الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكون عليه ويقتل أصحابه مقتلة لم يقتلوا في موطن مثلها، ثم تكون له العاقبة ثم يظهر فلا ينازعه في هذا الأمر أحد.
قال: وما صفته؟ قال: رجل لا بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يركب البعير ويلبس الشّملة سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى أخاً أو ابن عم أو عمّاً حتى يظهر أمره.
قناة بقاف مفتوحة بعدها نون: قال البكري: واد من أودية المدينة.
وذكر ابن ظفر [ (1) ] عن سفيان بن مجاشع أنه رأى قوما من تميم اجتمعوا على كاهنة لهم فسمعها تقول: العزيز من والاه، والذليل من خالاه، والموفور من مالاه، والموتور من عاداه.
فقال سفيان: من تذكرين لله أبوك؟ فقالت: صاحب حلّ وحرم وهدى وعلم، وبطش وحلم، وحرب وسلم، رأس رؤوس وأبيض شموس وماحي بوس وماهد وعوس، وناعش متعوس.
فقال سفيان: لله أبوك من هو؟ قالت، نبيّ مؤيّد، قد أتى حين يوجد. ودنا أوان يولد، يبعث إلى الأحمر والأسود بكتاب لا يفنّد، اسمه محمد. فقال سفيان: لله أبوك أعرابي هو أم عجمي؟ أما والسماء ذات العنان والشجرات ذات الأفنان إنه لمن معد بن عدنان. فقدك يا سفيان. فأمسك عنها ثم ولد له غلام فسماه محمداً رجاء أن يكون الموصوف.
تفسير الغريب
خالاه: بالخاء المعجمة: برئ منه وتركه. حلّ وحرم: أي حلال وحرام.
رأس رؤوس: أي سيد سادة. والرأس: السيد.
ماحي بوس: أي مذهبه. والمحو: القشر. وبه سميت الممحاة [ (2) ] .
الوعوس [ (3) ] : جمع وعس وهو من صفة الرمل الذي يشقّ السّير فيه.
ناعش: بالنون والشين المعجمة من نعشه الله نعشا: رفعه. المتعوس: العاثر، والمستعمل في هذا: تعس وأتعسه الله فجاء على مثال مسعود.
[ (1) ] محمد بن عبد الله أبي محمد بن ظفر الصقلي المكي، أبو عبد الله، حجة الدين: أديب رحالة مفسر. ولد في صقلية، ونشأ بمكة. وتنقل في البلاد، فدخل المغرب وجال في إفريقية والأندلس، وعاد إلى الشام فاستوطن «حماة» وتوفي بها. له تصانيف، منها «ينبوع الحياة» في تفسير القرآن، اثنا عشر مجلدا، قال الصفدي: رأيت بعضهم يقول (ابن ظفر) بضم الظاء والفاء والفتح أشهر، توفي سنة 565 هـ. الأعلام 6/ 230.
[ (2) ] الممحاة: خرقة يزال بها الوسخ، الوسيط 2/ 856.
[ (3) ] الوعساء والأوعس والوعس والوعسة كله: السهل اللين من الرمل وقيل: هي الرمل تغيب فيه الأرجل، اللسان 5/ 4873.
لا يفند: أي لا يخطّأ ولا يضعّف رأيه.
العنان بفتح العين المهملة بعدها نون: السحاب، الواحدة عنانة.
الأفنان: هي الأغصان، الواحدة: فنن.
فقدك يا سفيان: أي حسبك وكفاك.
وروى عن عمرو بن عبسة [ (1) ]- بعين وبسين مهملتين بينهما باء موحدة مفتوحات- رضي الله تعالى عنه: قال رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت الباطل يعبدون الحجارة، فلقيت رجلاً من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدّين فقال: يخرج رجل بمكة ويرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، وهو يأتي بأفضل الدين فإذا سمعت به فاتبعه. فلم يكن بي همّ إلا مكة آتيها فأسأل: هل حدث فيها أمر؟ فيقولون لا. فإني لقاعد على الطريق إذا مرّ بي راكب فقلت: من أين جئت؟ قال: من مكة. قلت: هل حدث فيها خبر؟ قال: نعم، رجل رغب عن آلهة قومه ودعا إلى غيرها. فقلت: صاحبي الذي أريد. فأتيته فوجدته مستخفياً، فقلت: ما أنت؟
قال: نبي. قلت: وما النبي؟ قال: رسول. قلت: من أرسلك؟ قال: الله. قلت: بماذا أرسلك؟
قال: أن توصل الأرحام وتحقن الدماء وتؤمن السبل وتكسر الأوثان ويعبد الله ولا يشرك به شيئاً.
قلت: نعم ما أرسلك به، أشهدك أني قد آمنت بك وصدّقتك أفأمكث معك ما ترى؟ قال: ترى كراهة الناس لما جئت به فامكث في أهلك، فإذا سمعت أني قد خرجت مخرجا فاتبعني. فلما سمعت به صلى الله عليه وسلم خرج إلى المدينة سرت حتى قدمت عليه.
رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر [ (2) ] .
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: بلغني أن بني إسرائيل لمّا أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصّر- وفرقتهم وذلّهم تفرّقوا، وكانوا يجدون محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً في كتبهم وأنه سيظهر في بعض القرى العربية في أرض ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يتقرّون كلّ قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فنزل بها طائفة منهم ويرجون أن يلقوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه جاء ويحثّون أبناءهم على إتّباعه إذا جاء، فأدركه من أدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه.
بخت بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة ثم مثناة فوقية ونصّر بفتح النون والصاد
[ (1) ] عمرو بن عبسة بفتح أوله والموحدة السّلمي أبو نجيح، صحابي مشهور. له ثمانية وأربعون حديثاً. وعنه أبو أمامة وشرحبيل بن السّمط. قال الواقدي: أسلم بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر، ثم قدم المدينة. قال أبو سعيد: يقولون إنه رابع أو خامس في الإسلام. الخلاصة 2/ 290.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 210، وابن سعد في الطبقات 1/ 157.
المهملة المشددة. قال في القاموس: بخت معناه: ابن. ونصّر كبقّم كان عند الصنم ولم يوجد له أب فنسب إليه.
وروى أبو نعيم عن حسان بن ثابت [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: والله إني لفي منزلي وأنا ابن سبع سنين وأنا أحفظ ما أرى وأعي ما أسمع وأنا مع أبي إذ دخل علينا فتى منا يقال له ثابت بن الضحاك، فتحدث فقال: زعم يهودي في بني قريظة الساعة وهو يلاحيني: قد أظلّ زمان خروج نبيّ يأتي بكتاب مثل كتابنا يقتلكم قتل عاد وإرم. قال حسان: فو الله إني لعلى فارع، يعني أطماً، في السّحر إذ سمعت صوتا لم أسمع قط صوتاً أنفذ منه، فإذا يهوديّ على ظهر أطم من آطام المدينة معه شعلة من نار، فاجتمع إليه الناس فقالوا: ما لك ويلك: قال:
هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا للنبوة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. قال:
فجعل الناس يضحكون ويعجبون بما يأتي به.
وكان حسان- رضي الله تعالى عنه- عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام.
يلاحيني: أي يخاصمني وينازعني. الفارع بالفاء والراء والعين المهملتين: المرتفع العالي. والأطم بالضم: بناء مرتفع.
وروى الواقديّ وأبو نعيم عن حويصة بن مسعود [ (2) ]- رضي الله تعالى عنه- وهو بضم الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية، وقيل يجوز تخفيفها، قال: كنا ويهود فينا كانوا يذكرون نبيّاً يبعث بمكة اسمه أحمد، ولم يبق من الأنبياء غيره، وهو في كتبنا وما أخذ علينا صفته كذا وكذا. حتى يأتوا على نعته. قال: وأنا غلام وما أرى أحفظ وما أسمع أعي إذ سمعت صياحاً من ناحية بني عبد الأشهل، فإذا قوم فزعوا وخافوا أن يكون أمر حدث، ثم خفي الصوت ثم عاد فصاح ففهمنا صياحه: يا أهل يثرب هذا كوكب أحمد الذي ولد به. قال:
[ (1) ] حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري النّجّاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن أو أبو الوليد. وعنه ابنه عبد الرحمن وابن المسيب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
قال أبو عبيد: توفي سنة أربع وخمسين. قال ابن إسحاق: عاش مائة وعشرين سنة. له فرد حديث عندهم، وليس له عن النبي صلى الله عليه وسلم سواه. الخلاصة 1/ 206.
[ (2) ] حريصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري
…
شهد أحدا والخندق وسائر المشاهد
روى ابن إسحاق من حديث محيصة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد قتل كعب بن الأشرف: من ظفرتم به من يهود فاقتلوه
فوثب محيصة على تاجر يهودي فقتله فجعل حويصة يضربه وكان أسن منه وذلك قبل أن يسلم حويصة وثبت ذكره في الصحيحين في حديث سهل بن أبي خيثمة في قصة قتل عبد الله بن سهل وفيه ذكر القسامة وفيه فذهب عبد الرحمن بن سهل يتكلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم كبر كبر
فتكلم حويصة الحديث. الإصابة 2/ 48.
فجعلنا نعجب من ذلك، ثم أقمنا دهراً طويلاً ونسينا ذلك، فهلك قوم وحدث آخرون وصرت رجلاً كبيراً، فإذا مثل ذلك الصياح بعينة: يا أهل يثرب قد خرج محمد وتنبأ وجاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه الصلاة والسلام. فلم أنشب أن سمعت أن بمكة رجلاً خرج يدّعي النبوّة، وخرج من خرج من قومنا وتأخر من تأخر وأسلم فتيان منا أحداث ولم يقض لي أن أسلم، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة [ (1) ] .
أنشب: أي لم ألبث.
وروى أبو نعيم عن أبي سعيد مالك بن سنان الخدري [ (2) ] بالخاء المعجمة والدال المهملة- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت أبي يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظلّ خروج نبيّ يقال له أحمد يخرج من الحرم. فقيل له: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة يلبس الشّملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذه البلد مهاجره. فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا أتعجّب مما قال، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ كلّ يهود يثرب تقول هذا. فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال الزّبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق من الأنبياء أحد إلا أحمد وهذه مهاجره.
أظل: قرب.
وروى ابن عساكر عن كعب- رحمه الله تعالى- قال: كان إسلام أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- سببه وحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأى رؤيا فقصّها على بحيرى الراهب فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة. قال: من أيّها؟ قال: من قريش. قال:
فأيّ شيء أنت؟ قال: تاجر. قال: صدق الله تعالى رؤياك، فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته بعد موته. فأسرّها أبو بكر حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الدليل على ما تدعي؟
قال: الرؤيا التي رأيت بالشام.
فعانقه وقبل بين عينيه وقال: أشهد أنك رسول الله.
[ (1) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 38.
[ (2) ] سعد بن مالك بن سنان بنونين ابن عبد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة الخدري أبو سعيد، بايع تحت الشجرة، وشهد ما بعد أحد، وكان من علماء الصحابة، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلاثة وأربعين، وانفرد (خ) بستة وعشرين، و (م) باثنين وخمسين. وعنه طارق بن شهاب، وابن المسيّب، والشّعبي، ونافع، وخلق.
قال الواقدي: مات سنة أربع وسبعين. الخلاصة 1/ 371.
وروى أبو نعيم والبيهقي من طريق عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن عن أبيه قال: لما ظهر سيف ذي يزن على الحبشة، وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، أتاه وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه. وأتاه وفد قريش منهم عبد المطلب بن هاشم [ (1) ] وأمية بن عبد شمس [ (2) ] وعبد الله بن جدعان [ (3) ] وأسد بن عبد العزى [ (4) ] ووهب بن عبد مناف [ (5) ] وقصيّ بن عبد الدار [ (6) ] ، فدخل عليه آذنه وهو في رأس قصر يقال له غمدان، وهو الذي قال فيه أمية بن أبي الصّلت الثقفي:
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا
…
في رأس غمدان دار منك مهلالا
[ (1) ] عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الحارث: زعيم قريش في الجاهلية، وأحد سادات العرب ومقدميهم. مولده في المدينة ومنشأه بمكة. كان عاقلا، ذا أناة ونجدة، فصيح اللسان، حاضر القلب. وهو جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. مات بمكة عن نحو ثمانين عاما أو أكثر. توفي سنة 45 ق. هـ. الأعلام 4/ 154.
[ (2) ] أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، من قريش: جد الأمويين بالشام والأندلس، جاهلي كان من سكان مكة وكانت له قيادة الحرب في قريش بعد أبيه وعاش إلى ما بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم. الأعلام 2/ 23.
[ (3) ] عبد الله بن جدعان التيمي القرشي: أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية. أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل النبوة. وكانت له جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب، فوقع فيها صبي، فغرق! وهو الذي خاطبه أمية بن أبي الصلت بأبيات اشتهر منها قوله:
«أأذكر حاجتي أم قد كفاني
…
حياؤك؟ إن شيمتك الحياء»
الأعلام 4/ 76.
[ (4) ] أسد بن عبد العزى بن قصيّ: من أجداد العرب في الجاهلية. بنوه حيّ كبير من قريش، منهم حكيم بن حزام الصحابي وخديجة (أم المؤمنين) وورقة بن نوفل. وكانت تلبية «بني أسد» في الجاهلية إذا حجوا:«لبيك اللهم لبيك، يا رب أقبلت بنو أسد، أهل الوفاء والجلد، إليك» . ولابن السائب الكلبي النسابة كتاب «أخبار أسد بن عبد العزى» وقال ابن حزم: لا عقب لعبد العزى إلا من أسد هذا. الأعلام 1/ 298.
[ (5) ] وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، من قريش: سيد بني زهرة، قبيل الإسلام. وهو أبو «آمنة» أم رسول الله. كانت كنيته أبا كبشة، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وناوأته قريش كانوا ينسبونه إليه، فيقولون: قال ابن أبي كبشة، وفعل ابن أبي كبشة. وفي «وهب» يقول أحد معاصريه:
«يا وهب، يا بن الماجدين زهره
…
سدت كلابا- كلها- ابن مره
بحسب زاك، وأم حره»
الأعلام 8/ 25.
[ (6) ] قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ: سيد قريش في عصره، ورئيسهم. قيل: هو أول من كان له ملك من بني كنانة. وهو الأب الخامس في سلسلة النسب النبوي. مات أبوه وهو طفل فتزوجت أمه برجل من بني عذرة فانتقل بها إلى أطراف الشام، فشب في حجره، وسمي «قصيا» لبعده عن دار قومه. وأكثر المؤرخين على أن اسمه «زيد» أو «يزيد» ولما كبر عاد إلى الحجاز. وكان موصوفا بالدهاء. وولي البيت الحرام. فهدم الكعبة وجدّد بنيانها كما في تاريخ الكعبة وحاربته القبائل فجمع قومه من الشعاب والأودية وأسكنهم مكة، لتقوى بهم عصبيته، فلقبوه «مجمّعا» وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء. وكان قريش تتيمن برأيه، فلا تبرم أمرا إلا في داره. وهو الذي أحدث وقود النار في «المزدلفة» ليراها من دفع من «عرفة» قال ابن هشام: غلب على مكة وجميع أمر قريش، وساعدته قضاعة. وقال ابن حبيب: كان الشرف والرياسة من قريش في الجاهلية في بني «قصيّ» لا ينازعونه ولا يفخر عليهم فاخر إلى أن تفرقت الرياسة في بني عبد مناف. الأعلام 5/ 198.
واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم
…
وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن
…
شيبا بماء فعادا برديك بعد أبوالا
[ (1) ] قال: والملك متضمّخ بالعبير يلصف وبيص المسك في مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران مرتدياً بأحدهما مؤتزراً بالآخر، سيفه بين يديه، وعن يمينه وعن شماله الملوك والمقاول. وأخبر بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه، ودنا منه عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك. فقال: إن الله عز وجل قد أحلّك أيها الملك محلاً رفيعاً شامخاً باذخاً منيعاً، وأنبتك نباتاً طابت أرومته وعظمت جرثومته، وثبت أصله وبسق فرعه، في أطيب موضع وأكرم معدن، وأنت أبيت الّلعن ملك العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه، نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة.
قال له الملك: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم. قال: ابن أختنا؟
قال: نعم. قال: أدنه. ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً- فأرسلها مثلاً، وكان أول من تكلم بها- وناقةً ورحلاً ومستناخاً سهلا وملكاً ربحلا يعطي عطاء جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، فإنكم أهل الليل والنهار ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم.
ثم أنهضوا إلى دار الضيافة والوفود وأجري عليهم الأنزال، فأقاموا بذلك شهراً لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم بالانصراف.
ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه ثم قال له: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سرّ علمي أمراً لو غيرك يكون لم أبح له به، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعه، فليكن عندك مخبّأ حتى يأذن الله عز وجل فيه، إني أجد في الكتاب المكتوب والعلم المخزون الذي ادّخرناه لأنفسنا واحتجيناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامةً ولرهطك كافةً ولك خاصةً. فقال له عبد المطلب: مثلك أيها الملك سرّ وبرّ: فما هو؟ فداك أهل الوبر زمراً بعد زمر. قال: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه
[ (1) ] الأبيات من قصيدة مطلعها:
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن
…
ريم في البحر للأعداء أحوالا
وهي تروى لأبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي أيضا، ينظر السيرة النبوية والروض الأنف 1/ 84، 85.
شامة، كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلب: أيها الملك أبت بخير ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من سارّه إياي كيما أزداد به سروراً. فقال له الملك: هذا حينه الذي يولد فيه أوقد ولد، اسمه محمد، يموت أبوه وأمه ويكفله جدّه وعمّه، ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض ويستفتح بهم كرائم أهل الأرض، يعبد الرحمن ويدحض أو يدحر الشيطان ويخمد النيران ويكسر الأوثان. قوله فصل وحكمه عدل، ويأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله.
قال له عبد المطلب: عزّ جدّك ودام ملكك وعلا كعبك، فهل الملك سارّي بإفصاح فقد وضح لي بعض الأيضاًح قال له سيف بن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النّقب إنك لجدّه يا عبد المطلب غير كذب.
قال: فخرّ عبد المطلب ساجداً، فقال له سيف بن ذي يزن: ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا كعبك، فهل أحسست بشيء مما ذكرته لك؟ قال: نعم أيها الملك إنه كان لي ابن وكنت به معجباً وعليه رفيقاً وإني زوّجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة [ (1) ] ، فجاءت بغلام فسمّيته محمداً مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه.
فقال له سيف بن ذي يزن: إن الذي قلت كما قلت فاحتفظ من ابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرته لك عن هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تتداخلهم النّفاسة من أن تكون لهم الرياسة، فينصبون له الحبائل ويبغون له الغوائل، وهم فاعلون ذلك أو أبناؤهم غير شك، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار ملكه فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره، ولولا إني أقيه من الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنّه أمره ولأوطأت على أسنان العرب كعبه، ولكني سأصرف ذلك إليك عن غير تقصير بمن معك.
ثم دعا بالقوم وأمر لكل واحد منهم بعشرة أعبد سود وعشرة إماء سود وحلّتين من حلل
[ (1) ] آمنة بنت وهب بن عبد مناف، من قريش: أم النبي صلى الله عليه وسلم كانت أفضل امرأة في قريش نسبا ومكانة. امتازت بالذكاء وحسن البيان. رباها عمها وهيب بن عبد مناف. وتزوجها عبد الله بن عبد المطلب فحملت منه بمحمد صلى الله عليه وسلم ورحل عبد الله بتجارة إلى غزة فلما كان في المدينة عائدا مرض فمات بها. وولدت آمنة بعد وفاته. فكانت تخرج كل عام من مكة إلى المدينة فتزور قبره وأخوال أبيه (بني عدي بن النجار) وتعود. فمرضت في إحدى رحلاتها هذه فتوفيت بموضع يقال له «الأبواء» بين مكة والمدينة، ولابنها من العمر ست سنين وقيل أربع. توفيت سنة 45 ق. م.
الأعلام 1/ 26.