الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويذكر أنّها بنيت على قبره مرارا فتهدّمت بقدرة الله تعالى وقبره عند أهل بغداد معظّم واكثرهم على مذهبه وبالقرب منه قبر ابي بكر الشّبليّ «212» من ائمة المتصوّفة رحمه الله، وقبر سرّي السقطيّ «213» وقبر بشر الحافي 21»
، وقبر داود الطائي «215» ، وقبر أبي القاسم الجنيد رضي الله عنهم أجمعين.
واهل بغداد لهم يوم في كل جمعة لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ «216» ، ويوم لشيخ آخر يليه هكذا إلى آخر الأسبوع، وببغداد كثير من قبور الصالحين والعلماء رضي الله تعالى عنهم، «217» وهذه الجهة الشرقيّة من بغداد ليس بها فواكه وانّما تجلب اليها من الجهة الغربيّة لان فيها البساتين والحدائق، ووافق وصولي إلى بغداد كون ملك العراق بها فلنذكره هاهنا.
ذكر سلطان العراقين وخراسان
وهو السلطان الجليل أبو سعيد بهادرخان، وخان عندهم: الملك وبهادر بفتح الباء الموحدة وضم الدال المهمل وآخره راء ابن السلطان الجليل محمد خذابنده «218» وهو الذي
مسجد الإمام أبي حنيفة مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني
أسلم من ملوك التتر، وضبط اسمه مختلف فيه، فمنهم من قال إن اسمه خذابنده بخاء معجمة مضمومة وذال معجم مفتوح وبنده لم يختلف فيه وهو بباء موحدة مفتوحة ونون، مسكنة ودال مهمل مفتوح وهاء استراحة، وتفسيره على هذا القول عبد الله لأن خذا بالفارسيّة اسم الله عز وجل، وبنده غلام أو عبد أو ما في معناهما، وقيل انّما هو خر بنده بفتح الخاء المعجم وضمّ الراء المهمل وتفسير خر بالفارسيّة الحمار، فمعناه على هذا غلام الحمار فشذّ ما بين القولين من الخلاف! على أن هذا الأخير هو المشهور، وكأنّ الأوّل غيّره إليه من تعصّب، وقيل إن سبب تسميته بهذا الاخير هو أن التتر يسمّون المولود باسم أول داخل على البيت عند ولادته، فلما ولد هذا السلطان كان أول داخل الزّمال، وهم يسمونه خر بنده فسمّى به، وأخو خر بنده هو قازغان الذي يقول فيه الناس قازان وقازغان هو القدر، وقيل سمّى بذلك لأنه لما ولد دخلت الجارية ومعها القدر.
وخذا بنده هو الذي أسلم وقدّمنا قصّته، وكيف أراد أن يحمل الناس لمّا أسلم على الرفض وقصّة القاضي مجد الدين معه، ولمّا مات ولى الملك ولده أبو سعيد بهادرخان، وكان ملكا فاضلا كريما، ملك وهو صغير السنّ، ورايته ببغداد وهو شابّ أجمل خلق الله صورة لا نبات بعارضيه، ووزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد بن خواجه رشيد «219» ، وكان أبوه من مهاجرة اليهود واستوزره السلطان محمد خذابنده والد أبي سعيد رأيتهما يوما بحرّاقة في الدجلة وتسمّى عندهم الشبّارة «220» ، وهي شبه سلّورة وبين يديه دمشق خوجه ابن الامير الجوبان المتغلّب على أبي سعيد، وعن يمينه وشماله شبّارتان فيهما أهل الطرب والغناء ورايت من مكارمه في ذلك اليوم أنّه تعرّض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم، فأمر لكلّ واحد منهم بكسوة وغلام يقوده، ونفقته تجرى عليه.
ولمّا ولى السلطان أبو سعيد، وهو صغير كما ذكرناه استولى على أمره أمير الامراء الجوبان «221» وحجّر عليه التصرّفات حتّى لم يكن بيده من الملك الّا الاسم، ويذكر أنّه احتاج في بعض الاعياد إلى نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليه فبعث إلى أحد التجار فاعطاه من المال ما أحبّ، ولم يزل كذلك إلى أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون، فقالت له لو كنّا نحن الرجال ما تركنا الجوبان وولده على ما هما عليه، فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام، فقالت له: لقد انتهى أمر دمشق خواجه بن الجوبان أن يفتك بحرم أبيك، وأنه بات البارحة عند طغى خاتون! وقد بعث إليّ وقال لي: الليلة أبيت عندك، «223» وما الرأي إلّا أن تجمع الأمراء والعساكر، فإذا صعد إلى القلعة مختفيا برسم المبيت أمكنك القبض عليه، وأبوه يكفي الله أمره.
وكان الجوبان إذ ذاك غائبا بخراسان «224» ، فغلبته الغيرة وبات يدبّر أمره، فلما علم أن دمشق خواجه بالقلعة أمر الأمراء والعساكر أن يطيفوا بها من كلّ ناحية فلما كان بالغدوّ خرج دمشق ومعه جنديّ يعرف بالحاجّ المصريّ فوجد سلسلة معرضة على باب القلعة وعليها قفل، فلم يمكنه الخروج راكبا فضرب الحاجّ المصري السلسلة بسيفه فقطعها وخرجا معا فأحاطت بهما العساكر، ولحق أمير من الأمراء الخاصّكيّة يعرف بمصر خواجه وفتى يعرف بلؤلؤ دمشق خواجه فقتلاه وأتيا الملك أبا سعيد برأسه، فرموا به بين يدي فرسه، وتلك عادتهم أن يفعلوا برءوس كبار أعدائهم، وأمر السلطان بنهب داره، وقتل من قاتل من خدّامه ومماليكه.
واتّصل الخبر بأبيه الجوبان وهو بخراسان ومعه أولاده أمير حسن، وهو الأكبر، وطالش وجلوخان وهو أصغر هم وهو ابن أخت السلطان أبي سعيد من أمّه ساطي بك، بنت
السلطان خذا بنده «225» ومعه عساكر التتر وحاميتها فاتّفقوا على قتال السلطان أبي سعيد، وزحفوا إليه، فلما التقى الجمعان هرب التتر إلى سلطانهم وأفردوا الجوبان، فلما رأى ذلك نكص على عقبيه، وفرّ إلى صحراء سجستان، وأوغل فيها وأجمع على اللحاق بملك هراة غياث الدين «226» مستجيرا به وتحصّنا بمدينته وكانت له عليه أياد سابقة، فلم يوافقه والده حسن وطالش على ذلك، وقالا له: إنّه لا يفي بالعهد، وقد غدر فيروزشاه «227» بعد أن لجأ اليه وقتله، فأبى الجوبان إلّا أن يلحق به ففارقه ولداه وتوجه ومعه ابنه الأصغر جلوخان، فخرج غياث الدين لاستقباله وترجّل له وأدخله المدينة على الأمان ثم غدره بعد أيّام، وقتل ولده وبعث برأسيهما إلى السلطان أبي سعيد.
وأمّا «228» حسن وطالش فانهما قصدا خوارزم وتوجّها إلى السلطان محمد أوزبك فاكرم مثواهما وانزلهما إلى أن صدر منهما ما أوجب قتلهما، فقتلهما، وكان للجوبان ولد رابع اسمه الدّمر طاش «229» ، فهرب إلى ديار مصر فاكرمه الملك الناصر واعطاه الإسكندرية فأبى من قبولها، وقال: إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد، وكان متى بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطى هو للّذي يوصلها اليه أحسن منها، إزراء على الملك الناصر، وأظهر أمورا أوجبت قتله فقتله وبعث برأسه إلى أبي سعيد، وقد ذكرنا قصّته وقصّة قراسنقور فيما تقدّم، ولمّا قتل الجوبان جيء به وبولده ميّتين فوقف بهما على عرفات وحملا إلى المدينة ليدفنا
في التربة التي اتّخذها الجوبان بالقرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنع من ذلك، ودفن بالبقيع. والجوبان هو الذي جلب الماء إلى مكّة شرفها الله تعالى «230» .
ولمّا استقلّ السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوّج بنت الجوبان، وكانت تسمى بغداد خاتون «231» وهي من أجمل النساء وكانت تحت الشيخ حسن الذي تغلّب بعد موت أبي سعيد على الملك وهو ابن عمّته، فأمره فنزل عنها وتزوّجها أبو سعيد، وكانت أحظى النساء لديه، والنساء لدى الأتراك والتتر لهنّ حظّ عظيم وهم إذا كتبوا أمرا يقولون فيه: عن أمر السلطان والخواتين، ولكل خاتون البلاد والولايات والمجابي العظيمة، وإذا سافرت مع السلطان تكون في محلّة على حدة.
وغلبت هذه الخاتون على أبي سعيد وفضّلها على سواها، وأقامت على ذلك مدّة أيّامه ثم إنه تزوّج امرأة تسمى بدلشاد «232» فأحبّها حبا شديدا وهجر بغداد خاتون فغارت لذلك وسمّته في منديل مسّحته به بعد الجماع «233» ! فمات وانقرض عقبه، وغلبت امراؤه على الجهات كما سندكره، ولما عرف الامراء أن بغداد خاتون هي التي سمّته أجمعوا على قتلها وبدر لذلك الفتى الرومى خوارجه لؤلؤ، وهو من كبار الأمراء وقدمائهم، فأتاها وهي في الحمّام فضربها بدبّوسه وقتلها «234» ، وطرحت هنالك أيّاما مستورة العورة بقطعة تليس، واستقلّ الشيخ حسن بملك عراق العرب، وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوّج امرأته.