الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهي مرسى أهل الهند تأتي إليها المراكب العظيمة من كنباية وتانة، وكولم، وقالقوط، وفندرانية، والشاليات، ومنجرور، وفاكنور، وهنور، وسندابور، وغيرها «43» ، وتجار الهند ساكنون بها وتجار مصر ايضا.
وأهل عدن ما بين تجار وما بين حمّالين وصيّادين للسّمك وللتجار منهم أموال عريضة وربّما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه لا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال، ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة.
حكاية [كبش يعتق عبدا]
ذكر لي أن بعضهم «44» بعث غلاما له ليشتري له كبشا وبعث اخر منهم غلاما له برسم ذلك أيضا، فاتّفق أنّه لم يكن بالسوق في ذلك اليوم إلّا كبش واحد فوقعت المزايدة فيه بين الغلامين، فانتهى ثمنه إلى أربع مائة دينار، فأخذه أحدهما، وقال: إنّ رأس مالي أربع مائة دينار، فإن أعطاني مولاي ثمنه فحسن والّا دفعت فيه رأس مالي ونصرت نفسي وغلبت صاحبي، وذهب بالكبش إلى سيّده فلمّا عرف سيّده بالقضية أعتقه وأعطاه الف دينار وعاد الآخر إلى سيّده خائبا فضربه وأخذ ماله ونفاه عنه! ونزلت في عدن عند تاجر يعرف بناصر الدين الفأريّ. فكان يحضر طعامه في كلّ ليلة نحو عشرين من التجار، وله غلمان وخدّام أكثر من ذلك، ومع هذا كلّه فهم أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق يحسنون إلى الغريب ويؤثرون على الفقير، ويعطون حقّ الله من الزكاة على ما يجب، ولقيت بهذه المدينة قاضيها الصالح سالم بن عبد الله الهنديّ، وكان والده من العبيد الحمّالين واشتغل ابنه بالعلم فرأس وساد، وهو من خيار القضاة وفضلائهم، أقمت في ضيافته أيّاما.
وسافرت من مدينة عدن في البحر أربعة أيّام «45» ووصلت إلى مدينة زيلع «46» وهي مدينة البربرة، وهم طائفة من السودان «47» شافعيّة المذهب وبلادهم مسيرة شهرين أوّلها زيلع وآخرها مقدشو، ومواشيهم الجمال ولهم أغنام مشهورة السّمن.
وأهل زيلع سود الألوان وأكثرهم رافضة، وهي مدينة كبيرة لها سوق عظيمة إلّا أنّها أقذر مدينة في المعمور وأوحشها وأكثرها نتنا، وسبب نتنها كثرة سمكها ودماء الإبل التي ينحرونها في الأزقّة. ولمّا وصلنا إليها اخترنا المبيت بالبحر على شدّة هوله ولم نبت بها لقذرها.
ثم سافرنا منها في البحر خمس عشرة ليلة، ووصلنا مقدشو4»
، وضبط اسمها بفتح الميم واسكان القاف وفتح الدال المهمل والشين المعجم واسكان الواو. وهي مدينة متناهية في الكبر، وأهلها لهم جمال كثيرة ينحرون منها المئين في كل يوم، ولهم أغنام كثيرة وأهلها تجار أقوياء وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها التي لا نظير لها، ومنها تحمل إلى ديار مصر وغيرها «49» .
ومن عادة أهل هذه المدينة أنّه متى وصل مركب إلى المرسى تصعد الصنابق، وهي القوارب الصغار إليه، ويكون في كل صنبوق جماعة من شبّان أهلها فيأتي كلّ واحد منهم بطبق مغطّى، فيه الطعام فيقدّمه لتاجر من تجار الركب، ويقول: هذا نزيلي، وكذلك يفعل كلّ واحد منهم، ولا ينزل التاجر من المركب إلّا إلى دار نزيله من هؤلاء الشبّان الّا من كان كثير التردّد إلى البلد وحصلت له معرفة أهله فانه ينزل حيث شاء فإذا نزل عند نزيله باع له ما عنده واشترى له، ومن اشترى منه ببخس أو باع منه بغير حضور نزيله فذلك البيع مردود عندهم، ولهم منفعة في ذلك.
ولمّا صعد الشبان إلى المركب الذي كنت فيه جاء إليّ بعضهم، فقال له أصحابي: ليس هذا بتاجر وإنما هو فقيه! فصاح بأصحابه وقال لهم: هذا نزيل القاضي، وكان فيهم أحد أصحاب القاضي فعرّفه بذلك، فأتى إلى ساحل البحر في جملة من الطلبة، وبعث إليّ أحدهم فنزلت أنا وأصحابي وسلّمت على القاضي وأصحابه، وقال لي: بسم الله نتوجّه للسلام على الشيخ، فقلت: ومن الشيخ؟ فقال: السلطان، وعادتهم ان يقولوا للسلطان الشيخ، فقلت له:
إذا نزلت توجّهت إليه، فقال لي: إن العادة إذا جاء الفقيه أو الشريف أو الرجل الصالح لا ينزل حتّى يرى السلطان، فذهبت معهم إليه كما طلبوا.