الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي المعروف بالرّجاء وأخوه العالم المفتى شهاب الدّين أحمد، أقمت عند الشيخ قطب الدين بهذه الزاوية أربعة عشر يوما فرأيت من اجتهاده في العبادة وحبّه في الفقراء والمساكين وتواضعه لهم ما قضيت منه العجب، وبالغ في اكرامي وأحسن ضيافتي وكساني كسوة حسنة وساعة وصولي الزاوية بعث اليّ بالطعام وبثلاث بطيخات من البطيخ الذي وصفناه أنفا ولم أكن رأيته قبل ولا أكلته.
كرامة لهذا الشيخ
دخل عليّ يوما بموضع نزولي من الزاوية وكان ذلك الموضع يشرف على بستان للشيخ، وكانت ثيابه قد غسلت في ذلك اليوم ونشرت في البستان، ورأيت في جملتها جبّة بيضاء مبطنة تدعى عندهم هزرميخي «106» ، فأعجبتني، وقلت في نفسي: مثل هذه كنت أريد، فلما دخل عليّ الشيخ نظر في ناحية البستان، وقال لبعض خدّامه ايئتني بذلك الثوب الهزرميخي فأتوا به، فكساني إياه فأهويت إلى قدميه أقبّلهما وطلبت منه أن يلبسني طاقية من رأسه، ويجيزني في ذلك بما أجازه والده عن شيوخه، فألبسني إياها في الرابع عشر لجمادى الأخيرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة «107» بزاويته المذكورة كما لبس من والده شمس الدين ولبس والده من أبيه تاج الدّين محمود من أبيه شهاب الدّين على الرجاء، ولبس علي من الإمام شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهرودي «108» ولبس عمر من الشيخ الكبير ضياء الدين أبي النجيب السّهروردي، ولبس أبو النجيب من عمّه الامام وحيد الدين عمر ولبس عمر من والده محمد بن عبد الله المعروف بعمويه، ولبس محمد من الشيخ أخي فرج الزنجاني ولبس أخو فرج من الشيخ أحمد الدينوري، ولبس أحمد من الإمام ممشاد الدينوري، ولبس ممشاد من الشيخ المحقّق علي ابن سهل الصوفي ولبس علي من أبي القاسم الجنيد ولبس الجنيد من سريّ السقطي ولبس سريّ السقطيّ من داوود الطائي،
ولبس داوود من الحسن بن أبي الحسن البصري ولبس الحسن بن أبي الحسن البصري من أمير المومنين علي بن أبي طالب.
قال ابن جزي: هكذا أورد الشيخ أبو عبد الله هذا السند، والمعروف فيه أنّ سريّا السقطي صحب معروفا الكرخى «109» وصحب معروف داوود الطائي، وكذلك داوود الطائي بينه وبين الحسن حبيب العجمي، وأخو فرج الزنجاني إنما المعروف أنه صحب أبا العباس النّهاوندى، وصحب النّهاوندى أبا عبد الله بن خفيف، وصحب ابن خفيف أبا محمد رويما.
وصحب رويم أبا القاسم الجنيد، وأما محمد بن عبد الله عمويه فهو الذي صحب الشيخ أحمد الدينورى الأسود وليس بينهما أحد والله أعلم، والذي صحب أخا فرج الزنجاني هو عبد الله بن محمد بن عبد الله والد أبي النّجيب.
رجع، ثم سافرنا من إصفهان «110» بقصد زيارة الشيخ مجد الدين بشيراز «111» وبينهما مسيرة عشرة أيام فوصلنا إلى بلدة كليل، وضبطها بفتح الكاف وكسر اللام وياء مدّ، وبينها وبين إصفهان مسيرة ثلاث وهي بلدة صغيرة ذات أنهار وبساتين وفواكه، ورأيت التّفاح يباع في سوقها خمسة عشر رطلا عراقية بدرهم، ودرهمهم ثلث النقرة، ونزلنا منها بزاوية عمرها كبير هذه البلدة المعروف بخواجه كافي، وله مال عريض قد أعانه الله على إنفاقه في سبيل الخيرات من الصدقة وعمارة الزوايا واطعام الطعام لابناء السبيل، ثم سرنا من كليل
يومئد «112» ووصلنا إلى قرية كبيرة تعرف «113» بصرماء وبها زاوية فيها الطعام للوارد والصادر عمرها خواجه كافي المذكور ثم سرنا منها إلى يزد خاص «114» ، وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف واسكان الزاي وضم الدال المهمل وخاء معجم والف وصاد مهمل، بلدة صغيرة متقنة العمارة حسنة السوق، والمسجد الجامع بها عجيب مبني بالحجارة مسقّف بها، والبلدة على ضفّة خندق، فيه بساتينها ومياهها وبخارجها رباط ينزل به المسافرون عليه باب حديد وهو في النهاية من الحصانة والمنعة، وبداخله حوانيت يباع فيها كلّ ما يحتاجه المسافرون.
وهذا الرباط عمّره الأمير محمد شاه ينجو والد السلطان أبي إسحاق ملك شيراز، وفي يزد خاص يصنع الجبن اليزد خاصي ولا نظير له في طيبه ووزن الجبنة منه من أوقيتين إلى أربع.
تم سرنا «115» منها على طريق دشت الروم «116» ، وهي صحراء يسكنها الأتراك، ثم سافرنا إلى مايين «117» واسمها بيائين مسفولتين أولاهما مكسورة، وهي بلدة صغيرة كثيرة الأنهار والبساتين حسنة الأسواق، وأكثر أشجارها الجوز.
ثم سافرنا منها إلى مدينة شيراز وهي مدينة أصليّة البناء، فسيحة الأرجاء، شهيرة الذكر، منيفة القدر، لها البساتين المونقة، والأنهار المتدفقة، والأسواق البديعة، والشوارع الرفيعة، وهي كثيرة العمارة متقنة المباني، عجيبة الترتيب، وأهل كل صناعة في سوقها لا يخالطهم غيرهم، وأهلها حسان الصور نظاف الملابس، وليس في المشرق بلدة تداني مدينة دمشق في حسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور ساكنيها إلّا شيراز، وهي في بسيط من الأرض تحفّ بها البساتين من جميع الجهات وتشقّها خمسة أنهار: أحدها النهر المعروف بركن آباد «118» وهو عذب الماء شديد البرودة في الصيف سخن في الشتاء فينبعث من عين في سفح جبل هنالك يسمى القليعة «119» ، ومسجدها الأعظم يسمى بالمسجد.
شيراز
العتيق «120» وهو من أكبر المساجد ساحة وأحسنها بناء، وصحنه متّسع مفروش بالمرمر، ويغسل في أوان الحرّ كل ليلة ويجتمع فيه كبار أهل المدينة كلّ عشية ويصلّون به المغرب والعشاء وبشماله باب يعرف بباب حسن «121» يفضي إلى سوق الفاكهة، وهي من أبدع الأسواق، وأنا أقول بتفضيلها على سوق باب البريد من دمشق وأهل شيراز أهل صلاح ودين وعفاف وخصوصا نساءها، وهنّ يلبسن الخفاف ويخرجن متلحّفات متبرقعات، فلا يظهر منهن شيء ولهن الصّدقات والإيثار، ومن غريب حالهن أنهن يجتمعن لسماع الواعظ في كلّ يوم اثنين وخميس وجمعة بالجامع الأعظم، فربّما اجتمع منهن الألف والألفان بايديهن المراوح يروّحن بها على أنفسهنّ من شدّة الحرّ، ولم أر اجتماع النساء في مثل عددهنّ في بلدة من البلاد! وعند «122» دخولي إلى مدينة شيراز لم يكن لي همّ الا قصد الشيخ القاضي الامام قطب الأولياء فريد الدهر ذي الكرمات الظاهرة مجد الدين إسماعيل بن محمد بن خذاداد «123» ، ومعنى خذاداد: عطيّة الله فوصلت إلى مدرسته المجديّة المنسوبة اليه، وبها سكناه وهي من عمارته فدخلت إليه رابع أربعة من أصحابي، ووجدت الفقهاء وكبار أهل المدينة في انتظاره فخرج إلى صلاة العصر ومعه محبّ الدين وعلاء الدين ابنا أخيه: شقيقه روح الدين 12»
أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهما نائباه في القضاء لضعف بصره وكبر سنّه فسلمت عليه، وعانقني وأخذ بيدي إلى أن وصل إلى مصلّاه فأرسل يدي، وأوما إليّ أن أصلّي