الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما عنده. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقّر لها» فإذا فرغت فآذنّي حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي ففقّرت لها وأعانني أصحابي حتى فرغنا منها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نحمل إليه الوديّ ويضعه بيديه ويسوّي عليها التراب، فغرسها كلها إلا نخلة واحدة غرستها بيدي.
وفي رواية: غرسها عمر. فأطعم النخل كلها من سنته إلا تلك النخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من غرسها» ؟ قالوا: عمر فنزعها وغرسها بيده فحملت من عامها. فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها وديّة واحدة.
وبقيت عليّ الدراهم، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل بيضة الحمامة من ذهب،
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ هذه يا سلمان فأدها عنك دينك» . فقلت: يا رسول الله وأين تقع هذه مما عليّ؟ فقلبها على لسانه ثم قذفها إلي ثم قال: «انطلق بها، فإن الله سيؤدّي بها عنك. فو الذي نفسي بيده لوزنت لهم منها أربعين أوقية من ذهب فأديتها وبقي عندي مثل ما أعطيتهم» .
رواه الإمام أحمد وابن سعد والبزار والطبراني وأبو نعيم وغيرهم [ (1) ] ، من طرق أدخلت بعضها في بعض وسقتها كما تقدم.
تنبيهات
الأول: في رواية: أن سلمان من فارس. وفي رواية: من أهل إصبهان بكسر الهمزة وفتحها. وفي رواية: أنه من أهل جيّ بجيم مفتوحة فمثناة تحتية مشددة. وفي رواية: أنه من رامهرمز.
والجمع بين هذه الروايات: أن جي مدينة أصبهان، وأنه ولد برامهرمز، وأصله من فارس كما صرح بذلك في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن [ (2) ] كما في تاريخ أبي نعيم ودلائله.
الثاني: في رواية: أنه قدّم للنبي صلى الله عليه وسلم تمرا. وفي رواية: رطباً. وفي رواية: خلالاً بفتح الخاء المعجمة، وهو البلح. وفي رواية: لحم جزور. وفي رواية: لحم بطّ. وليس بمنكر أن يكون سلمان قدّم ذلك إما في مجلس واحد فحدّث بهذا مرة وبهذا مرة، وإما في مجالس، كل واحد مما ذكر في مجلس، احتياطاً واستظهارا.
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 441، وأبو نعيم في الدلائل 213، وابن سعد في الطبقات 4/ 56. وما بعدها.
[ (2) ] أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزّهري المدني أحد الأعلام. قال عمرو بن علي: ليس له اسم. عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وخلق. وعنه ابنه عمر وعروة والأعرج والشعبي والزّهري وخلق. قال ابن سعد: كان ثقة فقيها كثير الحديث، ونقل الحاكم أبو عبد الله أنه أحد الفقهاء السبعة عن أكثر أهل الأخبار. مات سنة أربع وتسعين وقال الفلّاس:
سنة أربع ومائة. الخلاصة 3/ 221.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
الدهقان [ (1) ] : بكسر الدال المهملة وضمها: شيخ القرية العارف بالفلاحة وما يصلح الأرض من الشجر، يلجأ إليه في معرفة ذلك وهو معرّب.
رامهرمز: بفتح الميم الأولى وضم الهاء وفتح الميم الثانية وسكون الراء بعدهما زاي:
كورة بالأهواز.
البرطيل [ (2) ] : بكسر الباء الموحدة: حجر عظيم مستطيل.
الأسقفّ: بالتشديد: عالم النصارى الذي يقيم لهم أمرّ دينهم، ويقال أسقف بالتخفيف أيضاً.
العذق [ (3) ] : بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة: النخلة. وبكسر العين الكباسة بكسر الكاف، وهو عنقود النخلة.
بنو قيلة: بفتح القاف فمثناة تحتية ساكنة فلام مفتوحة، هي أم الأوس والخزرج العروراء [ (4) ]، بعين مهملة مضمومة فراء مفتوحة فواو فراء مشددة فألف: الرّعدة من البرد والانتفاض. العرقاء: بعين مهملة مضمومة فراء مفتوحة فقاف وألف ممدودة.
لكمني: ضربني بجمعة واللكم: شبيه اللّكز.
الشّملة: الكساء الغليظ يشتمل به الإنسان، أي يلتحف به.
الرّق: العبودية.
الفقير: بفاء مفتوحة فقاف مكسورة فياء: اسم لحديقة بالعالية بقرب بني قريّظة.
وقد خفي ذلك على بعضهم فقال كما نقله أبو الفتح: [ (5) ] : قوله: «بالفقير» الوجه: إنما بالتّفقير. قال السيد: والصواب بالفقير وهو اسم موضع.
الوديّ: بكسر الدال المهملة وتشديد الياء: فراخ النخل. فقّرت: حفرت.
[ (1) ] الدّهقان الدّهقان: التاجر فارسي معرب
…
وهم الدهاقنة والدهاقين قال:
إذا شئت غشني دهاقين قرية* وصناجة تحد وعلى كل منسم انظر اللسان 2/ 1442.
[ (2) ] والبرطيل: حجر أو حديد طويل صلب خلقة ليس مما يطوّله الناس ولا يحددونه تنقر به الرحا اللسان 1/ 259، والوسيط 1/ 50.
[ (3) ] انظر اللسان 4/ 2861، المصباح المنير 339، والوسيط 2/ 590.
[ (4) ] انظر اللسان 4/ 2918، والوسيط 2/ 597.
[ (5) ] عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح: من أئمة الأدب والنحو، وله شعر. ولد بالموصل وتوفي ببغداد، عن نحو 65 عاما. وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي. من تصانيفه رسالة في «من نسب إلى أمه من الشعراء» و «شرح ديوان المتنبي» و «المبهج» في اشتقاق أسماء رجال الحماسة، و «المحتسب» في شواذ القراآت، وغير ذلك وهو كثير. وكان المتنّبي يقول: ابن جنّي أعرف بشعري مني. توفي سنة 392 هـ. الأعلام 4/ 204.
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: عن عمر بن عبد العزيز [ (1) ] قال: حدثت عن سلمان أن صاحب عمّورية قال لسلمان حين حضرته الوفاة: ائت غيضتين من غيض الشام، فإن رجلاّ يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد به مرض إلا شفي، فاسأله عن هذا الذي تسألني عنه.
فخرجت حتى أقمت بها سنة حتى خرج تلك الليلة، فأخذت بمنكبه فقلت: رحمك الله [أخبرني عن] الحنيفية دين إبراهيم قال: قد أظلك زمان نبيّ يخرج عند هذا البيت بهذا الحرم يبعث بذلك الدّين.
فلما ذكر ذلك سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم قال: لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت عيسى بن مريم.
غيضتين: الغيضة: الشجر الملتف.
قال السهيلي [ (2) ] رحمه الله تعالى: وإسناد هذا الحديث مقطوع، وفيه رجل مجهول ويقال هو الحسن بن عمارة [ (3) ] ، وهو ضعيف.
فإن صح الحديث فلا نكارة في متنه. فقد ذكر الطّبراني أن المسيح صلى الله عليه وسلم نزل بعد ما رفع وأمّه وامرأة أخرى عند الجذع الذي فيه الصليب تبكيان عليه، فكلمهما وأخبرهما أنه لم يقتل وأن الله تعالى رفعه، وأرسل إلى الحواريّين ووجّههم إلى البلاد. وإذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مراراً، ولكن لا يعلم أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر يكسر الصليب ويقتل الخنزير كما جاء في الصحيح.
قال الحافظ أبو الخير السخاوي في كتابه: «التحصيل والبيان في سياق قصة السيد سلمان» : وما نقله ابن جرير يحتاج إلى دليل. انتهى.
[ (1) ] عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعدّ مع الخلفاء الراشدين، من الرابعة، مات في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة، ومدة خلافه سنتان ونصف. التقريب 2/ 59- 60.
[ (2) ] عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي: حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير. ولد في مالقة، وعمي وعمره 17 سنة. ونبغ، فاتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها. من كتبه «الروض الأنف- ط» في شرح السيرة النبوية لابن هشام، و «تفسير سورة يوسف» و «التعريف والإعلام في ما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» و «الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين» و «نتائج الفكر» بتحقيقنا توفي سنة 581 هـ. الأعلام 3/ 313.
[ (3) ] الحسن بن عمارة البجلي، ضعيف إلى حد اتهامه بالوضع، كما روي ذلك عن علي بن المديني، وتركه أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: ساقط، وتركه مسلم، وأبو حاتم، والدارقطني. الميزان 1/ 513، التهذيب 2/ 304.
قلت: ما ذكره ابن جرير رواه في تفسيره عبد بن حميد [ (1) ] وابن المنذر من طريق آخر عن وهب بن منبّه.
وروى البخاري والبيهقي عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه تداوله بضعة عشر رباً من ربّ إلى رب.
ونقل السهيلي عن مصنّف حماد بن سلمة [ (2) ] رحمه الله تعالى أن الذين صحب سلمان من النصارى كانوا على الحق، على دين عيسى ابن مريم، وكانوا ثلاثين يداولونه سيداً بعد سيد.
قال الذهبي رحمه الله تعالى: وجدت الأقوال في سنّ سلمان كلها دالة على أنه جاوز المائة والخمسين، والاختلاف إنما هو في الزائد. قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما جاوز الثمانين.
قال الحافظ: لم يذكر مستنده في ذلك، وأظنه أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد إعلامه النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجه امرأة من كندة وغير ذلك، مما يدل على بقاء بعض النشاط.
لكن إن ثبت ما ذكره يكون ذلك من خوارق العادات في حقه، وما المانع من ذلك؟.
فقد روى أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين من حديث العباس بن يزيد قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة فأما مائتين وخمسين فلا يشكّون فيها. انتهى.
وروى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة [ (3) ] قال: حدثنا أشياخ شتّى قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب وكنا أهل وثن، وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيّاً مبعوثاً الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم اتبعناه وكفروا به، ففيهم أنزل الله وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت يهود خيبر تقاتل يهود غطفان، فلما
[ (1) ] عبد بن حميد بن نصر الكسي، أبو محمد: من حفاظ الحديث. قيل اسمه عبد الحميد، وخفف. من كتبه «تفسير» للقرآن الكريم، و «مسند» . توفي سنة 249 هـ. الأعلام 3/ 269.
[ (2) ] حماد بن سلمة بن دينار الرّبعي أو التّميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري أحد الأعلام. عن ثابت وسماك وسلمة بن كهيل وابن أبي مليكة وقتادة وحميد وخلق. وعنه ابن جريح وابن إسحاق شيخاه وشعبة ومالك وحبّان بن هلال والقعنبي وأمم. قال القطان: إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام. وقال ابن المبارك: ما رأيت أشبه بمسالك الأول من حماد. وقال وهيب بن خالد: كان حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا. قال حماد: من طلب العلم لغير الله مكر به. توفي سنة سبع وستين ومائة. الخلاصة 1/ 252.
[ (3) ] عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري، أبو عمر المدني ثقة عالم بالمغازي، مات بعد العشرين ومائة، انظر التقريب 1/ 385.
التقوا انهزمت يهود خيبر. فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالوا: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله عز وجل: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.
رواه الحاكم والبيهقي.
وعن سلمة بن سلامة بن وقش [ (1) ] بفتح الواو والقاف وإسكانها وبالشين المعجمة رضي الله تعالى عنه قال: كان بيننا يهودي فخرج على نادي قومه بني عبد الأشهل ذات غداة فذكر البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، فقال ذلك لأصحاب وثن لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت، وذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ويحك يا فلان! وهذا كائن أن الناس مبعوثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ويجزون من أعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به لوددت أن يكون حظي من تلك النار أن توقدوا أعظم تنّور في داركم فتحموه ثم تقذفوني فيه ثم تطيّنوا عليّ وأن أنجو من تلك النار غداً. قالوا: فما علامة ذلك؟ قال: نبيّ يبعث من ناحية هذه البلاد. وأشار بيده نحو مكة واليمن. قالوا: فما الذي تراه. فرمى بطرفه إليّ وأنا أحدث القوم فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.
فما ذهب الليل والنهار حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لحيّ بين أظهرنا، فآمنا به وصدقناه وكفر به بغياً وعناداً، فقلنا له: يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت وأخبرتنا به؟
قال: ليس به.
رواه ابن إسحاق، والبخاري في التاريخ وصححه الحاكم.
قوله: إن يستنفد بكسر الفاء ودال مهملة أي يستكمل.
وروى عن محمد بن عدي [ (2) ] أنه سأل أباه كيف سمّاه في الجاهلية محمداً؟ فقال:
خرجت مع جماعة من بني تميم، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير عليه شجر، فأشرف علينا
[ (1) ] سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي أبو عوف.. قال إبراهيم بن المنذر مات سنة أربع وثلاثين وقال غيره بل تأخر إلى سنة خمس وأربعين وبه جزم الطبري قال ومات وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة. الإصابة 3/ 116، 117.
[ (2) ] محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد المنقري.. ذكره ابن سعد والبغوي والبلوري وابن السكن وغيرهم في الصحابة وقال ابن سعد عداده في أهل الكوفة وقال ابن شاهين له صحبة وأورد من طريق العلاء بن الفضل بن أبي سوية المنقري حدثني أبي الفضل بن عبد الملك عن أبيه عبد الملك بن أبي سوية عن أبيه خليفة بن عبدة المنقري قال سألت محمد بن عدي بن ربيعة كيف سماك أبوك في الجاهلية محمداً قال: أما إني سألت أبي عما سألتني عنه فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم وسفيان بن مجاشع ويزيد بن عمرو بن ربيعة بن-
ديرانيّ [ (1) ] فقال: من أنتم؟ قلنا: من مضر. فقال: أمّا إنه سوف يبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا، فإنه خاتم النبيين. فقلنا: ما اسمه؟ فقال: محمد. فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل واحد منا غلام فسماه محمداً.
رواه الطبراني والبيهقي وأبو نعيم [ (2) ] .
وشيكاً: أي قريباً.
وروى ابن سعد عن سعيد بن المسيب [ (3) ] رحمه الله تعالى قال: كانت العرب تسمع من أهل الكتاب ومن الكهّان أن نبيا يبعث من العرب اسمه محمد، فسمّى من بلغه ذلك من ولد له محمداً، طمعا في النبوة.
وروى الطبراني والبيهقي عن أبي سفيان بن حرب [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصّلت [ (5) ] إلى الشام، فمررنا بقرية فيها نصارى، فلما رأوا أمية عظّموه وأكرموه
[ () ] حرقوص بن مازن وأسامة بن مالك بن جندب بن العنبر ويزيد بن جفنة الغساني بالشام فلما وردنا الشام ونزلنا على غدير وعليه سمرات وقربه قائم الديراني فقلنا: لو اغتسلنا من هذا الماء وأدهنا ولبسنا ثيابنا ثم أتينا صاحبنا ففعلنا فأشرف علينا الدّيراني فقال: إن هذه للغة قوم ما هي بلغة أهل هذا البلد فقلنا: نحن قوم من مضر قال: من أي المضائر قال: قلنا: من خندف فقال: أما إنه سيبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه وخذوا حظكم منه ترشدوا فإنه خاتم النبيين فقلنا: ما اسمه قال: محمد فلما انصرفنا من عند ابن جفنة ولد لكل واحد منا غلام فسماه محمدا لذلك وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي بكر بن خزيمة حدثني صالح بن مسمار إملاء حدثنا العلاء بن الفضل قال أبو نعيم وحدثناه عاليا الطبراني حدثنا العلاء. الإصابة 6/ 59- 60.
[ (1) ] الديرني: الراهب الذي يسكن الدير.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 55.
[ (3) ] سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين. التقريب 1/ 306.
[ (4) ] صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس الأموي أبو سفيان، من مسلمة الفتح، وشهد حنينا وأعطي من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقيّة، وشهد الطائف واليرموك، وأبلى فيه بلاء حسنا، وذهبت عينه في ذلك اليوم، له أحاديث، وعندهم حديث هرقل، ومنهم من ذكر عن ابن عباس، وقيس بن أبي حازم. قال ابن سعد: مات سنة اثنتين وثلاثين. وقال المدائني: سنة أربع وثلاثين. الخلاصة 1/ 466.
[ (5) ] أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي: شاعر جاهلي حكيم، من أهل الطائف. قدم دمشق قبل الإسلام. وكان مطلعا على الكتب القديمة، يلبس المسوح تعبدا. وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية. ورحل إلى البحرين فأقام ثماني سنين ظهر في أثنائها الإسلام، وعاد إلى الطائف، فسأل عن خبر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: يزعم أنه نبي. فخرج حتى قدم عليه بمكة وسمع منه آيات من القرآن، وانصرف عنه، فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه، فقال: أشهد أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ فقال: حتى أنظر في أمره. وخرج إلى الشام، وهاجر رسول الله إلى المدينة، وحدثت وقعة بدر، وعاد أمية من الشام، يريد الإسلام، فعلم بمقتل أهل بدر وفيهم ابنا خال له، فامتنع. وأقام في الطائف إلى أن مات. وهو أول من جعل في أول الكتب: باسمك اللهم. فكتبتها قريش. قال الأصمعي: ذهب أمية في شعره بعامة ذكر الآخرة، وذهب عنترة بعامة ذكر الحرب، وذهب عمر بن أبي ربيعة بعامة ذكر الشباب. توفي سنة 5 هـ. الأعلام 2/ 23.
وأرادوه على أن ينطلق معهم، فقال لي أمية: يا أبا سفيان انطلق معي فإنك تمضي إلى رجل قد انتهى إليه علم النصرانية فقلت: لست أنطلق معك. فذهب ورجع وقال: تكتم عليّ ما أحدثك به؟ قال: نعم. قال: حدّثني هذا الرجل الذي انتهى إليه علم الكتاب: أن نبيّاً مبعوث، فظننت أنني هو، فقال: ليس منكم، هو من أهل مكة. قلت: ما نسبه؟ قال: وسط قومه. وقال لي: إن آية ذلك أن الشام قد رجفت بعد عيسى ثمانين رجفة، وبقيت رجفة يدخل على أهل الشام منها شر ومصيبة: فلما صرنا قريبا من ثنيّة إذا راكب قلنا: من أين؟ قال: من الشام. قلنا: هل كان من حدث؟ قال: نعم، رجفت الشام رجفة دخل على الشام منها شر ومصيبة.
وروى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالسا بفناء الكعبة وزيد بن عمرو بن نفيل [ (1) ] قاعد، فمرّ به أمية بن أبي الصّلت فقال: أما إن هذا النبي الذي- ينتظر منا أو منكم أو من أهل فلسطين. قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبيّ ينتظر فلا يبعث.
فخرجت أريد ورقة بن نوفل [ (2) ] فقصصت عليه الحديث فقال: نعم يا بن أخي، أخبرنا أهل الكتاب والعلماء، إن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبا، ولي علم بالنسب فقومك أوسط العرب نسبا. قال: يا عم وما يقول النبي؟ قال يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يُظالم.
قال: فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت وصدقت.
فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام: ناحية من الشام.
[ (1) ] زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي: نصير المرأة في الجاهلية، وأحد الحكماء. وهو ابن عم عمر بن الخطاب. لم يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الأوثان ولا يأكل مما ذبح عليها. ورحل إلى الشام باحثا عن عبادات أهلها، فلم تستمله اليهودية ولا النصرانية، فعاد إلى مكة يعبد الله على دين إبراهيم. وجاهر بعداء الأوثان، فتألب عليه جمع من قريش، فأخرجوه من مكة، فانصرف إلى «حراء» فسلط عليه عمه الخطاب شبانا لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا. توفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وله شعر قليل، منه البيت المشهور:
«أربا واحدا أم ألف رب
…
أدين إذا تقسمت الأمور؟»
توفي 17 ق هـ، الأعلام 3/ 60.
[ (2) ] ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، من قريش: حكيم جاهلي، اعتزل الأوثان قبل الإسلام، وامتنع من أكل ذبائحها، وتنصر، وقرأ كتب الأديان. وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني. أدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة.
وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين،
وفي حديث ابتداء الوحي، بغار حراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى خديجة، وفؤاده يرتجف، فأخبرها، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل «وكان شيخا كبيرا قد عمي» فقالت له خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع! ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
توفي سنة 12 ق. هـ. الأعلام 8/ 114، 115.
وعن زيد بن حارثة [ (1) ]- رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ما لي أرى قومك قد شنفوك؟» قال: أما والله إن ذلك لبغير ثائرة كانت منّي إليهم، ولكن أراهم على ضلالة فخرجت أبتغي هذا الدّين حتى أتيت على شيخ بالجزيرة فأخبرته بالذي خرجت له، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل بيت الله. قال: فإنه قد خرج في بلدك نبي أو خارج قد طلع نجمه، فارجع فصدّقه وآمن به. فرجعت فلم أحس بشيء بعد.
قال: ومات زيد بن عمرو قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أبو يعلى [ (2) ] والطبراني والحاكم وصححه
[ (3) ] .
شنفوك بفتح الشين المعجمة وكسر النون: أي أبغضوك. ولغير ثائرة: أي لم أصنع لهم شرّاً.
وعن عامر بن ربيعة [ (4) ]- رضي الله تعالى عنه- إن زيد بن عمرو بن نفيل قال: خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وما كان يعبد، فأنا أنتظر نبيّاً من ولد إسماعيل اسمه أحمد، ولا أراني أدركه، فأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فأقره مني السلام، وأخبرك يا عامر ما نعته حتى لا يخفى عليك: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليس يفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره فإياك أن تخدع عنه فإني بلغت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم وكل من أسأله من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك. وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبيّ غيره.
قال عامر: فلما تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته، فقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيله.
رواه ابن سعد وأبو نعيم
[ (5) ] .
[ (1) ] زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اليماني، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، كان ممن بادر فأسلم من أول يوم، وشهد بدرا، وقتل بمؤتة أميرا سنة ثمان. قالت عائشة: لو كان حيا لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى محمد بن إسحاق بسنده إلى أسامة بن زيد. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: أنت مني وإليّ وأحب القوم إليّ.
له أربعة أحاديث. وعنه أنس وابن عباس وغيرهما. الخلاصة 1/ 350.
[ (2) ] أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، أبو يعلى: حافظ، من علماء الحديث. ثقة مشهور، نعته الذهبي بمحدث الموصل. عمر طويلا حتى ناهز المئة. وتفرد ورحل الناس إليه وتوفى بالموصل. له كتب منها «المعجم» في الحديث، و «مسندان» كبير وصغير، توفي سنة 307 هـ. الأعلام 1/ 171.
[ (3) ] أخرجه الحاكم 3/ 216، والطبراني في الكبير 5/ 87.
[ (4) ] عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة العنزي بإسكان النون، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد بدرا والمشاهد. له اثنان وعشرون حديثاً، اتفقا على حديثين. وعنه ابنة عبد الله، وابن عمر، وابن الزبير. قال المدائني: مات سنة ثلاث وثلاثين. الخلاصة 2/ 21.
[ (5) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 106، وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 240، بلفظ يحب ذيولا.
وروى ابن عساكر عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- قال: إن ربيعة بن نصر الّلخمي رأى رؤيا هالته وفظع بها، فلم يدع كاهناً ولا ساحراً ولا عائفاً ولا منجماً من أهل مملكته إلا جمعه إليه، فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبروني بتأويلها. قالوا: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها. قال: إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، إنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها.
فقيل له: إن كنت تريد هذا فابعث إلى سطيح [ (1) ] وشقّ [ (2) ] ، فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما يخبرانك بما تسأل عنه.
فبعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شقّ، فقال: إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها، فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها. فقال: رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة، فأكلت كل ذات جمجمة. فقال الملك: ما أخطأت منها شيئاً يا سطيح، فما عندك في تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرّتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش فليهلكن ما بين أبين إلى جرش. فقال الملك: وأبيك يا سطيح إنّ هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين من السنين. قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين قال: ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك منهم أحدا باليمن: قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟ قال: نبيّ زكيّ يأتيه الوحي من قبل العليّ. قال: وممن هذا النبي؟ قال: رجل من بني غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد به المحسنون ويشقى به المسيئون. قال: أحقّ ما تخبرني به؟ قال: نعم والشفق والغسق، والفلق إذا اتّسق إن ما أنبأتك به لحقّ.
[ (1) ] ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب، من بني مازن، من الأزد: كاهن جاهليّ غساني. من المعمرين، يعرف بسطيح. كان العرب يحتكمون إليه ويرضون بقضائه، حتى أن عبد المطلب بن هاشم- على جلالة قدره في أيامه- رضي به حكما بينه وبين جماعة من قيس عيلان، في خلاف على ماء بالطائف، كانوا يقولون إنه لهم. وكان يضرب المثل بجودة رأيه، قال ابن الرومي:
«تبدي له سرّ العيون كهانة
…
يوحي بها رأي كرأي سطيح»
وقال الفيروزآبادي: سطيح، كاهن بني ذئب، ما كان فيه عظم سوى رأسه. وزاد الزبيدي: كان أبدا منبسطا منسطحا على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان يطوى كما تطوى الحصيرة ويتكلم بكل أعجوبة. توفي سنة 52 ق. هـ. الأعلام 3/ 14.
[ (2) ] شق بن صعب بن يشكر بن رهم القسري البجلي الأنماري الأزدي: كاهن جاهلي، من عجائب المخلوقات. وعاش شق إلى ما بعد ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال. وقد عمر طويلا. ويذكرون أنه كان نصف إنسان: له يد واحدة، ورجل واحدة وعين واحدة. وقال ابن حزم إن له نسلا، اشتهر منه في العصر المرواني «خالد» و «أسد» القسريان، وكان أولهما أمير العراقين لهشام بن عبد الملك، والثاني والي خراسان. توفي سنة 55 ق. هـ. الأعلام 3/ 170.
ثم قدم عليه شقّ فقال له كقوله لسطيح، وكتم ما قاله سطيح، لينظر أيتفقان أم يختلفان. قال: نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة.
فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتفقا، فقال الملك: ما أخطأت منها شيئاً يا شقّ، فما عندك في تأويلها؟.
قال: أحلف بما بين الحرّتين من إنسان، لينزلنّ أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة [ (1) ] البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران.
فقال له: الملك: فمتى هو كائن؟ في زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن، ويذيقهم كأس الهوان. قال: ومن هذا العظيم الشأن؟ قال:
غلام ليس بدنيّ ولا مدنّ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن. قال: أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال:
بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل، بين أهل الدّين والفضل يكون الملك فيه إلى يوم الفصل. قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم تجزى فيه الولاة، يدعى فيه من السماء بدعوات يستمع، منها الأحياء والأموات ويجمع فيه الناس للميقات يكون فيه لمن اتّقى الفوز والخيرات. فقال: أحق ما تقول؟ قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحقّ ما فيه أمض.
قوله: فظع بها. الرواية بضم الفاء وفتحها. وصوّب أبو ذر الخشني الفتح بوزن علم يقال: فظع بالشيء إذا رآه أمراً عظيماً.
والعيافة [ (2) ] : زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها.
والحممة [ (3) ] : بضم الحاء وفتح الميمين وجمعها حمم وإنما أراد فحمة فيها نار، ولذلك قال: فأكلت منها كل ذات جمجمة أي رأس.
وظلمة: أصلها مسكّن وإنما حركت للسّجع قال السهيلي رحمه الله تعالى: وذلك أن الحممة قطعة من نار، وخروجها من ظلمة يشبه خروج عسكر الجيش من أرض السودان.
أرض تهمة بفتح التاء وكسر الهاء يعني واسعة منخفضة، وأكلت منها كل ذات جمجمة أي رأس، ولم يقل ذي جمجمة لأن القصد النفس والنّسمة، فهي أعم، ولو جاء بالتذكير لكان مختصا بالإنسان.
[ (1) ] في أ: ذي طفل.
[ (2) ] وعاف الشيء يعافه عيفا وعيافة وعيافا وعيفانا كرهه وقيل العياف المصدر والبيافة الاسم، انظر اللسان 4/ 3192.
[ (3) ] الحممة وزان رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع بحذف الهاء المصباح 152.
والحرّة: بفتح الحاء المهملة: أرض غليظة تركبها حجارة سود وإنما حلف بالحنش وهي من الحيات لما يحكى أن الجن تتشكل وتتصور فيها.
أبين بفتح الهمزة فباء موحدة ساكنة فمثناة تحتية فنون: موضع باليمن. جرش بضم الجيم وفتح الراء وشين معجمة: أرض باليمن أيضاً. عدن: اسم بلد بها.
الغسق [ (1) ] : الظّلمة. الفلق [ (2) ] الصبح. اتسق: تتابع وتوالى. الأكمة: الكدية. ويروي: كل ذات نسمة بالرفع هنا وفي الأولى. قال الخشنيّ: والصواب النصب، لأن الجمجمة هنا هي الآكلة وليست المأكولة، ولذلك فسرها بالحبشة الذين غلبوا على اليمن.
طفلة بفتح الطاء واللام وسكون الفاء بينهما. البنان: أطراف الأصابع، وقد يعبر بها عن الأصابع كلها. قال في الصحاح: الطّفل بالفتح: الناعم. يقال: جارية طفلة أي ناعمة. وبنان طفل وإنما جاز أن يوصف البنان وهو جمع بالطفل وهو واحد: لأن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء فإنه يوحّد ويذكّر.
نجران [ (3) ]، بنون مفتوحة وجيم ساكنة: قال أبو عبيد البكري [ (4) ] : مدينة بالحجاز من شق اليمن معروفة، سميت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب، وهو أول من نزلها وقال في النهاية: موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن.
وبغلام ليس بدنيّ ولا مدنّ بضم الميم وفتح الدال المهملة- وهو بنون، وسكّنه هنا للسجع، قال الخشني: هو المقصّر في الأمور. وقال غيره: هو الذي جمع الضعف مع الدناءة.
وما فيه أمض [ (5) ] : بفتح الهمزة وسكون الميم والضاد المعجمة أي ما فيه شكّ ولا ارتياب.
[ (1) ] غسق الليل: شدة ظلمته المفردات في غريب القرآن 360.
[ (2) ] الفلق: أي الصبح وقيل الأنهار المذكورة في قوله تعالى: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وقيل: هو الكلمة التي علم الله تعالى موسى ففلق بها البحر، المفردات في غريب القرآن 385.
[ (3) ] نجران بالفتح، ثم السكون، وآخره نون، وهو في عدّة مواضع: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الأخدود، وإليها تنسب كعبة نجران، وكانت ربيعة بها أساقفة مقيمون، منهم السيد والعاقب اللّذين جاءا إلى النبيّ عليه السلام في أصحابهما، ودعاهم إلى المباهلة، وبقوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه. مراصد الاطلاع 3/ 1359.
[ (4) ] عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي، أبو عبيد: مؤرخ جغرافي، ثقة. علامة بالأدب، له معرفة بالنبات.
من تصانيفه «معجم ما استعجم» أربعة أجزاء، و «أعلام النبوّة» و «شرح أمالي القالي» و «التنبيه على أغلاط أبي علي القالي في أماليه» و «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، لابن سلّام» وغير ذلك، توفي سنة 487 هـ. الأعلام 4/ 98.
[ (5) ] انظر لسان العرب 1/ 131.
قال السهيلي رحمه الله تعالى: كان سطيح جسداً ملقىً لا جوارح له فيما يذكرون. قال وكذلك شقّ إنما له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة.
ويروى عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- أنه قال: قيل لسطيح: أنّى لك هذا العلم؟
فقال لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلّم الله تعالى فيه موسى فهو يؤدّي إلي من ذلك ما يؤديه.
وولد شقّ وسطيح في اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة [ (1) ] ، ودعت بسطيح قبل أن تموت، فأتيت به فتفلت في فيه وأخبرت أنه سيخلفها في علمها وكهانتها، وكان وجهه في صدره، ولم يكن له رأس ولا عنق. ودعت بشقّ ففعلت به مثل ما فعلت بسطيح ثم ماتت وعمر سطيح زماناً طويلاً حتى أدرك مولد النبي صلى الله عليه وسلم ورأى كسرى أنو شروان.
قلت: روى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: خلق الله سطيحاً لحماً على وضم، وكان يحمل على وضمة فيؤتى به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والعنق والكفيّن. وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوي الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه.
الوضم بفتحتين: كل شيء يحمل عليه اللحم من خشب أو باريّة.
وروى ابن عساكر: بلغني أن سطيحاً ولد في أيام سيل العرم وتوفي في العام الذي ولد فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه عاش خمسمائة سنة. وقيل ثلاثمائة سنة.
وروى ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي نملة- رحمه الله تعالى- قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم ويعلّمونه الولدان بصفته واسمه ومهاجره إلى المدينة. فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدوه وبغوا وأنكروا [ (2) ] .
وروى ابن سعد عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال: لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة بعث إلى أحبار يهود فقال: إني مخرّب هذا البلد. فقال له سامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا البلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل مولده بمكة اسمه أحمد، وهذه دار هجرته، إن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتلى والجراح أمر يكثر في أصحابه وفي عدوّهم.
قال تبّع: ومن يقاتله يومئذ؟ قال: يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا. قال: فأين قبره؟ قال:
بهذا البلد. قال: فإذا قوتل لمن تكون الدّبرة؟ قال: تكون مرة له ومرة عليه، وبهذا الذي أنت به
[ (1) ] طريفة بنت الخير الحميرية: كاهنة يمانية، من الفصيحات البليغات. كانت زوجة للملك عمرو مزيقياء بن ماء السماء الأزدي الكهلاني. قيل إنها تنبأت له بانهيار «السد» فاستعد، هو وقومه، للهجرة. الأعلام 3/ 226.
[ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 104، وأبو نعيم في دلائل النبوة 40.