الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع آسيا الصّغرى
من جدة إلى عيذاب- مصر- الشام.
من اللّاذقية إلى (الأناضول) - جماعة الفتيان الأخيّة.
في مدينة لاذق وفي قونية.
من قونية إلى قيسارية- أرزنجان الأرمن.
مدينة بركي حيث اجتمع بطبيب يهودي بمجلس السلطان! حديث عن البطل عمر أمير يزمير.
برصى وسلطانها أرخان بك بن عثمان الذي ينسب إليه العثمانيون في بولي حيث رأى الموقد لأول مرة! اجتماعه في يزنيك بالسلطان أرخان وزوجته بيلون خاتون.
من قصطمونية إلى شبه جزيرة صنوب على البحر الأسود.
خريطة آسيا الصغرى
ولمّا انقضى الحجّ توجّهت إلى جدّة برسم ركوب البحر إلى اليمن والهند، فلم يقض لي ذلك ولا تأتّى لي رفيق. وأقمت بجدة نحو أربعين يوما وكان بها مركب لرجل يعرف بعبد الله التونسي يروم السّفر إلى القصير من عمالة قوص «1» فصعدت إليه لأنظر حاله فلم يرضني ولا طابت نفسي بالسفر فيه، وكان ذلك لطفا من الله تعالى فانّه سافر فلمّا توسّط البحر غرق بموضع يقال له: رأس أبي محمد «2» فخرج صاحبه وبعض التجار في العشاريّ بعد جهد عظيم وأشرفوا على الهلاك وهلك بعضهم وغرق سائر الناس وكان فيه نحو سبعين من الحجّاج! ثم ركبت البحر بعد ذلك في صنبوق برسم عيذاب فردّتنا الريح إلى مرسى يعرف برأس دوائر، وسافرنا منه في البرّ مع البجاة فسلكنا صحراء كثيرة النّعام والغزلان فيها عرب جهينة وبني كاهل وطاعتهم للبجاة «3» ووردنا ماء يعرف بمفرور وماء يعرف بالجديد، ونفد زادنا فاشترينا من قوم من البجاة، وجدناهم بالفلاة، أغناما وتززّدنا لحومها.
ورأيت بهذه الفلاة صبيا من العرب كلّمني باللّسان العربيّ وأخبرني أن البجاة أسروه وزعم أنّه منذ عام لم يأكل طعاما، إنّما يقتات بلبن الإبل. ونفد لنا بعد ذلك اللحم الذي اشتريناه ولم يبق لنا زاد، وكان عندي نحو حمل من التمر الصّيحاني والبرنيّ «4» برسم الهديّة لأصحابي، ففرقته على الرفقة وتزوّدناه ثلاثا.
وبعد مسيرة تسعة أيام من رأس دوائر وصلنا إلى عيذاب «5» وكان قد تقدّم إليها بعض الرفقة فتلقّانا أهلها بالخبز والتمر والماء وأقمنا بها أيّاما واكترينا الجمال، وخرجنا صحبة طائفة من عرب دغيم ووردنا ماء يعرف بالجنيب وحللنا بحميثرا حيث قبر وليّ الله تعالى أبي الحسن الشاذليّ، وحصلت لنا زيارته ثانية وبتنا في جواره، ثم وصلنا إلى قرية العطواني وهي على ضفّة النيل مقابلة لمدينة أدفو من الصعيد الأعلى وأجزنا النيل إلى مدينة إسنا، ثم إلى مدينة أرمنت ثم إلى الأقصر، وزرنا الشيخ أبا الحجاج الأقصري ثانية، ثم إلى مدينة قوص ثم إلى مدينة قنا، وزرنا الشيخ عبد الرحيم القنّاوي ثانية، ثم إلى مدينة هو ثم إلى مدينة أخميم، ثم إلى مدينة أسيوط ثم إلى مدينة منفلوط ثم إلى مدينة منلوي، ثم إلى مدينة الأشمونين، ثم إلى مدينة منية ابن خصيب ثم إلى مدينة البهنسة ثم إلى مدينة بوش ثم إلى مدينة منية القائد، وقد تقدّم لنا ذكر هذه البلاد، ثم إلى مصر وأقمت بها أيّاما، وسافرت على طريق بلبيس إلى الشام ورافقني الحاجّ عبد الله بن أبي بكر بن الفرحان التوزريّ، ولم يزل في صحبتي سنين إلى أن خرجنا من بلاد الهند، فتوفّى بسندابور وسنذكر ذلك، فوصلنا إلى مدينة غزّة ثم إلى مدينة الخليل عليه السلام وتكرّرت لنا زيارته، ثمّ إلى بيت المقدّس ثم إلى مدينة الرّملة، ثم إلى مدينة عكّا ثم إلى مدينة طرابلس ثم إلى مدينة جبلة، وزرنا إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه ثانية، ثم إلى مدينة اللاذقية، وقد تقدم لنا ذكر هذه البلاد كلّها.
ومن اللاذقية ركبنا في قرقورة كبيرة «6» للجنويين يسمّى صاحبها بمرتلمين «7» وقصدنا برّ التّركيّة المعروف ببلاد الروم، وانّما نسبت إلى الروم لأنّها كانت بلادهم في القديم، ومنها الروم الأقدمون واليونانية «8» ، ثم استفتحها المسلمون، وبها الآن كثير من النصارى
تحت ذمّة المسلمين من التركمان «9» ، وسرنا في البحر عشرا بريح طيّبة، وأكرمنا النّصرانيّ ولم يأخذ منّا نولا «10» ، وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا «11» ، وهي أول بلاد الروم.
وهذا الاقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله فيه ما تفرّق من المحاسن في البلاد، فأهله أجمل الناس صورا وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم واكثر خلق الله شفقة، ولذلك يقال البركة في الشام والشفقة في الروم، وانّما عني به أهل هذه البلاد، وكنّا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو دارا يتفقّد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء، وهنّ لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودّعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا، وترى النساء باكيات، لفراقنا متأسفات.
ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة يعدّون فيه ما يقوتهم سائرها، فكان رجالهم يأتون الينا بالخبز الحار في يوم خبزه ومعه الإدام الطيّب إطرافا لنا بذلك، ويقولون لنا: إنّ النساء بعثن هذا إليكم وهنّ يطلبن منكم الدعاء.
وجميع أهل هذه البلاد على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه مقيمين على السّنّة لا قدرىّ فيهم ولا رافضيّ ولا معتزلي ولا خارجيّ ولا مبتدع، وتلك فضيلة خصّهم الله تعالى بها إلّا أنّهم ياكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك.
ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر يسكنها التّركمان، وينزلها تجار مصر واسكندريّة والشام، وهي كثيرة الخشب ومنها يحمل إلى اسكندرية ودمياط ويحمل