المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَلِلْأَئِمَّةِ عِبَارَاتٌ فِي - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١١

[النووي]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَلِلْأَئِمَّةِ عِبَارَاتٌ فِي

‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ

فِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ:

الْأَوَّلُ: فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَلِلْأَئِمَّةِ عِبَارَاتٌ فِي حَقِيقَةِ الْيَمِينِ، أَجْوَدُهَا وَأَصْوَبُهَا عَنِ الِانْتِقَاضِ وَالِاعْتِرَاضِ عِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ، قَالَ: الْيَمِينُ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَوْ تَوْكِيدُهُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ. وَيَتَعَلَّقُ بِالضَّبْطِ مَسَائِلُ إِحْدَاهَا: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا وَهُوَ عَالِمٌ، فَهُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، سُمِّيَتْ غَمُوسًا، لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ. فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْقَوْلَانِ: فِيمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا.

الثَّانِيَةُ: مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ، كَقَوْلِهِ فِي حَالَةِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ عَجَلَةٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ. وَلَوْ كَانَ يَحْلِفُ عَلَى شَيْءٍ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ يُسَمَّى لَغْوَ الْيَمِينِ. وَإِذَا حَلَفَ وَقَالَ: لَمْ أَقْصِدِ الْيَمِينَ صُدِّقَ، وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ لَا يُصَدَّقُ فِي الظَّاهِرِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي الْفَرْقِ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِجْرَاءِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَدَعْوَاهُ فِيهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ، فَلَا يُقْبَلُ. قَالَ: فَلَوِ اقْتَرَنَ بِالْيَمِينِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَصْدِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ.

ص: 3

الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ غَيْرُهُ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ، أَوْ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ: لَتَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الشَّفَاعَةَ، أَوْ قَصَدَ عَقْدَ الْيَمِينِ لِلْمُخَاطَبِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قَصَدَ عَقْدَ الْيَمِينِ لِنَفْسِهِ، كَانَ يَمِينًا عَلَى الصَّحِيحِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَسْأَلُكَ ثُمَّ حَلَفَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ بِيَمِينٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُخَاطَبِ إِبْرَارُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَنِثَ الْحَالِفُ، لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ

قُلْتُ: يُسَنُّ إِبْرَارُ الْمُقْسِمِ، كَمَا ذُكِرَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبْرَارِ مَفْسَدَةٌ، بِأَنْ تَضَمَّنَ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ، أَوْ مَكْرُوهٍ. وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ، وَرَدُّ مَنْ سَأَلَ بِهِ، لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ فِيهِمَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الرَّابِعُ: يَجُوزُ تَعْقِيبُ الْيَمِينِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ عَقَّبَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَهَلْ نَقُولُ: انْعَقَدَتِ الْيَمِينُ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لَكِنَّ الْمَشِيئَةَ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَحْنَثُ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ، وَالثَّانِي: لَا، نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَأَنْ يَقْصِدَ لَفْظَهُ، وَيَصِلَهُ بِالْيَمِينِ، فَلَا يَسْكُتُ بَيْنَهُمَا إِلَّا سَكْتَةً لَطِيفَةً لِتَذَكُّرٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَنَفُّسٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ، وَأَنْ يَقْصِدَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَوَّلِ الْيَمِينِ، فَلَوْ قَصَدَهُ، فِي خِلَالِ الْيَمِينِ، فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي الطَّلَاقِ، وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الدَّارَكِيُّ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ، وَمِمَّنْ مَنَعَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَابْنُ كَجٍّ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ،

ص: 4

وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ: لَا أَفْعَلُ كَذَا، صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ، فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ: لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَبْدِي حُرٌّ، لَمْ تُطَلَّقْ وَلَمْ يُعْتَقْ، لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ قَدْ يُحْذَفُ مَعَ إِرَادَةِ الْعَطْفِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُنَا: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ، وَلْيَكُنْ هَذَا فِيمَا إِذَا نَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ أَطْلَقَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى أَمْ يَعُمُّهُمَا؟ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ يَعُمُّهُمَا؟ .

قُلْتُ: الصَّحِيحُ التَّعْمِيمُ فِي الصُّورَتَيْنِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَلَوْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوِ امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَنَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَيْهِمَا، صَحَّ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ. وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ الِاسْتِثْنَاءَ وَيُؤَخِّرَهُ، يَجُوزُ أَنْ يُوَسِّطَهُ. وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِنْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَوْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ إِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْ، حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ فَعَلَ حَنِثَ.

فَرْعٌ

قَالَ: وَاللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، وَقَصَدَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ لَا أَدْخُلَهَا، فَقَدْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى الدُّخُولِ، فَإِنْ دَخَلَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَشَاءَ زَيْدٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ

ص: 5

فَلَمْ يَدْخُلْ، حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَشِيئَةً بِأَنْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ، حَنِثَ هَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّصِّ، وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدْخُلُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الدُّخُولَ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَخَلَ وَقَدْ شَاءَ زَيْدٌ دُخُولَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ شَاءَ أَنْ لَا يَدْخُلَ، حَنِثَ، وَلَا تُغْنِي مَشِيئَةُ الدُّخُولِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَشِيئَتَهُ، فَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَالرِّوَايَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَالصُّورَتَانِ مُتَشَابِهَتَانِ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِمَا طَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْحِنْثِ، وَحَمْلُ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلِ الْيَأْسُ مِنْ مَشِيئَةٍ، أَوْ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّبِيعُ رُجُوعَهُ. وَالثَّانِي فِيهِمَا قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا: يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حِنْثِهِ الْمَشِيئَةُ وَقَدْ جَعَلْنَاهَا، وَالثَّانِي: لَا، لِلشَّكِّ. وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ، إِنْ دَخَلَ، فَالْيَمِينُ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَشِيئَةِ، فَلَا يَنْعَقِدُ قَبْلَهَا وَلَا حُكْمَ لِلدُّخُولِ قَبْلَهَا، فَإِنْ شَاءَ انْعَقَدَتْ، فَإِنْ دَخَلَ بَعْدَهُ، بَرَّ، وَإِلَّا حَنِثَ. وَيُنْظَرُ هَلْ قَيَّدَ الدُّخُولَ بِزَمَانٍ أَوْ أَطْلَقَ؟ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ عُمُرُهُ وَقْتُ الدُّخُولِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، حَكَمْنَا بِالْحِنْثِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَوْ لَمْ يَشَأْ شَيْئًا، أَوْ لَمْ تُعْرَفْ مَشِيئَتُهُ، فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدْخُلُ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا أَدْخُلَ، فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ.

الْخَامِسَةُ: الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ مَكْرُوهٌ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَجِبْرِيلَ وَالصَّحَابَةِ وَالْآلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً. قَالَ الْأَصْحَابُ: أَيْ حَرَامًا وَإِثْمًا، فَأَشَارَ إِلَى تَرَدُّدٍ فِيهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، بَلْ مَكْرُوهٌ. ثُمَّ مَنْ حَلَفَ بِمَخْلُوقٍ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي حِنْثِهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: فَلَوِ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى كَفَرَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

ص: 6

«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ» ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُوصَفْ بِكَرَاهَةٍ، بَلْ هُوَ لَغْوُ يَمِينٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» .

السَّادِسَةُ: إِذَا قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَأَنَا يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ بَرِىءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنَ الْكَعْبَةِ، أَوْ مُسْتَحِلٌّ الْخَمْرَ أَوِ الْمَيْتَةَ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْحِنْثِ بِهِ، ثُمَّ إِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرِّضَا بِذَلِكَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إِذَا فَعَلَهُ، فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْحَالِ.

قُلْتُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِذَا لَمْ يَكْفُرْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيُسْتَدَلُّ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» . وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِقُبْحٍ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ. وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ كَلَامٍ قَبِيحٍ مُحَرَّمٍ، وَسَتَأْتِي صِفَةُ التَّوْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ جُمَلًا كَثِيرَةً مِنْ حُكْمِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ، وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَطُرُقِ الْخُرُوجِ مِنْهَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

السَّابِعَةُ: قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ: حُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ الْمُثَنَّاةُ فَوْقُ، قَالُوا: وَالْأَصْلُ الْبَاءُ وَهِيَ مِنْ صِلَةِ الْحَلِفِ، كَأَنَّ الْقَائِلَ يَقُولُ: حَلِفْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ آلَيْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ وَفُهِمَ الْمَقْصُودُ، حُذِفَ الْفِعْلُ، وَيَلِي الْبَاءَ الْوَاوُ، لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ تَقُولُ: بِكَ وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ، كَمَا تَدْخُلُ فِي الْمُظْهَرِ، وَالْوَاوُ تَخْتَصُّ بِالْمُظْهَرِ فَتَأَخَّرَتْ، وَالتَّاءُ بَعْدَ الْوَاوِ، لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى «اللَّهِ» ، فَإِذَا قَالَ بِاللَّهِ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - لَأَفْعَلَنَّ، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقْ، فَهِيَ يَمِينٌ لِاشْتِهَارِ الصِّيغَةِ بِالْحَلِفِ لُغَةً وَشَرْعًا.

ص: 7

وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ خِلَافًا فِيمَا إِذَا أَطْلَقَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِاللَّهِ وَثِقْتُ، أَوِ اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ أَوْ أَسْتَعِينُ أَوْ أُؤْمِنُ بِاللَّهِ ثُمَّ ابْتَدَأْتُ لَأَفْعَلَنَّ، فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ هَذَا وَجَعَلَهُ زَلَلًا أَوْ خَلَلًا مِنْ نَاسِخٍ. وَنُقِلَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ وَادَّعَى التَّوْرِيَةَ لَمْ يُقْبَلْ فِيمَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهَلْ يُدَيَّنُ بَاطِنًا؟ قِيلَ: وَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يُدَيَّنُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي أَظْهَرَ مَا يُخَالِفُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاللَّهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: بِاللَّهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِهِ الْقَائِلَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ثُمَّ يَبْتَدِئُ لَأَفْعَلَنَّ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا لَحْنٌ فِي الْإِعْرَابِ وَسَيَأْتِي نَظَائِرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا إِذَا قَالَ: تَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، فَالْمَنْصُوصُ هُنَا وَفِي الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَعَنْ نَصِّهِ فِي الْقَسَامَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طُرُقٌ، أَحَدُهَا: الْعَمَلُ بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَالثَّانِي: فِيهِمَا قَوْلَانِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ الْوَكِيلِ: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَمِينٌ. قَالُوا: وَرِوَايَةُ النَّصِّ فِي الْقَسَامَةِ مُصَحَّفَةٌ إِنَّمَا هِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله عَلَّلَ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَهَذَا إِنَّمَا يَلِيقُ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ. ثُمَّ قِيلَ: أَرَادَ إِذَا قَالَ يَا اللَّهُ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ قِيلَ أَرَادَ يَا لَلَّهِ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الِاسْتِغَاثَةِ، وَهَذَا أَشْبَهُ وَأَقْرَبُ إِلَى التَّصْحِيفِ، وَقِيلَ: لَيْسَتْ مُصَحَّفَهً، بَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا قَالَ لَهُ الْقَاضِي: قُلْ: بِاللَّهِ، فَقَالَ: تَاللَّهِ، فَلَا يُحْسَبُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ التَّحْلِيفِ، وَكَذَا

ص: 8

لَوْ قَالَ: قُلْ: بِاللَّهِ فَقَالَ: بِالرَّحْمَنِ، لَا تُحْسَبُ يَمِينُهُ. وَعَكْسُهُ لَوْ قَالَ: قُلْ: تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، فَقَالَ: بِاللَّهِ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الْقَفَّالُ: يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَلَوْ قَالَ: قُلْ: بِاللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَرَدُّدٌ، لِأَنَّ الْبَاءَ وَالْوَاوَ لَا تَكَادَانِ تَتَفَاوَتَانِ، وَلَا يُمْتَنَعُ، الْمَنْعُ لِلْمُخَالَفَةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَجِيءُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا قَالَ: تَاللَّهِ وَلَمْ يَقْصِدِ الْيَمِينَ وَلَا غَيْرَهَا، فَإِنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِلَا خِلَافٍ، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

قُلْتُ: قَالَ الدَّارِمِيُّ: لَوْ قَالَ يَا اللَّهُ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، أَوْ فَاللَّهُ بِالْفَاءِ، أَوْ أَآللَّهُ بِالِاسْتِفْهَامِ وَنَوَى الْيَمِينَ، فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

: لَوْ قَالَ: وَاللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ بِرَفْعِ الْهَاءِ أَوْ نَصْبِهَا، كَانَ يَمِينًا، وَاللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: فِي الرَّفْعِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ.

فَرْعٌ

: لَوْ حَذَفَ حَرْفَ الْقَسَمِ، فَقَالَ: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا بِجَرِّ الْهَاءِ أَوْ نَصْبِهَا أَوْ رَفْعِهَا وَنَوَى الْيَمِينَ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فِي الرَّفْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا فِي النَّاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا فِي الْجَرِّ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ فَيَبْعُدُ الْحِنْثُ، وَيَقْرُبُ فِي الْجَرِّ الِاسْتِعَارَةُ بِالصِّلَةِ الْجَارَّةِ وَيَلِيهِ النَّصْبُ بِنَزْعِ الْجَارِّ.

فَرْعٌ:

لَوْ قَالَ: بَلَّهِ فَشَدَّدَ اللَّامَ كَمَا كَانَتْ وَحَذَفَ الْأَلِفَ بَعْدَهَا،

ص: 9

فَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَالِفٌ، لِأَنَّ الْبَلَّةَ هِيَ الرُّطُوبَةُ، فَلَوْ نَوَى بِذَلِكَ الْيَمِينَ، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ يَمِينٌ وَيُحْمَلُ حَذْفُ الْأَلِفِ عَلَى اللَّحْنِ، لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ أَوِ الْخَوَاصِّ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ، وَلَا يُسَلَّمُ أَنَّ هَذَا لَحْنٌ، لِأَنَّ اللَّحْنَ مُخَالَفَةُ صَوَابِ الْإِعْرَابِ، بَلْ هَذِهِ كَلِمَةٌ أُخْرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الثَّامِنَةُ: فِي ضَبْطِ مَا يُحْلَفُ بِهِ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ، إِحْدَاهُمَا وَهِيَ أَقْصَرُهُمَا: أَنَّ الْيَمِينَ يَنْعَقِدُ إِذَا حَلَفَ بِمَا مَفْهُومُهُ ذَاتُ الْبَارِي سبحانه وتعالى، أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى سِيَاقِ «الْمُخْتَصَرِ» : أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا إِذَا حَلِفَ بِاللَّهِ، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَأَرَادَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنْ يَذْكُرَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ بَاسِمٍ مُفْرَدٍ، أَوْ مُضَافٍ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: وَالَّذِي أَعْبُدُهُ، أَوْ أَسْجُدُ لَهُ، أَوْ أُصَلِّي لَهُ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، أَوْ نَفْسِي بِيَدِهِ، أَوْ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، سَوَاءً أَطْلَقَ أَوْ نَوَى اللَّهَ سبحانه وتعالى أَوْ غَيْرَهُ، وَإِذَا قَالَ قَصَدْتُ غَيْرَهُ، لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا قَطْعًا، وَكَذَا لَا يُقْبَلُ أَيْضًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ، وَحُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْحَلِفُ بِالْأَسْمَاءِ، فَالْأَسْمَاءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا يُخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، كَاللَّهِ وَالْإِلَهِ، وَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ، وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْأَوَّلِ الَّذِي

ص: 10

لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَحُكْمُ الْحَلِفِ بِهِ حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ صَرِيحٌ فِي الْحَلِفِ إِلَّا بِاللَّهِ، وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يُقَيَّدُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِضَرْبِ تَقْيِيدٍ، كَالْجَبَّارِ وَالْحَقِّ وَالرَّبِّ وَالْمُتَكَبِّرِ وَالْقَادِرِ وَالْقَاهِرِ، فَإِنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْهَا وَنَوَى اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ فَيَمِينٌ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَالْخَالِقُ وَالرَّازِقُ وَالرَّحِيمُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ مِنَ الْأَوَّلِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَرِيمِ وَالْغَنِيِّ وَشِبْهِهَا، فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى اللَّهَ تَعَالَى، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَمِينٌ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا «الْمُهَذَّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» ، وَفِي شَرْحِ الْمُوَفَّقِ بْنِ طَاهِرٍ أَنَّ صَاحِبَ «التَّقْرِيبِ» وَأَبَا يَعْقُوبَ قَطَعَا بِهِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ شُيُوخِ الْأَصْحَابِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: لَا يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاسْمِ مُعَظَّمٍ، وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي تُطْلَقُ فِي حَقِّ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ إِطْلَاقًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهَا حُرْمَةٌ وَلَا عَظَمَةٌ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» وَصَاحِبُ «التَّنَبُّهِ» وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهُ اسْمٌ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ نَوَاهُ، وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ مَرْدُودٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَالسَّمِيعُ وَالْبَصِيرُ أَوِ الْعَلِيمُ وَالْحَكِيمُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، لَا مِنَ الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، فَقَدْ عَدَّ الْبَغَوِيُّ الْعَالِمَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ كَجٍّ

ص: 11

نَقَلَ وَجْهًا أَنَّ الْحَلِفَ بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِسْعِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ صَرِيحٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعْضِهَا وَبَعْضٍ، وَهَذَا غَرِيبٌ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فَالْحَلِفُ بِالصِّفَاتِ. فَمُتَكَلِّمٌ فِي صُوَرٍ:

مِنْهَا: إِذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ، فَيَمِينٌ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرَهَا، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِيَمِينٍ، حُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَمِينٌ، لِأَنَّهُ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَمِينِ، فَتَصِيرُ هَذِهِ الْقَرِينَةُ صَارِفَةً لِلَّفْظِ إِلَى مَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ قَالَ وَحَقُّ اللَّهِ بِالرَّفْعِ وَنَوَى الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَا، وَإِنْ قَالَهُ بِالنَّصْبِ وَأَطْلَقَ فَوَجْهَانِ: وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْبَغَوِيُّ الْمَنْعُ فِي النَّصْبِ أَيْضًا.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ وَحُرْمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ، وَقِيلَ هُوَ كَقَوْلِهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ وَقُدْرَةِ اللَّهِ، وَعِلْمِ اللَّهِ، وَمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَسَمْعِ اللَّهِ، وَبَصَرِ اللَّهِ فَهَذِهِ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ، فَإِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اغْفِرْ عِلْمَكَ فِينَا، أَيْ مَعْلُومَكَ، وَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ أَيْ مَقْدُورِهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: وَمَعْلُومِ اللَّهِ، وَمَقْدُورِهِ، وَخَلْقِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ الْإِمَامُ فِي: إِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ قَالَ: وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَبَقَائِهِ، فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الذَّاتِ وَغَيْرِهَا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهَانِ: أَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ. حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ الْيَمِينِ، لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَوَجْهًا أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ

ص: 12

غَيْرَ الْيَمِينِ، يُقْبَلْ فِي الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ إِذْ لَا يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَضُعِّفَ هَذَا، وَقَالَ: قَدْ يُقَالُ عَايَنْتُ عَظَمَةَ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءَهُ، وَيُرِيدُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ وَكَلَامِ اللَّهِ، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَكِتَابِ اللَّهِ وَقُرْآنِ اللَّهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَالْقُرْآنِ أَوْ وَالْمُثْبَتِ فِي الْمُصْحَفِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَإِنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ نُظِرَ، إِنْ قَالَ: وَحُرْمَةِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَحُرْمَةِ هَذَا الْمُصْحَفِ، لِأَنَّ احْتِرَامَهُ لِمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ، وَإِذَا أَرَادَ الرِّقَّ وَالْجِلْدَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا.

قُلْتُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إِذَا قَالَ: وَالْمُصْحَفِ، وَأَطْلَقَ، وَهُوَ يَمِينٌ، صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّوْلَعِيُّ خَطِيبُ دِمَشْقَ، مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا، قَالَ: لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، وَلَا يَقْصِدُ الْحَالِفُ نَفْسَ الْوَرَقِ وَالْمِدَادِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه، اسْتَحْسَنَ التَّحْلِيفَ بِالْمُصْحَفِ، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدِ الْيَمِينُ، بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَمْ يَحْلِفْ بِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَلَوْ قَالَ: وَالْقُرْآنِ، وَأَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَقَدْ يُرَادُ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ.

التَّاسِعَةُ: إِذَا قَالَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ، أَوْ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَحْلِفُ بِاللَّهِ، أَوْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ فَلَهُ أَحْوَالٌ:

ص: 13

أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ أَرَدْتُ بِالْأَوَّلِ الْوَعْدَ بِالْحَلِفِ، وَبِالثَّانِي الْإِخْبَارَ عَنْ مَاضٍ، فَيُقْبَلُ بَاطِنًا، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ عُلِمَ لَهُ يَمِينٌ مَاضِيَةٌ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي إِرَادَتِهَا بِأَقْسَمْتُ وَحَلَفْتُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِلَّا فَالنَّصُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي إِرَادَةِ الْوَعْدِ وَالْإِخْبَارِ، وَقَالَ فِي الْإِيلَاءِ: إِذَا قَالَ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ لَا وَطَئْتُكِ، ثُمَّ قَالَ، أَرَدْتُ يَمِينًا مَاضِيَةً لَمْ يُقْبَلْ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ، الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ فِي الْإِيلَاءِ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ، لِظُهُورِ الِاحْتِمَالِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، لِظُهُورِهِ فِي الْإِنْشَاءِ، وَالطَّرِيقِ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ، وَحَمْلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَلَى الْقَبُولِ بَاطِنًا، وَالثَّالِثُ: تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيلَاءَ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ، وَسَائِرُ الْأَيْمَانِ وَاجِبُهَا الْكَفَّارَةُ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: أَرَدْتُ الْيَمِينَ، فَيَكُونُ يَمِينًا قَطْعًا.

الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُطْلِقَ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَخَالَفَهُمُ الْإِمَامُ فِي التَّرْجِيحِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَقِيلَ: أُقْسِمُ صَرِيحٌ، بِخِلَافِ أَقْسَمْتُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قُلْتُ: لَوْ قَالَ: آلَيْتُ أَوْ أُؤْلِي، فَهُوَ كَحَلَفْتُ أَوْ أَحْلِفُ، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الْعَاشِرَةُ: إِذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَوْ شَهِدْتُ بِاللَّهِ، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، فَيَمِينٌ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَطْلَقَ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، لِتَرَدُّدِ الصِّيغَةِ، وَعَدَمِ اطِّرَادِ عُرْفٍ شَرْعِيٍّ أَوْ لُغَوِيٍّ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ هَذَا عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ.

فَرْعٌ

: لَوْ قَالَ أَعْزِمُ بِاللَّهِ، أَوْ عَزَمْتُ بِاللَّهِ، لَأَفْعَلَنَّ، فَإِنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ، أَوْ أَطْلَقَ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَيَمِينٌ.

ص: 14

فَرْعٌ

لَوْ قَالَ: أُقْسِمُ أَوْ أَقْسَمْتُ، أَوْ أَحْلِفُ أَوْ حَلَفَ، أَوِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ، أَوِ أَعْزِمُ أَوْ عَزَمْتُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَلَمْ يَقُلْ بِاللَّهِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِصِفَتِهِ.

فَرْعٌ

لَوْ قَالَ الْمُلَاعِنُ فِي لِعَانِهِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ وَكَانَ كَاذِبًا هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَالْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُؤْلِي إِذَا وَطِئَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالصُّورَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ، وَجَعَلْنَا مُطْلَقَهُ يَمِينًا، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ الْخِلَافُ وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ، لِأَنَّ أَلْفَاظَ اللِّعَانَ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا أَثَرَ لِلتَّوْرِيَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ: إِذَا قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ، أَوْ وَايْمُنُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي اللُّغَةِ فَلَا يَعْرِفُهُ إِلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ قَالَ: لَاهَا اللَّهِ وَلَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي اللُّغَةِ، لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ.

قُلْتُ: وَقَوْلُهُ: وَايْمُ اللَّهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ، وَلَاهَا اللَّهِ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا قَطْعًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 15

الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ: إِذَا قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، أَوْ تَعَبُّدِنَا بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ، كَالْعِبَادَاتِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَمِينٌ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، لِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ، وَقَدْ فُسِّرَتِ الْأَمَانَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) بِالْعِبَادَاتِ وَإِذَا أَرَادَ الْيَمِينَ بِهَذِهِ الْأَلِفَاظِ، انْعَقَدَتْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تَأْكِيدٌ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِيهَا إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنْ قَصَدَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا، فَلْيَكُنْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي اسْتَدْرَكَهُ الرَّافِعِيُّ رحمه الله صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلنَّقْلِ، قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إِذَا نَوَى التَّكْرَارَ، فَفِي تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا، وَطَرَّدَهُ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

أَمَّا إِذَا قَالَ: وَعَهْدِ اللَّهِ، وَمِيثَاقِ اللَّهِ، وَأَمَانَةِ اللَّهِ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا.

قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ قَدَّمْتُهُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ.

ص: 16