الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى جانبه، ففعلت وصلّى صلاة العصر، ثم قرىء بين يديه من كتاب المصابيح «125» ، وشوارق الأنوار للصاغاني «126» ، وطالعاه نائباه بما جرى لديهما من القضايا، وتقدّم كبار المدينة للسلام عليه، وكذلك عادتهم معه صباحا ومساء ثم سألني عن حالي وكيفية قدومي وسألني عن المغرب ومصر والشام والحجاز فأخبرته بذلك، وأمر خدّامه فأنزلوني بدويرة صغيرة بالمدرسة «127» .
وفي غد ذلك اليوم وصل إليه رسول ملك العراق السلطان أبي سعيد وهو ناصر الدين الدّرقندي «128» من كبار الأمراء خراساني الأصل فعند وصوله اليه نزع شاشيته عن رأسه وهم يسمّونها الكلا، وقبّل رجل القاضي وقعد بين يديه ممسّكا أذن نفسه بيده، وهكذا فعل أمراء التتر عند ملوكهم، وكان هذا الأمير قد قدم في نحو خمسمائة فارس من مماليكه وخدامه وأصحابه، ونزل خارج المدينة ودخل إلى القاضي في خمسة نفر ودخل مجلسه وحده منفردا تأدبا.
حكاية هي السبب في تعظيم هذا الشيخ وهي من الكرامات الباهرة
«129»
كان ملك العراق السلطان محمد خذا بنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الرّوافض الإمامية يسمى جمال الدين بن مطهر «130» ، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت باسلامه
التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه فزيّن له مذهب الروافض «131» وفضله على غيره، وشرح له حال الصحابة والخلافة، وقرر لديه أنّ أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله وان عليّا ابن عمه وصهره فهو وارث الخلافة ومثّل له ذلك بما هو مألوف عنده من أن الملك الذي بيده إنما هو إرث عن أجداده وأقاربه مع حدثان عهد السلطان بالكفر، وعدم معرفته بقواعد الدّين، فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وأذربيجان وإصفهان وكرمان وخراسان، وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد وشيراز وإصفهان، فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الأزج «132» منهم وهم أهل السنّة واكثرهم على مذهب الامام أحمد بن حنبل وقالوا: لا سمع ولا طاعة! وأتو المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح وبه رسول السلطان فلما صعد الخطيب المنبر قاموا إليه، وهم نحو اثني عشر ألفا في سلاحهم وهم حماة بغداد والمشار اليهم فيها، فحلفوا له: إنه إن غيّر الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فانهم قاتلوه وقاتلوا رسول الملك ومستسلمون بعد ذلك لما شاءه الله! وكان السلطان أمر بأن تسقط أسماء الخلفاء وساير الصحابة من الخطبة ولا يذكر إلا اسم علي ومن تبعه كعمّار رضي الله عنهم فخاف الخطيب من القتل، وخطب الخطبة المعتادة، وفعل أهل شيراز وإصفهان كفعل أهل بغداد، فرجعت الرسل إلى الملك فاخبروه بما جرى في ذلك، فأمر أن يوتي بقضاة المدن الثلاث فكان أول من أوتى به منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز والسلطان إذ ذاك في موضع يعرف بقراباغ «133» ، وهو موضع مصيفه، فلمّا وصل القاضي أمران يرمى به إلى الكلاب التي عنده وهي كلاب ضخام في اعناقها السلاسل معدّة لأكل بني آدم، فإذا أوتي بمن يسلّط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيّد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفرّ أمامها ولا مفرّ له فتدركه فتمزّقه وتأكل لحمه! فلما أرسلت
الكلاب على قاضي مجد الدين ووصلت اليه بصبصت إليه وحركت أذنابها بين يديه ولم تهجم عليه بشيء فبلغ ذلك السلطان، فخرج من داره حافي القدمين، فأكبّ على رجلي القاضي يقبّلهما، وأخذ بيده وخلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب، وهي أعظم كرامات السلطان عندهم. وإذا خلع ثيابه كذلك على أحد كانت شرفا له ولبنيه وأعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شيء منها وأعظمها في ذلك السراويل «134» ، ولما خلع السلطان ثيابه على القاضي مجد الدين أخذ بيده وأدخله إلى داره وأمر نساءه بتعظيمه والتبرك به ورجع السلطان عن مذهب الرفض، وكتب إلى بلاده أن يقرّ الناس على مذهب أهل السنة والجماعة «135» واجزل العطاء للقاضي وصرفه إلى بلاده مكرما معظما، وأعطاه في جملة عطاياه مائة قرية من قرى جمكان «136» ، وهو خندق بين جبلين طوله أربعة وعشرون فرسخا يشقّه نهر عظيم والقرى منتظمة بجانبيه، وهو احسن موضع بشيراز، ومن قراه العظيمة التي تضاهي المدن قرية ميمن وهي للقاضي المذكور.
ومن عجائب هذا الموضع المعروف بجمكان أن نصفه ممّا يلي شيراز، وذلك مسافة اثنى عشر فرسخا شديد البرد وينزل فيه الثلج واكثر شجره الجوز، والنصف الآخر ممّا يلي بلاد هنج وبال وبلاد اللّار في طريق هرمز، شديد الحرّ وفيه شجر النخيل.
ضريح السّلطان محمد خذابنده عن مجلة الموسم 1993