المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْقَاضِي أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ شَاهِدِ الْأَصْلِ، أَوْ يَبْعَثَ نَائِبَهُ إِلَيْهِ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١١

[النووي]

الفصل: الْقَاضِي أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ شَاهِدِ الْأَصْلِ، أَوْ يَبْعَثَ نَائِبَهُ إِلَيْهِ

الْقَاضِي أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ شَاهِدِ الْأَصْلِ، أَوْ يَبْعَثَ نَائِبَهُ إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِابْتِذَالِ.

وَمِنْهَا: الْغَيْبَةُ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَإِنْ كَانَتْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ، مِنْهُمُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ الْأَصْلُ بُكْرَةً لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ لَيْلًا، لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ مَسَافَةَ الْعَدْوَى، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَهُوَ مَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا، سْمَعُ.

‌فَصْلٌ

يَجِبُ عَلَى الْفُرُوعِ تَسْمِيَةُ الْأُصُولِ وَتَعْرِيفُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِمْ، وَلَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُمْ مَا لَمْ يُعْرَفُوا. وَلَوْ وَصَفُوهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ بِأَنْ قَالُوا: نَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ، لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَعْرِفُ جُرْحَهُمْ لَوْ سَمَّوْهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَنْسَدُّ بَابُ الْجَرْحِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَزْكِيَةُ شُهُودِ الْأَصْلِ، بَلْ لَهُمْ إِطْلَاقُ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ الْقَاضِي يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَحَكَى الْبَغَوِيُّ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ الْفُرُوعُ: أَشْهِدْنَا عَلَى شَهَادَتِهِ، وَكَانَ عَدْلًا إِلَى الْيَوْمِ أَوْ إِلَى أَنْ مَاتَ تَفْرِيعًا عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ فُسِّقَ الْأَصْلُ، ثُمَّ تَابَ، لَمْ يَكُنْ لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إِلَّا بِإِشْهَادٍ جَدِيدٍ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَزْكِيَةُ الْأَصْلِ، فَلَوْ زَكَّوْهُمْ وَهُمْ بِصِفَاتِ الْمُزَكِّينَ، فَالْمَذْهَبُ - وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ - أَنَّهُ تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُمْ، وَتَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ، وَالْمَعْرُوفُ فِيمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي وَاقِعَةٍ، وَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عَدَالَةُ الثَّانِي، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى وَجْهَيْنِ بِالتَّخْرِيجِ، وَالْمَذْهَبُ الْفَرْقُ أَنَّ تَزْكِيَةَ الْفُرُوعِ الْأُصُولَ مِنْ تَتِمَّةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ

ص: 295

شَرَطَ بَعْضُهُمُ التَّعَرُّضَ لَهَا، فَقُبِلَتْ وَهُنَاكَ قَامَ الشَّاهِدُ الْمُزَكَّى بِأَحَدِ شَطْرَيِ الشَّهَادَةِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَامُهُ بِالثَّانِي، وَلَا يُشْتَرَطْ أَنْ يَتَعَرَّضَ الْفُرُوعُ فِي شَهَادَتِهِمْ، لِصِدْقِ الْأُصُولِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ لِصِدْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْبَابُ السَّادِسُ فِي الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ

رُجُوعُ الشُّهُودِ عَنِ الشَّهَادَةِ إِمَّا أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِمَّا بَعْدَهُ.

الْحَالَةُ الْأَوْلَى قَبْلَهُ، فَيَمْتَنِعُ مِنَ الْقَضَاءِ ثُمَّ إِنِ اعْتَرَفُوا بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، فَهُمْ فَسَقَةٌ يَسْتَتِرُونَ، وَإِنْ قَالُوا: غَلِطْنَا، لَمْ يُفَسَّقُوا، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ إِنْ أَعَادُوهَا، وَإِنْ كَانُوا شَهِدُوا بِالزِّنَى فَرَجَعُوا، وَاعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ، فُسِّقُوا وَحُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِنْ قَالُوا: غَلِطْنَا، فَفِي حَدِّ الْقَذْفِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ، وَأَصَحُّهُمَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْيِيرِ، وَكَانَ حَقُّهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا، فَعَلَى هَذَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا حَدَّ، فَلَا تُرَدُّ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ لِلْقَاضِي بَعْدَ الشَّهَادَةِ: تَوَقَّفْ فِي الْقَضَاءِ، وَجَبَ التَّوَقُّفُ، فَإِنْ قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: اقْضِ، فَنَحْنُ عَلَى شَهَادَتِنَا، فَفِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ، فَعَلَى هَذَا هَلْ تَجِبُ إِعَادَةُ الشَّهَادَةِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّهُمْ جَزَمُوا بِهَا، وَالشَّكُّ الطَّارِئُ زَالَ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَرُجُوعُهُمْ إِمَّا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَإِمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، نُظِرَ إِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِي مَالٍ اسْتُوْفِيَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي قِصَاصٍ، أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ، لَمْ يَسْتَوْفِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّبْهَةِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضِّيقِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَمْ تُسْتَوْفَ،

ص: 296

وَقِيلَ: كَالْقِصَاصِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُقُودِ، أُمْضِيَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: النِّكَاحُ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالِاسْتِيفَاءِ، بَعْدَ الرُّجُوعِ، فَاسْتَوْفَى، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، أَمَّا إِذَا رَجَعُوا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ. ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِيمَا يَتَعَذَّرُ تَدَارُكُهُ وَرَدُّهُ، وَقَدْ تَكُونُ فِيمَا لَا يَتَعَذَّرُ، فَهُمَا ضَرْبَانِ الْأَوَّلُ الْمُتَعَذَّرُ وَهُوَ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: الْعُقُوبَاتُ، فَإِذَا شَهِدُوا بِالْقَتْلِ، فَاقْتُصَّ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعُوا، وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا قَتْلَهُ، فَعَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، كَمَا سَبَقَ فِي الْجِنَايَاتِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ شَهِدُوا بِالرِّدَّةِ فَقُتِلَ، أَوْ بِزِنَى الْمُحْصَنِ فَرُجِمَ، أَوْ عَلَى بَكْرٍ، فَجُلِدَ وَمَاتَ مِنْهُ، أَوْ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَطْعٍ فَقُطِعَ، أَوْ بِقَذْفٍ أَوْ شُرْبٍ فَجُلِدَ وَمَاتَ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعُوا. وَيُحَدُّونَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى وَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ لَا، ثُمَّ يُقْتَلُونَ، وَهَلْ يُرْجَمُونَ أَوْ يُقْتَلُونَ بِالسَّيْفِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

ثُمَّ هُنَا صُوَرٌ إِحْدَاهَا: لَوْ رَجَعَ الْقَاضِي دُونَ الشُّهُودِ، وَقَالَ: تَعَمَّدْتُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ الْمُغْلَّظَةُ وَبِكَمَالِهَا، وَلَوْ رَجَعَ الْقَاضِي وَالشُّهُودُ جَمِيعًا، لَزِمَهُمُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ، فَالدِّيَةُ مُنَصَّفَةٌ، عَلَيْهِمَا نِصْفُهَا، وَعَلَيْهِ نِصْفُهَا، هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ، وَلَوْ رَجَعَ وَلِيُّ الدَّمِ وَحْدَهُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلَوْ رَجَعَ مَعَ الشُّهُودِ، فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ أَوْ كَمَالَ الدِّيَةِ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَهُمْ مَعَهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُمْ مَعَهُ، كَالشَّرِيكِ لِتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ، لَا كَالْمُمْسِكِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمْ كَالْمُحِقِّينَ، فَعَلَى هَذَا

ص: 297

عَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، نِصْفُهَا عَلَى الْوَلِيِّ، وَنِصْفُهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَلَوْ رَجَعَ الْقَاضِي مَعَهُمْ، فَالدِّيَةُ مُثَلَّثَةٌ، ثُلُثُهَا عَلَى الْقَاضِي، وَثُلُثٌ عَلَى الْوَلِيِّ، وَثُلُثٌ عَلَى الشُّهُودِ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ عَلَى الْوَلِيِّ إِذَا رَجَعَ وَحْدَهُ.

قُلْتُ: لَمْ يُرَجِّحِ الرَّافِعِيُّ وَاحِدًا مِنَ الْوَجْهَيْنِ، بَلْ حَكَى اخْتِلَافَ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ فِي الصَّحِيحِ، وَالْأَصَحُّ مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْقَطْعُ بِهِ، فَهُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا وَدَلِيلًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِيَةُ: هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُزَكِّي الرَّاجِعِ قِصَاصٌ وَضَمَانٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى الشَّاهِدِ، وَالْحُكْمُ يَقَعُ بِالشَّاهِدِ، فَكَانَ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ القَّاضِىَ إِلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ، وَالثَّالِثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ دُونَ الْقِصَاصِ، قَالَ الْقَفَّالُ: الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُزَكِّيَانِ: عَلِمْنَا كَذِبَ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ قَالَا: عَلِمْنَا فِسْقَهُمَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا قَدْ يَكُونَانِ صَادِقَيْنَ مَعَ الْفِسْقِ، وَطَرَدَ الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي الْحَالَيْنِ.

الثَّالِثَةُ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ هُوَ فِيمَا إِذَا قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، فَلَوْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا، وَكَانَ الْجَانِي أَوِ الزَّانِي غَيْرَهُ، فَلَا قِصَاصَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً، وَتَكُونُ فِي مَالِهِمْ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُمْ لَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ، فَإِنْ صَدَقَهُمُ الْعَاقِلَةُ، فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ يَرَى الْقَاضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَعْزِيزُ الشُّهُودِ لِتَرْكِهِمُ التَّحْفِيظَ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ شَاهِدَيِ الْقَتْلِ: تَعَمَّدْتُ وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ لَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: تَعَمَّدْتُ وَقَالَ صَاحِبُهُ: أَخْطَأْتُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى

ص: 298

وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَقِسْطُ الْمُخْطِئِ مِنَ الدِّيَةِ يَكُونُ مُخَفَّفًا، وَقِسْطُ الْمُتَعَمِّدِ يَكُونُ مُغَلَّظًا. وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: تَعَمَّدْتُ، وَأَخْطَأَ صَاحِبِي، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقِصَاصُ لِاعْتِرَافِهِمَا بِالْعَمْدِيَّةِ، وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَيْهِمَا مُغْلِظَةً. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: تَعَمَّدْتُ وَأَخْطَأَ صَاحِبِي، أَوْ قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ أَخْطَأَ، وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ، فَلَا قِصَاصَ، وَلَوْ قَالَ: تَعَمَّدْتُ وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي، وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ. وَلَوْ قَالَ: تَعَمَّدْتُ وَلَا أَعْلَمَ حَالَ صَاحِبِي، وَقَالَ صَاحِبُهُ مِثْلَهُ، أَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: تَعَمَّدْتُ، لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: تَعَمَّدْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْتُ أَوْ أَخْطَأْنَا مَعًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الثَّانِي، وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: تَعَمَّدْتُ وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي، وَقَالَ صَاحِبُهُ: تَعَمَّدْتُ وَأَخْطَأَ هُوَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ إِلَّا بِشَرِكَةِ مُخْطِئٍ. وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ، وَأَصَرَّ الْآخَرُ، وَقَالَ الرَّاجِعُ: تَعَمَّدْتُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: تَعَمَّدْتُ، فَلَا.

الرَّابِعَةُ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ فِيمَا إِذَا قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا، فَإِنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ، فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمْ، كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إِلَى رَجُلٍ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَلَكِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ، وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِمْ

ص: 299

لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ، فَالَّذِي قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا، وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى وُجُوبِهِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا شَاذًّا مَأْخُوذًا، مِمَّا لَوْ ضُرِبَ الْمَرِيضُ ضَرْبًا يَقْتُلُ الْمَرِيضَ دُونَ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَرَضَهُ، وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَتَجِبُ فِي مَالِ الشُّهُودِ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إِلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُمُ الْعَاقِلَةُ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْقَفَّالُ: حَالَّةٌ لِتَعَمُّدِهِمْ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.

فَرْعٌ

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ، وَقَالُوا: أَخْطَأْنَا، وَادَّعَوْا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْرِفُ أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا، وَأَنَّ عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ، فَأَنْكَرَتِ الْعَاقِلَةُ الْعِلْمَ، فَلَيْسَ لِلشُّهُودِ تَحْلِيفُهُمْ، وَأَنَّمَا يُطَالِبُ الْعَاقِلَةَ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُمْ تَحْلِيفَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا لَغَرِمُوا.

النَّوْعُ الثَّانِي: غَيْرُ الْعُقُوبَاتِ، فَمِنْهُ الْإِبْضَاعُ فَإِذَا شَهِدُوا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَضَاعٍ مُحَرِّمٍ، أَوْ لِعَانٍ أَوْ فَسْخٍ بِعَيْبٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ جِهَاتِ الْفِرَاقِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَرْتَفِعِ الْفِرَاقُ، لَكِنْ يَغْرَمَانِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، غَرِمَا مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي قَوْلٍ: الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَهَلْ يَغْرَمَانِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَمْ نِصْفَهُ؟ فِيهِ نَصَّانِ، وَنَصٌّ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَتِ امْرَأَةٌ نِكَاحَهُ بِرَضَاعٍ أَنَّهَا تَغْرَمُ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ، الْمَذْهَبُ وُجُوبُ النِّصْفِ فِي الرَّضَاعِ، وَجَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَفِي قَوْلٍ جَمِيعُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ جَمِيعُ مَهْرِ الْمِثْلِ قَطْعًا، وَقِيلَ: نِصْفُهُ قَطْعًا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الزَّوْجُ سَلَّمَ إِلَيْهَا الصَّدَاقَ، غَرِمَ الشُّهُودُ جَمِيعَ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ اسْتِرْدَادِ شَيْءٍ، وَإِلَّا فَنَصِفُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُفَوَّضَةً، وَشَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وَالْمُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَا فَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُمَا

ص: 300

يَغْرَمَانِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفَهُ، كَمَا فِي غَيْرِ التَّفْوِيضِ، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ يَغْرَمَانِ الْمُتْعَةَ الَّتِي غَرِمَهَا الزَّوْجُ وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، ثُمَّ رَجَعَا، فَلَا غُرْمَ إِذَا لَمْ يَفُوتَا شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْ حَتَّى انْقَضَّتِ الْعِدَّةُ، الْتَحَقَ بِالْبَائِنِ، وَوَجَبَ الْغُرْمُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الرِّجْعَةِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ بِالرُّجُوعِ عَنْ شَهَادَةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْغُرْمَ فِي الْحَالِ، فَغَرِمُوا، ثُمَّ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ، فَهَلْ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ، فِيهِ احْتِمَالَانِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ.

قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالرَّدِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ شَهِدَ بِطَلَاقٍ، وَقَضَى بِهِ، ثُمَّ رَجَعَا، وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ رَضَاعٌ مُحَرَّمٌ، أَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ، وَرَجَعَا، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَمْسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، إِذْ لَمْ يَفُوتَا، فَإِنْ غَرِمَا قَبْلَ الْبَيِّنَةِ اسْتَرَدَّا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهَا زَوْجَةُ فُلَانٍ بِأَلْفٍ، وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي، ثُمَّ رَجَعَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا غُرْمَ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ غَرِمَا مَا نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ الْأَلْفُ دُونَهُ، قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَا مَا نَقَصَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ ابْنُ كَجٍّ.

وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِأَلْفٍ، وَمَهْرُهَا أَلْفَانِ، فَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَالْبَغَوِيُّ: عَلَيْهِمَا أَلْفٌ وَقَدْ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَرْأَةِ أَلْفٌ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: عَلَيْهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَا عِوَضًا، وَأَمَّا الْأَلْفُ، فَهُوَ مَحْفُوظٌ عِنْدَهُ لِلْمَرْأَةِ، لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ، فَهُوَ فِي يَدِهَا.

ص: 301

فَرْعٌ

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْعِتْقُ، فَإِذَا شَهِدَا بِعِتْقِ عَبْدٍ، وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي، ثُمَّ رَجَعَا، غَرِمَا قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَلَمْ يُرَدَّ الْعِتْقُ، سَوَاءٌ كَالْمَشْهُودِ بِعِتْقِهِ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَلَوْ شَهِدَا بِتَدْبِيرِ عَبْدٍ، أَوِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةٍ، ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، لَمْ يَغْرَمَا فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ، فَإِذَا مَاتَ، غَرِمَا بِالرُّجُوعِ السَّابِقِ، وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ، ثُمَّ رَجَعَا وَفِيهِمَا وَجْهٌ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَوْ شَهِدَا بِكِتَابَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَا، وَأَدَّى النُّجُومَ، وَعَتَقَ ظَاهِرًا، فَفِيمَ يَغْرَمَانِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: كُلَّ الْقِيمَةِ، وَالثَّانِي: مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ وَالنُّجُومِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ هُوَ دُونَ الْقِيمَةِ، فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِأَلِفٍ، وَمَهْرُهَا أَلْفَانِ.

فَرْعٌ

وَمِنْهُ أَنَّهُ إِذَا شَهِدَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ، ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، غَرِمَا قِيمَتَهُ، وَلَا يُرَدُّ الْوَقْفُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَةً.

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يَتَعَذَّرُ تَدَارُكُهُ وَهُوَ الْأَمْوَالُ أَعْيَانُهَا وَدُيُونُهَا، فَإِذَا شَهِدُوا لِرَجُلٍ بِمَالٍ، ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ، لَمْ يُنْقَضِ الْحُكْمُ، وَلَمْ يُرَدَّ الْمَالُ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى فِي «الْعُدَّةِ» وَجْهًا أَنَّهُ يُنْقَضُ، وَيُرَدُّ الْمَالُ وَهُوَ شَاذٌّ، وَهَلْ يَغْرَمُونَ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمْ: نَعَمْ، وَقِيلَ: لَا يَغْرَمُونَ قَطْعًا، وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ الدَّيْنَ دُونَ الْعَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ الْغُرْمُ مُطْلَقًا.

ص: 302