الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سلطان اللّارندة
.
وسلطانها الملك بدر الدين بن قرمان «60» ، بفتح القاف والراء، وكانت قبله لشقيقه موسى فنزل عنها للملك الناصر وعوّضه عنها بعوض وبعث إليها أميرا وعسكرا «61» ثم تغلّب عليها السلطان بدر الدين وبنى بها دار مملكته واستقام أمره بها.
ولقيت هذا السلطان خارج المدينة وهو عائد من تصيّده فنزلت له عن دابّتي فنزل هو عن دابّته وسلّمت عليه وأقبل عليّ، ومن عادة ملوك هذه البلاد أنه إذا نزل لهم الوارد عن دابته نزلوا له وأعجبهم فعله، وزادوا في إكرامه، وإن سلّم عليهم راكبا ساءهم ذلك ولم يرضهم ويكون سببا لحرمان الوارد! وقد جرى لي ذلك مع بعضهم، وسأذكره، ولمّا سلّمت عليه وركب سألني عن حالي وعن مقدمي ودخلت معه المدينة، فأمر بإنزالي أحسن نزل، وكان يبعث الطعام الكثير والفاكهة والحلواء في طيافير الفضّة، والشمع، وكسا، وأركب وأحسن، ولم يطل مقامنا عنده.
وانصرفنا إلى مدينة أقصرا «62» ، وضبطها بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد المهمل والراء، وهي من أحسن بلاد الروم وأتقنها، تحفّ بها العيون الجارية والبساتين من كل ناحية، ويشقّ المدينة ثلاثة أنهار ويجري الماء بدورها، وفيها الأشجار ود والي العنب، وداخلها بساتين كثيرة، وتصنع بها البسط المنسوبة إليها من صوف الغنم لا مثل لها في بلد من البلاد «63» ومنها تحمل إلى الشام ومصر والعراق والهند والصين وبلاد الأتراك.
وهذه المدينة في طاعة ملك العراق، ونزلنا منها بزاوية الشريف حسين النائب بها عن الأمير أرتنا، وأرتنا هو النائب عن ملك العراق فيما تغلّب عليه من بلاد الروم، وهذا الشريف من الفتيان وله طائفة كثيرة وأكرمنا اكراما متناهيا وفعل أفعال من تقدّمه.
ثم رحلنا إلى مدينة نكدة «64» ، وضبط اسمها بفتح النون واسكان الكاف ودال مهمل مفتوح، وهي من بلاد ملك العراق، مدينة كبيرة كثيرة العمارة قد تخرّب بعضها ويشقّها النهر المعروف بالنّهر الاسود، وهو من كبار الأنهار عليه ثلاث قناطير، إحداها بداخل المدينة وثنتان بخارجها، وعليه النواعير بالداخل والخارج منها تسقي البساتين. والفواكه بها كثيرة، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي جاروق، وهو الأمير بها فأكرمنا على عادة الفتيان، وأقمنا بها ثلاثا.
وسرنا منها بعد ذلك إلى مدينة قيسارية «65» وهي من بلاد صاحب العراق وهي إحدى المدن العظام بهذا الإقليم، بها عسكر أهل العراق، وإحدى خواتين الأمير علاء الدين أرتنا المذكور وهي من أكرم الخواتين وأفضلهنّ، ولها نسبة من ملك العراق وتدعى أغا «66» ، بفتح الهمزة والغين المعجم، ومعنى أغا الكبير، وكلّ من بينه وبين السلطان نسبة يدعى بذلك، واسمها طغى خاتون، ودخلنا اليها فقامت لنا وأحسنت السلام والكلام، وأمرت بإحضار الطعام، فأكلنا ولمّا انصرفنا بعثت لنا بفرس مسرّج ملجم وخلعة ودراهم مع أحد غلمانها واعتذرت.
ونزلنا من هذه المدينة بزاوية الفتى الأخي أمير عليّ، وهو أمير كبير من كبار الأخيّة بهذه البلاد، وله طائفة تتبعه من وجوه المدينة وكبرائها «67» وزاويته من أحسن الزوايا فرشا وقناديل وطعاما كثيرا وإتقانا، والكبراء من أصحابه وغيرهم يجتمعون كل ليلة عنده ويفعلون في كرامة الوارد أضعاف ما يفعله سواهم.
مدينة القيسارية
ومن عوائد هذه البلاد أنّه ما كان منها ليس به سلطان فالأخي هو الحاكم به «68» ، وهو يركب الوارد ويكسوه ويحسن إليه على قدره، وترتيبه في أمره ونهيه وركوبه ترتيب الملوك.
ثمّ سافرنا إلى مدينة سيواس «69» ، وضبط بكسر السين المهمل وياء مدّ وآخره سين مهمل، وهي من بلاد ملك العراق، وأعظم ماله بهذا الإقليم من البلاد، وبها منزل أمرائه وعمّاله، مدينة حسنة العمارة واسعة الشوارع، أسواقها غاصّة بالناس وبها دار مثل المدرسة تسمّى دار السيادة «70» لا ينزلها الّا الشرفاء، ونقيبهم ساكن بها وتجرى لهم فيها مدّة مقامهم الفرش والطعام والشمع وغيره فيزوّدون إذا انصرفوا.
ولمّا قدمنا إلى هذه المدينة خرج إلى لقائنا أصحاب الفتى أخي احمد بجقجي، وجق بالتّركية السكّين، وهذا منسوب إليه، والجيمان منه معقودان بينهما قاف، وباؤه مكسورة.
وكانوا جماعة منهم الركبان والمشاة، ثم لقينا بعدهم أصحاب الفتى أخي جلبى، وهو من كبار الأخية، وطبقته أعلى من طبقة أخي بجقجي، فطلبوا أن ننزل عندهم فلم يمكن لي ذلك لسبق الأولين، ودخلنا المدينة معهم جميعا وهم يتفاخرون والذين سبقوا إلينا قد فرحوا أشدّ الفرح بنزولنا عندهم، ثم كان من صنيعهم في الطعام والحمّام والمبيت مثل صنيع من تقدّم وأقمنا عندهم ثلاثة في أحسن ضيافة ثم أتانا القاضي وجماعة من الطلبة ومعهم خيل الأمير علاء الدين أرتنا نائب ملك العراق ببلاد الروم فركبنا إليه واستقبلنا الأمير إلى دهليز داره فسلّم علينا ورحبّ، وكان فصيح اللسان بالعربية، وسألني عن العراقين وإصبهان وشيراز وكرمان «71» وعن السلطان أتابك وبلاد الشام ومصر وسلاطين التركمان، وكان مراده أن أشكر الكريم منهم وأذمّ البخيل فلم أفعل ذلك،! بل شكرت الجميع فسرّ بذلك منّي، وشكرني عليه ثم
مدينة سيواس
أحضر الطعام فأكلنا وقال: تكونون في ضيافتي، فقال له الفتى أخي جلبى، إنّهم لم ينزلوا بعد بزاويتي، فليكونوا عندي وضيافتك تصلهم، فقال: افعل، فانتقلنا إلى زاويته وأقمنا بها ستّا في ضيافته وفي ضيافة الأمير، ثم بعث الامير بفرس وكسوة ودراهم، وكتب لنوّابه بالبلاد أن يضيفونا ويكرّمونا ويزوّدونا.
وسافرنا إلى مدينة أماصبية، «72» وضبط اسمها بفتح الهمزة والميم والف وصاد مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة، مدينة كبيرة حسنة ذات أنهار وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة وعلى أنهارها النواعير تسقى جنّاتها ودورها، وهي فسيحة الشوارع والأسواق، وملكها لصاحب العراق، وبقرب منها بلدة سونسى «73» ، وضبط اسمها بضم السين المهمل وواو مدّ ونون مضموم وسين مهمل مفتوح، وهي لصاحب العراق أيضا، وبها سكنى أولاد وليّ الله تعالى أبي العبّاس أحمد الرفاعي، منهم الشيخ عزّ الدين، وهو الآن شيخ الرواق، وصاحب سجّادة الرفاعي، واخوته الشيخ عليّ والشيخ ابراهيم والشيخ يحيى أولاد الشيخ أحمد كوجك، ومعناه الصغير، ابن تاج الدين الرفاعي «74» ونزلنا بزاويتهم، ورأينا لهم الفضل على من سواهم.
ثم سافرنا إلى مدينة كمش «75» وضبط اسمها بضم الكاف وكسر الميم وشين معجم، وهي من بلاد ملك العراق مدينة كبيرة عامرة يأتيها التجار من العراق والشام، وبها معادن الفضّة، وعلى مسيرة يومين منها جبال شامخة «76» وعرة لم أصل إليها، ونزلنا منها بزاوية الأخي مجد الدين، وأقمنا بها ثلاثا في ضيافته، وفعل أفعال من قبله، وجاء إلينا نائب الامير أرتنا وبعث بضيافة وزاد.
الجسر والقلعة- مدينة أماصية
وانصرفنا عن تلك البلاد فوصلنا إلى أرزنجان «77» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة واسكان الراء وفتح الزاي وسكون النون وجيم وألف ونون، وهي من بلاد صاحب العراق مدينة كبيرة عامرة وأكثر سكّانها الأرمن «78» والمسلمون يتكلّمون بها بالتركية، ولها أسواق حسنة الترتيب ويصنع بها ثياب حسان تنسب إليها، وفيها معادن النحاس ويصنعون منه الأواني والبياسيس التي ذكرناها، وهي شبه المنار عندنا، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي نظام الدين، وهي من أحسن الزوايا وهو ايضا من خيار الفتيان وكبارهم أضافنا أحسن ضيافة.
وانصرفنا إلى مدينة أرز الروم «79» ، وهي من بلاد ملك العراق كبيرة الساحة خرب أكثرها بسبب فتنة وقعت بين طائفتين من التركمان بها، ويشقّها ثلاثة أنهار، وفي أكثر دورها بساتين فيها الأشجار والدّوالي، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخى طومان وهو كبير السّن يقال: إنه أناف على مائة وثلاثين سنة، ورأيته يتصرّف على قدميه متوكئا على عصا، ثابت الذهن مواظبا للصلاة في أوقاتها. لم ينكر من نفسه شيئا، إلا أنّه لا يستطيع الصوم، خدمنا بنفسه في الطعام، وخدمنا أولاده في الحمّام، وأردنا الانصراف عنه ثاني يوم نزولنا فشقّ عليه ذلك وأبى منه، وقال: إن فعلتم نقصتم حرمتي، وانّما اقلّ الضيافة ثلاث، فأقمنا لديه ثلاثة.
ثم انصرفنا إلى مدينة برگي «80» وضبط اسمها بباء موحدة مكسورة وكاف معقود مكسور بينهما راء مسكن، ووصلنا إليها بعد العصر فلقينا رجلا من أهلها فسألناه عن زاوية الأخي بها، فقال أنا أدلكم عليها فاتّبعناه فذهب بنا إلى منزل نفسه في بستان له، فأنزلنا