الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّانِي فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ:
الْأَوَّلُ: فِي سَبَبِ الْكَفَّارَةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ حَنِثَ، وَفِي سَبَبِ وُجُوبِهَا وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ الْيَمِينُ وَالْحِنْثُ جَمِيعًا وَالثَّانِي أَنَّهُ الْيَمِينُ فَقَطْ، وَلَكِنَّ الْحِنْثَ شَرْطٌ.
فَصْلُ
يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ إِنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ الصَّوْمِ وَلَمْ يَكُنِ الْحِنْثُ مَعْصِيَةً، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّكْفِيرَ عَنِ الْحِنْثِ، لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَقَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْحِنْثُ بِمَعْصِيَةٍ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَزْنِي فَهَلْ يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَهُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ نَعَمْ. وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ هَذَا الْعَبْدَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي إِذَا حَنِثْتُ، عُتِقَ الْعَبْدُ عَنِ الْكَفَّارَةِ إِذَا حَنِثَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ إِذَا حَلَفْتُ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ التَّعْلِيقَ عَلَى الْيَمِينِ، وَفِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ قَدَّمَهُ عَلَى الْحِنْثِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ: إِذَا حَنِثْتُ فِي يَمِينِي غَدًا، فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَإِنْ حَنِثَ غَدًا، عَتَقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ، لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي إِنْ حَنِثْتُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ حَنِثَ، عَتَقَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي إِنْ حَلِفْتُ وَحَنِثْتُ، فَبَانَ حَالِفًا قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَنْبَغِي أَلَّا يُجْزِئَهُ، لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي الْيَمِينِ، وَفِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الشَّكُّ فِي الْحِنْثِ، وَالتَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ جَائِزٌ، وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي إِنْ ظَاهَرْتُ، فَبَانَ أَنَّهُ ظَاهَرَ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ.
فَرْعٌ
أَعْتَقَ عَبْدًا عَنِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، ثُمَّ ارْتَدَّ الْعَبْدُ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحِنْثِ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَتَغَيَّرِ الْحَالُ فِي التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَهُوَ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ إِذَا ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ، كَمَا لَوْ مَاتَتِ الشَّاةُ الْمُعَجَّلَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عَلَى الزَّهُوقِ بَعْدَ حُصُولِ الْجُرْحِ، وَتَقْدِيمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى الزَّهُوقِ بَعْدَ جُرْحِ الصَّيْدِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: فِيهِمَا الْخِلَافُ، فِي تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ، لِأَنَّ سِرَايَةَ فِعْلِهِ كَفِعْلِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ الْإِمَامُ: وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ حَلَفَ لَا يَقْتُلُ زَيْدًا فَجَرَحَهُ وَكَفَّرَ عَنِ الْيَمِينِ قَبْلَ حُصُولِ الزَّهُوقِ، فَفِي الْإِجْزَاءِ الْوَجْهَانِ. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ، ثُمَّ هَذَا فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِالْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عَلَى الْجُرْحِ بِحَالٍ لَا فِي الْآدَمِيِّ وَلَا فِي الصَّيْدِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ سَلَمَةَ، تَنْزِيلًا لِلْعِصْمَةِ مَنْزِلَةَ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى جُرْحِ الصَّيْدِ، وَوَجْهًا إِنَّهُ إِنْ كَانَ يَقْتُلُهُ مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ اضْطَرَّ الصَّيْدُ إِلَيْهِ جَازَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ
التَّكْفِيرُ عَنِ الظِّهَارِ بِالْمَالِ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْعَوْدَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَيُتَصَوَّرُ التَّكْفِيرُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ، فِيمَا إِذَا ظَاهَرَ مِنْ رَجْعِيَّةٍ، ثُمَّ كَفَّرَ،
ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَفِيمَا إِذَا ظَاهَرَ ثُمَّ طَلَّقَ رَجْعِيًّا، ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَ أَوْ طَلَّقَ بَائِنًا وَكَفَّرَ ثُمَّ نَكَحَهَا، وَقُلْنَا: يَعُودُ الْحِنْثُ فِيمَا إِذَا ظَاهَرَ مُؤَقَّتًا وَصَحَّحْنَا، وَكَفَّرَ وَصَارَ عَائِدًا بِالْوَطْءِ، وَفِيمَا إِذَا ظَاهَرَ وَارْتَدَّتِ الزَّوْجَةُ عَقِبَهُ، فَهَذَا لَيْسَ بِتَكْفِيرٍ قَبْلَ الْعَوْدِ، بَلْ هُوَ تَكْفِيرٌ مَعَ الْعَوْدِ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْإِعْتَاقِ عَوْدٌ وَالْحُكْمُ الْإِجْزَاءُ أَيْضًا.
فَرْعٌ
لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ لَا تُنْسَبُ إِلَى الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ بَلْ إِلَى الْجِمَاعِ، وَتِلْكَ تُنْسَبُ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَالتَّطَيُّبِ وَاللَّبْسِ عَلَيْهَا، فَإِنْ وُجِدَ سَبَبٌ يَجُوزُ فِعْلُهَا، بِأَنِ احْتَاجَ إِلَى الْحَلْقِ أَوِ التَّطَيُّبِ لِمَرَضٍ أَوِ اللَّبْسِ لِبَرْدٍ جَازَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْمَنْذُورِ إِذَا كَانَ مَالِيًّا، بِأَنْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ رَدَّ غَائِبِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّصَدُّقِ عَلَى الشِّفَاءِ وَرُجُوعِ الْغَائِبِ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ مَا يُنَازِعُ فِيهِ.
فَرْعٌ
الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا شَرَعَتَا فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَرَادَتَا الْإِفْطَارَ، فَأَخْرَجَتَا الْفِدْيَةَ قَبْلَ الْإِفْطَارِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذَا فَفِي جَوَازِ تَعْجِيلِ الْفِدْيَةِ لِسَائِرِ الْأَيَّامِ وَجْهَانِ: كَتَعْجِيلِ زَكَاةِ عَامَيْنِ.