الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والساقية التي ذكرناها تنقسم قسمين: أحدهما يمرّ بسوق العطارين، والآخر يمر بالسوق حيث القضاة والكتّاب، وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها، الذين يقمّون طرقها، ويوقدون سرجها، ويغلقون أبوابها، ولا يدعون أحدا يدخلها حتى يسجد للصليب الأعظم عندهم الذي يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلّب عليها شبيه عيسى عليه السلام وهو على باب الكنيسة مجعول في جعبة ذهب طولها نحو عشرة أذرع وقد عرّضوا عليها جعبة ذهب مثلها حتى صارت صليبا.
وهذا الباب مصفّح بصفائح الفضة والذهب وحلقتاه من الذهب الخالص، وذكر لي أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي إلى آلاف «102» ، وأنّ بعضهم من ذريّة الحواريّين، وأن بداخلها كنيسة مختصّة بالنساء فيها من الابكار المنقطعات للعبادة أزيد من ألف، وأما القواعد من النساء فاكثر من ذلك كلّه.
ومن عادة الملك وأرباب دولته وسائر الناس أن يأتوا كلّ يوم صباحا إلى زيارة هذه الكنيسة، وياتي إليها البابة مرة في السنة، وإذا كان على مسيرة أربعة أميال «103» من البلد يخرج الملك إلى لقائه ويترجل له وعند دخوله المدينة يمشي بين يديه على قدميه ويأتيه صباحا ومساء للسلام عليه طول مقامه بالقسطنطينية حتى ينصرف.
ذكر المانستارات بقسطنطينية
والمانستار «104» على مثل لفظ المارستان إلا أن نونه متقدّمة وراءه متأخرة، وهو عندهم شبه الزاوية عند المسلمين، وهذه المانستارات بها كثيرة، فمنها مانستار عمّره الملك جرجيس والد ملك القسطنطينية، وسنذكره، وهو بخارج إصطنبول مقابل الغلطة، ومنها مانستاران خارج الكنيسة العظمى عن يمين الداخل إليها، وهما في داخل بستان يشقهما نهر ماء وأحدهما للرجال والآخر للنساء وفي كلّ واحد منهما كنيسة ويدور بهما البيوت
للمتعبدين والمتعبدات، وقد حبس على كل واحد منهما أحباس لكسوة المتعبدين ونفقتهم، بناهما أحد الملوك.
ومنها مانستاران عن يسار الداخل إلى الكنيسة العظمى على مثل هاذين الآخرين «105» ، ويطيف بهما بيوت وأحدهما يسكنه العميان، والثاني يسكنه الشيوخ الذين لا يستطيعون الخدمة ممّن بلغ الستين «106» أو نحوها، ولكل واحد منهم كسوته ونفقته من أوقاف معيّنة لذلك.
وفي داخل كل ما نستار منها دويرة لتعبّد الملك الذي بناه، وأكثر هؤلاء الملوك إذا بلغ الستين أو السبعين بنى مانستار ولبس المسوح، وهي ثياب الشّعر وقلّد ولده الملك واشتغل بالعبادة حتّى يموت.
وهم يختفلون في بناء هذه المانستارات ويعملونها بالرخام والفسيفساء وهي كثيرة بهذه المدينة.
ودخلت مع الرومي الذي عيّنه الملك للركوب معي إلى ما نستار يشقّه نهر وفيه كنيسة فيها نحو خمسماية بكر، عليهن المسموح، ورءوسهنّ محلوقة فيها قلانيس اللّبد، ولهنّ جمال فائق وعليهن أثر العبادة! وقد قعد صبيّ على منبر يقرأ لهن الإنجيل بصوت لم أسمع قط أحسن منه، وحوله ثمانية من الصبيان على منابر ومعهم قسّيسهم، فلما قرأ هذا الصبيّ قرأ صبيّ آخر. وقال لي الرّومي: إن هؤلاء البنات من بنات الملوك ووهبن أنفسهنّ لخدمة هذه الكنيسة، وكذلك الصبيان القرّاء، ولهم كنيسة أخرى خارج تلك الكنيسة.
ودخلت معه أيضا إلى كنيسة في بستان فوجدنا بها نحو خمسمائة بكر أو أزيد، وصبيّ يقرأ لهنّ على منبر، وجماعة صبيان معه على منابر مثل الأوّلين، فقال لي الرومي:
هؤلاء بنات الوزراء والأمراء يتعبدن بهذه الكنيسة.
ودخلت معه إلى كنائس فيها أبكار من وجوه أهل البلد، وإلى كنائس فيها العجائز والقواعد من النساء وإلى كنائس فيها الرهبان يكون في الكنيسة منها مائة رجل وأكثر وأقلّ.