الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقاقم «55» : هو أحسن أنواع الفراء وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار وصرفها من ذهبنا مائتان وخمسون، وهي شديدة البياض من جلد حيوان صغير في طول الشبر وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله، والسمّور دون ذلك تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها.
وخاصيّة هذه الجلود أنّه لا يدخلها القمل، وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متّصلا بفرواتهم عند العنق، وكذلك تجار فارس والعراقين.
وعدت من مدينة بلغار مع الأمير الذي بعثه السلطان في صحبتي فوجدت محلّة السلطان على الموضع ببش دغ وذلك في الثامن والعشرين من رمضان وحضرت معه صلاة العيد وصادف يوم العيد يوم الجمعة «56» .
ذكر تربيتهم في العيد
ولمّا كان صباح يوم العيد ركب السلطان في عساكره العظيمة، وركبت كلّ خاتون عربتها ومعها عساكرها وركبت بنت السلطان والتاج على رأسها إذ هي الملكة على الحقيقة ورثت الملك من أمّها «57» ، وركب أولاد السلطان كلّ واحد في عسكره.
وكان قد قدم لحضور العيد قاضي القضاة شهاب الدين السايليّ، ومعه جماعة من الفقهاء والمشايخ، فركبوا وركب القاضي حمزة والامام بدر الدين القوامي والشريف ابن عبد الحميد، وكان ركوب هؤلاء الفقهاء مع تين بك ولي عهد السلطان ومعهم الأطبال والأعلام، فصلّى بهم القاضي شهاب الدين وخطب أحسن خطبة، وركب السلطان وانتهى إلى برج خشب يسمّى عندهم الكشك «58» ، فجلس فيه ومعه خواتينه، ونصب برج ثان دونه فجلس فيه وليّ عهده وابنته صاحبة التاج ونصب برجان دونهما عن يمينه وشماله فيهما أبناء السلطان
وأقاربه ونصبت الكراسي للأمراء وأبناء الملوك، وتسمّى الصّندليات «59» عن يمين البرج وشماله، فجلس كل واحد على كرسيّه.
ثمّ نصبت طبلات للرمي لكل أمير طومان 6»
طبلة مختصّة به، وأمير طومان عندهم هو الذي يركب له عشرة آلاف، فكان الحاضرون من أمراء طومان سبعة عشر يقودون مائة وسبعين ألفا، وعسكره أكثر من ذلك، ونصب لكل أمير شبه منبر فقعد عليه وأصحابه يلعبون بين يديه فكانوا على ذلك ساعة.
ثمّ أتي بالخلع فخلعت على كل أمير خلعة وعندما يلبسها يأتي إلى أسفل برج السلطان، فيخدم، وخدمته أن يمسّ الأرض بركبته اليمنى ويمدّ رجله عليها والأخرى قائمة.
ثم يؤتي بفرس مسرج ملجم فيرفع حافره ويقبّل فيه الأمير ويقوده بنفسه إلى كرسيه، وهنالك يركبه ويقف مع عسكره ويفعل هذا الفعل كلّ أمير منهم، ثم ينزل السلطان عن البرج ويركب الفرس وعن يمينه ابنه وليّ العهد، وتليه بنته الملكة إيت كججك، وعن يساره ابنه الثاني، وبين يديه الخواتين الأربع في عربات مكسوّة بأثواب الحرير المذهّب، والخيل التي تجرّها مجلّلة بالحرير المذهّب، وينزل جميع الأمراء الكبار والصغار وابناء الملوك والوزراء والحجّاب وأرباب الدولة فيمشون بين يدي السلطان على أقدامهم إلى أن يصل إلى الوطاق «61» ، والوطاق بكسر الواو وهو أفراج، وقد نصبت هنالك باركة «62» عظيمة، والباركة عندهم بيت كبير له أربعة أعمدة من الخشب مكسوّة بصفائح الفضة المموّهة بالذهب، وفي أعلى كلّ عمود جامور من الفضّة المذهّبة له بريق وشعاع وتظهر هذه الباركة على بعد كأنّها تنيّة، ويوضع عن يمينها ويسارها سقائف من القطن والكتّان، ويفرش ذلك كلّه بفرش الحرير، وينصب في وسط الباركة السرير الأعظم، وهم يسمونه التّخت «63» ، وهو من خشب مرصّع وأعواده مكسوّة بصفائح مذهّبة، وقوائمه من الفضة الخالصة المموّهة، وفوقه فرش عظيم.
وفي وسط هذا السرير الأعظم مرتبة يجلس بها السلطان والخاتون الكبرى وعن يمينه مرتبة جلست بها بنته ايت كججك ومعها الخاتون أردجا، وعن يساره مرتبة جلست بها
الخاتون بيلون، ومعها الخاتون كبك، ونصب عن يمين السرير كرسي قعد عليه تين بك ولد السلطان، ونصب عن شماله كرسي قعد عليه جان بك ولده الثاني، ونصبت كراسي عن اليمين والشمال جلس فوقها أبناء الملوك والأمراء الكبار، ثم الأمراء الصغار مثل أمراء هزارة «64» ، وهم الذين يقودون ألفا.
ثم أتي بالطعام على موائد الذهب والفضّة وكلّ مائدة يحملها أربعة رجال وأكثر من ذلك، وطعامهم لحوم الخيل والغنم مسلوقة، وتوضع بين يدي كلّ أمير مائدة وياتي الباورجي «65» ، وهو مقطّع اللحم وعليه ثياب حرير وقد ربط عليها فوطة حرير وفي حزامه جملة سكاكين في أغمادها، ويكون لكلّ أمير باورجي، فإذا قدّمت المائدة قعد بين يدي أميره، ويؤتى بصحفة صغيرة من الذهب أو الفضّة فيها ملح محلول بالماء فيقطع الباروجي اللّحم قطعا صغارا. ولهم في ذلك صنعة في قطع اللحم مختلطا بالعظم فإنهم لا يأكلون منه إلّا ما اختلط بالعظم.
ثم يؤتي بأواني الذهب والفضّة للشرب، وأكثر شربهم نبيذ العسل وهم حنفيّة المذهب يحلّلون النبيذ، فإذا أراد السلطان أن يشرب أخذت بنته القدح بيدها، وخدمت برجلها، ثم ناولته القدح فشرب ثم تأخذ قدحا آخر فتناوله للخاتون الكبرى، فتشرب منه ثم تناول لسائر الخواتين على ترتيبهنّ، ثم يأخذ وليّ العهد القدح ويخدم ويناوله أباه فيشرب ثم يناول الخواتين ثم أخته ويخدم لجميعهن، ثم يقوم الولد الثاني فيأخذ القدح ويسقي أخاه له ثم يقوم الأمراء الكبار فيسقي كلّ واحد منهم وليّ العهد، ويخدم له ثم يقوم أبناء الملوك فيسقي كلّ واحد منهم هذا الابن الثاني ويخدم له، ثم يقوم الأمراء الصغار فيسقون أبناء الملوك.
ويغنّون أثناء ذلك بالملالية «66» وكانت قد نصبت قبّة كبيرة أيضا إزاء المسجد للقاضي والخطيب والشريف وسائر الفقهاء والمشايخ، وأنا معهم فأوتينا بموائد الذهب والفضة، يحمل كلّ واحدة أربعة من كبار الأتراك، ولا يتصرف في ذلك اليوم بين يدي السلطان إلّا الكبار فيأمرهم برفع ما أراد من الموائد إلى من أراد فكان من الفقهاء من أكل، ومنهم من تورّع من الأكل في الموائد الفضّة والذّهب. ورأيت مدّ البصر عن اليمين والشمال
من العربات عليها روايا القمزّ فأمر السلطان بتفريقها على الناس، فأتوا إلىّ بعربة منها فأعطيتها لجيراني من الأتراك، ثم أتينا المسجد ننتظر صلاة الجمعة فأبطأ السلطان، فمن قائل إنّه لا يأتي لأن السّكر قد غلب عليه، ومن قائل إنّه لا يترك الجمعة، فلمّا كان بعد تمكّن الوقت أتى وهو يتمايل! فسلم على السيد الشريف وتبسّم له وكان يخاطبه بآطا، وهو الأب بلسان التّركية، ثم صلّينا الجمعة وانصرف الناس إلى منازلهم وانصرف السلطان إلى الباركة، فبقي على حاله إلى صلاة العصر ثم انصرف الناس أجمعون وبقي مع الملك تلك الليلة خواتينه وبنته.
ثم كان رحيلنا مع السلطان والمحلّة لمّا انقضى العيد فوصلنا إلى مدينة الحاجّ ترخان «67» ، ومعنى ترخان عندهم: الموضع المحرّر من المغارم، وهو بفتح التاء المثناة وسكون الراء وفتح الخاء المعجم وآخره نون، والمنسوب اليه هذه المدينة هو حاجّ من الصالحين، تركي نزل بموضعها وحرّر له السلطان ذلك الموضع فصار قرية، ثم عظمت وتمدّنت، وهي من أحسن المدن عظيمة الأسواق مبنيّة على نهر إتل «68» ، وهو من أنهار الدنيا الكبار، وهنالك يقيم السلطان حتّى يشتدّ البرد ويجمد هذا النهر، وتجمد المياه المتّصلة به، ثم يأمر أهل تلك البلاد فيأتون بآلاف من أحمال التبن فيجعلونها على الجليد المنعقد فوق النهر، والتبن هنالك لا تأكله الدواب، لأنّه يضرّها، وكذلك ببلاد الهند، وانّما أكلها الحشيش الأخضر لخصب البلاد، ويسافرون بالعربات فوق هذا النهر، والمياه المتصلة به ثلاث مراحل، وربّما جازت القوافل فوقه مع آخر فصل الشتاء فيغرقون ويهلكون.
ولمّا وصلنا مدينة الحاجّ ترخان رغبت الخاتون بيلون ابنة ملك الروم من السلطان أن ياذن لها في زيارة أبيها لتضع حملها عنده وتعود إليه، فأذن لها ورغبت منه أن يأذن لي في التوجّه صحبتها لمشاهدة القسطنطينية العظمى، فمنعني خوفا عليّ فلاطفته وقلت له: إنّما أدخلها في حرمتك وجوارك فلا أخاف من أحد! فأذن لي وودّعناه ووصلني بألف وخمسمائة دينار وخلعة وأفراس كثيرة وأعطتني كلّ خاتون منهنّ سبائك الفضة، وهم يسمّونها الصّوم،
من وسائل النقل في الصحراء