الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سجوده صلى الله عليه وسلم عند وضعه إشارة إلى أن مبدأ أمره على القرب، قال الله تعالى:
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ
وقال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»
فحال عيسى عليه الصلاة والسلام يشير إلى مقام العبودية، وحال محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى مقام القرب من الحضرة الإلهية. ولبعضهم:
لك القرب من مولاك يا أشرف الورى
…
وأنت لكلّ المرسلين ختام
وأنت لنا يوم القيامة شافعٌ
…
وأنت لكلّ الأنبياء إمام
عليك من الله الكريم تحيةٌ
…
مباركةٌ مقبولةٌ وسلام
وروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه عن أمه الشفّاء بنت عمرو بن عوف رضي الله تعالى عنها قالت: لما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع على يدي فاستهلّ، فسمعت قائلا يقول: رحمك الله أو رحمك ربك فأضاء ما بين المشرق والمغرب حتى إني نظرت إلى بعض قصور الروم. قالت: ثم ألبسته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتني ظلمة ورعب وقشعريرة عن يميني فسمعت قائلا يقول: أين ذهبت به. قال: إلى المغرب وأسفر عني ذلك. ثم عاودني ذلك الرعب والقشعريرة عن يساري فسمعت قائلا يقول: أين ذهبت به؟ قال: إلى المشرق. قالت: فلم يزل الحديث مني على بال حتى بعثه الله تعالى.
تنبيهات
الأول: قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: لم أقف في شيء من الأحاديث مصرّحاً على أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد عطس، بعد مراجعة أحاديث المولد من مظانّها كالطبقات لابن سعد، والدلائل للبيهقي، ولأبي نعيم، وتاريخ ابن عساكر على بسطه واستيعابه، وكالمستدرك للحاكم. وإنما الحديث الذي روته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف يعني السابق آخر الباب فيه لفظ يشبه التشميت. لكن لم يصرح فيه بالعطاس، والمعروف في اللغة أن الاستهلال صياح المولود أول ما يولد فإن أريد به هنا العطاس فيحتمل. وحمل القائل على الملك ظاهر.
وقال العلامة شمس الدين الجوجريّ رحمه الله تعالى في شرح الهمزية: الاستهلال وإن كان هو صياح المولود أول ما يولد إلا أن حمله على العطاس هنا قريب، كحمل القائل على الملك.
الثاني: جرت عادة كثير من المحبين إذا سمعوا بذكر وضعه صلى الله عليه وسلم إن يقوموا تعظيماً له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها، وقال ذو المحبة الصادقة حسّان زمانه أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري رحمه الله تعالى ورضي عنه في قصيدة له من ديوانه:
قليلٌ لمدح المصطفى الخطّ بالذهب
…
على فضّة من خطّ أحسن من كتب
وإن ينهض الأشراف عند سماعه
…
قياماً صفوفاً أو جثيّاً على الرّكب
أما الله تعظيماً له كتب اسمه
…
على عرشه يا رتبةً سمت الرّتب
واتفق أن منشداً أنشد هذه القصيدة في ختم درس شيخ الإسلام الحافظ تقي الدين السبكي. والقضاة والأعيان بين يديه فلما وصل المنشد إلى قوله: «وإن ينهض الأشراف عند سماعه» إلى آخر البيت قام الشيخ للحال قائماً على قدميه امتثالاً لما ذكره الصّرصري، وحصل للناس ساعة طيّبة. ذكر ذلك ولده شيخ الإسلام أبو النصر عبد الوهاب في ترجمته من الطبقات الكبرى.
الثالث: اشتهر على بعض الألسنة عنه صلى الله عليه وسلم أنه
قال: ولدت في زمن الملك العادل.
قال الحافظ إنه كذب باطل لا أصل له. وقال الشيخ الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى في اللآلئ: روى الحافظ السّمعاني عن أبي بكر الحيريّ رحمه الله تعالى قال حكى لي شيخ من الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: فقلت له: يا رسول الله بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل وإني سألت الحاكم أبا عبد الله الحافظ عن هذا فقال: كذب لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبو عبد الله.
وقال الحليمي رحمه الله تعالى في «الشّعب» : هذا الحديث لا يصح وإن صحّ فإطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا لوصفه بالعدل والشهامة له بذلك، أو وصفه بذلك بناء على اعتقاد الفرس فيه أنه كان عادلاً كما قال الله تعالى فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ أي ما كان عندهم آلهةً ولا يجوز أن يسمّي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحكم بغير حكم الله عادلاً.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى في الدّرر: قال البيهقي في الشّعب: تكلم شيخنا أبو عبد الله يعني الحاكم، في بطلان ما يرويه بعض الجهلة عن نبينا صلى الله عليه وسلم:«ولدت في زمن الملك العادل»
يعني كسرى أنوشروان. ثم رأى بعض الصالحين في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكى له ما قال أبو عبد الله فصدّقه وقال ما قلته قط.
وقال صاحب المقاصد: وأما ما يحكى عن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى مما أورده ابن رجب في ترجمته من طبقاته أنه قال: جاء في الحديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولدت في زمن الملك العادل كسرى»
فلا يصحّ لانقطاع سنده، وإن صح فلعل الناقل للحكاية لم يضبط لفظ الشيخ وإن ضبط الحكاية. والله أعلم
[ (1) ] .
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الشعب 4/ 305 (5195) وقال الحليمي: وتكلم في بطلان ما يرويه بعض الجهال عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولدت في زمن الملك العادل يعني أنوشروان وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ قد تكلم أيضا في بطلان هذا الحديث ثم رأى بعض الصالحين رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فحكى له ما قال أبو عبد الله فصدقه في تكذيب هذا الحديث وإبطاله وقال: ما قلته قط.