الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرناه من الفرق، وسائر الناس من المسلمين يسكنون المدينة العظمى، وبها مسجد جامع ومدرسة وحمّامات كثيرة وأسواق ضخمة مرتّبة بأبدع ترتيب، وعليها سور عظيم يحيط بها، وبجميع المواضع التي ذكرناها، وفيها البساتين الكثيرة والفواكه الطّيبة والمشمش العجيب المسمّى عندهم بقمر الدين، وفي نواته لوز حلو وهو ييبس ويحمل إلى ديار مصر، وهو بها مستطرف، وفيها عيون الماء الطيّب العذب الشديد البرودة في أيّام الصيف. ونزلنا من هذه المدينة بمدرستها، وشيخها شهاب الدين الحمويّ، ومن عادتهم أن يقرأ جماعة من الصبيان بالأصوات الحسان بعد العصر من كلّ يوم في المسجد الجامع وفي المدرسة أيضا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عمّ «16» .
ذكر الأخيّة الفتيان
«17» .
واحد الأخية أخي على لفظ الأخ إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه، وهم بجميع البلاد التّركمانيّة الروميّة في كل بلد ومدينة وقرية، ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج، والأخذ على أيدي الظّلمة، وقتل الشّرط ومن لحق بهم من أهل الشرّ.
والأخي عندهم: رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبّان الأعزاب والمتجرّدين ويقدّمونه على أنفسهم، وتلك هي الفتوّة «18» أيضا، ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسّرج، وما يحتاج اليه من آلات، ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معائشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك ممّا ينفق في الزّاوية، فإذا ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم وكان ذلك ضيافته لديهم، ولا يزال عندهم حتى ينصرف، وإن لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنّوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعتهم بالغدوّ، وأتوا بعد العصر إلى مقدّمهم بما اجتمع لهم.
ويسمّون بالفتيان، ويسمّى مقدّمهم كما ذكرنا الأخي، ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا منهم، ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وإصفهان إلّا أنّ هؤلاء أحبّ في الوارد والصادر وأعظم اكراما له وشفقة عليه. وفي الثاني من يوم وصولنا إلى هذه المدينة أتى أحد هؤلاء
رقصة الدراويش إلى الآن
الفتيان إلى الشيخ شهاب الدين الحمويّ وتكلّم معه باللّسان التركيّ، ولم أكن يومئذ أفهمه «19» ، وكان عليه أثواب خلقة وعلى رأسه قلنسوة لبد، فقال لي الشيخ: أتعلم ما يقول هذا الرجل؟ لا أعلم ما قال، فقال لي أنّه يدعوك إلى ضيافته أنت واصحابك فعجبت منه وقلت له نعم، فلمّا انصرف، قلت للشيخ: هذا رجل ضعيف ولا قدرة له على تضييفنا ولا نريد أن نكلّفه، فضحك الشيخ، وقال لي: هذا أحد شيوخ الفتيان الأخيّة، وهو من الخرّازين، وفيه كرم نفس وأصحابه نحو مائتين من أهل الصناعات قد قدّموه على أنفسهم وبنوا زاوية للضيافة وما يجتمع لهم بالنّهار أنفقوه بالليل.
فلمّا صلّيت المغرب عاد إلينا ذلك الرجل وذهبنا معه إلى زاويته فوجدنا زاوية حسنة مفروشة بالبسط الروميّة الحسان، وبها الكثير من ثريّات الزجاج العراقي.
وفي المجلس خمسة من البياسيس والبيسوس شبه المنارة من النحاس له أرجل ثلاث وعلى رأسه شبه جلّاس من النحاس وفي وسطه أنبوب للفتيلة، ويملأ من الشّحم المذاب، وإلى جانبه آنية نحاس ملأى بالشحم وفيها مقراض لإصلاح الفتيل، وأحدهم موكّل بها، ويسمّى عندهم الجراجي «20» .
وقد اصطفّ في المجلس جماعة من الشبّان ولباسهم الأقبية «21» ، وفي أرجلهم الأخفاف، وكل واحد منهم متحزّم، على وسطه سكّين في طول ذراعين، وعلى رؤسهم قلانس «22» بيض من الصوف، بأعلى كلّ قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض أصبعين، فإذا استقرّ بهم المجلس نزع كلّ واحد منهم قلنسوة ووضعها بين يديه، وتبقى على رأسه