الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الشيخ حسن سلطان العراق فعذّبه وقتله، وأخذ الاموال والذخاير التي كانت عنده.
ثمّ سافرنا منها إلى مدينة كربلاء مشهد الحسين بن عليّ عليهما السلام وهي مدينة صغيرة تحفّها حدائق النخل ويسقيها ماء الفرات. والروضة المقدّسة داخلها، وعليها مدرسة عظيمة، وزاوية كريمة، فيها الطعام للوارد والصادر، وعلى باب الروضة الحجّاب والقومة لا يدخل أحد إلّا عن إذنهم فيقبّل العتبة الشريفة وهي من الفضّة وعلى الضريح المقدّس قناديل الذهب والفضّة وعلى الأبواب أستار الحرير وأهل هذه المدينة طائفتان: أولاد رخيك وأولاد فايز، وبينهما القتال أبدا، وهم جميعا إماميّة يرجعون إلى أب واحد «180» ولأجل فتنهم تخرّبت هذه المدينة. ثم سافرنا منها إلى بغداد.
مدينة بغداد
مدينة دار السلام «181» ، وحضرة الاسلام، ذات القدر الشريف، والفضل المنيف، مثوى الخلفاء، ومقرّ العلماء، قال أبو الحسين بن جبير رضي الله عنه، وهاذه المدينة العتيقة وان لم تزل حضرة الخلافة العبّاسية، ومثابة الدعوة الإماميّة القرشيّة، فقد ذهب رسمها، ولم يبق الّا اسمها، وهي بالإضافة إلى ما كانت عليه قبل إنحاء الحوادث عليها، والتفات أعين النوائب إليها، كالطلل الدارس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف البصر، ويستدعى من المستوفز الغفلة والنظر، إلّا دجلتها التي هي بين شرقيّها وغربيّها كالمرآة المجلوّة بين صفحتين، أو العقد المنتظم بين لبّتين، فهي تردها ولا تظمأ، وتتطلّع منها في مرآة صقيلة لا تصدأ، والحسن الحريمي بين هوائها ومائها ينشأ.
قال ابن جزي: وكأن أبا تمّام حبيب بن أوس «182» اطّلع على ما آل إليه أمرها حين قال فيها:
باب ضريح الحسين بن علي في كربلاء
لقد أقام على بغداد ناعيها
…
فليبكها لخراب الدّهر باكيها!
كانت على مائها والحرب موقدة
…
والنّار تطفا حسنا في نواحيها
ترجى لها عودة في الدّهر صالحة
…
فالآن أضمر منها اليأس راجيها
مثل العجوز التي ولّت شبيبتها
…
وبان عنها جمال كان يحظيها!!
وقد نظم الناس في مدحها وذكر محاسنها فأطنبوا، ووجدوا مكان القول ذا سعة فاطالوا وأطابوا وفيها قال الإمام القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي «183» ، وأنشدنيه والدي، رحمه الله، مرّات
طيب الهواء ببغداد يشوّقني
…
قربا إليها وان عاقت مقادير
وكيف أرحل عنها اليوم اذ جمعت
…
طيب الهوائين ممدود ومقصور
وفيها يقول أيضا رحمه الله تعالى ورضي عنه:
سلام على بغداد في كلّ موطن
…
وحقّ لها منّى السّلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها
…
وانّي بشطّي جانبيها لعارف
ولا كنّها ضاقت عليّ برحبها
…
ولم تكن الأقدار فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه
…
وأخلاقه تنأى به وتخالف!
وفيها يقول أيضا مغاضبا لها، وأنشدنيه والدي رحمه الله غير ما مرّة:
بغداد دار لأهل المال واسعة
…
وللصّعاليك دار الضّنك والضيق
ظللت أمشي مضاعا في أزقّتها
…
كأنّني مصحف في بيت زنديق «184» !!
وفيها يقول القاضي أبو الحسن عليّ بن النبيه من «185» قصيدة:
انست بالعراق بدرا منيرا
…
فطوت غيهبا، وخاضت هجيرا
واستطابت ريّا نسائم بغدا
…
د فكادت لولا البرى أن تطيرا
ذكرت من مسارح الكرخ روضا
…
لم يزل ناضرا وماء نميرا
واجتنت من ربى المحوّل نورا
…
واجتلت من مطالع التّاج نورا
ولبعض نساء بغداد في ذكرها «186» :
آها على بغدادها وعراقها
…
وظبائها والسّحر في أحداقها
ومجالها عند الفرات بأوجه
…
تبدو أهلّتها على أطواقها
متبخترات في النعيم كانّما
…
خلق الهوى العذريّ من أخلاقها
نفسي الفداء لها، فأي محاسن
…
في الدّهر تشرق من سنا إشراقها
رجع، ولبغداد جسران اثنان «187» معقودان على نحو الصّفة التي ذكرناها في جسر مدينة الحلّة، والناس يعبرونهما ليلا ونهارا رجالا ونساء، فهم في ذلك في نزهة متّصلة «188» ، وببغداد من المساجد التي يخطب فيها وتقام فيها الجمعة أحد عشر مسجدا، منها بالجانب الغربيّ ثمانية وبالجانب الشرقيّ ثلاثة والمساجد سواها كثيرة جدّا وكذلك المدارس إلا أنها