الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سراكنو «90» ومعناه: المسلمون، ومنعونا من الدخول، فقال لهم أصحاب الخاتون إنهم من جهتنا، فقالوا: لا يدخلون إلا بالإذن! فأقمنا بالباب وذهب بعض أصحاب الخاتون فبعث من أعلمها بذلك، وهي بين يدي والدها، فذكرت له شأننا، فأمر بدخولنا وعيّن لنا دارا بمقربة من دار الخاتون، وكتب لنا امرا بأن لا نعترض حيث نذهب من المدينة، ونودي بذلك في الأسواق وأقمنا بالدار ثلاثا تبعث إلينا الضيافة من الدقيق والخبز والغنم والدجاج والسّمن والفاكهة والحوت والدراهم والفرش وفي اليوم الرابع دخلنا على السلطان.
ذكر سلطان القسطنطينية
واسمه تكفور «91» بفتح التاء المثناة وسكون الكاف وضم الفاء وواو وراء، ابن السلطان جرجيس وأبوه السلطان جرجيس بقيد الحياة لكنّه تزهّد وترهّب وانقطع للعبادة في الكنائس وترك الملك لولده، وسنذكره. وفي اليوم الرابع من وصولنا إلى القسطنطينية بعثت إليّ الخاتون الفتى سنبل الهندي فأخذ بيدي وأدخلني إلى القصر «92» فجزنا أربعة أبواب في كل باب سقائف، بها رجال وأسلحتهم وقائدهم على دكانة مفروشة، فلما وصلنا إلى الباب الخامس تركني الفتى سنبل، ودخل، ثم أتى ومعه أربعة من الفتيان الروميين ففتّشوني لئلّا يكون معي سكّين! وقال لي القائد: تلك عادة لهم لا بدّ من تفتيش كل من يدخل على الملك من خاصّ أو عامّ غريب أو بلديّ وكذلك الفعل بأرض الهند.
ثم لما فتّشوني قام الموكّل بالباب فأخد بيدي وفتح الباب وأحاط بي أربعة من الرجال:
أمسك اثنان بكمّي واثنان من ورائي فدخلوا بي إلى مشور كبير حيطانه بالفسيفساء قد نقش فيها صوّر المخلوقات من الحيوانات والجماد، وفي وسطه ساقية ماء ومن جهتها الأشجار والناس واقفون يمينا ويسارا، سكوتا لا يتكلم أحد منهم، وفي وسط المشور ثلاثة رجال وقوف أسلمني أولئك الأربعة إليهم فأمسكوا بثيابي كما فعل الآخرون وأشار اليهم رجل فتقدّموا بى وكان أحدهم يهوديّا، فقال لي بالعربي: لا تخف فهكذا عادتهم أن يفعلوا بالوارد، وأنا التّرجمان، وأصلي من بلاد الشام فسألته: كيف أسلّم؟ فقال: قل السلام عليكم.
ثم وصلت إلى قبّة عظيمة والسلطان على سريره وزوجته أمّ هذه الخاتون «93» بين يديه، وأسفل السرير الخاتون وإخوتها وعن يمينه ستّة رجال، وعن يساره أربعة وعلى رأسه أربعة، وكلّهم بالسلاح، فأشار إليّ قبل السلام والوصول إليه بالجلوس هنيهة ليسكن روعي! ففعلت ذلك، ثم وصلت إليه فسلّمت عليه وأشار إليّ أن أجلس فلم أفعل! وسألني عن بيت المقدس وعن الصخرة المقدّسة وعن القمامة «94» وعن مهد عيسى، وعن بيت لحم وعن مدينة الخليل عليه السلام ثم عن دمشق ومصر والعراق وبلاد الروم، فأجبته عن ذلك كلّه، واليهوديّ يترجم بيني وبينه، فأعجبه كلامي، وقال لأولاده: أكرموا هذا الرجل وامّنوه، ثمّ خلع عليّ خلعة، وأمر لي بفرس مسرج ملجم ومظلّة من التي يجعلها الملك فوق رأسه، وهي علامة الأمان، وطلبت منه أن يعيّن من يركب معي بالمدينة في كلّ يوم حتى أشاهد عجائبها وغرائبها وأذكرها في بلادي، فعيّن لي ذلك.
ومن العوائد عندهم أن الذي يلبس خلعة الملك ويركب فرسه يطاف به في أسواق المدينة بالأبواق والإنفار والأطبال ليراه الناس، وأكثر ما يفعل ذلك بالأتراك الذين يأتون من بلاد السلطان أوزبك لئلا يؤذون فطافوا بي في الأسواق.