المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يَضْعُفُ بِهِ عَنِ الْخِدْمَةِ، أَوْ يَنَالُهُ ضَرَرٌ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١١

[النووي]

الفصل: يَضْعُفُ بِهِ عَنِ الْخِدْمَةِ، أَوْ يَنَالُهُ ضَرَرٌ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ

يَضْعُفُ بِهِ عَنِ الْخِدْمَةِ، أَوْ يَنَالُهُ ضَرَرٌ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْخِدْمَةِ، كَمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الذِّكْرِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فِي تَرَدُّدَاتِهِ، وَحَيْثُ احْتَاجَ إِلَى الْإِذْنِ، فَصَامَ بِلَا إِذْنٍ، أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْجُمْعَةَ بِلَا إِذْنٍ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، لِأَنَّ التَّكْفِيرَ عَنْهُ فِي الْحَيَاةِ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ، وَالتَّكْفِيرَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَيِّتِ مَلِكٌ مُحَقَّقٌ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ، هَذَا مَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَشْكَالِ الْوَلَاءِ.

‌فَصْلٌ

فِي الْحُرِّ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، فَتَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ، سَوَاءً أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا، وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ الدُّيُونِ، وَذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَجْهًا: أَنَّهُ إِنْ أَوْصَى بِهَا، حُسِبَتْ مِنَ الثُّلُثِ، وَوَجْهًا: أَنَّهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِذَا وَفَتِ التَّرِكَةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ، قُضِيَتْ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ تَفِ، وَتَعَلَّقَ بَعْضُهَا بِالْعَيْنِ، وَبَعْضُهَا بِالذِّمَّةِ، قَدَّمَ التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ، سَوَاءً اجْتَمَعَ النَّوْعَانِ، أَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ اجْتَمَعَا، وَتَعَلَّقَ الْجَمِيعُ بِالْعَيْنِ أَوِ الذِّمَّةِ، فَهَلْ يُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؟ أَمِ الْآدَمِيِّ؟ أَمْ يَسْتَوِيَانِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، سَبَقَتْ فِي مَوَاضِعَ، أَظْهَرُهَا الْأَوَّلُ، وَلَا تَجْرِي هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلْسٍ، إِذَا اجْتَمَعَ النَّوْعَانِ، بَلْ تُقَدَّمُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّ، وَتُؤَخَّرُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى، مَا دَامَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةً أَعْتَقَ عَنْهُ الْوَارِثُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى

ص: 25

الْوَصِيُّ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ، أَطْعَمَ مِنَ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ تَنْجِيزٍ، جَازَ الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَكَذَا الْإِعْتَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْوَاجِبُ مِنَ الْخِصَالِ أَقَلُّهَا قِيمَةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ فَتَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِالْإِطْعَامِ أَوِ الْكُسْوَةِ عَنْهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِمَا الْوَارِثُ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لَا، لِبُعْدِ الْعِبَادَاتِ عَنِ النِّيَابَةِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ الْأَجْنَبِيُّ بِالْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ التَّنْجِيزِ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِعِلَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: سُهُولَةُ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ إِعْتَاقٍ، وَلَا يَعْتِقُ لِمَا فِيهِ مِنْ عُسْرِ إِثْبَاتِ الْوَلَاءِ، وَالثَّانِيَةُ: فِيهِ إِضْرَارٌ بِأَقَارِبِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِجِنَايَةِ عَتِيقِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ وَارِثًا، جَازَ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَفِي الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ، لِلْوَارِثِ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ، بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَفِي صَوْمِ الْوَلِيِّ وَالْأَجْنَبِيِّ خِلَافٌ، سَبَقَ فِي الصِّيَامِ، وَإِذَا أَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ التَّنْجِيزِ وَزَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى قِيمَةِ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَضْعَفُهَا: يَتَعَيَّنُ الْإِعْتَاقُ، وَتُحْسَبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالثَّانِي: تُحْسَبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِنَ الثُّلُثِ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ تَحْصُلُ بِلُزُومِهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ وَفَّى الثُّلُثُ بِقِيمَةِ عَبْدٍ مُجْزِئٍ، أَعْتَقَ عَنْهُ، وَإِلَّا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَعَدَلَ إِلَى الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ. وَالثَّالِثُ: تُحْسَبُ قِيمَةُ أَقَلِّهَا قِيمَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالزِّيَادَةُ إِلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْعَبْدِ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ وَفَّى ثُلُثُ الْبَاقِي مَضْمُومًا إِلَى الْأَقَلِّ الْمَحْسُوبِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِقِيمَةِ عَبْدٍ، أَعْتَقَ عَنْهُ، وَإِلَّا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَعَدَلَ إِلَى الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ.

فَرْعٌ

مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَوَجْهَانِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: قَوْلَانِ، مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجٌ.

ص: 26

الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، بَلْ يُطْعِمُ وَيَكْسُو، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ بِالْإِعْتَاقِ لِتَضَمُّنِهِ الْوِلَايَةَ وَالْإِرْثَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَقِيلَ: فِي تَكْفِيرِهِ بِالْعِتْقِ قَوْلَانِ، كَإِعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَخَرَّجَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ يُكَفَّرُ بِالصَّوْمِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ

الْأَصْلُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ فِي الْبَرِّ وَالْحِنْثِ، اتِّبَاعُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْيَمِينُ، وَقَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ، بِنِيَّةٍ تَقْتَرِنُ بِهِ، أَوْ بِاصْطِلَاحٍ خَاصٍّ، أَوْ قَرِينَةٍ، وَالصُّوَرُ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَابِ لَا تَتَنَاهَى، لَكِنْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله فِي أَنْوَاعٍ تَغْلِبُ وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَفِيهِ أَنْوَاعٌ:

الْأَوَّلُ: الدُّخُولُ وَالْمُسَاكَنَةُ وَفِيهِ مَسَائِلُ: إِحْدَاهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، حَنِثَ بِالْحُصُولِ فِي عَرْصَةِ الدَّارِ، وَأَبْنِيَتِهَا مِنَ الْبُيُوتِ وَالْغُرَفِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ صَعِدَ سَطْحَهَا، بِأَنْ تَسَوَّرَ جِدَارَهَا، أَوْ جَاءَ مِنْ دَارِ الْجَارِ لَمْ يَحْنَثْ، إِنْ كَانَ السَّطْحُ غَيْرَ مُحَوَّطٍ، وَلَا عَلَيْهِ سُتْرَةٌ، فَإِنْ كَانَ فَوَجْهَانِ، الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ: لَا يَحْنَثُ أَيْضًا، كَمَا لَوْ حَصَلَ عَلَى الْجِدَارِ، وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ التَّحْوِيطُ مِنَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبٍ، فَلَا، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ السَّطْحُ مُسَقَّفًا، فَإِنْ كَانَ مُسَقَّفًا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ حَنِثَ قَطْعًا إِذَا كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْهِ مِنَ الدَّارِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَةِ الدَّارِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَهَلْ يَبِرُّ بِصُعُودِ السَّطْحِ، وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خَارِجًا حَتَّى يُفَارِقَ السَّطْحَ، وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ هُوَ

ص: 27

فِي الدَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كَانَ خَارِجًا وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ حَكَى عَنِ الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الدَّارِ، فَصَعِدَ سَطْحَهَا، حَنِثَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْخُرُوجِ أَيْضًا إِلَى كَوْنِ السَّطْحِ مُحَوَّطًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ، فَدَخَلَ الطَّاقَ الْمَضْرُوبَ خَارِجَ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ، عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: دَخَلَ الدَّارَ، وَالثَّانِي: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ مِنَ الدَّارِ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا، فَلَوْ دَخَلَ الدِّهْلِيزَ خَلْفَ الْبَابِ، أَوْ بَيْنَ الْبَابَيْنِ حَنِثَ، لِأَنَّهُ مِنَ الدَّارِ، وَحَكَى الْفُورَانِيُّ نَصًّا أَنَّ دَاخِلَ الدِّهْلِيزِ لَا يَحْنَثُ، وَحَمَلُوهُ عَلَى الطَّاقِ خَارِجَ الْبَابِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى إِثْبَاتِهِ قَوْلًا فِي الدِّهْلِيزِ، وَقَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: دَخَلَ الدِّهْلِيزَ وَلَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَجَعَلَ الْمُتَوَلِّي الدَّرْبَ الْمُخْتَصَّ بِالدَّارِ أَمَامَ الْبَيْتِ، إِذَا كَانَ دَاخِلًا فِي حَدِّ الدَّارِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهَا بَابٌ كَالطَّاقِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَابٌ، فَهُوَ مِنَ الدَّارِ مُسَقَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

فَرْعٌ

حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، وَهُوَ فِيهَا، لَا يَحْنَثُ بِالْمُكْثِ، وَحُكِيَ قَوْلٌ، وَوَجْهٌ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ نُصَّ فِي حَرْمَلَةَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ، لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، أَوْ لَا يَتَوَضَّأُ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ، فَاسْتَدَامَ النِّكَاحُ وَالطَّهَارَةُ وَالْوُضُوءُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ وَهُوَ لَابِسٌ، فَلَمْ يَنْزِعْ، أَوْ لَا يَرْكَبْ وَهُوَ رَاكِبٌ فَلَمْ يَنْزِلْ، حَنِثَ بِالِاسْتِدَامَةِ، لِأَنَّهُ يُسَمَّى لُبْسًا وَرُكُوبًا، وَلِهَذَا يَصْلُحُ أَنْ

ص: 28

يُقَالَ: لَبِسْتُ شَهْرًا وَرَكِبْتُ لَيْلَةً، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: دَخَلْتُ شَهْرًا أَوْ تَزَوَّجْتُ شَهْرًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: سَكَنْتُ أَوْ أَقَمْتُ شَهْرًا وَلَوْ حَنِثَ بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ، فَاسْتَدَامَ، لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى انْحَلَّتْ بِالِاسْتِدَامَةِ الْأُولَى، وَهَذِهِ يَمِينٌ أُخْرَى، وَقَدْ حَنِثَ فِيهَا، وَاسْتِدَامَةُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ قِيَامٌ وَقُعُودٌ وَاسْتِقْبَالٌ، وَهَلِ اسْتِدَامَةُ التَّطَيُّبِ بِطِيبٍ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا. وَلِهَذَا لَوْ تَطَيَّبَ، ثُمَّ أَحْرَمَ، وَاسْتَدَامَ، لَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَذُكِرَ الْوَجْهَانِ: فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ، وَهُوَ فِي خِلَالِ الْوَطْءِ، فَلَمْ يَنْزِعْ، أَوْ أَنْ لَا يَصُومَ أَوْ لَا يُصَلِّي وَهُوَ شَارِعٌ فِيهِمَا، فَلَمْ يَتْرُكْ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ إِذَا حَلَفَ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَغْصِبُ، لَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ، فَوَقَفَ، أَوْ أَخَذَ فِي الْعَوْدِ فِي الْحَالِ، لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَوْدِ، وَكَأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ السَّفَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسَافِرٌ أَيْضًا.

فَرْعٌ

إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، حَنِثَ بِالْحُصُولِ فِيهَا، سَوَاءً دَخَلَهَا مِنَ الْبَابِ أَوْ مِنْ ثُقْبٍ فِي الْجِدَارِ، أَوْ كَانَ فِي الدَّارِ نَهْرٌ خَارِجٌ فَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ فَحَمَلَهُ، أَوْ سَبَحَ، أَوْ رَكِبَ سَفِينَةً فَدَخَلَتِ السَّفِينَةُ الدَّارَ وَنَزَلَ مِنَ السَّطْحِ. وَفِي صُورَةِ السَّطْحِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَسَوَاءً دَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا. وَلَوْ أَدْخَلَ فِي الدَّارِ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا الدَّارَ وَهُوَ قَاعِدٌ خَارِجَهَا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إِذَا وَضَعَهُمَا فِي الدَّارِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا، أَوْ حَصَلَ فِي الدَّارِ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَخْرُجُ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ، أَوْ رِجْلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ فِيهَا، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ شَجَرَةٌ مُنَشَّرَةُ الْأَغْصَانِ، فَتَعَلَّقَ بِبَعْضِهَا، فَإِنْ حَصَلَ فِي مُحَاذَاةِ الْبُنْيَانِ بِحَيْثُ صَارَتْ مُحِيطَةً بِهِ عَالِيَةً

ص: 29

عَلَيْهِ، حَنِثَ. وَإِنْ حَصَلَ فِي مُحَاذَاةِ سُتْرَةِ السَّطْحِ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَلَفَ لَا يَدْخُلُ أَوْ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، فَاسْمُ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَى الْمَبْنِيِّ مِنْ طِينٍ أَوْ آجُرٍّ وَمَدَرٍ وَحَجَرٍ، وَعَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ خَشَبٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعَرٍ وَجِلْدٍ وَأَنْوَاعِ الْخِيَامِ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْهَا، حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ، حُمِلَ عَلَى أَيِّ بَيْتٍ كَانَ مِنْهَا، إِنْ كَانَ الْحَالِفُ بَدَوِيًّا، وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ: يَحْنَثُ أَيْضًا. وَالثَّانِي: لَا. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَتْ قَرْيَتُهُ قَرِيبَةً مِنَ الْبَادِيَةِ، حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْبِيَعِ، وَالْكَنَائِسِ، وَبُيُوتِ الْحَمَّامِ، وَالْغَارِ فِي الْجَبَلِ، وَالْكَعْبَةِ، وَالْمَسَاجِدِ، عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْإِيوَاءِ وَالسَّكَنِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْبَيْتِ إِلَّا بِتَقْيِيدٍ، وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْجَمِيعَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي فِي الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَجْهًا. وَلَوْ دَخَلَ دِهْلِيزَ دَارٍ، أَوْ صَحْنَهَا، أَوْ صِفَتَهَا، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الْمَيْلُ إِلَى الْحِنْثِ، لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ بَيْتٌ بِمَعْنَى الْإِيوَاءِ.

قُلْتُ: وَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ بَيْتِ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الثَّالِثَةُ: حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَا يُقِيمُ فِيهَا، وَهُوَ عِنْدَ الْحَلِفِ فِيهَا، فَمَكَثَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ، حَنِثَ، وَإِذَا مَكَثَ، فَسَوَاءٌ أَخَرَجَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى سُكْنَى نَفْسِهِ، لَا أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ. فَلَوْ خَرَجَ وَتَرَكَ فِيهَا أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَسْكُنُ دَارًا، فَانْتَقَلَ إِلَيْهَا بِنَفْسِهِ، دُونَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، حَنِثَ. وَلَوْ مَكَثَ لِعُذْرٍ، بِأَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ، أَوْ مُنِعَ مِنَ الْخُرُوجِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ خَرَجَ، أَوْ كَانَ مَرِيضًا، أَوْ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ

ص: 30

يُخْرِجُهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ مَرِضَ، وَعَجَزَ بَعْدَ الْحَلِفَ، فَفِي الْحِنْثِ الْخِلَافُ فِي حِنْثِ الْمُكْرَهِ. وَقَدْ تَخْرُجُ سَائِرُ الصُّوَرِ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ. فَإِنْ وَجَدَ الْمَرِيضُ مَنْ يُخْرِجُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِإِخْرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، حَنِثَ. وَإِنْ مَكَثَ الْحَالِفُ مُشْتَغِلًا بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ، بِأَنِ انْتَهَضَ لِجَمْعِ الْمَتَاعِ، وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالْخُرُوجِ، وَيَلْبَسُ ثَوْبَ الْخُرُوجِ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ فِي الْحَالِ ثُمَّ عَادَ لِنَقْلِ مَتَاعٍ، أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ أَوْ عِمَارَةٍ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ فَارَقَهَا، وَبِمُجَرَّدِ الْعُودِ لَا يَصِيرُ سَاكِنًا. وَلَوِ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَبِيتَ فِيهَا لَيْلَةً لِحِفْظِ مَتَاعٍ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ كَجٍّ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ خَرَجَ فِي الْحَالِ ثُمَّ اجْتَازَ بِهَا، بِأَنْ دَخَلَ مِنْ بَابٍ، وَخَرَجَ مِنْ آخَرَ، فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا سَاعَةً بِلَا غَرَضٍ، حَنِثَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالتَّرَدُّدِ، لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهِ مَسْكَنًا قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا مَارًّا فِي خُرُوجِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَعَدَ عِنْدَهُ حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ فِي الْحَالِ ثُمَّ دَخَلَ، أَوْ كَانَ خَارِجًا حِينَ حَلَفَ، ثُمَّ دَخَلَ لَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ مَا لَمْ يَمْكُثْ، فَإِنْ مَكَثَ حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِحَمْلِ مَتَاعٍ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.

الرَّابِعَةُ: فِي الْحَلِفَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْمُسَاكَنَةُ: أَنْ يَكُونَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَيْتَيْنِ حُجْرَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: أَرَادَ بِالْحُجْرَةِ: الصَّحْنُ، فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي دَارٍ، فَلَا مُسَاكَنَةَ، سَوَاءً كَانَتِ الدَّارَانِ كَبِيرَتَيْنِ، أَوْ صَغِيرَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا كَبِيرَةٌ وَالْأُخْرَى صَغِيرَةٌ، كَحُجْرَةٍ لَطِيفَةٍ بِجَنْبِ دَارٍ، وَسَوَاءً كَانَتَا فِي دَرْبٍ نَافِذٍ أَوْ غَيْرِ نَافِذٍ. فَإِنْ سَكَنَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ خَانٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، أَوْ مِنْ دَارٍ كَبِيرَةٍ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الْأَصَحُّ: لَا مُسَاكَنَةَ، سَوَاءً كَانَ الْبَيْتَانِ مُتَلَاصِقَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ، وَالثَّانِي: بَلَى. وَالثَّالِثُ: تَثْبُتُ

ص: 31

الْمُسَاكَنَةُ فِي الدَّارِ دُونَ الْخَانِ، لِأَنَّهَا تُعَدُّ مَسْكَنًا لِوَاحِدٍ، وَالْخَانُ يُبْنَى لِسُكْنَى جَمَاعَةٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الْخَانِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَيْتِ بَابٌ وَغُلِّقَ، كَالدُّورِ فِي الدَّرْبِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّارِ الْكَبِيرَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا بَابٌ وَغُلِّقَ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا، أَوْ سَكَنَا فِي صِفَتَيْنِ مِنْهَا، أَوْ فِي بَيْتٍ وَصِفَةٍ، فَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ

[فِي الْعَادَةِ. وَلَوْ أَقَامَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ صَغِيرَةٍ، فَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ] وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَابٌ وَغُلِّقَ، لِمُقَارَبَتِهِمَا وَكَوْنِهِمَا فِي الْأَصْلِ مَسْكَنًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْخَانِ الصَّغِيرِ، وَهَكَذَا فَصَّلَ الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي بَيْتَيِ الدَّارِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَرَأَى الْأَصَحَّ حُصُولَ الْمُسَاكَنَةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الدَّارِ، وَالْآخَرُ فِي حُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةِ الْمَرَافِقِ وَبَابُهَا فِي الدَّارِ، فَلَا مُسَاكَنَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ فِي حُجْرَتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيِ الْمَرَافِقِ فِي دَارٍ. وَالْمِرْفَقُ الْمُسْتَحَمُّ وَالْمَطْبَخُ، وَالْمَرْقَى وَغَيْرُهَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحُجْرَةِ فِي الْخَانِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى فِي الْخَانِ.

إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُسَاكِنُ زَيْدًا، فَإِمَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْمُسَاكَنَةَ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَفْظًا، بِأَنْ يَقُولَ: فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ هَذِهِ الدَّارِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُقَيِّدَ.

الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يُقَيِّدَ، فَيَحْنَثُ بِتَسَاكُنِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانَا فِيهِ عِنْدَ الْحَلِفَ، فَفَارَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ مَكَثَا فِيهِ بِلَا عُذْرٍ، حَنِثَ. فَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَدْخَلٌ، أَوْ أَحْدَثَا مَدْخَلًا، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ، وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيُّ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إِلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. فَإِنْ

ص: 32

خَرَجَ أَحَدُهُمَا فِي الْحَالِ فَبُنِيَ الْجِدَارُ، ثُمَّ عَادَ، لَمْ يَحْنَثِ الْحَالِفُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُقَيِّدَهَا لَفْظًا، فَيَنْظُرُ، إِنْ نَوَى مَوْضِعًا مُعَيَّنًا مِنْ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ أَوْ دَرْبٍ أَوْ مَحَلَّةٍ أَوْ بَلَدٍ، فَالْمَذْهَبُ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْيَمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا نَوَى. وَقِيلَ: إِنْ كَانَا يَسْكُنَانِ بَيْتًا مِنْ دَارٍ مُتَّحِدَةِ الْمَرَافِقِ، وَنَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ، حُمِلَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلَا جَرَى ذِكْرُ تِلْكَ الْمُسَاكَنَةِ، كَقَوْلِ صَاحِبِهِ: سَاكِنِي فِي هَذَا الْبَيْتِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَتُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى الدَّارِ وَفِي الْبَلَدِ وَجْهٌ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُسَاكَنَةً. وَقِيلَ: يَجِيءُ هَذَا الْوَجْهُ فِي الْمَحَلَّةِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَوْضِعًا، وَأَطْلَقَ الْمُسَاكَنَةَ، حَيْثُ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي قَوْلًا أَنَّهُ إِذَا أَطْلَقَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَارٍ وَحُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ، حُمِلَتِ الْيَمِينُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ الْحَاصِلِ، فَإِنْ كَانَا فِي دَرْبٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الدَّرْبَ، وَإِنْ كَانَا فِي مَحَلَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْمَحَلَّةَ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَا عِنْدَ الْحَلِفَ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ خَانٍ، فَلَا مُسَاكَنَةَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ. وَإِنْ كَانَا فِي بَيْتٍ مِنَ الْخَانِ، فَهَلْ يَكْفِي مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، أَمْ يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ الْخَانَ؟ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. ثُمَّ سَوَاءً نَوَى مَوْضِعًا مُعَيَّنًا أَوْ أَطْلَقَ، فَالْقَوْلُ فِي أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ، وَفِي الْحَائِلِ الْمَبْنِيِّ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. وَالِاعْتِبَارُ بِالِانْتِقَالِ بِالْبَدَنِ، دُونَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ كَمَا سَبَقَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: أَلْفَاظُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: حَلَفَ، فَقَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوِ الْجَرَّةِ، حَنِثَ بِمَا

ص: 33

شَرِبَ مِنْ مَائِهَا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. وَلَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْ مَائِهَا، بَرَّ بِمَا شَرِبَ وَإِنْ قَلَّ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ، فَالْحُكْمُ كَالْإِدَاوَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوِ الْحَبِّ أَوِ الْمَصْنَعِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُمْكِنُ شُرْبُ جَمِيعِهِ وَلَوْ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِشُرْبِ جَمِيعِهِ. وَمَتَى بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ: سِوَى الْبَلَلِ الَّذِي يَبْقَى فِي الْعَادَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوِ الْحُبِّ، لَمْ يَبِرَّ إِلَّا بِشُرْبِ الْجَمِيعِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوِ الْبَحْرِ أَوِ الْبِئْرِ الْعَظِيمَةِ، فَهَلْ يَحْنَثُ بِشُرْبِ بَعْضِهِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَصَحُّهُمَا: لَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ كَمَسْأَلَةِ الْإِدَاوَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ، لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوِ الْبَحْرِ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَبِرُّ بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَبِرُّ بِبَعْضِهِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ أَمْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُحْسَنُ الِانْتِظَارُ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ أَصْلًا، لِأَنَّ الْبَرَّ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَلَوْ حَلَفَ: لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، فَفِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: الِانْعِقَادُ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْكَمُ بِالْحِنْثِ فِي الْحَالِ، أَمْ قَبْلَ الْمَوْتِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ: لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا، وَفَرَّعْنَا عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ، فَهَلْ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ، أَمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَجِّحَ هُنَا الثَّانِي. وَعَلَى هَذَا، فَهَلْ يَحْنَثُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْغَدِ، أَمْ قَبْلَ ذَلِكَ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي فِي نَظِيرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ، فَهَلْ يَنْعَقِدُ

ص: 34

يَمِينُهُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرِ الْحِنْثُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَمْسِ، وَهُوَ صَادِقٌ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، بِخِلَافِ صُورَةِ الِاسْتِشْهَادِ، لِأَنَّ الْحَلِفَ هُنَاكَ مُحْتَمَلُ الْكَذِبِ.

فَرْعٌ

قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ، وَلَا مَاءَ فِيهَا، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ، فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ، وَالثَّانِي: قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَالثَّالِثُ: لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، وَالرَّابِعُ: يَحْنَثُ فِي الْقَتْلِ دُونَ الشُّرْبِ. وَلَوْ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ يَظُنُّهُ حَيًّا وَكَانَ مَيِّتًا، فَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ بِنَاءً عَلَى يَمِينِ النَّاسِي.

فَرْعٌ

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ، أَوْ خُبْزَ بَغْدَادَ، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ.

فَرْعٌ

قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ. فَانْصَبَّ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ، أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ، حَنِثَ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَقَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ. وَلَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ، فَصَبَّهُ فِي حَوْضٍ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ، بَرَّ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ مِنْهُ، فَصَبَّهُ فِي حَوْضٍ وَشَرِبَ مِنْهُ، حَنِثَ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ، فَخُلِطَ بِلَبَنِ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ هَذِهِ

ص: 35

التَّمْرَةَ، فَخَلَطَهَا بِصَبْرَةٍ، لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِ الصَّبْرَةِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ، حُمِلَ عَلَى الْمَاءِ الْعَذْبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَإِنْ قَالَ: مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، حُمِلَ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مَاءَ الْفُرَاتِ، أَوْ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَسَوَاءً أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ، أَوْ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ أَوْ كَرِعَ فِيهِ، حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ نَهْرِ كَذَا، فَشَرِبَ مِنْ سَاقِيَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ بِئْرٍ مَحْفُورَةٍ بِقُرْبِ النَّهْرِ، يَعْلَمُ أَنَّ مَاءَهَا مِنْهُ، حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ نَهْرِ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ، فَشَرِبَ مِنْ سَاقِيَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ فِي إِنَاءٍ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْجَرَّةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُعْتَادُ الشُّرْبُ مِنْهُ، فَجَعَلَ مَاءَهُ فِي كُوزٍ وَشَرِبَهُ، لَمْ يَحْنَثْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ: لَا آكُلُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ، أَوْ لَا أَلْبَسُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِأَكْلِهِمَا أَوْ لُبْسِهِمَا

[سَوَاءً لَبَسَهُمَا] مَعًا، أَوْ لَبَسَ أَحَدَهُمَا وَنَزَعَهُ، ثُمَّ لَبِسَ الْآخَرَ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا أَكَلْتُهُمَا أَوْ لَا لَبَسْتُهُمَا، لَمْ يَبِرَّ إِلَّا بِأَكْلِهِمَا وَلُبْسِهِمَا. وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا، وَلَا آكُلُ اللَّحْمَ وَالْعِنَبَ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا إِذَا أَكَلَهُمَا، أَوْ كَلَّمَهُمَا، إِلَّا إِذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ تَجْعَلُهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا آكُلُهُمَا، وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا، وَلَا آكُلُ اللَّحْمَ وَلَا الْعِنَبَ، حَنِثَ بِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُمَا يَمِينَانِ تَنْحَلُّ إِحْدَاهُمَا بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى. فَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ أَحَدَهُمَا، أَوْ قَالَ: وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، فَيَحْنَثُ إِذَا كَلَّمَ أَحَدَهُمَا، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ الْآخَرِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَكَذَا فِي الْإِثْبَاتِ إِذَا قَالَ: لَأَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ، وَهَذَا الثَّوْبَ، وَهَذَا فَهُمَا يَمِينَانِ، لِوُجُودِ

ص: 36

حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُهَا، وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ. وَلَوْ أَوْجَبَ حَرْفُ الْعَطْفِ كَوْنَهُمَا يَمِينَيْنِ، لَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُهُمَا، لَأُوجِبَ فِي قَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَلَا آكُلُ اللَّحْمَ وَالْعِنَبَ كَوْنُهُمَا يَمِينَيْنِ، لَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَلَا آكُلُ هَذَيْنِ.

فَرْعٌ

قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ بَعْضِهِ. وَلَوْ قَالَ: لَآكُلَنَّهُ، لَمْ يَبِرَّ إِلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ. فَلَوْ بَقِيَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ، لَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مَا عَلَى هَذَا الطَّبَقِ مِنَ التَّمْرِ، فَأَكَلَ مَا عَلَيْهِ إِلَّا تَمْرَةً، لَا يَحْنَثُ وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَرْكِ بَعْضِ الطَّعَامِ لِلِاحْتِشَامِ مِنِ اسْتِيفَائِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَآكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ، فَتَرَكَ حَبَّةً، لَمْ يَبِرَّ، وَإِنْ قَالَ: لَا آكُلُهَا، فَتَرَكَ حَبَّةً، لَمْ يَحْنَثْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الرَّأْسَ أَوِ الرُّءُوسَ، أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا، حُمِلَ عَلَى الَّتِي تَمَيَّزُ عَنِ الْأَبْدَانِ وَتُبَاعُ مُفْرَدَةً، وَهِيَ رُءُوسُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَفِي رُءُوسِ الْإِبِلِ وَجْهٌ شَاذٌّ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فَطَرَّدَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تُبَاعُ فِيهِ إِلَّا رُءُوسُ الْغَنَمِ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِغَيْرِهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، فَإِنْ أَكَلَ رَأْسَ طَيْرٍ، أَوْ حُوتٍ، أَوْ ظَبْيٍ، أَوْ صَيْدٍ آخَرَ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِنْ كَانَتْ رُءُوسُ الصَّيْدِ وَالْحِيتَانِ تُبَاعُ مُفْرَدَةً فِي بَلَدٍ، حَنِثَ بِأَكْلِهَا هُنَاكَ. وَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ الْمَنْعَ، وَالْأَقْوَى الْحِنْثُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى ظَاهِرِ النَّصِّ. وَهَلْ يُعْتَبَرُ نَفْسُ الْبَلَدِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْعُرْفُ، أَمْ كَوْنُ الْحَالِفِ مِنْ أَهْلِهِ؟ وَجْهَانِ. هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَا يُسَمَّى رَأْسًا، حَنِثَ بِرَأْسِ السَّمَكِ وَالطَّيْرِ. وَإِنْ قَصَدَ نَوْعًا خَاصًّا، لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ.

ص: 37

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ، حُمِلَ عَلَى مَا يُزَايِلُ بَايَضَهُ وَهُوَ حَيٌّ، لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ، فَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَيَحْنَثُ بِبَيْضِ الدَّجَاجِ، وَالنَّعَامِ، وَالْإِوَزِّ، وَالْعَصَافِيرِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ، وَقِيلَ: بِالدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ. وَقَالَ الْإِمَامُ: الطَّرِيقَةُ الْمُرْضِيَةُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِمَا يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ، دُونَ بَيْضِ الْعَصَافِيرِ وَالْحَمَامِ وَنَحْوِهَا، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خِصْيَةِ الشَّاةِ، لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَإِنْ خَرَجَتِ الْبَيْضَةُ وَهِيَ مُنْعَقِدَةٌ مِنَ الدَّجَاجَةِ، فَأَكَلَهَا، حَنِثَ، وَإِنْ أُخْرِجَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَأَكَلَهَا، فَوَجْهَانِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْحِنْثُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، حَنِثَ بِأَيِّ خُبْزٍ كَانَ، سَوَاءٌ فِيهِ خُبْزُ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالذَّرَّةِ، وَالْبَاقِلَاءِ، وَالْأَرُزِّ، وَالْحُمُّصِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ غَيْرَ مَعْهُودِ بَلَدِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، حَنِثَ بِأَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودَ بَلَدِهِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِخُبْزِ الْأَرُزِّ إِلَّا فِي طَبَرِسْتَانَ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ، وَنَسَبَهُ إِلَى الصَّيْدَلَانِيِّ، وَهِيَ نِسْبَةٌ بَاطِلَةٌ، وَغَلَطَ فِي النَّقْلِ، بَلِ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الصَّيْدَلَانِيُّ أَيْضًا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيَحْنَثُ بِخُبْزِ الْبَلُّوطِ أَيْضًا، وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الْأَقْرَاصِ وَالرُّغْفَانِ وَخُبْزِ الْمِلَّةِ وَالْمُشَحَّمِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَاءً أَكَلَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ أَوْ جَعَلَهُ ثَرِيدًا. لَكِنْ لَوْ صَارَ فِي الْمَرْقَةِ كَالْحَسْوِ،

ص: 38

فَتَحَسَّاهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَسَوَاءً ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مَضْغٍ، أَوِ ابْتَلَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، فَيَحْنَثُ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ مَضَغَهُ وَلَمْ يَبْتَلِعْهُ، لَمْ يَحْنَثْ، سَوَاءً أَدْرَكَ طَعْمَهُ أَمْ لَا. وَلَوْ أَكَلَ جَوْزَنِيقًا، فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيُّ، أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَوْ نُزِعَ مِنْهُ الْحَشْوُ صَارَ خُبْزًا، وَالْأَصَحُّ: الْمَنْعُ.

قُلْتُ: وَالرُّقَاقُ وَالْبُقْسُمَاطُ وَالْبَسِيسَةُ. . . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ، لَمْ يَحْنَثْ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَشَحْمِ الْعَيْنِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ، وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْأَحْمَرُ، لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ. وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ، حَنِثَ بِشَحْمِ الْبَطْنِ، وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ قَطْعًا، وَلَا بِشَحْمِ الظَّهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَرَبِيًّا، فَشَحْمُ الظَّهْرِ شَحْمٌ فِي حَقِّهِ، لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ شَحْمًا، وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا، فَهُوَ لَحْمٌ فِي حَقِّهِ. وَفِي شَحْمِ الْعَيْنِ وَجْهَانِ. وَيَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ عَلَى اللَّحْمِ لَحْمُ النِّعَمِ، وَالْوَحْشِ، وَالطَّيْرِ الْمَأْكُولِ كُلِّهِ. وَفِيمَا لَا يُؤْكَلُ كَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْحِمَارِ، وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ، رَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ الْمَنْعَ، وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ الْحِنْثَ.

قُلْتُ: الْمَنْعُ أَقْوَى. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ السَّمَكِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَلْيَةَ لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ. وَقِيلَ: لَحْمٌ. وَقِيلَ: شَحْمٌ، وَالسَّنَامُ كَالْأَلْيَةِ.

ص: 39

وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْأَلْيَةِ، لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّنَامِ، وَكَذَا الْعَكْسُ. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الدَّسَمِ، تَنَاوَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَلْيَةِ وَالسَّنَامِ وَالْأَدْهَانِ كُلِّهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي اللَّحْمِ الْأَمْعَاءُ وَالطِّحَالُ وَالْكِرْشُ وَالْكَبِدُ وَالرِّئَةُ، وَلَا يَدْخُلُ الْمُخُّ قَطْعًا وَقَدْ يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ، وَلَا يَدْخُلُ الْقَلْبُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الرَّأْسِ وَالْخَدِّ وَاللِّسَانِ وَالْأَكَارِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ، حَنِثَ بِلَحْمِ الْجَامُوسِ وَبِالْبَقْرِ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ. وَقِيلَ: فِي الْوَحْشِيِّ وَجْهَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الْحِمَارَ، فَرَكِبَ حِمَارَ الْوَحْشِ، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحِمَارَيْنِ جِنْسٌ فِي الرِّبَا أَمْ جِنْسَانِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الرِّبَا وَجْهَانِ فِي أَنَّ الْجَرَادَ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِمَا الْحِنْثُ بِأَكْلِهِ فِي يَمِينِ اللَّحْمِ.

قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ

[بِعَدَمِ] الْحِنْثِ، لِعَدَمِ إِطْلَاقِ الِاسْمِ لُغَةً وَعُرْفًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً، لَمْ يَحْنَثْ بِالْمُذَكَّاةِ وَإِنْ حَلَّهَا الْمَوْتُ لِلْعُرْفِ. وَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ السَّمَكِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ لِلْحَدِيثِ أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِلْعُرْفِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ دَمًا، لَا يَحْنَثُ بِالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الزُّبْدَ، لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ السَّمْنِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ السَّمْنَ، لَا يَحْنَثُ بِالزُّبْدِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، لَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ، وَيَدْخُلُ

ص: 40

فِي اللَّبَنِ لَبَنُ الْأَنْعَامِ وَالصَّيْدِ وَالْحَلِيبِ وَالرَّائِبِ وَالْمَاسِتِ وَالشِّيرَازِ وَالْمَخِيضِ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي الشِّيرَازِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا مَعْنَى لِتَوَقُّفِهِ، وَفِي الْمَخِيضِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، فَإِنْ أَكَلَ الزُّبْدَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إِنْ كَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهِ، حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَلَا. وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْمَصْلِ وَالْأَقْطِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرِيُّ: يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ اللَّبَنِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ السَّمْنَ، لَا يَحْنَثُ بِالْأَدْهَانِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الدُّهْنِ: لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمْنِ عَلَى الْأَصَحِّ.

السَّابِعَةُ: حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْجَوْزَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: يَحْنَثُ بِالْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ، قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ التَّمْرَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالْهِنْدِيِّ، لِأَنَّ الْجَوْزَ الْهِنْدِيَّ قَرِيبٌ مِنَ الْجَوْزِ الْمَعْرُوفِ طَبْعًا وَطَعْمًا، بِخِلَافِ التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ. وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْهِنْدِيِّ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ لَا يَحْنَثُ بِالْهِنْدِيِّ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْخِيَارَ، لَا يَحْنَثُ بِهَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ: خِيَارُ شَنْبَرْ.

الثَّامِنَةُ: كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، كَذَلِكَ الْأَفْعَالُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَالشُّرْبُ لَيْسَ بِأَكْلٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ، فَإِذَا حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ، فَشَرِبَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ، فَأَكَلَ طَعَامًا، لَا يَحْنَثُ. وَاللَّبَنُ وَالْخَلُّ وَبَاقِي الْمَائِعَاتِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا، فَأَكَلَهَا بِخُبْزٍ، حَنِثَ، أَوْ شَرِبَهَا لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ:

ص: 41

لَا يَشْرَبُهَا، فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا، فَاسْتَفَّهُ، أَوْ تَنَاوَلَهُ بِمِلْعَقَةٍ أَوْ بِإِصْبَعٍ مَبْلُولَةٍ، حَنِثَ. وَلَوْ مَاثَهُ فِي الْمَاءِ وَشَرِبَهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ السَّوِيقَ، فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ. وَلَوْ كَانَ السَّوِيقُ خَاثِرًا، بِحَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْمَلَاعِقِ، فَتَحَسَّاهُ، فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشُرْبٍ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَطْعَمُ أَوْ لَا أَتَنَاوَلُ، دَخَلَ فِي الْيَمِينِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ جَمِيعًا.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ السُّكَّرَ، حَنِثَ بِنَفْسِ السُّكَّرِ، دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، إِلَّا إِذَا نَوَى. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي التَّمْرِ وَالْعَسَلِ. ثُمَّ إِنِ ابْتَلَعَ السُّكَّرَ بِلَا مَضْغٍ، فَقَدْ أَكَلَهُ، كَمَا لَوْ أَكَلَ الْخُبْزَ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِنْ مَضَغَهُ وَازْدَرَدَهُ مَمْضُوغًا، حَنِثَ أَيْضًا، وَإِنْ وَضَعَهُ فِي فَمِهِ فَذَابَ وَنَزَلَ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى أَكْلًا لِلسُّكَّرِ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ عَصِيرِهِمَا وَشُرْبِهِ. وَلَوِ امْتَصَّهُمَا، وَرَمَى الثُّفْلَ، لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ آكِلًا.

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ السَّمْنَ، فَأَكَلَهُ وَهُوَ جَامِدٌ وَحْدَهُ، حَنِثَ، وَإِنْ شَرِبَهُ ذَائِبًا، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ أَكَلَهُ بِخُبْزٍ وَهُوَ جَامِدٌ أَوْ ذَائِبٌ، حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَالَفَ فِيهِ الِاصْطَخْرِيُّ. وَإِنْ جَعَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ أَوْ سَوِيقٍ، فَالنَّصُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَنُصَّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ خَلًّا، فَأَكَلَهُ سِكْبَاجًا، لَا يَحْنَثُ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافٍ،

ص: 42

بَلْ إِنْ كَانَ السَّمْنُ ظَاهِرًا فِي الْعَصِيدَةِ وَالسَّوِيقِ يُرَى جِرْمُهُ، حَنِثَ وَهَذَا مُرَادُهُ بِنَصِّ السَّمْنِ، وَكَذَا حُكْمُ الْخَلِّ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا بِلَوْنِهِ، وَطَعْمِهِ، بِأَنْ أَكَلَ مَرْقَةً وَهِيَ حَامِضَةٌ وَإِنْ كَانَ السَّمْنُ أَوِ الْخَلُّ مُسْتَهْلَكًا، لَمْ يَحْنَثْ. وَهَذَا مُرَادُهُ بِنَصِّ الْخَلِّ. وَصَوَّرُوا ذَلِكَ فِيمَا إِذَا أَكَلَ لَحْمَ السِّكْبَاجِ أَوْ مَا فِيهِ مِنْ سَلْقٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ أَوْ قَوْلَيْنِ فِيهِمَا.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ، لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الذَّوْقِ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَذُوقُ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ، لِتَضَمُّنِهُمَا الذَّوْقَ. وَإِنْ أَدْرَكَ طَعْمَ الشَّيْءِ بِالْمَضْغِ وَالْإِمْسَاكِ فِي الْفَمِ، ثُمَّ مَجَّهُ وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى حَلْقِهِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ، كَمَا لَا يُفْطِرُ. وَأَصَحُّهُمَا: يَحْنَثُ، لِأَنَّ الذَّوْقَ إِدْرَاكُ الطَّعْمِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ، فَأُوجِرَ فِي حَلْقِهِ حَتَّى صَارَ فِي جَوْفِهِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَطْعَمُ كَذَا فَأَوْجَرَهُ، حَنِثَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَا جَعَلْتُهُ لِي طَعَامًا.

التَّاسِعَةُ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ، حَنِثَ بِأَكْلِ الْعِنَبِ، وَالرُّمَّانِ، وَالرُّطَبِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْكُمِّثْرَى، وَالْمِشْمِشِ، وَالْخَوْخِ، وَالْأَجَاصِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَالنَّارِنْجِ، وَاللَّيْمُونِ، وَالنَّبْقِ، وَالْمَوْزِ، وَالتِّينِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ، وَيَحْنَثُ بِالْبِطِّيخِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، لِأَنَّ لَهُ نُضْجًا وَإِدْرَاكًا، وَيَدْخُلُ فِي اسْمِ الْفَاكِهَةِ الرُّطَبُ وَالْيَابِسُ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ الْيَابِسِ، وَمَفْلَقِ الْخَوْخِ

ص: 43

وَالْمِشْمِشِ، وَهَلْ يَحْنَثُ بِلُبِّ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَغَيْرِهِمَا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ يَابِسِ الْفَاكِهَةِ، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الثِّمَارَ، حَنِثَ بِالرَّطْبِ دُونَ الْيَابِسَاتِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا يَحْنَثُ بِالْيَابِسِ فِي يَمِينِ الْفَاكِهَةِ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. الْعَاشِرَةُ: حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ، ثُمَّ حَلَفَ: لَيَأْكُلَنَّ مَا فِي كُمِّ زَيْدٍ، فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَجَعَلَهُ فِي النَّاطِفِ وَأَكَلَهُ كُلَّهُ، لَا يَحْنَثُ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْيَمِينَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ جَمِيعِهِ.

فَرْعٌ

يَتَعَلَّقُ بِهَذَا النَّوْعِ: الرُّطَبُ لَيْسَ بِتَمْرٍ، وَالْعِنَبُ لَيْسَ بِزَبِيبٍ، وَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَيْسَ بِعِنَبٍ، وَعَصِيرُ التَّمْرِ وَدُبْسُهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ، وَالسِّمْسِمُ لَيْسَ بِشَيْرَجٍ، وَكَذَا الْعُكُوسُ. وَالرُّطَبُ لَيْسَ بِبُسْرٍ وَلَا بَلَحٍ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الرُّطَبَ، فَأَكَلَ الْمُنْصَفَ، نُظِرَ، إِنْ أَكَلَ النِّصْفَ الَّذِي أَرَطَبَ، حَنِثَ قَطْعًا، وَإِنْ أَكَلَ الْجَمِيعَ، حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَالَفَ فِيهِ الِاصْطَخْرِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ. وَإِنْ أَكَلَ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يُرَطَّبْ، لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْبُسْرَ، فَأَكَلَ الْمُنْصَفَ، فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ، وَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ بُسْرَةً وَلَا رَطْبَةً، فَأَكَلَ مُنْصِفًا، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ طَعَامًا، تَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْقُوتَ وَالْأَدَامَ وَالْفَاكِهَةَ وَالْحَلْوَاءَ. وَفِي الدَّوَاءِ وَجْهَانِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ قُوتًا، حَنِثَ بِأَكْلِ مَا يُقْتَاتُ مِنَ الْحُبُوبِ، وَيَحْنَثُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّحْمِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْتَاتُهَا، وَحَلًّا فَوَجْهَانِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ إِدَامًا، حَنِثَ بِكُلِّ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ، سَوَاءً كَانَ مِمَّا يُصْطَبَغُ بِهِ، كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ وَالشِّيرَجِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْمُرَبَّى، أَوْ لَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ وَالْبَقْلِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالثِّمَارِ، وَكَذَا التَّمْرُ وَالْمِلْحُ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا.

ص: 44

وَاسْمُ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُ الْعَذْبَ وَالْمِلْحَ، وَمِيَاهُ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَكَذَا مَاءُ الْبَحْرِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ. فَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ، لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْجَمْدِ وَالثَّلْجِ، وَيَحْنَثْ بِشُرْبِ مَائِهِمَا. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْجَمْدَ وَالثَّلْجَ، لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ مَائِهِمَا. وَالثَّلْجُ لَيْسَ بِجَمْدٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ مِمَّا طَبَخَهُ زَيْدٌ، فَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بِالْإِيقَادِ إِلَى الْإِدْرَاكِ، أَوْ وَضَعَ الْقِدْرَ فِي التَّنُّورِ بَعْدَ سَجْرِهِ، فَإِنْ أَوْقَدَ زَيْدٌ تَحْتَهُ حَتَّى أَدْرَكَ، أَوْ وَضَعَهَا فِي التَّنُّورِ فَأَكَلَ مِنْهُ، حَنِثَ، سَوَاءً وَجَدَ نَصْبَ الْقِدْرِ وَتَقْطِيعَ اللَّحْمِ، وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَجَمَعَ التَّوَابِلَ، وَسَجَّرَ التَّنُّورَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَوْقَدَ، أَوْ وَضَعَ فِي التَّنُّورِ مَعَ غَيْرِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالطَّبْخِ، وَكَذَا لَوْ أَوْقَدَ هَذَا سَاعَةً، وَهَذَا سَاعَةً. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ جَلَسَ الْحَاذِقُ بِالطَّبْخِ قَرِيبًا، وَاسْتَخْدَمَ صَبِيًّا فِي الْإِيقَادِ، وَقَلَّلَ أَوْ كَثَّرَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، إِذْ يُضَافُ الطَّبْخُ هُنَا إِلَى الْأُسْتَاذِ. وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مَا خَبَزَهُ فُلَانٌ، فَالِاعْتِبَارُ بِإِلْصَاقِهِ إِلَى التَّنُّورِ، لَا بِالْعَجْنِ وَسَجْرِ التَّنُّورِ وَتَقْطِيعِ الرُّغْفَانِ وَبَسْطِهَا.

قُلْتُ: وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ ثَرِيدًا، لَمْ يَحْنَثْ بِخُبْزٍ غَيْرِ مَثْرُودٍ فِي مَرَقٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: فِي الْعُقُودِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، لَمْ يَحْنَثْ بِمَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ رَجَعَ إِلَيْهِ بَرْدٌ بِعَيْبٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَا الْإِقَالَةَ بَيْعًا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْعًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِمَا خَلَصَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ

ص: 45

وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا. وَيَحْنَثُ بِمَا مَلَكَهُ بِالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَالسِّلْمِ، لِأَنَّهَا بُيُوعٌ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا مَلَكَهُ بِالصُّلْحِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ، لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ مَلَكَ بَعْضَهَا بِالشُّفْعَةِ. وَلَا يَحْنَثُ بِمَ اشْتَرَاهُ لِزَيْدٍ وَكِيلُهُ، وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ. وَلَوِ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ ثُمَّ بَاعَهُ، فَأَكَلَهُ، حَنِثَ، لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّ زَيْدًا اشْتَرَاهُ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ وَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ إِلَّا وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ شِرَاءُ زَيْدٍ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ. وَقِيلَ: إِنْ أَكَلَ النِّصْفَ فَمَا دُونَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْهُ، حَنِثَ، لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ أَنَّهُ أَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، ثُمَّ لَمْ يُفَرِّقِ الْجُمْهُورُ بَيْنَ قَوْلِهِ: لَا آكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَقَوْلِهِ: طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ. وَخَصَّ الْبَغَوِيُّ الْأَوْجُهَ بِمَا إِذَا قَالَ: مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَقَطَعَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إِذَا قَالَ: طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، قَالَ: إِلَّا أَنْ يُرِيدَ

[أَنْ] لَا يَأْكُلَ طَعَامَهُ أَوْ مِنْ طَعَامِهِ، فَيَحْنَثُ بِالْمُشْتَرَكِ. وَلَوِ اشْتَرَى زِيدٌ طَعَامًا، وَعَمْرٌو طَعَامًا، وَخُلِطَا، فَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنَ الْمُخْتَلِطِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: لَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَكَلَ الْجَمِيعَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ.

وَالثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الِاصْطَخْرِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ، حَنِثَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَهُوَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْقِدْرَيْنِ.

وَالثَّالِثُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَنَّهُ إِنْ أَكَلَ قَلِيلًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا اشْتَرَاهُ عَمْرٌو، كَعَشْرِ حَبَّاتٍ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَعِشْرِينَ

ص: 46

حَبَّةٍ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ قَدْرًا صَالِحًا، كَالْكَفِّ وَالْكَفَّيْنِ، حَنِثَ، لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ أَنَّ فِيهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ.

فَرْعٌ

قَالَ: لَا أَسْكُنُ دَارًا لِزَيْدٍ، فَسَكَنَ دَارًا لَهُ فِيهَا حِصَّةٌ قَلِيلَةٌ، أَوْ كَثِيرَةٌ، لَا يَحْنَثُ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» .

فَرْعٌ

فِي تَعْلِيقَةِ إِبْرَاهِيمِ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ، فَأَكَلَ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، حَنِثَ، وَقَدْ سَبَقَ عَنِ الْبَغَوِيِّ مَا يُوَافِقُهُ، قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ زَيْدٍ، أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ، فَلَبِسَ أَوْ رَكِبَ مُشْتَرِكًا، لَمْ يَحْنَثْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ، فَوَكَّلَ مَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى لَهُ، أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ، فَأَمَرَ مَنْ ضَرَبَهُ، أَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ أَوِ الْقَاضِي: لَا يَضْرِبُ، فَأَمَرَ الْجَلَّادَ فَضَرَبَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَذَكَرَ الرَّبِيعُ أَنَّ الْحَالِفَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، أَوِ الضَّرْبَ بِنَفْسِهِ كَالسُّلْطَانِ، أَوْ كَانَ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا يَعْتَادُ الْحَالِفُ فِعْلَهُ، أَوْ لَا يَجِيءُ مِنْهُ، كَالْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ، حَنِثَ إِذَا أَمَرَ بِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذَا قَوْلًا آخَرَ، وَأَثْبَتُ قَوْلَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ جَعْلِهِ قَوْلًا، وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُزَوِّجُ، أَوْ لَا يُطَلِّقُ، أَوْ لَا يَعْتِقُ، فَوَكَّلَ وَعَقَدَ الْوَكِيلُ، فَكَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ. وَلَوْ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إِلَى زَوْجَتِهِ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ أَنَّهُ يَحْنَثُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ فِي التَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إِلَى مَنْ لَا يَمْلِكُهُ، وَكَأَنَّهُ هُوَ الْمُطَلَّقُ. فَلَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتِ كَذَا، أَوْ إِنْ شِئْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ، أَوْ شَاءَتْ، حَنِثَ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ، وَهُوَ الْمُطَلَّقُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَتَزَوَّجُ، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَوَكَّلَ مَنْ قَبِلَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا

ص: 47

الْمُتَوَلِّي. أَحَدُهُمَا: لَا، كَالْبَيْعِ، وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُنَا سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ قَبِلَ لِغَيْرِهِ نِكَاحًا، فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْحِنْثُ، وَمُقْتَضَى الثَّانِي الْمَنْعُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي، فَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فِيهِمَا، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ: إِنْ صَرَّحَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُوَكَّلِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ، حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، لَمْ يَحْنَثْ بِتَكْلِيمِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا زَيْدٌ، فَكَلَّمَ مَنْ تَزَوَّجَهَا لِزَيْدٍ وَكِيلُهُ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، فِيمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَتَزَوَّجُ، فَتَزَوَّجَ وَكِيلُهُ لَهُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ زَيْدٍ، حَنِثَ بِتَكْلِيمِ مَنْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ بِلَا خِلَافٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الصُّوَرِ فِيمَنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ، فَأَمَّا إِنْ نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يُفْعَلَ بِإِذْنِهِ، أَوْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْمُرَ بِهِ، فَيَحْنَثُ إِذَا أَمَرَ بِهِ فَفُعِلَ، هَكَذَا أَطْلَقُوهُ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْآخَرِ مَجَازٌ. وَفِي هَذَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَمِيعًا، وَهُوَ بَعِيدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَمِيعًا، فَيُقَالُ: إِذَا نَوَى أَنْ لَا يَسْعَى فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، حَنِثَ بِمُبَاشَرَتِهِ، وَبِالْأَمْرِ بِهِ، لِشُمُولِ الْمَعْنَى وَإِرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى إِرَادَةِ الْمَجَازِ فَقَطْ.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ حَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي جَوَازِ إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 48

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ غَيْرَهُ، فَحَلَقَهُ، فَقِيلَ: يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ. وَقِيلَ: فِيهِ الْخِلَافُ، كَالْبَيْعِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ مِنْ زَيْدٍ، فَبَاعَ مِنْ وَكِيلِهِ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ بَاعَ مِنْ زَيْدٍ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ لِزَيْدٍ مَالًا، فَبَاعَ مَالَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ بِحَجْرٍ، أَوِ امْتِنَاعِ الْحَاكِمِ، حَنِثَ. وَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، لَمْ يَحْنَثْ، لِفَسَادِ الْبَيْعِ. فَلَوْ وَكَّلَ زَيْدٌ وَكِيلًا فِي بَيْعِ مَالِهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ الْحَالِفَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، نُصَّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي حِنْثِ النَّاسِي. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ كَانَ أَذِنَ لِوَكِيلِهِ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ، حَنِثَ، لِأَنَّهُ بَاعَ لِزَيْدٍ يَعْنِي إِذَا عَلِمَ، أَوْ قُلْنَا: يَحْنَثُ النَّاسِي، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ عَنْ نَفْسِهِ، فَبَاعَ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ لِزَيْدٍ، بَلْ لِوَكِيلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فِي التَّوْكِيلِ، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَنْ يُوكِّلُهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، أَمْ وَكِيلُ الْوَكِيلِ؟ وَلَوْ قَالَ: لَا يَبِيعُ لِي زَيْدٌ مَالًا، فَوَكَّلَ الْحَالِفُ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ زَيْدًا، فَبَاعَ، حَنِثَ الْحَالِفُ، سَوَاءً عَلِمَ زَيْدٌ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ، وَقَدْ فَعَلَهُ زَيْدٌ بِاخْتِيَارِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَهَبُ، فَوَهَبَ هِبَةً فَاسِدَةً، لَمْ يَحْنَثْ، وَتَنْزِلُ أَلْفَاظُ الْعُقُودِ عَلَى الصَّحِيحِ. هَذَا إِذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ، فَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إِلَى مَا لَا يَقْبَلُهُ، بِأَنْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ، أَوِ الْمُسْتَوْلِدَةَ، أَوْ مَالَ زَوْجَتِهِ، أَوْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، ثُمَّ أَتَى بِصُورَةِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يَتَلَفَّظَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ مُضَافًا إِلَى مَا ذَكَرَهُ، حَنِثَ، وَإِنْ أَطْلَقَ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ السَّبَبُ الْمُمَلَّكُ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْخَمْرِ، أَوِ الْمُسْتَوْلِدَةِ، أَوْ مَالِ زَوْجَتِهِ، أَوْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، ثُمَّ أَتَى بِصُورَةٍ يَحْنَثُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِغَيْرِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ»

ص: 49

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَسَيَأْتِي خِلَافٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ لَفْظِ الْعِبَادَاتِ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ عَلَى الصَّحِيحِ؟ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ، يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ، لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ كَالصَّحِيحِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَقَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ، حَنِثَ بِكُلِّ تَمْلِيكٍ فِي الْحَيَاةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرُّقْبَى وَالْعُمْرَى، لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ خَاصَّةٌ مِنَ الْهِبَةِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِمَا سِوَى الْهِبَةِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِالرُّقْبَى وَالْعُمْرَى دُونَ الصَّدَقَةِ، حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ تَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَمَقْصُودًا وَحُكْمًا. أَمَّا الِاسْمُ، فَلِأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ لَا يُقَالُ: وَهَبَ لَهُ، وَأَمَّا الْمَقْصُودُ، فَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْهِبَةُ لِاكْتِسَابِ الْمَوَدَّةِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْكُلُ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ. هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى الزَّكَاةَ، أَوْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَلَا يَحْنَثُ، كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا. وَعَنِ الْقَفَّالِ تَرْدِيدُ جَوَابٍ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ، إِذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا، وَلَا بِالْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَيِّتُ لَا يَحْنَثُ وَلَا بِالضِّيَافَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يَحْنَثُ بِالْوَصِيَّةِ. وَفِي الضِّيَافَةِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا يَأْكُلُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَا يَحْنَثُ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَاقِفِ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، حَنِثَ. وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ. وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ لِرَجُلٍ: وَهَبْتُكَ كَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ

ص: 50

يُقَالُ: وَهَبَهُ كَذَا، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَخَرَجَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا أَعْمَرَهُ أَوْ أَرْقَبَهُ، وَلَمْ نُصَحِّحِ الْعَقْدَيْنِ. وَلَوْ تَمَّ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهِبَةِ، لَكِنْ لَمْ تُقْبَضْ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَوَلِّي: يَحْنَثُ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَصَلَتْ، وَالْمُتَخَلِّفُ الْمِلْكُ. وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ لَمْ يَحْصُلْ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحْنَثُ، وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ غَيْرُ الْبَغَوِيِّ، مِنْهُمُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَتَصَدَّقُ، فَتَصَدَّقَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، يَحْنَثُ، لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَسَوَاءً تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ دَفَعَ إِلَى ذِمِّيٍّ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا قِرْبَةَ فِيهِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، وَيَحْنَثُ بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ، وَفِي الْهِبَةِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِهَا كَعَكْسِهِ. وَأَصَحُّهُمَا، لَا. وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ تَتَدَاخَلَانِ تَدَاخُلَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ. وَلَوْ وَقَفَ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُبْنَى عَلَى الْأَقْوَالِ فِي مِلْكِ الْوَقْفِ لِمَنْ هُوَ؟ إِنْ قُلْنَا: لِلْوَاقِفِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلَّهِ تَعَالَى، حَنِثَ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَوَجْهَانِ، كَالْهِبَةِ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَبِرُّ فُلَانًا، دَخَلَ فِي الْيَمِينِ جَمِيعُ التَّبَرُّعَاتِ مِنَ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ وَالْوَقْفِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَيَحْنَثُ بِأَيِّهَا وُجِدَ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَبْدَهُ، فَأَعْتَقَهُ، حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَبْرَأَهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةَ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُعْتِقُ عَبْدًا فَكَاتَبَهُ، وَعُتِقَ بِالْأَدَاءِ، لَمْ يَحْنَثْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا، فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ، لَمْ يَحْنَثْ.

ص: 51

الْخَامِسَةُ: حَلَفَ: لَا مَالَ لَهُ، حَنِثَ بِكُلِّ مَالٍ حَتَّى ثِيَابِ بَدَنِهِ، وَدَارِهِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا، وَعَبْدِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ، حَنِثَ، كَالْوَدِيعَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَخَرَجَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ قَوْلِهِ الْقَدِيمِ: لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ. وَقِيلَ: فِي الْجَاحِدِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: إِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، حَنِثَ قَطْعًا، وَإِلَّا، فَلَا. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ، أَوْ مَالٌ ضَالَّةٌ، أَوْ مَغْصُوبٌ، أَوْ مَسْرُوقٌ، وَانْقَطَعَ خَبَرُهَا، فَفِي الْحِنْثِ وَجْهَانِ، لِتَعَارُضِ أَصْلِ بَقَائِهَا، وَعَدَمِ الْحِنْثِ. وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ حَاضِرًا، وَالْمَالِكُ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِزَاعِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى بَيْعِهِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ، حَنِثَ قَطْعًا، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي. وَلَوْ كَانَ لَهُ مُدَبَّرٌ أَوْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَصَّى بِهِ، حَنِثَ، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيُقَالُ: الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: قَطْعًا، وَيَحْنَثُ بِأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَهُ، وَلَهُ مَنَافِعُهَا، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةً بِوَصِيَّةٍ أَوْ إِجَارَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَحْنَثْ بِالْمَوْقُوفِ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْوَاقِفِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ، فَكَالْمُسْتَوْلِدَةِ. وَلَوْ كَانَ قَدْ جَنَى عَلَيْهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ، حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، وَلَمْ يَقْتَصَّ وَلَمْ يَعْفُ، قَالَ فِي «الْبَيَانِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُبْنَى عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ مَاذَا؟ إِنْ قُلْنَا: الْقَوْدُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْدُ أَوِ الْمَالُ، حَنِثَ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا.

قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنْ لَا حِنْثَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَكَوْنُ الْمَالِ مَرْهُونًا لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ، وَكَذَا عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ.

ص: 52

وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يَحْنَثُ بِالْأُجْرَةِ الْمَقْبُوضَةِ إِذَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ، وَغَلَّطَهُ ابْنُ كَجٍّ.

فَرْعٌ

[حَلَفَ] لَا مِلْكَ لَهُ، حَنِثَ بِالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ، وَإِنْ

[كَانَ] لَهُ زَوْجَةٌ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُبْنَى عَلَى أَنَّ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ، أَوْ عَقْدُ حِلِّ؟ فَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، حَنِثَ.

قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الزَّوْجَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَلَا بِالزَّيْتِ النَّجِسِ إِذَا لَمْ نُجِزْ بَيْعَهُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا رَقِيقَ لَهُ، أَوْ لَا عَبْدَ لَهُ، أَوْ لَا أَمَةَ لَهُ، وَلَهُ مُكَاتَبٌ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَيَحْنَثُ بِمُدَبَّرٍ قَطْعًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الرَّابِعُ فِي الْإِضَافَاتِ وَالصِّفَاتِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ بَيْتَهُ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ مُقْتَضَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ، كَانَ إِقْرَارًا بِمِلْكِهِ. فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا مَسْكَنُهُ، لَا يُقْبَلُ، وَقَدْ تُضَافُ الدَّارُ وَالْبَيْتُ إِلَى الْإِنْسَانِ بِجِهَةِ أَنَّهَا مَسْكَنُهُ، لَكِنَّهُ مَجَازٌ، وَلِهَذَا يَصِحُّ نَفْيُ الْإِضَافَةِ مَعَ إِثْبَاتِ السُّكْنَى، فَيُقَالُ: هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ مِلْكَ زَيْدٍ، لَكِنَّهَا مَسْكَنُهُ. إِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِدُخُولِ دَارٍ يَسْكُنُهَا زَيْدٌ بِإِجَارَةٍ أَوْ إِعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَرَدْتُ الْمَسْكَنَ، وَيَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارٍ يَمْلِكُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَرَدْتُ مَسْكَنَهُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَ فُلَانٍ، حَنِثَ بِدُخُولِ مَسْكَنِهِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُسْتَأْجَرِ. وَفِي الْمَغْصُوبِ وَجْهَانِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ سُكْنَاهُ.

ص: 53

قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْحِنْثُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَفِي دُخُولِ دَارِهِ الَّتِي لَا يَسْكُنُهَا أَوْجُهٌ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَحْنَثُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ سَكَنَهُ وَلَوْ يَوْمًا، حَنِثَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَلَوْ أَرَادَ مَسْكَنَهُ الْمَمْلُوكَ، لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ بِحَالٍ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، وَقَدْ وَقَفَ زَيْدٌ عَلَى غَيْرِهِ دَارًا، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ قُلْنَا: الْوَقْفُ مِلْكٌ لِلْوَاقِفِ، حَنِثَ بِدُخُولِهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ دَخَلَ دَارًا مَوْقُوفَةً عَلَى زَيْدٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَقْفُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، حَنِثَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَلَوْ دَخَلَ دَارًا لِمُكَاتَبِ زَيْدٍ، لَمْ يَحْنَثْ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ دَارَ الْمُكَاتَبِ، حَنِثَ بِدُخُولِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ نَافِذُ التَّصَرُّفِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَبَاعَهَا زَيْدٌ، ثُمَّ دَخَلَهَا، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ دَارَ زَيْدٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ أَجِيرَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ، فَكَلَّمَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنِ الْعَبْدِ وَانْقِطَاعِ الْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، أَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ سَيِّدَ

[هَذَا] الْعَبْدِ، أَوْ زَوْجَ هَذِهِ االْمَرْأَةِ، فَكَلَّمَ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ، لَمْ يَحْنَثْ. فَلَوِ اشْتَرَى زَيْدٌ بَعْدَ مَا بَاعَهَا دَارًا أُخْرَى، قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: إِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْأَوْلَى بِعَيْنِهَا، لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَيَّ دَارٍ تَكُونُ فِي مِلْكِهِ، حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَيَّ دَارٍ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُهُ، حَنِثَ بِأَيَّتِهَا دَخَلَ.

ص: 54

هَذَا كُلُّهُ إِذَا قَالَ: دَارَ زَيْدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ هَذِهِ، فَبَاعَهَا زَيْدٌ، ثُمَّ دَخَلَهَا، فَيَحْنَثُ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى عَيْنِ تِلْكَ الدَّارِ، وَوَصَفَهَا بِإِضَافَةٍ قَدْ تَزُولُ، فَغَلَبَ التَّعْيِينُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَوْجَةَ زَيْدٍ هَذِهِ، أَوْ عَبْدَهُ هَذَا، فَكَلَّمَهُمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، يَحْنَثُ. وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ، وَأَشَارَ إِلَى شَاةٍ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِهَا، فَيَجِيءُ فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ وَهِيَ شَاةٌ، لِأَنَّ الْعُقُودَ يُرَاعَى فِيهِ شُرُوطٌ وَتَعَبُّدَاتٌ لَا يُعْتَبَرُ مِثْلُهَا فِي الْأَيْمَانِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا هَذَا، فَبَدَّلَ اسْمَهُ، وَاشْتَهَرَ بِالِاسْمِ الْمُبَدَّلِ، ثُمَّ كَلَّمَهُ، حَنِثَ اعْتِبَارًا بِالتَّعْيِينِ.

الثَّالِثَةُ: حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَدَخَلَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ عَتِيقٍ أَوْ مُحْدَثٍ، وَذَلِكَ الْبَابُ بِحَالِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، فَلَوْ قُلِعَ الْبَابُ، وَحُوِّلَ إِلَى مَنْفَذٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: تُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَنْفَذِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدُّخُولِ، فَإِنْ دَخَلَ مِنْهُ، حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَ مِنَ الْمَنْفَذِ الْمُحَوَّلِ إِلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَالثَّانِي: يُحْمَلُ عَلَى الْبَابِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُ حَقِيقَةٌ، فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ الْمَنْفَذِ الْمُحَوَّلِ إِلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ. وَالثَّالِثُ: يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ وَقَعَتْ إِلَيْهِمَا، فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَنْفَذٍ آخَرَ، وَإِنْ نُصِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَابُ، وَلَا بِدُخُولِ الْمَنْفَذِ الْأَوَّلِ، هَذَا إِذَا أَطْلَقَ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بَعْضَ هَذِهِ الْمَحَامِلِ، حُمِلَ عَلَيْهِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَلَوْ قَلَعَ الْبَابَ، وَلَمْ يُحَوَّلْ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، حَنِثَ بِدُخُولِ ذَلِكَ الْمَنْفَذِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُعَبَّرُ عَنِ الْخِلَافِ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَنْفَذِ، أَمْ بِالْبَابِ الْمَنْصُوبِ عَلَيْهِ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي: بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَابَ، وَقُلْنَا: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَابِ

ص: 55

الْمَنْصُوبِ. فَنُقِلَ إِلَى دَارٍ أُخْرَى، فَدَخَلَهَا مِنْهُ، حَنِثَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ: لَا أَدْخُلُ مِنْهُ حَيْثُ نُصِبَ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا، فَفُتِحَ بَابٌ جَدِيدٌ، فَدَخَلَهَا مِنْهُ، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُهَا مِنْ بَابِهَا، فَتَسَلَّقَ وَنَزَلَ مِنَ السَّطْحِ، لَمْ يَحْنَثْ.

الرَّابِعَةُ: حَلَفَ: لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِ زِيدٍ، وَلَا يَدْخُلُ دَارَهُ، لَا يَحْنَثُ بِالدَّابَّةِ وَالدَّارِ الْمَجْعُولَيْنِ بِاسْمِ الْعَبْدِ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ: فَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ دَابَّةً أَوْ دَارًا، بُنِيَ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُ؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، حَنِثَ، وَإِلَّا، فَلَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَا يَحْنَثُ وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَالسَّيِّدُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِزَالَتِهِ، فَكَأَنَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ وَرَكِبَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ، فَرَكِبَ دَابَّةً مَلَّكَهَا زَيْدٌ لِعَبْدِهِ، إِنْ قُلْنَا: لَمْ يَمْلِكْ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا فَيَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ الْعَبْدِ، فَعُتِقَ وَرَكِبَ دَابَّةً يَمْلِكُهَا، فَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ بِالْحِنْثِ، وَابْنُ كَجٍّ بِالْمَنْعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْكَبُ دَابَّةَ حُرٍّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنْ قَالَ: لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ هَذَا، حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: دَابَّةَ عَبْدٍ، فَلَا، وَإِنْ قَالَ: دَابَّةَ هَذَا الْعَبْدِ، فَلْيَكُنْ عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ، فَعُتِقَ، ثُمَّ كَلَّمَهُ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَرْكَبُ سَرْجَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، فَرَكِبَ السَّرْجَ الْمَعْرُوفَ بِهَا، حَنِثَ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا إِذَا حَلَفَ عَلَى دَارٍ أَوْ خَانٍ مَنْسُوبٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْرِيفِ، كَخَانِ أَبِي يَعْلَى عِنْدَنَا، وَكَدَارِ الْعَقِيقِيِّ بِدِمَشْقَ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: حَلَفَ: لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا مَنَّ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ، أَوْ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، فَلَبِسَ ثَوْبًا وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، حَنِثَ. وَلَوْ لَبِسَ مَا بَاعَهُ إِيَّاهُ بِمُحَابَاةٍ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي نَقْصِ الثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ. وَكَذَا لَوْ

ص: 56

بَاعَهُ ثَوْبًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، فَلَبِسَهُ، أَوْ أَبْدَلَ الْمَوْهُوبَ، أَوِ الْمُوصَى بِهِ بِغَيْرِهِ، أَوْ بَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُبْنَى عَلَى الْأَلْفَاظِ، لَا عَلَى الْقُصُودِ الَّتِي لَا يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ، وَلِهَذَا لَوْ مَنَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَحَلَفَ: لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ، فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ، أَوْ أَكَلَ لَهُ طَعَامًا، أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا، لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَضْعِ الِامْتِنَاعَ مِنْ جَمِيعِ هَذَا.

السَّادِسَةُ: حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةٍ، أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا خِيطَ بِغَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا سُدَاهُ مِنْ غَزْلِهَا، وَاللُّحْمَةُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، حَنِثَ، بِخِلَافِ الْخَيْطِ، فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ.

فَرْعٌ

يُرَاعَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَنَظَائِرِهِمَا فِي تَنَاوُلِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِذَا قَالَ: لَا أَلْبَسُ مَا مُنَّ بِهِ عَلَيَّ، فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ مَا تَقَدَّمَتِ الْمِنَّةُ بِهِ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا يَمُنُّ بِهِ فِيمَا بَعْدُ. وَإِذَا قَالَ: لَا أَلْبَسُ مَا غَزَلَتْهُ فُلَانَةُ، فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِمَا غَزَلَتْهُ مِنْ قَبْلُ دُونَ مَا تَغْزِلُهُ فِيمَا بَعْدُ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مَا يُمَنُّ بِهِ، أَوْ مَا تَغْزِلُهُ، حَنِثَ بِمَا تَحْدُثُ الْمِنَّةُ بِهِ وَغَزْلُهُ دُونَ مَا سَبَقَ.

وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، دَخَلَ فِيهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ.

السَّابِعَةُ: حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، حَنِثَ بِلُبْسِ الْقَمِيصِ وَالرِّدَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْجُبَّةِ وَالْقَبَاءِ وَنَحْوِهَا، وَسَوَاءٌ الْمَخِيطُ وَغَيْرُهُ، وَالْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمُ، وَسَوَاءً لَبِسَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ

ص: 57

أَوْ بِخِلَافِهَا، بِأَنِ ارْتَدَى أَوِ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ، أَوْ تَعَمَّمَ بِالسَّرَاوِيلِ، وَلَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الْجُلُودِ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا، وَلَا بِلُبْسِ الْحُلِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَلَا بِوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى الرَّأْسِ، وَلَا بِأَنْ يَفْرِشَهُ وَيَرْقُدَ عَلَيْهِ. وَلَوْ تَدَثَّرَ بِهِ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا، وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ حُلِيًّا، حَنِثَ بِالسُّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالطَّوْقِ وَالدُّمْلُجِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُتَّخَذِ مِنْ شَبَهٍ أَوْ حَدِيدٍ، وَيَحْنَثُ بِمِخْنَقَةِ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذَهَبٌ، وَلَا يَحْنَثُ بِتَقَلُّدِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى. وَفِي الْمِنْطَقَةِ الْمُحَلَّاةِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا مِنْ حُلِيِّ الرَّجُلِ، وَيَحْنَثُ بِلُبْسِ الْخَرَزِ وَالسَّبَجِ إِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ التَّحَلِّيَ بِهِمَا، كَأَهْلِ السَّوَادِ. وَفِي غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ غَيْرُ الْبَدَوِيِّ: لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَدَخَلَ بَيْتَ شَعْرٍ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ شَيْئًا، حَنِثَ بِلُبْسِ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْجُلُودِ وَفِي الدِّرْعِ وَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَالْجَوْشَنِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَحْنَثُ، وَقَدْ يَطَّرِدُ الْخِلَافُ فِي الْحُلِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ قَمِيصًا، فَارْتَدَى أَوِ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ فَتَقَهُ وَقَطَعَهُ وَارْتَدَى، أَوِ اتَّزَرَ بِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، لِفَوَاتِ اسْمِ الْقَمِيصِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ، فَارْتَدَى بِهِ أَوِ اتَّزَرَ، أَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الرِّدَاءَ، فَاتَّزَرَ بِهِ، أَوْ تَعَمَّمَ، حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ، لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِ الْقَمِيصِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَكَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً، فَفَتَقَهُ وَاتَّخَذَ مِنْهُ نَوْعًا آخَرَ، بِأَنْ جَعَلَ الْقَمِيصَ رِدَاءً، أَوِ الرِّدَاءَ جُبَّةً أَوْ تِكَكًا، أَوِ الْخُفَّ نَعْلًا، ثُمَّ لَبِسَ الْمُتَّخَذَ، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ لَا يَلْبَسُهُ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ. فَلَوْ لَمْ يَذْكُرِ الثَّوْبَ، بَلْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ، أَوْ هَذَا الرِّدَاءَ، فَفَتَقَهُ، وَاتَّخَذَ مِنْهُ نَوْعًا آخَرَ

ص: 58

وَلَبِسَهُ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا: لَا يَحْنَثُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي نَظَائِرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ، فَأَعَادَ الْهَيْئَةَ الْأُولَى، فَفِي الْحِنْثِ الْوَجْهَانِ فِي الدَّارِ تُعَادُ بَعْدَ الِانْهِدَامِ بِذَلِكَ النَّقْصِ. وَلَوْ كَانَ قَالَ فِي يَمِينِهِ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ، أَوِ الثَّوْبَ قَمِيصًا، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ أَوِ الرِّدَاءَ رِدَاءً، فَإِنْ تَقَمَّصَ بِالْقَمِيصِ، أَوِ ارْتَدَى بِالرِّدَاءِ، حَنِثَ، وَإِنْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ أَوْ تَعَمَّمَ بِالرِّدَاءِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَا لَوِ اتَّخَذَ مِنَ الْقَمِيصِ غَيْرَ قَمِيصٍ، وَمِنَ الرِّدَاءِ غَيْرَ رِدَاءٍ، ثُمَّ لَبِسَهُمَا، وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُهُ وَهُوَ قَمِيصٌ، فَارْتَدَى بِهِ، أَوْ تَعَمَّمَ أَوِ اتَّزَرَ، حَنِثَ، لِأَنَّهُ لَبِسَ وَهُوَ قَمِيصٌ، وَإِنْ اتَّخَذَ مِنْهُ غَيْرَ الْقَمِيصِ وَلَبِسَهُ، لَمْ يَحْنَثْ.

فَرْعٌ

الْوَجْهَانِ فِيمَنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ، فَاتَّخَذَ مِنْهُ غَيْرَهُ وَلَبِسَهُ، يَجْرِيَانِ فِي صُوَرٍ. مِنْهَا: لَوْ أَشَارَ إِلَى صَبْرَةِ حِنْطَةٍ، وَقَالَ: لَا آكُلُ هَذِهِ، حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا، وَبِأَكْلِهَا بَعْدَ الطَّحْنِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَالطَّبْخِ. وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ حِنْطَةً، لَمْ يَحْنَثْ بِالْخُبْزِ وَالْعَجِينِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ نِيئَةً وَمَقْلِيَّةً وَمَطْبُوخَةً وَمَبْلُولَةً. وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ، حَنِثَ بِأَكْلِهَا نِيئَةً فَقَطْ، وَمَطْبُوخَةً، وَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ دَقِيقِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ، لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ زَرَعَهَا وَأَكَلَ حَشِيشَهَا. أَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الْبَيْضَ، فَصَارَ فَرْخًا فَأَكَلَهُ، فَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، إِلَّا أَنَّ هُنَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهَا. وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ، حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا. وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ، فَأَكَلَ عَجِينَهُ أَوْ خُبْزَهُ، أَوْ هَذَا الْعَجِينَ، فَأَكَلَ خُبْزَهُ، فَعَلَى الْخِلَافِ.

ص: 59

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الْحَيَوَانَ، فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ، حَنِثَ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ هَكَذَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ هَذَا الْغَزْلَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا نُسِجَ مِنْهُ، حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ أَوِ الْخَرُوفِ، فَصَارَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ، فَمَنْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ: يَحْنَثُ، قَالَ هُنَا: يَحْنَثُ، وَمَنْ قَالَ هُنَاكَ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ هُنَا: وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَحْنَثُ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ، فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَصِيرِهِ شَابًّا، أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَصِيرِهِ شَيْخًا.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى عَبْدٍ فَعُتِقَ، ثُمَّ كَلَّمَهُ، حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ، فَعُتِقَ، فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ السَّخْلَةِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ، فَصَارَ تَمْرًا، أَوْ هَذَا الْبُسْرَ فَصَارَ رُطَبًا، أَوِ الْعِنَبَ فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ لَا أَشْرَبُ هَذَا الْعَصِيرَ، فَصَارَ خَمْرًا، أَوْ هَذَا الْخَمْرَ فَصَارَ خَلًّا، أَوْ لَا آكُلُ هَذَا التَّمْرَ، فَاتَّخَذَ مِنْهُ عَصِيدَةً، ثُمَّ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ، وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَصَّ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ، وَعَلَى الْحِنْثِ فِي الصَّبِيِّ وَالسَّخْلَةِ. فَقِيلَ: قَوْلَانِ: وَقِيلَ: بِتَقْرِيرِ النَّصَّيْنِ. وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ تَبَدُّلُ الِاسْمِ، وَفِي السَّخْلَةِ وَالصَّبِيِّ تَبَدُّلُ الصِّفَةِ، وَتَبَدُّلُ الصِّفَةِ لَا يُسْقِطُ الْحِنْثَ، وَالثَّانِي: أَنَّ التَّبَدُّلَ فِي الْأَوَّلِ بِمُعَالَجَةٍ، بِخِلَافِ الثَّانِي.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ الْخَاتَمَ، فَجَعَلَهُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ مِنْ أَصَابِعِهِ، فَعَنِ الْمُزَنِيِّ فِي «الْجَامِعِ» أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَتَابَعَهُ الْبَغَوِيُّ، وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ، فَجَعَلَهَا فِي رِجْلِهِ، وَالَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحْنَثُ.

الثَّامِنَةُ: حَلَفَ: لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَذِنَ بِحَيْثُ لَمْ

ص: 60

يَسْمَحِ الْمَأْذُونُ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ وَخَرَجَ، فَطَرِيقَانِ: الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْإِذْنَ وَالرِّضَى قَدْ حَصَلَ. وَقِيلَ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجٌ: أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ مَخَرَّجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَذِنَ وَخَرَجَتْ وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِالْإِذْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْإِذْنِ لِيُثْبِتَهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا فِي إِنْكَارِ الْإِذْنِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُصَدَّقُ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ التَّعْلِيقِ. ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْوَرَعُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَعُدُّهَا مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَلِّقَهَا، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَكَيْفَ تَنْكِحُ غَيْرَهُ؟ بَلْ إِنْ كَانَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ، فَالْوَرَعُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، وَأَرَادَ إِمْسَاكَهَا، رَاجَعَهَا، وَإِلَّا، طَلَّقَهَا لِتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ، فَإِنْ رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ، فَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَهَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَإِذَا نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، كَانَتْ عِنْدَهُ بِطَلْقَةٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا، لَمْ تَحِلَّ إِلَّا بِزَوْجٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِالْخُرُوجِ شَيْءٌ، وَقَدْ طَلَّقَهَا بَعْدَهُ ثَلَاثًا، وَالزَّوْجُ الثَّانِي قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّلَاثِ لَا أَثَرَ لَهُ.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، حَنِثَ، وَإِنْ خَرَجَ بِإِذْنِهِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ، لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي أَوْ إِلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، طُلِّقَتْ، وَإِنْ خَرَجَتْ بِالْإِذْنِ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ

ص: 61

عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ حَتَّى آذَنَ لَكِ، أَوْ إِلَى أَنْ آذَنَ لَكِ أَوْ إِلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَحُكِيَ قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالْقَفَّالِ، أَنَّهُ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِخُرُوجِهَا بِالْإِذْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ لَابِسَةً لِلْحَرِيرِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ، لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بَعْدَهُ لَابِسَةً طُلِّقَتْ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِخُرْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْأُولَى. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ غَيْرَ لَابِسَةٍ لِلْحَرِيرِ أَوْ لَابِسَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ لَابِسَةً تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ: لَوْ قَالَ إِنْ خَرَجْتِ بِلَا خُفٍّ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ بِخُفٍّ، لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ بِفَرْقٍ ضَعِيفٍ، فَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْتِ، أَوْ كُلَّ وَقْتٍ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِالْإِذْنِ، لَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ، لِأَنَّهَا صِيغَةُ تَكْرَارٍ. فَلَوْ قَالَ: أَذِنْتُ لَكِ فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْتِ، أَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنْ تَجْدِيدِ الْإِذْنِ لِكُلِّ خَرْجَةٍ. وَلَوْ قَالَ: مَتَى خَرَجْتِ، أَوْ مَتَى مَا، أَوْ مَهْمَا، أَوْ أَيُّ وَقْتٍ، أَوْ أَيُّ حِينٍ، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ، لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغُ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَفِي «الرَّقْمِ» لِلْعَبَّادِيِّ: إِلْحَاقُ مَتَى مَا، وَمَهْمَا بِ «كُلَّمَا» وَهُوَ خِلَافُ نَصِّهِ فِي «الْأُمِّ» . وَلَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَلْزَمِ التَّكْرَارُ أَيْضًا، بَلْ مَعْنَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ خَرَجْتِ، قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ كَمَا صَوَّرْنَا، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الْإِذْنِ، وَخَرَجَتْ بَعْدَهُ، نُصَّ فِي «الْأُمِّ» أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ، لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ وُجِدَ، فَزَالَ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَالْمَنْعُ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ. وَرَأَى أَبُوبَكْرٍ الْفَارِسِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ تَنْزِيلَ النَّصِّ عَلَى مَا إِذَا قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: حَتَّى آذَنَ لَكِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ إِذْنَهُ غَايَةَ الْيَمِينِ، وَقَدْ حَصَلَ الْإِذْنُ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: بِغَيْرِ إِذْنِي أَوْ إِلَّا بِإِذْنِي،

ص: 62

فَإِذَا رَجَعَ، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَهَذَا خُرُوجٌ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ: إِلَّا بِإِذْنِي مُحْتَمِلٌ أَيْضًا لِلْغَايَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. وَلَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي لِغَيْرِ عِيَادَةٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ لِعِيَادَةٍ، ثُمَّ عَرَضَتْ حَاجَةٌ فَاشْتَغَلَتْ بِهَا، لَمْ تُطَلَّقْ. وَإِنْ خَرَجَتْ لِعِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا. فَالْمَذْكُورُ فِي «الشَّامِلِ» مَنْسُوبًا إِلَى نَصِّهِ فِي «الْأُمِّ» أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِ عِيَادَةٍ مَا هُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْهَا، لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا هُوَ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مَا يُغَايِرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، فَمَجْمُوعُ الْعِيَادَةِ وَالْحَاجَةِ الْأُخْرَى يُغَايِرُ مُجَرَّدَ الْعِيَادَةِ.

قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا لِعِيَادَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ تَخْرُجْ لِلْعِيَادَةِ بَلْ لَهَا وَلِغَيْرِهَا.

النَّوْعُ الْخَامِسُ فِي الْكَلَامِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ فَتَنَحَّ عَنِّي، أَوْ قُمْ أَوِ اخْرُجْ، أَوْ شَتَمَهُ، أَوْ زَجَرَهُ، حَنِثَ، سَوَاءً عَقَّبَ هَذَا لِلْيَمِينِ مُتَّصِلًا أَمْ فَصَلَهُ، لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ إِذَا وَصَلَهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ تَأْكِيدُ الْيَمِينِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا، فَقَوْلَانِ: الْجَدِيدُ: لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ، وَقِيلَ: الْقَدِيمُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا نَوَى بِيَمِينِهِ الْمُكَاتَبَةَ. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِي الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ، لَمْ يَحْنَثْ قَطْعًا، وَالْمَذْهَبُ طَرَّدَهُمَا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ. وَيَجْرِيَانِ فِي الْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْجَدِيدِ بَيْنَ إِشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَالنَّاطِقِ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إِشَارَةُ الْأَخْرَسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ.

ص: 63

فَرْعٌ

هِجْرَانُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ، فَهَلْ يَزُولُ الْإِثْمُ؟ نُظِرَ إِنْ كَانَتْ مُوَاصَلَتُهُمَا قَبْلَ الْهُجْرَانِ بِالْمُكَاتَبَةِ أَوِ الْمُرَاسَلَةِ، ارْتَفَعَ الْإِثْمُ، وَإِلَّا فَإِنْ تَعَذَّرَ الْكَلَامُ لِغَيْبَةِ أَحَدِهِمَا، فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ يُهَاجِرَهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ؟ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إِنَّمَا تَرْفَعَ الْإِثْمَ إِذَا خَلَتْ عَنِ الْإِيذَاءِ وَالْإِيحَاشِ، وَإِلَّا، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ بِالشَّتْمِ وَالْإِيذَاءِ، فَإِنَّهُ لَا تَزُولُ بِهِ الْمُهَاجَرَةُ، بَلْ هُوَ زِيَادَةُ وَحْشَةٍ، وَتَأْكِيدٌ لِلْمُهَاجَرَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ إِذَا حَلَفَ عَلَى الْمُهَاجَرَةِ.

قُلْتُ: تَحْرِيمُ الْمُهَاجَرَةِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمُهَاجَرَةُ لِحُظُوظِ النُّفُوسِ وَتَعَنُّتَاتِ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَهْجُورُ مُبْتَدِعًا أَوْ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ وَالْفُسُوقِ، فَلَا تَحْرُمُ مُهَاجَرَتُهُ أَبَدًا، وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي الْمُهَاجَرَةِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ، فَلَا تَحْرِيمَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَرَى لِلسَّلَفِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَزُولُ التَّحْرِيمُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ، قَالَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» : وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ وَالرَّمْزُ كَالْمُكَاتَبَةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحِنْثِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُهُ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ، حَنِثَ، لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، فَإِنْ قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ حَنِثَ. قَالَ فِي «الْبَيَانِ» وَيَجِيءُ أَنْ لَا يَحْنَثُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السَّمْنَ، فَأَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ، لَا يَحْنَثُ وَإِنْ اسْتَثْنَى لَفْظًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ بِالنِّيَّةِ،

ص: 64

لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَطْلَقَ، حَنِثَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَأْمُومِينَ، فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ. وَلَوْ صَلَّى الْحَالِفُ خَلْفَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَسَبَّحَ لِسَهْوِهِ، أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةً، فَهِمَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَقْصُودَهُ، فَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا، فَيَحْنَثُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَلَفَ: لَا يَتَكَلَّمُ حَنِثَ بِتَرْدِيدِ الشِّعْرِ مَعَ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ، وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ اسْمَ الْكَلَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إِلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلْجُنُبِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكَلَامِ، وَلَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

قُلْتُ: قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ «التَّلْخِيصِ» : لَوْ قَرَأَ التَّوْرَاةَ الْمَوْجُودَةَ الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّا نَشُكُّ أَنَّ الَّذِي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَمْ لَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الثَّالِثَةُ: حَلَفَ: لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ، فَطَرِيقُ الْبَرِّ أَيَقُولُ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ زَادَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ فِي آخِرِهِ: فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى فَصَوَّرَ الْمُتَوَلِّي الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَأُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَجَلِّ الثَّنَاءِ، أَوْ أَعْظَمِهِ، وَزَادَ فِي أَوَّلِ الذِّكْرِ سُبْحَانَكَ وَلَوْ قَالَ: لَأَحْمَدَنَّ اللَّهَ بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ، فَطَرِيقُ الْبَرِّ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ وَلَوْ قَالَ: لَأُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَطَرِيقُ الْبَرِّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا سَهَا عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ. ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ.

ص: 65