الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجْدِيدُ شُهُودِ كُتُبِ الْوَقْفِ إِذَا خَافَ انْقِرَاضَ الْأُصُولِ، قَالَ فِي الْعُدَّةِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى الْجَوَازُ لِلْحَاجَةِ.
قُلْتُ: الْجَوَازُ أَقْوَى وَأَصَحُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِفَاضَةِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ، وَيُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَالثَّانِي: يَكْفِي عَدْلَانِ، اخْتَارَهُ أَبُو حَامِدٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمَالَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، وَالثَّالِثُ: يَكْفِي خَبَرُ وَاحِدٍ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبُ إِلَيْهِ، حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْعَدَالَةَ وَلَا الْحُرِّيَّةَ وَالذُّكُورَةَ.
فَرْعٌ
لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِآخَرَ: هَذَا ابْنِي وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، أَوْ قَالَ: أَنَا ابْنُ فُلَانٍ، وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ، قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَى النَّسَبِ، وَكَذَا لَوِ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا، أَوْ بَالِغًا وَسَكَتَ، لَأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ. وَفِي «الْمُهَذَّبِ» وَجْهٌ، أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عِنْدَ السُّكُوتِ إِلَّا إِذَا تَكَرَّرَ عِنْدَهُ الْإِقْرَارُ وَالسُّكُوتُ، وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِذَلِكَ، بَلْ يَشْهَدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (عَلَى) الْإِقْرَارِ، وَهَذَا قِيَاسٌ ظَاهِرٌ.
فَصْلٌ
الشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِ تَنْبَنِي عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ وَهِيَ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ
وَالتَّسَامُحُ، فَأَمَّا الْيَدُ فَلَا تُفِيدُ بِمُجَرَّدِهَا جَوَازَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ، لَكِنْ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ فِي يَدِهِ، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْيَدِ، وَشَرَطَ الْبَغَوِيُّ لِذَلِكَ أَنْ يَرَاهُ فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَحَكَى الْإِمَامُ قَوْلًا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا التَّصَرُّفُ الْمُجَرَّدُ، فَكَالْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ لَا يُفِيدُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ يَدٌ وَتَصَرُّفٌ فَإِنْ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ، فَهُوَ كَالْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، وَإِنْ طَالَتْ، فَفِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ لَهُ بِالْمِلْكِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ، صَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ، وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقَطْعُ بِهِ، فَلَوِ انْضَمَّ إِلَى الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ الِاسْتِفَاضَةُ، وَنِسْبَةُ النَّاسِ الْمِلْكَ إِلَيْهِ جَازَتِ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ بِلَا خِلَافٍ.
وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِ حَتَّى يُعْرَفَ سَبَبُهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الِاسْتِفَاضَةُ وَحْدَهَا، فَهَلْ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِ بِهَا؟ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا إِلَى إِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي «الرَّقْمِ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذْهَبِ، فَلَعَلَّ مَنْ لَا يَكْتَفِي بِهِ يَكْتَفِي بِانْضِمَامِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ إِلَيْهِ، أَوْ يَعْتَبِرُهُمَا جَمِيعًا، لَكِنْ لَا يَعْتَبِرُ طُولَ الْمُدَّةِ فِيهِمَا، وَإِذَا انْضَمَّا إِلَى الِاسْتِفَاضَةِ، وَإِلَّا فَهُمَا كَافِيَانِ إِذَا طَالَتِ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَبْقَى لِلِاسْتِفَاضَةِ أَثَرٌ، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى الْيَدِ أَوِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ أَنْ لَا يَعْرِفَ لَهُ مُنَازِعًا فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ مُنَازَعَةَ مَنْ لَا حُجَّةَ مَعَهُ هَلْ تَمْنَعُ؟
فَرْعٌ
طُولُ مُدَّةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، وَقِيلَ: أَقَلُّهَا سُنَّةٌ،
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ إِنْ زَادَتْ عَلَى عَشَرَةٍ، فَطَوِيلَةٌ، وَفِيمَا دُونَهَا وَجْهَانِ، وَالْقَوْلُ فِي عَدَدِ الْمُخْبِرِينَ هُنَا وَامْتِدَادِ الْمُدَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي النَّسَبِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ.
فَرْعٌ
ذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْيَدِ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ، لَامِكَانِ مُشَاهَدَةِ الْيَدِ.
فَرْعٌ
لَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لِفُلَانٍ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَهُ، وَبِأَنَّهُ ابْنُهُ؛ لِأَنَّ قَدْ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّاسِ، لَكِنْ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ بِالْمِلْكِ، وَآخَرُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِلَا مُنَازِعٍ، تَمَّتِ الشَّهَادَةُ. وَقَالَ الشَّارِحُ لِكَلَامِهِ: هَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ السَّبَبِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ
سَوَاءٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالتَّصَرُّفِ الْعَقَارُ وَالثَّوْبُ وَالْعَبْدُ وَغَيْرُهَا إِذَا مَيَّزَ الشُّهُودَ بِهِ عَنْ أَمْثَالِهِ.
فَرْعٌ
التَّصَرُّفُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ مِنَ السُّكْنَى، وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، وَالْبَيْعِ وَالْفَسْخِ بَعْدَهُ وَالرَّهْنِ، وَفِي مُجَرَّدِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ، لِأَنَّهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ قَدْ تَصْدُرُ مِمَّنِ اسْتَأْجَرَ مُدَّةً طَوِيلَةً وَمِنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلْيُجْرَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ
مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَالْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ صُدُورُهَا مِنَ الْمَالِكِينَ، وَلَا يَكْفِي التَّصَرُّفُ مُدَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ظَنًّا.
فَرْعٌ
لَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِالِاسْتِفَاضَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
فَرْعٌ
فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِيمَا يَشْهَدُ فِيهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورُ: تُقْبَلُ إِلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ إِنَّمَا تُقْبَلُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْيِينٍ وَإِشَارَةٍ بِأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ الْأَدْنَى، وَيَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ نَسَبِهِ الْأَعْلَى وَصُوَرٍ أَيْضًا فِي النَّسَبِ الْأَدْنَى بِأَنْ يَصِفَ الشَّخْصَ، فَيَقُولَ: الرَّجُلُ الَّذِي اسْمُهُ كَذَا، وَكُنْيَتُهُ كَذَا، وَمُصَلَّاهُ وَمَسْكَنُهُ كَذَا، هُوَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، ثُمَّ يُقِيمُ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ الَّذِي اسْمُهُ كَذَا، وَكُنْيَتُهُ كَذَا إِلَى آخَرِ الصِّفَاتِ، وَصُورَتُهُ فِي الْمِلْكِ أَنْ يَشْهَدَ الْأَعْمَى بِدَارٍ مَعْرُوفَةٍ أَنَّهَا لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ، مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا سَمِعَ مِنْ عَدَدٍ يُمْكِنُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَأَمَّا إِذَا حَصَلَ السَّمَاعُ مِنْ جَمْعٍ كَبِيرٍ، فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى الْمُشَاهَدَةِ، وَمَعْرِفَةِ حَالِ الْمُخْبِرِينَ.
فَرْعٌ
مَا جَازَتِ الشَّهَادَةُ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ، جَازَ الْحَلِفُ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى خَطِّ الْأَبِ دُونَ الشَّهَادَةِ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا. أَمَّا الْأَدَاءُ، فَوَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْكِتْمَانُ حَرَامٌ، وَيَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَى مُتَعَيِّنٍ لِلشَّهَادَةِ، مُتَحَمِّلٍ لَهَا قَصْدًا، دُعِيَ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، عَدْلٌ، لَا عُذْرَ لَهُ، فَهَذِهِ
خَمْسَةُ قُيُودٍ.
الْأَوَّلُ: التَّعْيِينُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعَةِ إِلَّا شَاهِدَانِ بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا، أَوْ مَاتَ الْبَاقُونَ، أَوْ جُنُّوا، أَوْ فُسِّقُوا، أَوْ غَابُوا، لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ مَعَ الشَّاهِدِ، عَصَا، وَكَذَا الشَّاهِدَانِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ لَوِ امْتَنَعَا، وَقَالَ لِلْمُوْدَعِ: احْلِفْ عَلَى الرَّدِّ، عَصَيَا؛ لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعَ عَنِ الْيَمِينِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعَةِ إِلَّا شَاهِدٌ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لَزِمَهُ الْأَدَاءُ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا فِي لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي انْدِفَاعِ بَعْضِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ شُهُودٌ، فَالْأَدَاءُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا فَعَلَهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ، سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ طَلَبَ الْأَدَاءَ مِنَ اثْنَيْنِ، فَفِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْوُجُوبُ، وَلَيْسَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمْنَا مِنْ حَالِهِمْ رَغْبَةً أَوْ إِبَاءً.
الْقَيْدُ الثَّانِي: كَوْنُهُ مُتَحَمِّلًا عَنْ قَصْدٍ، أَمَّا مَنْ سَمِعَ الشَّيْءَ، أَوْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، فَالْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ أَيْضًا، لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَشَهَادَةٌ عِنْدِهِ، وَالثَّانِي: لَا، لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ: أَنْ يُدْعَى لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَتَى كَانَ الْقَاضِي فِي الْبَلَدِ فَالْمَسَافَةُ قَرِيبَةٌ، وَكَذَا لَوْ دُعِيَ إِلَى مَسَافَةٍ يَتَمَكَّنَّ الْمُبَكِّرُ إِلَيْهَا مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ تَجِبِ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَجِبْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إِلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الشَّاهِدِ إِلَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إِنِ اجْتَمَعَ هُوَ وَالْقَاضِي.
الْقَيْدُ الرَّابِعُ: كَوْنُ الشَّاهِدِ عَدْلًا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَدُعِيَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ نُظِرَ إِنْ كَانَ فِسْقُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا، حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ
يَشْهَدَ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ، كَشُرْبِ النَّبِيذِ، لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّفْسِيقَ بِهِ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ. وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (فِي) الْفِسْقِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا فِي الْفِسْقِ الْخَفِيِّ، وَفِي الظَّاهِرِ وَجْهَانِ، وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ الشَّاهِدُ، كَالْبَيْعِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شُفْعَةُ الْجِوَارِ، وَالشَّاهِدُ لَا يَعْتَقِدُهَا. وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَدْلًا وَالْآخِرُ فَاسِقًا فِسْقًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْعَدْلَ الْأَدَاءُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ.
الْقَيْدُ الْخَامِسُ: عَدَمُ الْعُذْرِ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، فَالْمَرِيضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لَا يُكَلَّفُ أَنْ يَحْضُرَ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي إِلَيْهِ، بِأَنْ يَسْمَعَ شَهَادَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ الْمُخَدَّرَةُ كَالْمَرِيضِ، وَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَغَيْرُ الْمُخَدِّرَةِ يَلْزَمُهَا الْحُضُورُ وَالْأَدَاءُ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الْحُضُورُ عِنْدَ الْقَاضِي الْجَائِرِ وَالْمُتَعَنِّتِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُ جَوْرًا وَتَعَنُّتًا فَيُعَيَّرُ بِذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا عَدَالَةُ الْقَاضِي وَجَمْعُهُ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْطٌ سَادِسٌ.
قُلْتُ: الرَّاجِحُ الْوُجُوبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الْوُجُوبِ لَمْ يُرْهِقِ الْقَاضِي إِرْهَاقًا، بَلْ إِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ، أَوْ عَلَى طَعَامٍ، فَلَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ، وَلَا يُمْهِلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَلَوْ شَهِدَ وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ