الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحترمونه. فوصلنا إلى جبله «34» وهي بلدة صغيرة حسنة ذات نخل وفواكه وأنهار، فلمّا سمع الفقيه أبو الحسن الزيلعيّ بقدوم الشيخ أبي الوليد استقبله وأنزله بزاويته وسلّمت عليه معه، وأقمنا عنده ثلاثة أيّام في خير مقام، ثم انصرفنا وبعث معنا أحد الفقراء فتوجّهنا إلى مدينة تعزّ حضرة ملك اليمن، وضبط اسمها بفتح التاء المعلوّة وكسر العين المهملة وزاء، وهي من أحسن مدن اليمن واعظمها، وأهلها ذوو تجبّر وتكبّر وفظاظة، وكذلك الغالب على البلاد التي يسكنها الملوك، وهي ثلاث محلّات إحداها يسكنها السلطان ومماليكه وحاشيته وأرباب دولته وتسمّى باسم لا أذكره، والثانية يسكنها الأمراء والأجناد، وتسمّى عدينة، والثالثة يسكنها عامّة الناس وبها السوق العظمى، وتسمّى المحالب «35» .
ذكر سلطان اليمن
وهو السلطان المجاهد نور الدين «36» عليّ ابن السلطان المؤيد هزبر الدين داوود بن السلطان المظفّر يوسف بن عليّ ابن رسول، شهر جدّه برسول لان أحد خلفاء بني العبّاس أرسله إلى اليمن ليكون بها أميرا، ثم استقلّ اولاده بالملك. وله ترتيب عجيب في قعوده وركوبه، وكنت لمّا وصلت هذه المدينة مع الفقير الذي بعثه الشيخ الفقيه أبو الحسن الزيلعيّ
مدينة جبله مدينة تعز
في صحبتي، قصد بي إلى قاضي القضاة الإمام المحدّث صفيّ الدين الطبريّ المكّي «37» فسلمنا عليه ورحّب بنا وأقمنا بداره في ضيافته ثلاثا، فلمّا كان في اليوم الرابع وهو يوم الخميس، وفيه يجلس السلطان لعامّة الناس دخل بي عليه فسلّمت عليه، وكيفيّة السلام عليه أن يمسّ الانسان الأرض بسبّابته، ثمّ يرفعها إلى رأسه، ويقول: ادام الله عزّك، ففعلت كمثل ما فعله القاضي، وقعد القاضي عن يمين الملك، وأمرني فقعدت بين يديه فسألني عن بلادي وعن مولانا أمير المسلمين جواد الأجواد أبي سعيد رضي الله عنه «38» ، وعن ملك مصر وملك العراق وملك اللّور، فأجبته عمّا سأل من أحوالهم وكان وزيره بين يديه فأمره بإكرامي وإنزالي.
وترتيب قعود هذا الملك أنّه يجلس فوق دكّانة مفروشة مزيّنة بثياب الحرير، وعن يمينه ويساره أهل السلاح، ويليه منهم أصحاب السيوف والدّرق، ويليهم أصحاب القسيّ، وبين يديهم في الميمنة والميسرة الحاجب، وأرباب الدولة وكاتب السرّ وأمير جندار على رأسه، والشاوشيّة، وهم من الجنادرة وقوف على بعد، فإذا قعد السلطان صاحوا صيحة واحدة:
بسم الله، فإذا قام فعلوا مثل ذالك، فيعلم جميع من بالمشور وقت قيامه ووقت قعوده، فإذا استوى قاعدا دخل كلّ من عادته أن يسلّم عليه فسلّم ووقف حيث رسم له في الميمنة أو الميسرة لا يتعدّى أحد موضعه ولا يقعد إلّا من أمر بالقعود. ويقول السلطان للأمير جندار:
مر فلانا يقعد، فيتقدّم ذلك المأمور بالقعود عن موقفه قليلا، ويقعد على بساط هنالك بين أيدي القائمين في الميمنة والميسرة، ثم يوتي بالطعام، وهو طعامان طعام العامّة وطعام الخاصّة، فأمّا الطعام الخاصّ فيأكل منه السلطان وقاضي القضاة والكبار من الشرفاء ومن الفقهاء والضيوف وأمّا الطعام العامّ فيأكل منه سائر الشرفاء والفقهاء والقضاة والمشايخ والأمراء ووجوه الأجناد، ومجلس كلّ انسان للطعام معيّن لا يتعدّاه، ولا يزاحم أحد منهم أحدا. وعلى هذا الترتيب سواء هو ترتيب ملك الهند في طعامه، فلا أعلم هل أن سلاطين الهند أخذوا ذلك عن سلاطين اليمن أم سلاطين اليمن أخذوه عن سلاطين الهند.
معصرة السمسم في صنعاء لقد كان لسبأ في مساكنهم آية
…
وأقمت في ضيافة سلطان اليمن أيّاما، وأحسن إليّ وأركبني، وانصرفت مسافرا إلى مدينة صنعاء «39» ، وهي قاعدة بلاد اليمن الأولى، مدينة كبيرة حسنة العمارة بناؤها بالأجرّ والجصّ، كثيرة الأشجار والفواكه والزرع معتدلة الهواء طيّبة الماء، ومن الغريب أن المطر ببلاد الهند واليمن والحبشة إنّما ينزل في أيام القيظ، وأكثر ما يكون نزوله بعد الظهر «40» من كلّ يوم في ذلك الأوان، فالمسافرون يستعجلون عند الزوال لئلّا يصيبهم المطر، وأهل المدينة ينصرفون إلى منازلهم لأن امطارها وابلة متدفّقة.
ومدينة صنعاء مفروشة كلّها فإذا نزل المطر غسل جميع أزقّتها وأنقاها وجامع صنعاء من أحسن الجوامع، وفيه قبر نبيّ من الأنبياء عليهم السلام.
ثمّ سافرت منها إلى مدينة عدن «41» مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الاعظم، والجبال تحفّ بها ولا مدخل اليها الّا من جانب واحد، وهي مدينة كبيرة ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء، وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيّام المطر «42» والماء على بعد منها فربّما منعته العرب وحالوا بين أهل المدينة وبينه حتّى يصانعوهم بالمال والثياب، وهي شديدة الحرّ،
صهاريج عدن ورد ذكرها عند ابن بطوطة وقبله عند ابن المجاور قلعة صيرة- عدن