المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فِيمَا رَجَعَ عَنْهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ رُبُعُ الْمِائَةِ، وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ، - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١١

[النووي]

الفصل: فِيمَا رَجَعَ عَنْهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ رُبُعُ الْمِائَةِ، وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ،

فِيمَا رَجَعَ عَنْهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ رُبُعُ الْمِائَةِ، وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ، وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَعَلَى الرَّابِعِ مِائَةٌ.

‌فَصْلٌ

إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، ثُمَّ بَانَ كَوْنُهُمَا كَافِرَيْنِ، أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ صَبِيَّيْنِ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ، وَكَذَا لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ عَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَمَعْنَى نَقْضِهِ أَنَّا نَتَبَيَّنُ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ وَحَكَمَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا أَوْ عَقْدًا فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ لَا طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا عَقْدٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَاتَتْ، فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مَاتَ وَهُوَ رَقِيقٌ لَهُ، وَيَجِبُ ضَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا أَوْ حَدًّا اسْتَوْفَى وَتَعَذَّرَ التَّدَارُكُ، فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي عَلَى الْأَظْهَرِ، وَفِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا سَبَقَ فِي ضَمَانِ الْوُلَاةِ.

وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْقَاضِي، لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ التَّامِّ عَلَى حَالِ الشُّهُودِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: اسْتَوْفَيْتُ حَقِّي، وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ زَاعِمُونَ صِدْقَهُمْ بِخِلَافِ الرَّاجِعِينَ.

وَإِذَا غَرِمَتِ الْعَاقِلَةُ أَوْ بَيْتُ الْمَالِ، فَهَلْ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ عَلَى الشُّهُودِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي بَابِ ضَمَانِ الْوُلَاةِ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: وَكَذَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: يَرْجِعُ الْغَارِمُ عَلَى الْمُزَكِّينَ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُزَكِّينَ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الشُّهُودِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ، وَمَفْهُومُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَغْرِيمُ الْمُزَكِّينَ أَوَّلًا، ثُمَّ لَا رُجُوعَ

ص: 308

لَهُمْ عَلَى الْقَاضِي، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشُّهُودِ إِذَا قُلْنَا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ بِالْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي حَدِّ اللَّهِ - تَعَالَى أَوْ قِصَاصٍ - وَسَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ اسْتَوْفَاهُ الْمُدَّعِي أَوِ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، أَوْ فَوَّضَ اسْتِيفَاءَهُ بِإِذْنِ الْمُدَّعِي إِلَى شَخْصٍ، وَسَبَقَ فِي إِذْنِ الْقَاضِي عَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إِنِ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالْقَاضِي إِذَا بَاشَرَ الِاسْتِيفَاءَ أَوْ فَوَّضَهُ إِلَى غَيْرِهِ بِإِذْنِ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عِنْدَ الْمَحْكُومِ لَهُ انْتُزِعَ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، أُخِذَ مِنْهُ ضَمَانُهُ، وَقِيلَ: إِنْ تَلَفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَلَا ضَمَانَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِتْلَافِ حَيْثُ قُلْنَا: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّ الْإِتْلَافَ إِنَّمَا يُضْمَنُ إِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، وَحُكْمُ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عَنِ التَّعَدِّي، وَأَمَّا الْمَالُ، فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ مَضْمُونًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ مُعْسِرًا أَوْ غَائِبًا، فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْقَاضِي لِيَغْرَمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي قَوْلٍ، وَمِنْ خَالِصِ مَالِهِ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ نَفْسٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِلَةِ، ثُمَّ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ إِذَا ظَفِرَ بِهِ مُوسِرًا، وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الشُّهُودِ؟ جَعَلَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا فِي الْإِتْلَافَاتِ، وَيَجِيءُ أَنْ يُقَالَ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ: إِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَتَخَيَّرُ فِي تَغْرِيمِ الْقَاضِي، وَتَغْرِيمِ الْمَحْكُومِ لَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

ص: 309