الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر فيما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مقرونة بصور الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي وأبو نعيم عن هشام بن العاص [ (1) ] رضي الله تعالى عنه قال: بعثت أنا ورجل من قريش زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة، يعني دمشق، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغسّاني [ (2) ] ، فدخلنا عليه وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: والله إنا لا نكلم رسولاً إنما بعثنا إلى الملك فإن أذن لنا كلّمناه وإلا لم نكلم الرسول. فرجع إليه الرسول فأخبره فأذن، فكلمه هشام ودعاه إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سود، فقال له هشام: ما هذه الثياب التي عليك؟ قال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشّّام. فقلنا: ومجلسك هذا والله لنأخذنّه منك ولنأخذن ذلك الملك الأعظم إن شاء الله تعالى، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم. [قال:
فأنتم إذا السمراء. قلنا: السمراء؟] [ (3) ] قال لستم بهم هم قوم يصومون بالنهار ويفطرون بالليل، فكيف صومكم؟ فأخبرناه فملئ وجهه سواداً فقال: قوموا. وبعث معنا رسولاً إلى الملك، فخرجنا حتى إذا جاء بقرب المدينة قال الذين أرسلهم معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل المدينة فإن شئتم حملناكم على براذين أو بغال. فقلنا: والله لا ندخل إلا عليها. فأرسلوا إلى الملك بذلك بأنهم يأبون. فدخلنا على رواحلنا متقلّدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلقد تنفّضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تعصفه الرّياح. ثم دخلنا عليه فقال: ما كان عليكم لو جئتموني بتحيتكم فيما بينكم؟
قلنا: إن تحيّتنا فيما بيننا لا تحلّ لك وتحيّتك التي أنت بها لا يحلّ لنا أن نحيّيك بها. قال:
كيف تحيّتكم؟ قلنا: السلام. قال: كيف تحيّون ملككم. قلنا: بها. قال: وكيف يردّ عليكم؟
قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها تنفّضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفّضت الغرفة كلما
[ (1) ] هشام بن العاص بن وائل بن هاشم: صحابي، هو أخو عمرو بن العاص. أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى بلاد الحبشة في الهجرة الثانية. ثم عاد إلي مكة حين بلغته هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، يريد اللحاق به، فحبسه أبوه وقومه، بمكة.
فأقام إلى ما بعد وقعة «الخندق» ورحل إلى المدينة، فشهد الوقائع. وقتل في أجنادين، وقيل: في اليرموك. وكان صالحا شجاعا. توفي 13 هـ. انظر الأعلام 8/ 86.
[ (2) ] جبلة بن الأيهم بن جبلة الغساني من آل جفنة: آخر ملوك الغساسنة في بادية الشام. عاش زمنا في العصر الجاهلي وحضر وقعة اليرموك في جيش الروم، ثم أسلم وهاجر إلى المدينة فيها وخرج إلى بلاد الروم وتوفي بها سنة عشرين.
الأعلام 2/ 111، 112.
[ (3) ] سقط في أ.
قلتموها في بيوتكم تنفضت هكذا؟ قلنا: لا. وما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: وددت أنكم كلما قلتم تنفّض عليكم كل شيء وأني خرجت من نصف ملكي قلنا لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن يكون من حيل الناس.
ثم سألنا عمّا أراده فأخبرناه. قال: قوموا. فقمنا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثاً ثم أرسل إلينا ليلاً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهّبة فيها بيوت صغار عليها أبواب، ثم فتح بابا فاستخرج حريرة سوداء فنثرها فإذا فيها صورة حمراء وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله تعالى. فقال: أتعرفون هذا؟ فقلنا: لا. قال: هذا آدم عليه الصلاة والسلام وإذا هو أكثر الناس شعراً، ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا فيها رجل ذو شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم القامة حسن الّلحية قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح. ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخدين أبيض اللحية كأنه يتبسم، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم. ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بكينا. فو الله لقد قام لهاً قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو. فأمسك ساعة ثم قال: أما إنه آخر البيوت، ولكن عجّلته لأنظر أتعرفون ذلك أم لا. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء شحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان مقلّص الشفة كأنه غضبان. فقال: أتعرفون هذا؟
قلنا: لا. قال: هذا موسى ابن عمران. وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهانّ الرأس عريض الجبين في عينيه قبل، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل سبط آدم ربعة كأنه غضبان. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا لوط. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة فإذا فيها صورة رجل مشرب بحمرة أقنى الأنف خفيف العارضين حسن الوجه. قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال:
هذا إسحاق، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفتيه خال. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يعقوب ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يقرب إلى الحمرة. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة كأنها صورة آدم كأن وجهه الشمس فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال هذا يوسف عليه الصلاة والسلام.
ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل متخم الإليتين طويل الرجلين راكب فرساً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا رجل شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: عيسى ابن مريم. قلنا: من أين لك هذه الصور لأنّا نعلم أنها صورّت على ما صورت عليه الأنبياء لأنا رأينا صورة نبينا صلى الله عليه وسلم مثله فقال: إن آدم صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم وكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين فدفعها إلى دانيال.
ثم قال: أما والله وددتّ أن نفسي طابت بالخروج من ملكي وإني كنت عبداً لأشرّكم ملكة حتى أموت. ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرّحنا.
فلما أتينا أبا بكر رضي الله تعالى عنه أخبرناه بما رأيناه وبما قال لنا فبكى أبو بكر وقال:
مسكين! لو أراد الله تعالى به خيراً لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم.
وروى ابن عساكر نحوه عن دحية [ (1) ]- رضي الله تعالى عنه- وذكر ابن ظفر في «خير البشر» نحوه عن حكيم بن حزام [ (2) ] رضي الله تعالى عنه.
وروى البخاري في التاريخ والبيهقي عن جبير بن مطعم [ (3) ]- رضي الله تعالى عنه- قال:
[ (1) ] دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بفتح المعجمة وسكون الزاي ثم جيم ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي.. صحابي مشهور أول مشاهده الخندق وقيل أحد ولم يشهد بدرا وكان يضرب به المثل في حسن الصورة وكان جبرائيل عليه السلام ينزل على صورته جاء ذلك من حديث أم سلمة ومن حديث عائشة وروى النسائي بإسناد صحيح عن يحيى بن معمر عن أبي عمر رضي الله عنهما: كان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي
وروى الطبراني من حديث عفير بن معدان عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي
وكان دحية رجلا جميلا وروى العجلي في تاريخه عن عوانة بن الحكم قال: أجمل الناس من كان جبرائيل ينزل على صورته. قال ابن قتيبة في غريب الحديث: فأما حديث ابن عباس كان دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه فالمعنى بالمعصر العاتق قال ابن البرقي: له حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد شهد دحية اليرموك وكان على كردوس وقد نزل دمشق وسكن المزة وعاش إلى خلافة معاوية.
الإصابة 2/ 161- 162.
[ (2) ] حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي أبو خالد المكي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح، وصحب، وله أربع وسبعون سنة، ثم عاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها وكان عالما بالنسب التقريب 1/ 194.
[ (3) ] جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي، أبو محمد أو أبو عدي المدني، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح، له ستون حديثا اتفقا على ستة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بآخر. روى عنه ابناه محمد ونافع وسليمان بن صرد وابن-