الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّورَةُ الْأُولَى عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمُخَاطَبَ هَلْ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْخِطَابِ.
قُلْتُ: الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِكُلِّ مَا ذَكَرُوهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَفِي كُتُبِهِمْ أَنَّ كَلِمَةَ «أَوْ» إِذَا دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيَيْنِ، اقْتَضَتِ انْتِفَاءَهُمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(لَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) ، وَإِذَا دَخَلَتْ بَيْنَ إِثْبَاتَيْنِ، اقْتَضَتْ ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا، فَإِذَا قَالَ: لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ، فَأَيَّتُهُمَا دَخَلَهَا، حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: لَأَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ أَوْ هَذِهِ، بَرَّ بِدُخُولِ إِحْدَاهُمَا. وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيَيْنِ، كَفَى لِلْبَرِّ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَلَا يَضُرُّ دُخُولُ الْأُخْرَى، كَمَا أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ بَيْنَ إِثْبَاتَيْنِ، كَفَى لِلْبَرِّ أَنْ يَدْخُلَ إِحْدَاهُمَا، وَلَا يَضُرُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْأُخْرَى. وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَبَدًا، وَلَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ، فَإِنْ دَخَلَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ، بَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا الْيَوْمَ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْأُخْرَى، بَرَّ أَيْضًا. وَفِي «الْإِقْنَاعِ» لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ. إِنْ أَكَلْتُ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا يَرْجِعُ إِلَى مُرَادِهِ مِنْهُمَا، فَيَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِهِ.
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ. حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى دَارٍ، فَانْهَدَمَتْ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ عَرْصَتَهَا. وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَانْهَدَمَتْ، نُظِرَ إِنْ بَقِيَتْ أُصُولُ الْحِيطَانِ وَالرُّسُومِ، حَنِثَ، وَإِنْ صَارَتْ فَضَاءً، فَدَخَلَهَا، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَجَعَلَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ، فَأَكَلَ دَقِيقَهَا.
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ دَارًا أَوْ بَيْتًا، فَدَخَلَ عَرْصَةً كَانَتْ دَارًا أَوْ بَيْتًا. وَلَوْ جُعِلَتِ الدَّارُ مَسْجِدًا، أَوْ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا، لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ، وَلَوْ أُعِيدَتِ الدَّارُ بِغَيْرِ الْآلَةِ الْأُولَى، فَدَخَلَهَا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أُعِيدَتْ بِتِلْكَ الْآلَةِ فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا الْحِنْثُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ، حَنِثَ بِشَمِّ الضَّيْمَرَانِ دُونَ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالنَّرْجِسِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا فِيمَا إِذَا ذَكَرَ الرَّيْحَانَ مُعَرَّفًا، فَأَمَّا إِذَا نَكَّرَهُ، فَقَالَ: لَا أَشُمُّ رَيْحَانًا، فَيَحْنَثُ بِهَا كُلِّهَا.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، وَمِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا بِمَا بَعْدَ الضَّيْمَرَانِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشُمُّ مَشْمُومًا، حَنِثَ بِشَمِّ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا يَحْنَثُ بِشَمِّ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّهُمَا بَعْدَ الْجَفَافِ، فَوَجْهَانِ وَلَا يَحْنَثُ بِشَمِّ دُهْنِهِمَا. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَسْتَخْدِمُ زَيْدًا، فَخَدَمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ الْحَالِفُ ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ، سَوَاءٌ فِيهِ عَبْدُهُ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَتَسَرَّى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: أَنَّ التَّسَرِّيَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: سَتْرُ الْجَارِيَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَالْوَطْءُ وَالْإِنْزَالُ، وَالثَّانِي: يَكْفِي السَّتْرُ وَالْوَطْءُ، وَالثَّالِثُ: يَكْفِي الْوَطْءُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَ جُنُبًا،
حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ: لَيَقْرَأَنَّ، فَقَرَأَهُ جُنُبًا، بَرَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ فَقَرَأَ جُنُبًا، لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّذْرِ التَّقَرُّبُ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا. وَلَوْ حَلَفَ: لَيَقْرَأَنَّ جُنُبًا، بَرَّ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبَا، وَإِنْ عَصَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ جُنُبًا، لَغَا نَذْرَهُ.
فَرْعٌ
فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي عَلَى هَذَا الْمُصَلَّى، فَفَرَشَ فَوْقَهُ ثَوْبًا وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَوَى أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُهُ بِقَدَمَيْهِ وَجَبْهَتِهِ وَثِيَابِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا فَيَحْنَثُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى عَلَى حَصِيرٍ فِيهِ، وَإِنْ عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ أَنِّي لَا أُبَاشِرُهُ، دِينَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا شَهْرًا، فَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا زَيْدُ افْعَلْ كَذَا، حَنِثَ، وَلَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، وَقَالَ: يَا جِدَارُ افْعَلْ كَذَا، لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ إِفْهَامَ زَيْدٍ. وَكَذَا لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ وَتَكَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ: يَا زَيْدُ وَلَا يَا جِدَارُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَرَقَّعَ ثَوْبَهُ بِرُقْعَةِ كِرْبَاسٍ مِنْ غَزْلِهَا، حَنِثَ، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ: لَا يَحْنَثُ وَتِلْكَ الرُّقْعَةُ تَبْعٌ.
قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي عَاصِمٍ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ تَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ، نُسِجَتْ مِنْ غَزْلِهَا، حَنِثَ إِنْ حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَلَا، وَإِنْ الْتَحَفَ بِلِحَافٍ مِنْ غَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ.
قُلْتُ: يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي التَّدَثُّرِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَفْعَلُ كَذَا، فَفَعَلَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ.
فَرْعٌ
فِي «الْمُبْتَدَأِ» فِي الْفِقْهِ لِلْقَاضِي الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ حَانُوتَ فُلَانٍ، فَدَخَلَ الْحَانُوتَ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُ غَيْرِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، قَالَ: وَالْفَتْوَى أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ إِلَّا الَّذِي يَسْكُنُهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ: كَلِّمْ زَيْدًا الْيَوْمَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ، انْعَقَدَتِ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبَدِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي طَلَاقٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ الْيَوْمَ، لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ قَبُولُهُ فِي الْحُكْمِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَسُلْطَانِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ إِنْ أَرَادَ الْقُدْرَةَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَقْدُورَ، فَلَا، وَبِهِ نَقُولُ نَحْنُ. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أَرَادَ إِرَادَةَ النِّعْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَيَمِينٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْفِعْلَ، فَلَا. وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَيَضْرِبَنَّ زَوْجَتَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهَا أَوْ تَبُولَ، حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَلَوْ قَالَ: حَتَّى أَقْتُلَهَا أَوْ تُرْفَعَ مَيِّتَةً، حُمِلَ عَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ، وَيَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيْضًا. وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الْخَيْمَةَ، فَقُلِعَتْ وَنُصِبَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَدَخَلَهَا، حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ أَوِ الْحَائِطِ، فَأُعِيدَ بِنَاؤُهُمَا بَعْدَ النَّقْضِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمُعَادِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى مِقَصٍّ أَوْ سَيْفٍ
[أَوْ] سِكِّينٍ فَكُسِرَ وَأُعِيدَتِ الصَّنْعَةُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ نَزَعَ مِسْمَارَ الْمِقَصِّ وَنِصَابَ السِّكِّينِ، وَأُعِيدَ مِسْمَارٌ آخَرُ، وَنِصَابٌ آخَرُ، حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَقْرَأُ
فِي الْمُصْحَفِ فَجُعِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقُلِّبَتْ أَوْرَاقُهُ، فَقَرَأَ فِيهِ، حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ، فَزِيدَ فِيهِ، فَدَخَلَ الزِّيَادَةَ، حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ، فَكَسَرَهُ، ثُمَّ بَرَاهُ وَكَتَبَ بِهِ، لَمْ يَحْنَثْ وَبِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ نَقُولُ إِلَّا [فِي] مَسْأَلَةِ الْقَلَمِ.
قُلْتُ: فِي مُوَافَقَتِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ، نُظِرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدُخُولِهَا، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا حَالَةَ الْحَلِفَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ: إِنَّا نُخَالِفُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَلَمِ، فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ مَذْهَبُنَا فِيهَا كَمَا ذَكَرُوهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ تَعْلِيقِهِ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ وَهُوَ مَبْرِيٌّ فَكَسَرَهُ، ثُمَّ بَرَاهُ وَكَتَبَ بِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُنْبُوبَةُ وَاحِدَةً، لِأَنَّ الْقَلَمَ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى الْقَصَبَةُ قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا، لِأَنَّهَا سَتَصِيرُ قَلَمًا، قَالَ: وَكَذَا إِذَا قَالَ: لَا أَقْطَعُ بِهَذَا السِّكِّينِ، فَأَبْطَلَ حَدَّهَا، وَجَعَلَهُ فِي ظَهْرِهَا، وَقَطَعَ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَسْتَنِدُ إِلَى هَذَا الْحَائِطِ، فَهُدِمَ، ثُمَّ بُنِيَ وَاسْتَنَدَ، إِنْ بُنِيِ بِتِلْكَ الْآلَةِ، حَنِثَ، وَإِنْ أُعِيدَ بِغَيْرِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا، لَمْ يَحْنَثْ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ زَيْدٍ، فَكَسْبُهُ مَا يَتَمَلَّكُهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، الْعُقُودِ دُونَ مَا يَرِثُهُ. وَلَوْ كَسَبَ شَيْئًا وَمَاتَ، فَوَرِثَهُ الْحَالِفُ وَأَكَلَهُ، حَنِثَ، وَلَوِ انْتَقَلَ إِلَى غَيْرِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، لَمْ يَحْنَثْ. وَلَكَ أَنْ لَا تُفَرِّقَ، وَيُشْتَرَطُ لِكَسْبِهِ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ. وَأَنَّ الْحَلْوَاءَ كُلُّ حُلْوٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ، كَالْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ دُونَ الْعِنَبِ وَالْإِجَاصِ وَالرُّمَّانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي إِطْلَاقِ الْحُلْوِ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الْعَسَلُ وَالسُّكَّرُ فَالْحَلْوَاءُ غَيْرُ الْحُلْوِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ رحمه الله هُوَ الصَّوَابُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ الْعَبَّادِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الرَّقْمِ: لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَلْوَاءِ، دَخَلَ فِيهِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْفَانِيذِ وَالسُّكَّرِ وَالْعَسَلِ وَالدَّبْسِ وَالْقَنْدِ، وَفِي اللَّوْزِينَجِ وَالْجَوْزِينَجِ وَجْهَانِ، وَأَنَّ الشِّوَاءَ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً دُونَ السَّمَكِ الْمَشْوِيِّ، وَأَنَّ الطَّبِيخَ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ يُجْعَلُ فِي الْمَاءِ وَيُطْبَخُ، وَعَلَى مَرْقَتِهَا
[وَ] عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ، وَلَوْ طُبِخَ عَدَسٌ أَوْ أُرْزٌ بِوَدْكٍ فَهُوَ طَبِيخٌ، وَإِنْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ، فَلَيْسَ بِطَبِيخٍ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّ الْكُلَّ طَبِيخٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ فِي «الرَّقْمِ» أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْمَرَقَ، فَهُوَ مَا يُطْبَخُ بِاللَّحْمِ أَيِّ لَحْمٍ كَانَ، وَفِيمَا يُطْبَخُ بِالْكِرْشِ وَالْبُطُونِ وَالشَّحْمِ وَجْهَانِ. وَإِذَا حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ الْمَطْبُوخَ، حَنِثَ بِمَا طُبِخَ بِالنَّارِ أَوْ أُغْلِيَ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمَشْوِيِّ. وَالطَّبَاهِجَةُ مَشْوِيَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْغَدَاءَ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى الزَّوَالِ، وَالْعَشَاءَ: مِنَ الزَّوَالِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالسَّحُورَ: مَا بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَمِقْدَارُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَبَعِهِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَيَأْتِيَنَّهُ غُدْوَةً، فَهِيَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَالضَّحْوَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ حِينِ تَزُولُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَالصَّبَاحُ
مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ الْعَشَاءِ مِنَ الزَّوَالِ، وَفِي مِقْدَارِ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، وَفِي امْتِدَادِ الْغُدْوَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَفِي أَنَّ الضَّحْوَةَ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ. وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُهُ، فَنَبَّهَهُ مِنَ النَّوْمِ، حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ وَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ. وَلَوْ دَقَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ حَنِثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِهِ وَجَهْلِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا، لَمْ تَدْخُلِ اللَّيْلَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ فِي الْيَمِينِ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَغَدًا، دَخَلَتْ، وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ.
قُلْتُ: يَعْنِي فِي عَدَمِ الدُّخُولِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَنْوِ مُوَاصَلَةَ الْهِجْرَانِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ، فَالْيَمِينُ عَلَى يَوْمَيْنِ، فَلَوْ كَلَّمَهُ فِي الثَّالِثِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَلَوْ قَالَ: يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ، فَالْيَمِينُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَيَهْدِمَنَّ هَذِهِ الدَّارَ، فَهَدَمَ سُقُوفَهَا، بَرَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَبْقَى مَا يُسَمَّى دَارًا. وَلَوْ حَلَفَ: لَيَهْدِمَنَّ هَذَا الْحَائِطَ الْيَوْمَ، أَوْ لَيَنْقُضَنَّهُ، اشْتَرَطَ هَدْمَهُ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ مَا يُسَمَّى حَائِطًا. وَلَوْ حَلَفَ: لَيَكْسِرَنَّهُ، لَمْ يُشْتَرَطْ مَا يُزِيلُ اسْمَ الْحَائِطِ.
فَرْعٌ
حَلَفَ: لَا يَزُورُهُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، فَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ دَارَهُ صُوفًا، فَأَدْخَلَ دَارَهُ كَبْشًا عَلَيْهِ صُوفٌ، أَوْ لَا يُدْخِلُهَا بَيْضًا، فَأَدْخَلَهَا دَجَاجَةً، فَبَاضَتْ فِي الْحَالِ،
لَمْ يَحْنَثْ. وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يَقْعُدُ مَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ، فَقَعَدَا تَحْتَ أَزْجٍ حَنِثَ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا يُفْطِرُ، فَمُطْلَقُ هَذَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يَحْنَثُ بِالرِّدَّةِ وَالْجُنُونِ وَالْحَيْضِ وَدُخُولِ اللَّيْلِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.