الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي أُصُولٍ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ صَبِيٍّ، وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُكْرَهٍ وَفِي السَّكْرَانِ الْخِلَافُ فِي طَلَاقِهِ، وَتَنْعَقِدُ يَمِينُ الْكَافِرِ. وَمَنْ حَلَفَ: لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا. فَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقٍ، لَمْ تُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، وَيُدَيَّنُ، وَيَلْحَقُ بِهِمَا الْإِيلَاءُ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِ. وَإِنْ كَانَتْ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، قَبْلَ قَوْلِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ زَيْدًا، أَوْ مَنْ سِوَى زَيْدٍ، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا، وَنَوَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ، تَخَصَّصَتِ الْيَمِينُ بِمَا نَوَى، فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ.
فَرْعٌ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله: لَا أَدْرِي عَلَى مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ رحمه الله مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ، إِنْ اتَّبَعَ اللُّغَةَ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِرُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ، فَأَهْلُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَتَبَّعَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ تَارَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَتَارَةً يَتَّبِعُ الْعُرْفَ إِذَا اسْتَمَرَّ وَاطَّرَدَ.
فَرْعٌ
اللَّفْظُ الْخَاصُّ فِي الْيَمِينِ لَا يُعَمَّمُ بِالسَّبَبِ وَالنِّيَّةِ وَالْعَامِّ، وَقَدْ يَتَخَصَّصُ. مِثَالُ الْأَوَّلِ، إِذَا مَنَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِمَا نَالَ مِنْهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَكَ مَاءً مِنْ عَطَشٍ، انْعَقَدَتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاءِ مِنْ عَطَشٍ خَاصَّةً. فَلَا يَحْنَثُ بِطَعَامِهِ وَثِيَابِهِ، وَإِنْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا تَقْتَضِي مَا نَوَاهُ. وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَا نَوَى
بِجِهَةٍ يُتَجَوَّزُ بِهَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ مَالِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَنَا بِاللَّفْظِ، وَيُرَاعَى عُمُومُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا، وَخُصُوصُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ عَامًّا، وَعِنْدَهُ الِاعْتِبَارُ بِالسَّبَبِ دُونَ اللَّفْظِ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْعَامِّ فَتَارَةً يَكُونُ بِالنِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُ أَحَدًا وَنَوَى زَيْدًا. وَتَارَةً بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: لَا آكُلُ الرُّءُوسَ، وَتَارَةً بِعُرْفِ الشَّرْعِ كَمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ: لَا أُصَلِّي عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَرْعٌ
يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ بِحَقِيقَتِهِ، وَقَدْ يُصْرَفُ إِلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، وَقَالَ: أَرَدْتُ مَا يَسْكُنُهُ دُونَ مَا يَمْلِكُهُ، فَيُقْبَلُ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ إِذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَعِتَاقٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَتَارَةً لِكَوْنِ الْمَجَازِ مُتَعَارَفًا وَكَوْنِ الْحَقِيقَةِ بَعِيدَةً، وَمَثَّلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِمَا إِذَا حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، تُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ ثَمَرِهَا دُونَ الْوَرَقِ وَالْأَغْصَانِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُتَعَارَفَةً، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ، يُحْمَلُ عَلَى لَحْمِهَا، فَلَا يَحْنَثُ بِلَبَنِهَا وَلَحْمِ وَلَدِهَا.
فَرْعٌ
قَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ الدَّارَ، وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ الدَّارَ وَنَوَى التَّأْكِيدَ، فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ نَوَى بِالثَّانِي يَمِينًا أُخْرَى، أَوْ أَطْلَقَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ أَمْ كَفَّارَتَانِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ كَفَّارَةٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ الدَّارَ، لَا دَخَلْتُ الدَّارَ، لَا دَخَلْتُ الدَّارَ، فَإِنْ نَوَى التَّأْكِيدَ، فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ، أَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
فَرْعٌ
قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ عَلَى الْمَمْلُوكِ الْمُضَافِ يَعْتَمِدُ الْمَالِكَ دُونَ الْمَمْلُوكِ، وَالْمَعْقُودَةُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ الْمُضَافِ يَعْتَمِدُ الْمُضَافَ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ، ثُمَّ مَلَكَ عَبِيدًا وَكَلَّمَهُمْ، حَنِثَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ، بَنِيهِ وَلَا ابْنَ لَهُ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بَنُونُ فَكَلَّمَهُمْ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ وَقْتَ الْيَمِينِ.
فَرْعٌ
حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ، ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ يَحْنَثُ إِذَا كَلَّمَ وَاحِدًا، كَمَا إِذَا قَالَ: لَا آكُلُ الْخُبْزَ يَحْنَثُ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ نَاسًا حُمِلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ.
فَرْعٌ
فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِمُغَايَرَتِهِمَا، فَإِذْ قَالَ: لَا يَدْخُلُ دَارِي أَحَدٌ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبِي أَحَدٌ، دَخَلَ فِي الْيَمِينِ غَيْرُ الْحَالِفِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْحَالِفُ، لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِإِضَافَةِ الدَّارِ أَوِ الْقَمِيصِ إِلَيْهِ، قَالُوا: لَوْ عَرَّفَ نَفْسَهُ بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ بِأَنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا، أَوْ عَرَّفَ غَيْرَهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَحَدٌ، أَوْ لَا يَلْبَسُ قَمِيصَهُ أَحَدٌ، لَمْ يَدْخُلِ الْمُضَافُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا. وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ هَذِهِ الْيَدَ أَحَدٌ، وَأَشَارَ إِلَى يَدِهِ، لَمْ يَدْخُلْ هُوَ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ فِي غَيْرِهَا مَا ذَكَرُوهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ