الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِسْوَةٍ ثَبَتَتِ الْوِلَادَةِ دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُمَا عَلَى الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ، فَشَهِدَ بِهِمَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْغَصْبُ وَالْإِتْلَافُ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّا إِذَا أَثْبَتْنَا هِلَالَ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِرَمَضَانَ، وَلَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِهِ، هَذَا إِذَا تَقَدَّمَ التَّعْلِيقُ، فَلَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ أَوَّلًا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ، ثُمَّ جَرَى التَّعْلِيقُ، فَقَالَ لَهَا: إِنْ كُنْتِ غُصِبْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ ثَبَتَ غَصْبُهَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ بِرَمَضَانَ، وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ حِكَايَةِ شَيْخِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ.
فَصْلٌ
إِذَا ادَّعَى عَلَى إِنْسَانٍ مَالًا، وَشَهِدَ لَهُ بِهِ اثْنَانِ، نُظِرَ إِنْ كَانَ عَيْنًا وَطَلَبَ الْمُدَّعِي الْحَيْلُولَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يُزَكَّى الشَّاهِدَانِ، أُجِيبَ إِلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا يُجَابُ، وَقِيلَ: يُجَابُ إِنْ كَانَ الْمَالُ مِمَّا يُخَافُ تَلَفُهُ أَوْ تَعَيُّبُهُ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا وَنَحْوَهُ فَلَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا، لَمْ يُسْتَوْفَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَقِيلَ: يُسْتَوْفَى وَيُوقَفُ، حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، نَقَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ، وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَتَّهِمُهُ (بِحِيلَةٍ) حَجَرَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِالتَّصَرُّفَاتِ وَالْأَقَارِيرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ لِلْحَجْرِ، لَكِنْ قَالُوا: هَلْ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا، فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ،
فَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ إِلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا وَأُجْرَةَ مَنْ يَبْعَثُهُ الْقَاضِي مَعَهُمَا لِلتَّكْفِيلِ عَلَى الْمُدَّعَى، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى قِصَاصًا، أَوْ حَدَّ قَذْفٍ، حُبِسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِبَدَنِهِ، فَيُحْتَاطُ لَهُ.
قُلْتُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ: سَوَاءٌ قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُحْبَسُ فِي حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَمَّا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ، فَتُعَدَّلُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَتُمْنَعُ مِنَ الِانْتِشَارِ وَالْخُرُوجِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهَا كَفِيلٌ؟ وَجْهَانِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ: فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُزَوَّجَةً، لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ لِعَبْدٍ بِأَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَطَلَبَ الْعَبْدُ الْحَيْلُولَةَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، أَجَّلَهُ الْقَاضِي، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، وَيُؤَجِّرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَمَا فَضَلَ فَمَوْقُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ بَانَ جَرْحُ الشُّهُودِ وَاسْتَمَرَّ الرِّقُّ، وَكَذَا الْأَعْيَانُ الْمُنْتَزَعَةُ يُؤَجِّرُهَا، وَهَلْ تَتَوَقَّفُ الْحَيْلُولَةُ عَلَى طَلَبِ الْعَبْدِ؟ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: لَا، بَلْ إِذَا رَأَى الْحَاكِمُ الْحَيْلُولَةَ، فَعَلَهَا.
وَفِي الْأَمَةِ تَتَحَتَّمُ الْحَيْلُولَةُ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ، وَأَقَامَتْ شَاهِدَيْنِ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَالْوَجْهَانِ فِي اشْتِرَاطِ طَلَبِ الْعَبْدِ لِلْحَيْلُولَةِ جَارِيَانِ فِي انْتِزَاعِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، وَيَقْرُبُ مِنْهَا وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ فِي أَنَّ إِجَارَةَ الْعَبْدِ هَلْ تَفْتَقِرُ إِلَى طَلَبِ السَّيِّدِ أَوِ الْعَبْدِ، أَمْ يُؤَجِّرُهُ بِغَيْرِ طَلَبِهِمَا؟ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى ظَاهِرِ النَّصِّ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ، فَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَطَلَبَ الِانْتِزَاعَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِآخَرَ هَلْ يُجَابُ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: لَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَفِي الشَّاهِدَيْنِ تَمَّتِ
الْحُجَّةُ، وَهَلْ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ بِشَاهِدٍ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ، وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ تَعْدِيلًا، ثُمَّ تَكْفِيلًا إِنْ لَمْ يَعْدِلْ، وَفِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ هَلْ يُحَالُ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ وَالْحَبْسَ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يَتَعَيَّنَانِ إِلَى ظُهُورِ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي بِالتَّزْكِيَةِ أَوِ الْجَرْحِ، وَلَا تُقَدَّرُ لَهُ مُدَّةٌ، وَالْحَيْلُولَةُ وَالْحَبْسُ بِشَاهِدٍ إِذَا قُلْنَا بِهِ لَا يُزَادَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا حَيْلُولَةَ وَلَا حَبْسَ إِذَا كَانَ الشَّاهِدُ الْآخَرُ غَائِبًا لَا يَحْضُرُ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إِذَا كَانَ قَرِيبًا، وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ.
فَرْعٌ
قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِذَا حَالَ الْقَاضِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ، أَوِ انْتَزَعَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ بَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَقَبْلَ التَّزْكِيَةِ، لَمْ يُنَفَّذْ تَصَرُّفُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْمَوْقُوفِ لِآخَرَ أَوْ أَوْصَى بِهِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، انْتَظَرْنَا مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ آخِرًا، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ وَجْهَيْنِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ، وَصَوَّرَهُ فِيمَا إِذَا حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَجْرِ الْحَيْلُولَةَ، حَصَلَ الْخِلَافُ، وَإِنْ أَرَادَ التَّلَفُّظَ بِالْحَجْرِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ الْحَجْرِ الْقَوْلِيِّ فِي امْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ، قَالَ: وَإِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، وَحَصَلَ التَّعْدِيلُ، وَالْقَاضِي يَنْظُرُ فِي وَجْهِ الْحُكْمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ النَّظَرِ، فَإِنْ حَجَرَ لَمْ يُنَفَّذْ تَصَرُّفُهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَقَبْلَ الْحَيْلُولَةِ وَالِانْتِزَاعِ لَا يُنَفَّذُ تَصَرُّفُ الْمُدَّعِي، وَيُنَفَّذُ تَصَرُّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّ طَلَبَ الْمُدَّعِي شَرْطٌ فِي الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.
فَرْعٌ
الثَّمَرَةُ وَالْغَلَّةُ الْحَادِثَانِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَقَبْلَ التَّعْدِيلِ تَكُونُ لِلْمُدَّعِي وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَ (شَهَادَةِ) الثَّانِي لَا يَكُونُ لِلْمُدَّعِي إِلَّا إِذَا أَرَّخَ الثَّانِي مَا شَهِدَ بِهِ بِيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوَّلًا أَوْ بِمَا قَبْلَهُ، فَإِنِ اسْتَخْدَمَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْمُدَّعِيَ لِلْعِتْقِ بَيْنَ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِنَا لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا وَشَهِدَ الثَّانِي هَكَذَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ، وَحُكْمِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا.
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ.
الْأَوَّلُ: فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِبْصَارِ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ الْبِنَاءُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، لَكِنْ مِنَ الْحُقُوقِ مَا لَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ فِيهِ، فَأُقِيمَ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ فِيهِ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَجُوِّزَتِ الشَّهَادَةُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ كَمَا سَيَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله الْمَشْهُودَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: مَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِبْصَارِ، وَمَوْضِعُ بَيَانِهِ الطَّرَفُ الثَّانِي.
الثَّانِي: مَا يَكْفِي فِيهِ الْإِبْصَارُ وَهُوَ الْأَفْعَالُ، كَالزِّنَى، وَالشُّرْبِ، وَالْغَصْبِ، وَالْإِتْلَافِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالرَّضَاعِ، وَالِاصْطِيَادِ، وَالْأَحْيَاءِ، وَكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الشَّخْصِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الرُّؤْيَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَبِفَاعِلِهَا، فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الشَّهَادَةِ فِيهَا عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الْغَيْرِ، وَتُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْأَصَمِّ.
الثَّالِثُ: مَا يَحْتَاجُ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مَعًا، كَالْأَقْوَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهَا وَمُشَاهَدَةِ قَائِلِهَا، وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَجَمِيعِ الْعُقُودِ، وَالْفُسُوخِ، وَالْإِقْرَارِ بِهَا، فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْأَصَمِّ الَّذِي
لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِبْصَارِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّحَمُّلُ اعْتِمَادًا عَلَى الصَّوْتِ، فَإِنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ وَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا التَّخْيِيلُ وَالتَّلْبِيسُ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى شَهَادَتِهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالْبُصَرَاءِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا بِالْإِجْمَاعِ لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَجُوزُ بِالظَّنِّ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي يَطَأَهَا كَمَا لَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ ضَرُورَةٌ، وَقَدْ سَبَقَ وَجْهُ أَنَّ الْعَمَى لَا يَقْدَحُ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ جَارٍ فِي الشَّهَادَةِ، وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ.
وَيُسْتَثْنَى عَنْ هَذَا صُورَةُ الضَّبْطَةِ وَهِيَ أَنْ يَضَعَ رَجُلٌ فَمَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَيَدَ الْأَعْمَى عَلَى رَأْسِهِ، فَيُنْظَرُ إِنْ سَمِعَهُ يُقِرُّ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ لِرَجُلٍ مَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ بِمَالٍ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَعْمَى، وَلَا يَزَالُ يَضْبِطُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ سَدًّا لِلْبَابِ مَعَ عُسْرِ ذَلِكَ.
وَتُقْبَلُ رِوَايَةُ الْأَعْمَى مَا سَمِعَهُ حَالَ الْعَمَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ إِذَا حَصَلَ الظَّنُّ الْغَالِبُ بِضَبْطِهِ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ، فَأَمَّا مَا سَمِعَهُ قَبْلَ الْعَمَى، فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي الْعَمَى بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً تَحْتَاجُ إِلَى الْبَصَرِ وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ عَمِيَ، نُظِرَ إِنْ تَحَمَّلَ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بَعْدَمَا عَمِيَ، وَيُقْبَلَ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَكَذَا لَوْ عَمِيَ وَيَدُ الْمُقِرِّ فِي يَدِهِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ لِمَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنِّسَبِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى تَرْجَمَةِ الْأَعْمَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ عَمِيَ الْقَاضِي بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْدِيلِهَا، فَفِي نُفُوذِ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ