الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الأعمى قلت له أعطيته لفقير، فقال: ارجع في طلبه فإنّ فيه أسماء مكتوبة فيها سرّ من الأسرار، فطال تعجّبي منه ومن معرفته بذلك كلّه، والله أعلم بحاله.
وبجدّه جامع يعرف بجامع الآبنوس «5» معروف البركة يستجاب فيه الدعاء، وكان الامير بها أبا يعقوب بن عبد الرزّاق وقاضيها وخطيبها الفقيه عبد الله من أهل مكّة شافعيّ المذهب، وإذا كان يوم الجمعة واجتمع الناس للصلاة أتى المؤذّن وعدّ أهل جدّة المقيمين بها، فإن كملوا أربعين خطب وصلّى بهم الجمعة وان لم يبلغ عددهم أربعين صلّى ظهرا أربعا، ولا يعتبر من ليس من أهلها وان كانوا عددا كثيرا «6» .
ثم ركبنا من جدّة في مركب يسمّونه الجلبة «7» وكان لرشيد الدين الألفي اليمنيّ الحبشيّ الأصل، وركب الشريف منصور بن أبى نمّى «8» في جلبة أخرى ورغب منّي أن أكون معه فلم أفعل لكونه كان معه في جلبته الجمال فخفت من ذلك، ولم أكن ركبت البحر قبلها وكان هنالك جملة من أهل اليمن قد جعلوا ازوادهم وامتعتهم في الجلب وهم متأهبون للسفر.
حكاية [الدّراهم المخبوءة بالعديلة]
ولمّا ركبنا البحر أمر الشريف منصور أحد غلمانه أن يأتيه بعديلة دقيق، وهي نصف حمل، وبطّة سمن يأخذهما من جلب أهل اليمن، فأخذهما وأتى بهما إليه فأتاني التّجار باكين، وذكروا لي أن في جوف تلك العديلة عشرة الاف درهم نقرة، ورغبوا منّي أن أكلّمه في ردّها وأن يأخذ سواها، فأتيته وكلّمته في ذلك وقلت له: إنّ للتجار في جوف هذه العديلة شيئا، فقال: إن كان سكرا فلا أردّه اليهم، وان كان سوى ذلك فهو لهم، ففتحوها فوجدوا
نموذج من الفن التصويري عند العرب يذكرنا في الكثير من المشاهد التي يصفها ابن بطوطة في رحلته
…
الصورة تمثل مركبا من إحدى مقامات الحريري: المقامة 39. ليننگراد المعهد الشرقي لأكاديمية العلوم.
الدراهم فردّها عليهم، وقال لي: لو كان عجلان ما ردّها، وعجلان هو ابن أخيه رميثة، وكان قد دخل في تلك الأيام دار تاجر من أهل دمشق قاصدا لليمن فذهب بمعظم ما كان فيها، وعجلان هو أمير مكّة على هذا العهد، وقد صلح حاله واظهر العدل والفضل.
ثم سافرنا في هذا البحر بالرّيح الطّيبة يومين وتغيّرت الرّيح بعد ذالك وصدّتنا عن السبيل التي قصدناها ودخلت أمواج البحر معنا في المركب واشتدّ الميد بالناس ولم نزل في أهوال حتى خرجنا في مرسى يعرف برأس دوائر، فيما بين عيذاب وسواكن «9» ، فنزلنا به ووجدانا بساحله عريش قصب على هيئة مسجد، وفيه كثير من قشور بيض النّعام مملوّة ماء فشربنا منه وطبخنا.
ورأيت بذلك المرسى عجبا وهو خور مثل الوادي يخرج من البحر، فكان الناس يأخذون الثوب ويمسكون بأطرافه ويخرجون به وقد امتلأ سمكا. كلّ سمكة منها قدر الذراع ويعرفونه بالبوريّ، فطبخ منه الناس كثيرا واشتووا وقصدت إلينا طائفة من البجاة، وهم سكّان تلك الأرض سود الألوان لباسهم الملاحف الصفر ويشدّون على رءوسهم عصائب حمرا في عرض الإصبع «10» ، وهم أهل نجدة وشجاعة وسلاحهم الرّماح والسيوف ولهم جمال يسمونها الصّهب يركبونها بالسروج، فاكترينا منهم الجمال وسافرنا معهم في برّيّة كثيرة الغزلان، والبجاة لا يأكلونها فهي تأنس بالآدميّ ولا تنفر منه.
وبعد يومين من مسيرنا وصلنا إلى حيّ من العرب يعرفون بأولاد كاهل مختلطين بالبجاة عارفين بلسانهم، وفي ذلك اليوم وصلنا إلى جزيرة سواكن وهي على نحو ستّة اميال من البرّ «11» ولا ماء بها ولا زرع ولا شجر، والماء يجلب اليها في القوارب، وفيها صهاريج يجتمع بها ماء المطر وهي جزيرة كبيرة وبها لحوم النّعام والغزلان وحمر الوحش، والمعزى