الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جماع أبواب بعض فضائل بلده المنيف ومسقط رأسه الشريف زاده الله تعالى فضلاً وشرفاً
لما كان صلى الله عليه وسلم حاوياً للفضائل ومنه كون بلد مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها حسن ذكر بعض أخباره وفضائله- وأيضاً فإن جماعة ممن ألف في السّير منهم أبو الربيع [ (1) ] رحمه الله تعالى تعرضوا لبعض ذلك فتبعتهم وبالله التوفيق.
الباب الأول في بدء أمر الكعبة المشرفة
«قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ.
وروى ابن أبي شيبة [ (2) ] والإمام أحمد وعبد بن حميد والشيخان وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أوّل؟ قال:
المسجد الحرام. قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة
[ (3) ] .
وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن علي- رضي الله تعالى عنه- في الآية قال: كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله تعالى.
وروى ابن جرير عن الحسن في الآية قال: إن أول بيت وضع للناس يعبد الله تعالى للذي ببكّة.
[ (1) ] سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع: محدّث الأندلس وبليغها في عصره. من أهل بلنسية، ولي قضاءها، وحمدت سيرته. قال النباهي:«وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبيّن عنهم لما يريدونه، على المنبر في المحافل» له شعر رقيق أكثره في الوصف، وكان فردا في الإنشاء. وصنف كتبا، منها «الاكتفاء بسيرة المصطفى والثلاثة الخلفا» و «أخبار البخاري وترجمته» وكتاب حافل في «معرفة الصحابة والتابعين» . وله «جهد النصيح وحظ المنيح من مساجلة المعري في خطبة الفصيح» . توفي سنة 634 هـ. الأعلام 3/ 136.
[ (2) ] عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، مولاهم، الكوفي، أبو بكر: حافظ للحديث. له فيه كتب، منها «المسند» و «المصنف في الأحاديث والآثار» خمسة أجزاء، و «الإيمان» وكتاب «الزكاة» . توفي سنة 235 هـ.
الأعلام 4/ 17، 18.
[ (3) ] أخرجه البخاري 6/ 528 كتاب أحاديث الأنبياء (3425) ، ومسلم 1/ 370 كتاب المساجد (1- 520) ، وأحمد في المسند (5/ 50) وابن ماجة (753) ، والنسائي 2/ 32، والبيهقي 2/ 433، وابن أبي شيبة 14/ 116، وعبد الرزاق (1578) .
وروى ابن أبي حاتم والأزرقي [ (1) ] عن كعب الأحبار- رضي الله تعالى عنه قال-: كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاماً ومنه دحيت الأرض.
الغثاء كغراب: ما جاء به السّيل من نبات قد يبس.
وروى ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت.
وروى عبد الرزاق [ (2) ] والأزرقي والجنديّ [ (3) ] في تاريخهما عن مجاهد [ (4) ]- رحمه الله تعالى- قال: خلق الله تعالى موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألفي سنة وأركانه في الأرض السابعة. زاد عبد بن حميد: ودحيت الأرض من تحت الكعبة.
وروى ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: خلق الله تعالى البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء، وكانت الأرض تحته كأنها خشفة، فدحيت الأرض من تحته.
الخشفة بمعجمتين: واحدة الخشف وهي حجارة تنبت بالأرض نباتاً ويروى: بحاء مهملة والعين بدل الفاء، وهي أكمة لاطئة بالأرض والجمع خشف. وقيل: هو ما غلبت عليه السهولة، أي ليس بحجر ولا طين. ويروى حشفة بالحاء المهملة والفاء، وهو اليابس الفاسد من التمر.
وروى ابن المنذر عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: إن الكعبة خلقت قبل
[ (1) ] محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق. أبو الوليد الأزرقي: مؤرخ، يماني الأصل، من أهل مكة. له «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» . توفي 250 هـ. الأعلام 6/ 122.
[ (2) ] عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم، أبو بكر الصنعاني: من حفاظ الحديث الثقات، من أهل صنعاء. كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث. له «الجامع الكبير» في الحديث، قال الذهبي: وهو خزانة علم، وكتاب في «تفسير القرآن» و «المصنف في الحديث» . توفي 211 هـ. الأعلام 3/ 355.
[ (3) ] محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو عبد الله، بهاء الدين الجندي: من ثقات مؤرخي اليمن. من أهل الجند (بينه وبين صنعاء 58 فرسخا) ولي «الحسبة» بعدن. واشتهر بكتابه «السلوك في طبقات العلماء والملوك» ويعرف بطبقات الجندي. توفي 732 هـ. الأعلام 7/ 151.
[ (4) ] مجاهد بن جبر بإسكان الموحدة مولى السائب بن أبي السّائب أبو الحجّاج المكي المقرئ الإمام المفسّر. عن ابن عباس وقرأ عليه. قال مجاهد: عرضت عليه ثلاثين مرة، وأم سلمة وأبي هريرة وجابر وعن عائشة في (خ م) . قال شعبة والقطّان وابن معين وأبو حاتم الرازي: لم يسمع منها. لكن قد صرح مجاهد في بعض رواياته بسماعه منه. وعنه عكرمة وعطاء وقتادة والحكم بن عتيبة وأيوب وخلق. وثقة ابن معين وأبو زرعة قال ابن حبان: مات بمكة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة وهو ساجد ومولده سنة إحدى وعشرين. الخلاصة 3/ 10، 11.
الأرض بألفي سنة وهي من الأرض إنما كانت خشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبّحان، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها وسط الأرض.
وروى البيهقي في الشعب عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ثم مدت منهما الأرض: وإن أول جبل وضعه الله- تعالى- علي وجه الأرض أبو قبيس ثم مدّت منه الجبال»
[ (1) ] .
وروى ابن أبي حاتم عن عطاء وعمرو بن دينار [ (2) ]- رحمهما الله تعالى- قالا: بعث الله تعالى ريحاً فسفقت الماء فأبرزت موضع البيت على خشفة بيضاء فمدّ الله تعالى الأرض منها فلذلك هي أمّ القرى.
وروى ابن مردويه عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أم القرى مكة» .
قال السهيلي رحمه الله تعالى: وفي التفسير أن الله- سبحانه وتعالى لما قال للسماوات والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ لم يجبه بهذا إلا أرض الحرم.
وروى عبد بن حميد والأزرقيّ واللفظ له عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:
لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله عز وجل السماوات والأرض بعث الله- تعالى- ريحا صفّاقة فصفقت الريح الماء فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبّة، فدحا الله تعالى الأرض من تحتها فمادت ثم مادت فأوتدها الله تعالى بالجبال، فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس فلذلك سميت [مكة][ (3) ] أم القرى.
سفقت يقال بالسين والصاد المهملتين: أي ضرب بعضه ببعض.
وروى الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: بلغني أنه لما خلق الله تعالى السماوات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقيّ والآخر غربيّ، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة واستودع الله تعالى الركن أبا قبيس.
[ (1) ] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 3/ 431 باب في المناسك (3984) .
[ (2) ] عمرو بن دينار الجمحي مولاهم أبو محمد المكي الأثرم، أحد الأعلام. عن العبادلة وكريب ومجاهد وخلق. وعنه قتادة وأيوب وشعبة والسفيانان والحمّادان وخلق. قال ابن المديني: له خمسمائة حديث. قال مسعر: كان ثقة ثقة ثقة.
قال الواقدي: مات سنة خمس عشرة ومائة. وقال ابن عيينة: في أول سنة ست عشرة. الخلاصة 2/ 284.
[ (3) ] سقط في أ.
وروى عبد الرزاق في المصنّف وعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- قال: لما أهبط الله تعالى آدم كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع دعاء أهل السماء فأنس بهم، فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله- تعالى- في دعائها وفي صلاتها فأخفضه الله إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا إلى الله عز وجل في دعائه وفي صلاته فتوجه إلى مكة فكان موضع قدميه قرية وخطوه مفازة حتى انتهى إلي مكة، وأنزل الله- تعالى- عليه ياقوتة من ياقوت الجنة فكان على موضع البيت الآن فلم يزل يطاف به حتى أنزل الله- تعالى- الطوفان فرفعت تلك الياقوتة.
وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق معمر [ (1) ] عن قتادة وابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم، أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعاً، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم.
فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى: يا آدم إني قد أهبطت بيتاً يطاف به كما يطاف حول عرشي ويصلّي عنده كما يصلّى عند عرشي فاخرج إليه. فخرج إليه آدم ومدّ له في خطوه وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله خطوة فلم يضع قدميه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة حتى انتهى إلي مكة، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة حتى إن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه الله- تعالى- بخيمة من خيام الجنة وضعها الله- تعالى- له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن وهو ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسياً لآدم صلى الله عليه وسلم يجلس عليه، فلما كان آدم صلى الله عليه وسلم بمكة حرسه الله- تعالى- له وحرس له تلك الخيمة بالملائكة. كانوا يحرسونها ويدرأون عنها سكان الأرض، وساكنوها يومئذ الجن والشياطين ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، والأرض يومئذ طاهرة طيبة نقية لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ولم تعمل فيها الخطايا فلذلك جعلها الله تعالى مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الله- تعالى- بالليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفّاً واحداً مستديرين بالحرم كله، الحلّ من خلفهم والحرم كله من أمامهم، ولا يجوزهم جن ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرّم الحرم حتى اليوم. وكان آدم صلى الله عليه وسلم إذا أراد
[ (1) ] معمر بن راشد الأزدي، مولى مولاهم عبد السلام بن عبد القدوس، أبو عروة البصري ثم اليماني أحد الأعلام. عن الزهري وهمام بن منبّه وقتادة وخلق. وعنه أيوب من شيوخه والثوري من أقرانه وابن المبارك وخلق. قال العجلي: ثقة صالح. وقال النسائي: ثقة مأمون. وضعفه ابن معين في ثابت. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة. الخلاصة 3/ 47.