الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نحو مدينة البصرة
ولمّا تحصّلت لنا زيارة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، سافر الركب إلى بغداد، وسافرت إلى البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب خفاجة «18» ، وهم أهل تلك البلاد، ولهم شوكة عظيمة وبأس شديد، ولا سبيل للسفر في تلك الأقطار إلّا في صحبتهم، فاكتريت جملا على يد أمير تلك القافلة شامر بن درّاج الخفاجيّ وخرجنا من مشهد عليّ عليه السلام فنزلنا الخورنق موضع سكنى النعمان ابن المنذر «19» وابائه من ملوك بني ماء السماء، وبه عمارة وبقايا قباب ضخمة، في فضاء فسيح على نهر يخرج من الفرات، ثم رحلنا عنه فنزلنا موضعا بقائم «20» الواثق، وبه أثر قرية خربة ومسجد خرب لم يبق منه إلا صومعته، ثم رحلنا عنه اخذين مع جانب الفرات بالموضع المعروف بالعذار، وهو غابة قصب في وسط الماء «21» يسكنها أعراب يعرفون بالمعادي، وهم قطّاع الطريق، رافضيّة المذهب خرجوا على جماعة من الفقراء تأخروا عن رفقتنا فسلبوهم حتّى النّعال والكشاكيل «22» ، وهم يتحصّنون بتلك الغابة ويمتنعون بها ممّن يريدهم، والسباع بها كثيرة، ورحلنا مع هذا العذار ثلاث مراحل ثم وصلنا
مدينة واسط
.
مدينة واسط
مدينة واسط وهي حسنة الأقطار، كثيرة البساتين والأشجار، بها أعلام يهدي الخير شاهدهم وتهدى الاعتبار مشاهدهم «23» ، وأهلها من خيار أهل العراق، بل هم خير على
البصرة بين الشناشيل والنخيل
الإطلاق، أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة واليهم ياتي أهل بلاد العراق برسم تعلّم ذالك.
وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ، وبها مدرسة عظيمة حافلة فيها نحو ثلاث مائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلّم القرآن، عمّرها الشيخ تقيّ الدين بن عبد المحسن الواسطيّ «24» ، وهو من كبار أهلها وفقهائها ويعطي لكلّ متعلّم بها كسوة في السنة ويجرى له نفقته في كلّ يوم ويقعد هو واخوانه وأصحابه لتعليم القرآن بالمدرسة، وقد لقيته وأضافني وزوّدني تمرا ودراهم، ولمّا نزلنا مدينة واسط أقامت القافلة ثلاثا بخارجها للتجارة فسنح لي زيارة قبر الوليّ أبي العباس أحمد الرفاعيّ «25» ، وهو بقرية تعرف بأم عبيدة «26» على مسيرة يوم من واسط، فطلبت من الشيخ تقي الدين أن يبعث معي من يوصلني إليها فبعث معي ثلاثة من عرب بني أسد «27» ، وهم قطّان تلك الجهة، وأركبني فرسا له وخرجت ظهرا فبتّ تلك الليلة بحوش بني أسد، ووصلنا في ظهر اليوم الثاني إلى الرّواق، وهو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء وصادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوجك حفيد «28» وليّ الله أبي العبّاس الرفاعي الذي قصدنا زيارته، وقد قدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم زيارة قبر جدّه واليه انتهت الشياخة بالرّواق، ولمّا انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف وأخذ الفقراء في الرقص ثم صلّوا المغرب وقدّموا السّماط، وهو خبز الأرز والسمك والتمر فأكل النّاس ثم صلّوا العشاء الآخرة وأخذوا في الذكر والشيخ أحمد قاعد على سجّادة جدّه المذكور، ثم أخذوا في السماع وقد أعدّوا احمالا من الحطب فأجّجوها نارا ودخلوا في وسطها يرقصون، ومنهم من يتمرّغ فيها، ومنهم من يأكلها بفمه حتّى أطفأوها جميعا وهذا دأبهم وهذه الطايفة الأحمديّة «29»