ فابن جُرَيج من الطبقة السادسةِ ممن عاصروا صغارَ التابعين، ولم يسمع أحدًا من الصحابة.
الثانية: يحيى بن اليَمان هو أبو زكريا العِجْلي؛ تُكُلِّم في حِفْظه عامَّةً، وضُعِّف في الثَّوريِّ خاصةً، ضعَّفه أحمدُ وغيرُه، كما تجدُه في (تهذيب التهذيب 11/ 306، 307)، وهذا من حديثه عن الثوري. وقال فيه الحافظ:"صدوق عابدٌ يُخْطئ كثيرًا، وقد تغيَّر"(التقريب 7679).
والحديث أعلَّه البَيْهَقيُّ في (الآداب 2/ 257) بالانقطاع.
هذا، ولو كان يصِحُّ في دفن الشعر والأظفارِ شيءٌ لَمَا اعتمدَ الإمام أحمدُ على أثرٍ موقوف عن ابن عُمر، وليس سندُه بذاك، فقد ذكر الخَلَّال في (التَّرجُّل 152) عن مُهَنَّا، قال: سألتُ أحمدَ عن الرجل يأخذ من شعره ومن
أظفاره، أيَدْفِنُه أو يُلْقيه؟ قال: يَدفِنُه. قلت: بَلَغك فيه شيءٌ؟ قال: كان ابنُ عُمر يدفِنه. قلت: عمَّن هذا الحديثُ؟ فحدثني أحمدُ: عن عبد الرحمن بن مَهْدي، عن العُمَري، عن نافع، عن ابن عُمر: كان يفعلُه. اهـ.
قلنا: والعُمَري هذا هو عبد الله بن عُمر بنِ حفْص أخو عُبيدِ الله، وهو ضعيف كما سبق مرارًا، (التقريب 3489).
* * *