المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ تُكْرَهُ الْيَمِينُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي طَاعَةٍ كَالْبَيْعَةِ عَلَى الْجِهَادِ، - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١١

[النووي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ تُكْرَهُ الْيَمِينُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي طَاعَةٍ كَالْبَيْعَةِ عَلَى الْجِهَادِ،

‌فَصْلٌ

تُكْرَهُ الْيَمِينُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي طَاعَةٍ كَالْبَيْعَةِ عَلَى الْجِهَادِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْأَيْمَانُ الْوَاقِعَةُ فِي الدَّعَاوَى، إِذَا كَانَتْ صَادِقَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ.

قُلْتُ: وَكَذَا لَا يُكْرَهُ إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ أَوْ تَعْظِيمِ أَمْرِهِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، «وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَأَشْبَاهُهُ فِي الصَّحِيحِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ثُمَّ إِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ، فَيَمِينُهُ طَاعَةٌ، وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ، وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةٌ، وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ، فَيَمِينُهُ مَعْصِيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْلٍ كَصَلَاةِ تَطَوُّعٍ، وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، فَالْإِقَامَةُ عَلَى ذَلِكَ طَاعَةٌ، وَالْمُخَالَفَةُ مَكْرُوهَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ نَفْلٍ، فَالْيَمِينُ مَكْرُوهَةٌ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْنَثَ، وَعَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، مَا إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا، وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا، وَقَالُوا: الْيَمِينُ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهَا يَمِينُ طَاعَةٍ، لِمَا عُرِفَ مِنِ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقُصُودِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ، وَإِشْغَالِهِمْ بِالضِّيقِ وَالسِّعَةِ، وَهَذَا أَصْوَبُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مُبَاحٍ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِثْلُ هَذَا الْغَرَضِ، كَدُخُولِ دَارٍ، وَأَكْلِ طَعَامٍ، وَلُبْسِ ثَوْبٍ، وَتَرَكَهَا، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَهُ أَنْ يَحْنَثَ، وَهَلِ الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ بِالْيَمِينِ؟ أَمِ الْحِنْثُ؟ أَمْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَرْجِيحَ كَمَا كَانَ

ص: 20

قَبْلَ الْيَمِينِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَاخْتَارَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَمَّا كَانَ، وُجُوبًا وَتَحْرِيمًا وَنَدْبًا وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً.

الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَخْيِيرٍ فِي الِابْتِدَاءِ، وَتَرْتِيبٍ فِي الِانْتِهَاءِ فَيَتَخَيَّرُ الْحَالِفُ بَيْنَ أَنْ يُطْعِمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، أَوْ يَكْسُوهُمْ، أَوْ يَعْتِقَ رَقَبَةً، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ، أَطْعَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مُدًّا، وَالْقَوْلُ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ، وَكَيْفِيَّةِ إِخْرَاجِهِ، وَمَنْ يُصْرَفُ إِلَيْهِ، وَامْتِنَاعِ إِخْرَاجِ الْقِيمَةِ، وَصَرْفِ الْأَمْدَادِ الْعَشْرَةِ إِلَى بَعْضٍ، وَسَائِرِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْكُسْوَةَ، كَسَاهُمْ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ اخْتَارَ الْإِعْتَاقَ، فَلْتَكُنِ الرَّقَبَةُ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ. وَلَوْ أَطْعَمَ بَعْضَ الْعَشْرَةِ، وَكَسَا بَعْضَهُمْ، لَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ، أَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، أَوْ كَسَاهُمْ عَنْ ثَلَاثِ كَفَّارَاتٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ، أَجْزَأَهُ عَنْهُنَّ، فَإِنْ عَجَزَ مِنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْقَوْلُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَجْزُ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَهْمَ الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ مِنَ الزَّكَوَاتِ، أَوِ الْكَفَّارَاتِ، لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ، فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ، وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا، وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ، فَيَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَلَهُ أَخْذُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابُ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ، وَلِلتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بَدَلٌ، وَهُوَ الصَّوْمُ. وَهَلْ يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ؟ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا: عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا، قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ الْجَدِيدُ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ، فَالْفِطْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوِ السَّفَرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي

ص: 21

كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْحَيْضُ هُنَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِخِلَافِ الشَّهْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَقْطَعُهُ كَالشَّهْرَيْنِ، وَقِيلَ قَوْلَانِ: كَالْمَرَضِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ، فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ، فَابْتَدَأَهَا الْحَيْضُ، فَهُوَ كَالْمَرَضِ.

فَرْعٌ

يَجِبُ فِي الْكُسْوَةِ التَّمْلِيكُ، وَالْوَاجِبُ ثَوْبٌ، قَمِيصٌ، أَوْ سَرَاوِيلُ، أَوْ عِمَامَةٌ، أَوْ جُبَّةٌ، أَوْ قَبَاءُ، أَوْ مُقَنَّعَةٌ، أَوْ إِزَارٌ، أَوْ رِدَاءٌ، أَوْ طَيْلَسَانُ، لِأَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ هَذَا، وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ، بِحَيْثُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، فَتَخْتَلِفُ الْحَالُ بِذُكُورَةِ الْآخِذِ وَأُنُوثَتِهِ، فَيُجْزِئُ الْإِزَارُ إِنْ أَعْطَاهُ لِرَجُلٍ، وَلَا يُجْزِئُ إِنْ أَعْطَاهُ لِامْرَأَةٍ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ.

قُلْتُ: وَيُجْزِئُ الْمِنْدِيلُ، صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا، وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ، وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمِنْدِيلِ وَالْعِمَامَةِ يُجْزِئُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَأَمَّا الثَّوْبُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَكْفِي لِرَضِيعٍ وَصَغِيرٍ دُونَ كَبِيرٍ، فَإِنْ أَخَذَهُ الْوَلِيُّ لِصَغِيرٍ، جَازَ، لِأَنَّ صَرْفَ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ وَكُسْوَتِهَا لِلصِّغَارِ جَائِزٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَيَتَوَلَّى الْوَلِيُّ الْأَخْذَ، وَإِنْ أَخَذَهُ كَبِيرٌ لِنَفْسِهِ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلْبَسَ الْآخِذُ مَا يَأْخُذُهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ كُسْوَةَ الْمَرْأَةِ، وَعَكْسُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَخِيطُ، بَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الْكِرْبَاسِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ جَدِيدًا، خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا، فَإِنْ كَانَ مَلْبُوسًا، نُظِرَ: إِنْ تَخَرَّقَ أَوْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ لِمُقَارَبَةِ الِانْمِحَاقِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، كَالطَّعَامِ الْمَعِيبِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ أَجْزَأَهُ، كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ، لَا يُجْزِئُ الْمُرَقَّعُ إِنْ رُقِّعَ لِلتَّخَرُّقِ

ص: 22