الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
143 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي خِفَّةِ اللِّحْيَةِ
954 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (([إِنَّ] مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّة لِحْيَتِهِ (خِفَّةَ عَارِضَيْهِ))).
[الحكم]:
باطل موضوع، قاله أبو حاتم الرازي. وحكَم بوضعه ابن حِبَّان، وابن عَدِي، وابن طاهر القَيْسَراني، وابن الجوزي، والذهبي، وابن حجر، والسُّيوطي، وابن عِرَاق، والمُناوي، والعَجْلُوني، والشوكاني، والألباني، وغيرُهم. ونقل ابن قُتَيْبة عن أصحاب الحديث أنهم قالوا:"ليس له أصل". وقال الخطيب: "لا يصح".
[الفوائد]:
قال الخطَّابي: "جاء في الحديث: "مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ عَارِضَيْهِ"، يُتأوَّل على وجهين: أحدهما: أن يَخِفَّ عارضاه عن الشعَر.
والوجه الآخر: أن تكون خفَّةُ العارضين كنايةً عن كثرة الذِّكر، لا يزال يحرِّكهما بذكر الله" (غريب الحديث 3/ 200).
[التخريج]:
[طب (12/ 211/ 12920) / مجر (1/ 457)"واللفظ له" / عد (5/ 192 - 193)، (10/ 460)"والرواية والزيادة له"، (10/ 461) / بحر
(1/ 151) / خط (16/ 436) / علحا 2286 معلقًا / ضو 344 - 346]
[التحقيق]:
هذا الحديث يُروَى عن ابن عباس من ثلاثة طرق:
الأول:
رواه الطبراني في (الكبير 12920) عن محمود بن محمد المَرْوزي، ثنا عليُّ بن حُجْر.
ورواه الخطيب في (تاريخ بغداد) من طريق عليِّ بن حُجْر أيضًا.
ورواه ابن حِبَّان في (المجروحين 1/ 457)، وابن عَدِي في (الكامل 2079)، من طريق محمود بن خِدَاش.
ورواه ابن عَدِي في (الكامل 2079)، من طريق محمد بن قُدامة بن أَعْيَن، وعبد الرحمن بن أبي شُرَيح.
ورواه الخطيب في (تاريخ بغداد)، وابن الجوزي في (الموضوعات 344)، من طريق عليِّ بن الحسين بن إِشْكاب.
خمستُهم: عن يوسفَ بن الغَرِق، عن سُكَين بن أبي سِراج، عن
(1)
المُغيرة بن سُوَيد، عن ابن عباس، به، مرفوعًا: ((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ
(2)
))، ولفظ محمد بن قدامة:((خِفَّةُ عَارِضَيْهِ)).
(1)
- في (تاريخ بغداد /ط. العلمية 14/ 300): "سُكَين بن أبي سراج والمغيرة بن سُوَيْد"! ، وجاء على الصواب في طبعة دار الغرب الإسلامي.
(2)
- في المطبوع من معجم الطبراني بلفظ: «لَحْيَيْهِ» ، وجاءت في (المجمع 5/ 164):«لِحْيَتِهِ» ، وهكذا عزاه السُّيوطي في (الجامع الصغير 8251) و (الكبير 23628) للطبراني، وهو الموافق لما في بقية المراجع، وانظر التنبيهات.
وهذا إسناد ساقط؛ فيه أربع علل:
الأولى: المغيرة بن سُوَيد، ذكره ابن حِبَّان في (الثقات 5/ 409)! وليس ذلك بمقبول؛ فقد قال فيه الدارَقُطْني:"متروك الحديث"(تعليقات الدارَقُطْني على المجروحين/ ص 127)، وقال فيه أبو عليٍّ النيسابوري الحافظ:"مجهول"(الميزان 4/ 163)، وكذا قال الخطيب في (تاريخ بغداد 16/ 436)، واعتمده ابن الجوزي في (الضعفاء 3393) و (الموضوعات 1/ 259)، والذهبي في (المغني 6381) و (الديوان 4213) و (الميزان 2/ 169، 4/ 163).
العلة الثانية: سُكَين بن أبي سِراج، ترجم له ابن حِبَّان في (المجروحين 1/ 457)، وقال:"شيخ يروي الموضوعات عن الأثبات، والملزَقاتِ عن الثقات"، ثم ذكر له هذا الحديث، وهذا حُكم منه على الحديث بالوضع، وقال ابن عَدِي:"ليس بالمعروف"(الكامل 10/ 462)، وقال الدارَقُطْني:"متروك الحديث"(تعليقات الدارَقُطني على المجروحين ص 127)، وقال أبو نُعَيم الأصبهاني:"روى عن عبدالله بن دينار بمناكيرَ وموضوعات"(الضعفاء 92)، وقال الحاكم:"روى عن عبد الله بن دينار وغيرِه أحاديثَ موضوعة"(المدخل 80)، وقال الخطيب:"مجهول، منكر الحديث"(تاريخ بغداد 16/ 436).
العلة الثالثة: يوسف بن الغَرِق، قال فيه محمود بن غَيْلان:"ضربَ أحمد ويحيى بن مَعين وأبو خَيْثَمة علي حديثه وأسقطوه"، وقال أبو عليٍّ الحافظ:
"منكر الحديث"، وقال أبو الفتح الأَزْدي:"كذاب"(اللسان 8702)، وقال أبو حاتم:"ليس بقوي، قال أحمد بن حنبل: رأيتُه ولم أكتب عنه شيئًا"(الجرح والتعديل 9/ 227)، وقال الدارَقُطْني:"متروك الحديث"(تعليقات الدارَقُطني على المجروحين/ ص 127)، وفي ترجمته ذكر ابن عَدِي هذا الحديث وغيرَه، ثم قال:"وما يرويه يوسف يُحتمَل؛ لأنه يروى عن قوم هذه الأحاديث وفيهم ضعْف"(الكامل 10/ 461) أي: فلعل البلاء منهم لا منه، ولكن روايته لهذه الموضوعات عن هؤلاء الضعفاء كافيةٌ في إسقاطه، لا سيما وعامة أحاديثه على هذه الشاكلة.
وبهذه العلل الثلاثِ أعلَّه الدارَقُطْني في (تعليقاته على المجروحين/ ص 127)، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد 16/ 436) - وقال:"لا يصح"-، وتبِعه ابن الجوزي في (الموضوعات 1/ 259)، والمُناوي في (الفيض 6/ 15)، والشوكاني في (الفوائد المجموعة /ص 474)، والألباني في (الضعيفة 193).
وأعلَّه الذهبي بيوسفَ وسُكَينٍ فقط، فقال عن الأول:"متَّهم"، وعن الثاني:"وضَّاع"(تلخيص الموضوعات 65). وأعلَّه الهيثمي بيوسفَ وحدَه! فقال: "فيه يوسف بن الغَرِق قال الأَزْدي: كذاب"(المجمع 5/ 164، 165، 167). واعترض السُّيوطي في (اللآلئ 1/ 111) بأن المغيرة ذكره ابن حِبَّان في الثقات، وقد سبق أن هذا التعديل مردود بجرح عددٍ من النُّقاد؛ ولذا تعقَّب الألباني السُّيوطي قائلًا:"قد سبق غير مرة أن توثيق ابن حِبَّان وحدَه لا يُعتمد عليه؛ لتساهله فيه، ولاسيما عند المخالفة كما هو الأمر هنا، فقد سمعتَ قول الخطيب في المغيرة هذا أنه مجهول، وكذا قال أبو عليٍّ النيسابوري- فيما نقله الذهبي في "الميزان"-، ثم هَبْ أنه ثقة، فالراوي
عنه سُكَين مجهول أيضًا كما تقدَّم في كلام الخطيب، وقد قال الحافظ العسقلاني في ترجمته من (اللسان):"قال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات، روى عن المغيرة عن ابن عباس رفعه: "مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ". قلت (الألباني): فالحديث إذًا موضوع من هذا الوجه، حتى عند ابن حِبَّان الذي وثَّق المُغيرة، فهو إنما يَتَّهم به سُكَينًا هذا؛ فالراوي عنه يوسف الغَرِق قد تابعه عليه عبد الرحمن بن قيس عند أبي بكر الكَلاباذي في مفتاح معاني الآثار"(الضعيفة 193).
قلنا: نعم، قد تُوبِع يوسف، ولكن ممن لا يُعتد بمتابعته، ولا يُفرح بها! ، وإليك البيان:
رواه الكَلاباذي في (بحر الفوائد 1/ 151) عن محمد بن عبد الله بن يوسف المعروف بالعماني، عن أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد القُشَيْري، عن محمد بن الأزهر، عن عبد الرحمن [بن قيس]، عن سُكَين بن سِراج، عن المغيرة بن سُوَيد، عن ابن عباس، مرفوعًا:((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ)).
وهذا أشدُّ وَهاءً من الذي قبله؛ فعبد الرحمن بن قيس هذا هو أبو معاوية الزعفراني؛ كذَّبه ابن مَهْدي وأبو زُرعة، ورماه الحافظ صالح جَزَرة والحاكم بالوضع (تهذيب التهذيب 6/ 258)، وقال ابن حجر:"متروك، كذَّبه أبو زُرْعة وغيرُه"(التقريب 3989).
والراوي عنه محمد بن الأزهر، لعله الجُوزَجاني، مختلَف فيه (اللسان 6455)، وأبو إسحاق القُشَيْري لم نجد مَن ترجم له.
وقد خُولف كل من يوسف وابن قيس في سنده أيضًا:
فرواه ابن عَدِي في (الكامل 10/ 461) من طريق عبد الرحمن بن عَمرو
الحَرَّاني، ثنا سُكَين بن ميمون
(1)
أبو سِراج، عن المغيرة بن سُوَيد الكوفي، عن شيخ من النَّخَع، قال: لَقِيَني عِكْرِمَة، فقال لي: شَعَرْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ)).
وعبد الرحمن بن عَمرو؛ قال فيه أبو زُرعة: "شيخ"(الجرح والتعديل 5/ 267)، وذكره ابن حِبَّان في (الثقات 8/ 380)، ووثَّقه الطبراني في (المعجم الصغير / عقب الحديث رقم 1134).
وقد جعله عبد الرحمن من حديث سُكَين، عن المغيرة، عن شيخ من النَّخَع-لم يُسَمَّ-، عن عِكْرِمَة، قال: شَعَرْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:
…
الحديثَ.
فقد تبيَّن بهذا أن رواية المغيرة عن ابن عباس منقطعةٌ، وهذه هي العلة الرابعة.
وكذلك روايةُ عبد الرحمن بن عَمرو الحَرَّاني، في سندها أربعُ علل أيضًا: الأولى والثانية: سُكَين والمُغِيرة، وقد سبق الكلامُ عنهما، والثالثة: الشيخ النَّخَعي الذي لم يُسَمَّ، والرابعة: شكُّ عِكْرِمَة؛ فإنه يقول: "شَعَرْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ"، وهذا شكٌّ، وعلى كلٍّ فالسند إليه لا يصح؛ فالحديث من هذا الوجه لا يثبت بحال، والظاهر أنه من وضْع سُكَيْن كما يقتضيه صنيعُ ابن حِبَّان، وأقرَّه عليه ابن طاهر القَيْسَراني في (تذكرة الحفاظ 736) و (معرفة
(1)
- هكذا سُمي في هذا الإسناد: سُكَين بن مَيْمون أبو سِراج، وفي الطرق السابقة: سُكَين بن أبي سِراج، وقد ذَكر الخطيب في (غُنية الملتمس /ص 67) أنه يقال له:"سُكَين بن أبي سِراج، وسُكَين أبي سراج، وسُكَيْن بن سراج"، والجمع بين ما في هذا الإسناد والوجه الأول والثاني ممكن، بخلاف الوجه الثالث، وانظر التنبيهات.
التذكرة 718).
الطريق الثاني:
رواه ابن عَدِي في (الكامل 5/ 192 - 193) -ومن طريقه ابن الجوزي في (الموضوعات) - قال: ثنا أبو خَوْلَة ميمون بن مَسْلَمة
(1)
البَهْراني، ثنا عبد الرحمن بن عُبيد الله الحَلَبي، ثنا أبو داود النَّخَعي، عن حِطَّان بن خُفاف أبي الجويرية، عن ابن عباس، به. وزاد ابن عَدِي في أوَّله:((رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ)).
وهذا إسناد تالف؛ فيه: أبو داود النَّخَعي، وهو سُلَيْمان بن عَمرو الكذاب؛ قال أحمد بن حنبل:"كان يضع الحديث"، وقال ابن مَعين:"معروف بوضع الحديث"، وقال أيضًا:"كان أكذب الناس"، وقال البخاري:"متروك، رماه قُتَيْبة وإسحاق بالكذب"(الميزان 2/ 216)، قال ابن عبد البر:"هو عندهم كذاب يضع الحديث، كذَّبه يحيى وأحمد وقُتَيْبة وشَرِيك وإسحاق، وتابعهم سائرُ أهل العلم بالحديث وتركوا حديثه"، وقال ابن حجر:"الكلام فيه لا يُحصر، فقد كذَّبه ونسبه إلى الوضع من المتقدمين والمتأخرين ممن نقل كلامهم في الجرح أو ألَّفُوا فيه فوق الثلاثين نفْسًا"(اللسان 3633).
وفي ترجمته من (الكامل 734) ذكر ابن عَدِي له هذا الحديث وغيرَه، ثم قال:"وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن سُلَيْمان بن عمرو كلُّها موضوعة، مما وضعها هو عليهم"(الكامل 5/ 194).
(1)
- تحرفت في (الموضوعات لابن الجوزي / ط السلفية 1/ 166) إلى: "سلمة"، وجاءت على الصواب في (ط أضواء السلف)، وكذا نقلها السُّيوطي في (اللآلئ 1/ 111) على الصواب.
وبهذه العلة أعلَّه ابن الجوزي في (الموضوعات 1/ 259)، وتبِعه المُناوي في (الفيض 6/ 15)، والألباني في (الضعيفة 193).
الطريق الثالث:
رواه ابن الجوزي في (الموضوعات 345) من طريق سُوَيد بن سعيد، قال: حدثني بَقِيَّة بن الوليد، عن أبي الفضل، عن مَكْحول، عن ابن عباس، به.
وهذا إسناد واهٍ جدًّا؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: سُوَيْد بن سعيد، مختلَف فيه، مشَّاه جماعة، وتكلَّم فيه جمهور النُّقاد، وقال الحافظ:"صدوق في نفسه، إلا أنه عَمِيَ فصار يتلَّقن ما ليس من حديثه؛ فأفحش فيه ابن مَعين القول"(التقريب 2690)، وانظر:(الميزان 2/ 248) و (تهذيب التهذيب 4/ 275).
الثانية: بَقِيَّة بن الوليد، ثقة، لكنه أكثر الرواية عن الضعفاء والمجهولين، ودلَّس عنهم؛ ولذا نصَّ كثير من النُّقاد على أنه يُتَّقى حديثه إذا ما روى عن غير الثقات المعروفين، (تهذيب التهذيب 1/ 474). وقد عنعن.
الثالثة: أبو الفضل شيخ بقية، قال ابن أبي حاتم:"سألت أبي عن حديث رواه بَقِيَّة، عن الفضل، عن مَكْحُول، عن ابن عباس .. " وذكر هذا الحديث، ثم قال:"قلت لأبي: مَن أبو الفضل هذا"؟ قال: "شيخ مجهول"، قال أبي:"هذا حديث موضوع باطل"(علل الحديث 2/ 263/2286).
هكذا حكم أبو حاتم الرازيُّ على أبي الفضل هذا بالجهالة، وعلى حديثه بالبطلان والوضع، وأقرَّه الذهبي في (الميزان 4/ 563) وتبِعه ابن حجر في (اللسان 9022).
وبهذه العلل الثلاثِ أعلَّه ابن الجوزي، غير أنه زعم أن أبا الفضل شيخَ بقية في هذا الحديث هو بَحْر بن كَنِيز
(1)
السَّقَّاء، وقال:"قال يحيى: بحْر ليس بشيء، لا يُكتب حديثه، كُل الناس أحبُّ إليَّ منه، وقال الدارَقُطْني والنَّسائي: متروك"(الموضوعات 1/ 259).
وكذلك ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة بحْر من (الميزان 2/ 5) وقال: "أبو الفضل هو بحر"! ، وأحسن ابن عِرَاق حيث قال:"قول ابن الجوزي في أبي الفضل: "إنه بَحْر بن كَنِيز" فيه نظر؛ فقد نقل الذهبي عن أبي حاتم أنه مجهول"(تنزيه الشريعة 1/ 202)، وعلى فرض صحة كلام ابن الجوزي، فلا يغيِّر من الأمر شيئًا؛ فإن بحرًا متروك كما سبق.
فتبيَّن بذلك وَهاءُ هذه الطرق، وأنها لا تُنجِّي الحديث من الوضع؛ ولذا نقل ابن قُتَيْبة عن أصحاب الحديث أنهم قالوا في أحاديثَ موجودةٍ على ألسنة الناس:"ليس لها أصل" قال: "منها: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ عَارِضَيْهِ"(تأويل مختلف الحديث/ ص 129).
وممن أقرَّ بوضعه عدا مَن سبق ذكرُهم: العَجْلُوني في (كشف الخفاء 2/ 377)، ونقله عن السُّيوطي وابن حجر الهيتمي المكِّي، وكلام هذا الأخير في (الفتاوى الفقهية الكبرى 4/ 259)، قال:"رواه الطبراني، والخطيب وضعَّفه، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات".
وقد رُوِي هذا المتن من حديث أبي هريرة أيضًا، وهو موضوع كذلك كما سيأتي.
(1)
- تحرفت في المطبوع إلى: "كثير"! .
[تنبيهات]:
الأول: روى الخطيب في (تاريخه 16/ 436) عن الحافظ صالح بن محمد الملقَّب بجَزَرة أنه قال عن هذا الحديث: "قال بعض الناس: إنما هو تصحيف، إنما هو ((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لَحْيَيْهِ بِذِكْرِ اللهِ))، ثم قال الخطيب: "ولا تصح ((لِحْيَتِهِ)) ولا: ((لَحْيَيْهِ)) ". وأقرَّه ابن الجوزي في (الموضوعات 1/ 260). والحديث بهذه السياقة لم نجدْه، ولكن جاءت لفظة ((لَحْيَيْهِ)) في المطبوع من معجم الطبراني، وجاءت في (المجمع 5/ 164): ((لِحْيَتِهِ))، وهكذا عزاه السُّيوطي للطبراني في (الجامع الصغير 8251) و (الكبير 23628)، ولَمَّا أسنده ابن عَدِي من رواية محمد بن قُدامة بلفظ: "خِفَّة عَارِضَيْهِ" أتبعه برواية محمود بن خِداش بلفظ: "خِفَّة لِحْيَتِهِ"، ثم قال: "ثنا عُمر بن سِنان، ثنا عبد الرحمن بن أبي شُرَيح، ثنا يوسف بن الغَرِق بإسناده نحوه، وقال:((خِفَّة لِحْيَتِهِ)) "، هكذا ورد في المطبوع من (الكامل 10/ 461 ط الرشد، 7/ 168 ط. الفكر، 8/ 506، 507 ط. العلمية)، مع أن السياق يقتضي تغايرًا بين رواية ابن خِداش وروايةِ ابن أبي شُرَيح، وهو ما كشفَتْه طبعةُ أبي غدة لـ (لسان الميزان 8702)؛ حيث جاء فيها قول الذهبي عقب رواية ابن قدامة: "تابعه محمود بن خِداش عن يوسف، وقال:"لَحْيَيْهِ" بدلَ: "عَارِضَيْهِ"، والذي في المطبوع من (الميزان 4/ 471):((لِحْيَتِهِ)) بدل ((عَارِضَيْهِ))! وكذلك في (اللسان 6/ 326 ط. الهندية)، وما في طبعة أبي غدة هو الأقرب للصواب؛ بدلالة السياق، والله أعلم.
الثاني: خلَط ابنُ حجر في (اللسان 3526) بين سُكَين بن أبي سِراج، وسُكَينِ بن يَزيدَ أبي قَبِيصة، فجعلهما واحدًا! وهما اثنان مختلفان في الكُنية والنِّسبة واسمِ الأب والشيوخِ والتلاميذ، وقد فرَّق بينهما الذهبي في
(المقتنى 4666، 5090)، وهو الذي مال إليه أبو غدة محقق "اللسان"، والله أعلم.
الثالث: زعم المُلَّا عليٌّ القاري في كتابه (شرح الشفا 1/ 344) أن هذا الحديث رواه الأربعة، ويعني بهم: أصحابَ السنن! وهذا وهَمٌ؛ فلم يخرِّجه واحدٌ منهم.
955 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((إِنَّ رَأْسَ الْعَقْلِ التَّحَبُّبُ إِلَى النَّاسِ، وَإِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةَ لِحْيَتِهِ)).
[الحكم]:
باطل موضوع. قال ابن عَدِي: "منكر"، وأقرَّه ابن عساكر، وابن طاهر القَيْسَراني، والسُّيوطي. وقال الذهبي:"كذِب"، وأقرَّه ابن حَجَر، وابن عِرَاق، والمُناوي. وحكَم ابن الجوزي بوضعه، وأقرَّه الشوكاني، والألباني.
[التخريج]:
[عد (4/ 26) "واللفظ له" / كر (14/ 327) / ضو 347]
[السند]:
رواه ابن عَدِي في (الكامل) - ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، وابن الجوزي في (الموضوعات) - قال: أنا عُمر بن سِنَان، ثنا الحسين بن المبارك، ثنا بَقِيَّة، ثنا وَرْقاء بن عُمر، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد واهٍ؛ فيه الحسين بن المبارك الطبراني؛ قال ابن عَدِي: "حدث بأسانيدَ ومتونٍ منكرة عن أهل الشام"، ثم روى له حديثين، قال عقِب كلٍّ منهما:"والبلاء في هذا الحديث من الحسين بن المبارك"، ثم روى له حديثَنا هذا، وقال عقبه:"وهذا أيضًا منكر بهذا الإسناد، والحسين بن المبارك لا أعرف له من الحديث غيرَ ما ذكرته، ولعل إن كان له غيرُه فيكون شيئًا يسيرًا، وأحاديثه مناكير"(الكامل 4/ 26).
وأقرَّه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 14/ 327)، وابن طاهر القَيْسَراني في (ذخيرة الحفاظ 1107)، والسُّيوطي في (الجامع الكبير 2/ 526/6534).
ونقل الذهبي عن ابن عَدِي أنه قال في الحسين: "متَّهم"، ثم ذكر له هذا الحديث، وقال:"وهذا كذِب"(الميزان 1/ 548)، وأقرَّه الحافظ ابن حجر في (اللسان 2/ 313)، والمُناوي في (الفيض 6/ 15)، وابن عِرَاق في (تنزيه الشريعة 1/ 202)، والألباني في (الضعيفة 193).
ولمَّا ذكر ابن الجوزي هذا الحديثَ في (الموضوعات) قال: "هذا حديث لا يصح"، ثم أعلَّه بعلتين، الأولى: الحسين بن المبارك، وذكر فيه كلام ابن عَدِي، والثانية: وَرْقاء، فقال:"ووَرْقاء، قال يحيى بن سعيد: لا يساوي شيئًا"(الموضوعات 1/ 259).
وأقرَّه السُّيوطي في العلة الأولى، وتعقَّبه في إعلاله له بوَرْقاءَ، فقال:"وَرْقاءُ هو اليَشْكُري، ثقة صدوق عالم، روى عنه الأئمة الستة"(اللآلئ 1/ 111).
قال الألباني: "صدق السُّيوطي، وأخطأ ابن الجوزي في قوله فيه: "لا يساوي شيئًا"، لكن هذا لا يُنجِّي الحديث من الوضع ما دام في الطريق إليه بَقيَّة، وهو مدلس مشهور، ولا يُفرح بتصريحه بالتحديث هنا؛ لأن الراوي عنه الحسين بن المبارك غير ثقة"(الضعيفة 193).
والحديث ذكره أيضًا الشَّوْكاني في (الفوائد المجموعة 1/ 474)، وأعلَّه بالحسين.
والشطر الأول من الحديث له شواهدُ سيأتي الكلام عنها في موضعها من الموسوعة، وانظر في ذلك إن شئت (السلسلة الضعيفة 3631).
[تنبيه]:
قال العَجْلُوني في (كشف الخفاء 2/ 377): "وأخرجه ابن عَدِي عن أنس بزيادة، ولفظه: "مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يُشْبِهَ أَبَاهُ، وَمِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ". وحديث أنس هذا لم نجده مسندًا، لا عند ابن عَدِي ولا عند غيره! ، وإنما جاء في كتاب (الفردوس بمأثور الخطاب 6012 ط. دار الكتب العلمية): عن أنس بن مالك: "مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يُشْبِهَ أَبَاهُ، وَمِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ حفه لِحْيَتَهُ"! ! ، هكذا الحديث في هذه الطبعة، وفي (طبعة دار الكتاب العربي للكتاب نفسه) جاء الحديث هكذا:
[6430]
أنس بن مالك: ((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يُشْبِهَ أَبَاهُ)).
[6431]
أنس بن مالك: ((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ)).
وعلَّق المحقق على الحديثين بما يفيد أن الدَّيْلمي لم يُسندهما عن أنس أيضًا، وإنما الذي في مخطوطة "مسند الفردوس" أنه أسند الحديث الأول عن أبي هريرة موقوفًا، ثم قال:"وفي الباب: أنس"(! )، وحديث أنس علَّقه القُضَاعي في (مسند الشهاب 299) عن الحاكم في كتاب "فضائل الشافعي" بسنده إلى أنس بن مالك مرفوعًا بلفظ:((مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يُشْبِهَ أَبَاهُ))، وفيه قِصَّة.
فأمَّا حديثُنا فعلَّقه الدَّيْلمي في (المسند/ ق: 192)، عن الطبراني، بسنده إلى ابن عباس مرفوعًا، ثم قال:"وفي الباب: أنس بن مالك".
هكذا نقله المحقق من المخطوطة، ولا نستبعد أن تكون عبارة "وفي الباب .. الخ" تَكرارًا للعبارة المذكورة عقب الحديث الأول، بسبب انتقال نظر الناسخ ونحو ذلك، أو أن الدَّيْلمي أراد أن يقول: "وفي الباب عن
أبي هريرة" فسبقه القلم وكتب "أنس"، لقُرب العهد به، وإلا فلم نجد مَن أسند هذا الحديث عن أنس كما سبق، حتى الدَّيْلمي نفْسه لم يسنده كما رأيت، ولعل ما سبق بيانه هو أيضًا حقيقة ما جاء في (كنز العمال 30748) من أن حديث أبي هريرة المخرَّج هنا قد أخرجه الحاكم في تاريخه، والدَّيْلمي في مسند الفردوس، فلم نجد مَن عزاه لهما في غير هذا الموضع، والله أعلم.