الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعوانه، فسأل الرومي الذي معي، فقال له: إنه من طلبة المسلمين، فلما عاد إليه وأخبره بذلك، بعث إليّ أحد أصحابه، وهم يسمون القاضي النّجشي كفالي، فقال لي: النّجشي كفالي «109» يدعوك فصعدت إليه إلى القبة التي تقدم ذكرها فرأيت شيخا حسن الوجه واللمّة، عليه لباس الرهبان وهو الملفّ الاسود، وبين يديه نحو عشرة من الكتّاب يكتبون فقام إليّ وقام أصحابه وقال: أنت ضيف الملك، ويجب علينا إكرامك وسألني عن بيت المقدس والشام ومصر وأطال الكلام، وكثر عليه الازدحام، وقال لي: لابدّ لك أن تاتي إلى داري فأضيفك، فانصرفت عنه ولم ألقه بعد.
ذكر الانصراف عن القسطنطينية
ولمّا ظهر لمن كان في صحبة الخاتون من الأتراك أنها على دين أبيها وراغبة في المقام معه طلبوا منها الإذن في العودة إلى بلادهم، فأذنت لهم وأعطتهم عطاء جزيلا وبعثت معهم من يوصلهم إلى بلادهم أميرا يسمى ساروجه الصغير في خمسمائة فارس، وبعثت عنّي فأعطتني ثلاثماية دينار من ذهبهم، وهم يسمونه البربرة «110» ، وليس بالطيب، وألفي درهم بندقيّة، وشقّة ملفّ من عمل البنات، وهو أجود أنواعه، وعشرة أثواب من حرير وكتّان وصوف وفرسين، وذلك من عطاء أبيها وأوصت بي ساروجة وودّعتها وانصرفت، وكانت مدّة مقامي عندهم شهرا وستّة أيّام.
وسافرنا «111» صحبة ساروجة فكان يكرمني حتى وصلنا إلى آخر بلادهم حيث تركنا أصحابنا وعرباتنا فركبنا العربات ودخلنا البريّة ووصل ساروجة معنا إلى مدينة باب سلطوق وأقام بها ثلاثا في الضيافة وانصرف إلى بلاده وذلك في اشتداد البرد، وكنت ألبس ثلاث فروات وسراويل أحدهما مبطّن، وفي رجلي خفّ من صوف وفوقه خفّ مبطن بثوب كتّان
وفوقه خفّ من البرغالي «112» ، وهو جلد الفرس مبطن بجلد ذيب، وكنت أتوضأ بالماء الحارّ بمقربة من النار فما تقطر من الماء قطرة إلّا جمدت لحينها! وإذا غسلت وجهي يصل الماء إلى لحيتي فيجمد، فأحرّكها فيسقط منها شبه الثلج، والماء الذي ينزل من الأنف يجمد على الشارب، وكنت لا أستطيع الركوب لكثرة ما عليّ من الثياب حتى يركبني أصحابي! ثم «113» وصلت إلى مدينة الحاجّ ترخان حيث فارقنا السلطان أوزبك فوجدناه قد رحل واستقرّ بحضرة ملكه، فسافرنا على نها إتل وما يليه من المياه ثلاثا وهي جامدة، وكنّا إذا احتجنا الماء قطعنا قطعا من الجليد وجعلنا في القدر حتى يصير ماء فنشرب منه ونطبخ به!! ووصلنا إلى مدينة السّرا، وضبط اسمها بسين مهمل وراء مفتوحين وألف وتعرف بسرا بركة «114» ، وهي حضرة السلطان أوزبك، ودخلنا على السّلطان فسألنا عن كيفيّة سفرنا وعن ملك الروم، ومدينته فأعلمناه، وأمر بإجراء النفقة علينا وأنزلنا.
ومدينة السّرا من أحسن المدن متناهية الكبر في بسيط من الأرض تغصّ بأهلها كثرة، حسنة الأسواق، متّسعة الشوارع، وركبنا يوما مع بعض كبرائها وغرضنا التطوّف عليها ومعرفة مقدارها، وكان منزلنا في طرف منها فركبنا منه غدوة فما وصلنا لآخرها إلّا بعد الزوال فصلّينا الظهر، وأكلنا طعاما فما وصلنا إلى المنزل إلا عند المغرب، ومشينا يوما عرضها ذاهبين وراجعين في نصف يوم، وذلك في عمارة متّصلة الدور لا خراب فيها ولا بساتين وفيها ثلاثة عشر مسجدا لإقامة الجمعة: أحدها للشافعية، وأمّا المساجد سوى ذلك فكثير جدا وفيها طوائف من الناس منهم المغل، وهم أهل البلاد، والسلاطين، وبعضهم مسلمون، ومنهم الآص «115» وهم مسلمون، ومنهم القفجق، والجركس والرّوس، والروم، وهم