الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجوز الهند ولا يكونان إلا ببلاد الهند، وبمدينة ظفار هذه، لشبهها بالهند وقربها منها، اللهمّ الّا في مدينة زبيد في بستان السلطان شجيرات من النارجيل، واذ قد وقع
ذكر التنبول
والنارجيل فلنذكرهما ولنذكر خصائصهما.
ذكر التنبول
والتنبول «92» شجر يغرس كما تغرس دوالي العنب ويصنع له معرّشات من القصب كما يصنع لدوالي العنب أو يغرس في مجاورة شجر النّارجيل فيصعد فيها كما تصعد الدّوالي، وكما يصعد الفلفل، ولا ثمر للتنبول وانّما المقصود منه ورقه وهو يشبه ورق العلّيق، وأطيبه الأصفر، وتجتنى أوراقه في كلّ يوم، وأهل الهند يعظمون التنبول تعظيما شديدا، وإذا أتى الرجل دار صاحبه فأعطاه خمس ورقات منه فكأنّما أعطاه الدنيا وما فيها! لا سيّما إن كان أميرا أو كبيرا، واعطاؤه عندهم أعظم شأنا وأدلّ على كرامة من اعطاء الفضّة والذهب! وكيفيّة استعماله أن يوخذ قبله الفوفل، وهو شبه جوز الطيب فيكسر حتّى يصير أطرافا صغارا ويجعله الإنسان في فمه ويعلكه، ثمّ يأخذ ورق التنبول فيجعل عليها شيئا من النّورة ويمضغها مع الفوفل، وخاصّيته أنّه يطيب النكهة ويذهب بروائح الفم ويهضم الطعام ويقطع ضرر شرب الماء على الريق، ويفرح أكله ويعين على الجماع ويجعله الإنسان عند رأسه ليلا فإذا استيقظ من نومه أو أيقظته زوجته أو جاريته أخذ منه فيذهب بما في فمه من رائحة كريهة، ولقد ذكر لي أن جواري السلطان والأمراء ببلاد الهند لا يأكلن غيره وسنذكره عند ذكر بلاد الهند.
ذكر النارجيل
وهو جوز الهند وهذا الشجر من أغرب الأشجار شأنا وأعجبها أمرا، وشجره شبه شجرة النخل لا فرق بينهما إلا أنّ هذه تثمر جوزا، وتلك تثمر تمرا، وجوزها يشبه رأس ابن آدم لان فيها شبه العينين والفم وداخلها شبه الدّماغ إذا كانت خضراء، وعليها ليف شبه
الشعر وهم يصنعون منه حبالا يخيطون بها المراكب عوضا عن مسامير الحديد، ويصنعون منه الحبال للمراكب، والجوزة منها وخصوصا التي بجزائر ذيبة المهل تكون بمقدار رأس الآدميّ.
ويزعمون أنّ حكيما من حكماء الهند في غابر الزمان كان متّصلا بملك من الملوك ومعظّما لديه، وكان للملك وزير بينه وبين هذا الحكيم معاداة، فقال الحكيم للملك: إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن تخرج منه نخلة تثمر بتمر عظيم يعود نفعه على أهل الهند وسواهم من أهل الدنيا فقال له الملك: فإن لم يظهر من رأس الوزير ما ذكرته؟ قال: إن لم يظهر فاصنع برأسي كما صنعت برأسه! فأمر الملك برأس الوزير فقطع وأخذه الحكيم، وغرس نواة تمر في دماغه، وعالجها حتّى صارت شجرة وأثمرت بهذه الجوز! وهذه الحكاية من الأكاذيب ولاكن ذكرناها لشهرتها عندهم.
ومن خواصّ هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السّمن والزيادة في حمرة الوجه، وأمّا الإعانة على الباءة ففعله فيها عجيب، ومن عجائبه أنّه يكون في ابتداء أمره أخضر فمن قطع بالسّكين قطعة من قشرة وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من الحلاوة والبرودة، ومزاجه حارّ معين على الباءة فإذا شرب ذلك الماء أخذ قطعة القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرّد بها ما في داخل الجوزة من الطّعم، فيكون طعمه كطعم البيضة إذا شويت ولم يتمّ نضجها كلّ التمام، ويتغذّى به، ومنه كان غدائي أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدّة من عام ونصف عام.
ومن عجائبه أنه يصنع منه الزيت والحليب والعسل، فامّا كيفيّة صناعة العسل منه فإنّ خدّام النخل منه، ويسمّونه الفازانية «93» ، يصعدون إلى النخلة غدوا وعشيّا إذا ارادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه العسل، وهم يسمّونه الأطواق، فيقطعون العذق الذي يخرج منه الثمر ويتركون منه مقدار إصبعين، ويربطون عليه قدرا صغيرة فيقطر فيها الماء الذي يسيل من العذق، فإذا ربطها غدوة وصعد إليها عشيّا ومعه قدحان من قشر الجوز المذكور، احدهما مملوء ماء فيصبّ ما اجتمع من ماء العذق في أحد القدحين ويغسله بالماء الذي في القدح الآخر، وينجر من العذق قليلا، ويربط عليه القدر ثانية، ثم يفعل غدوة كفعله عشيّا، فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع منه الربّ «94» فيصير