الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم على نفخ الروح في آدم صلى الله عليهما وسلم
عن عبد الله بن عمرو [ (1) ] رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» [ (2) ] وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.
رواه مسلم.
زاد صاحب اللطائف: ومن جملة ما كتب في الذّكر وهو أمّ الكتاب: أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
وعن العرباض- بكسر العين المهملة- ابن سارية [ (3) ] رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيّين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته [ (4) ] .
رواه الإمام أحمد [ (5) ] والحاكم وصححه.
قال الطيبي [ (6) ] في «شرح المشكاة» : «انجدل» مطاوع جدله إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإلقاء على الجدالة- بفتح الجيم والدال المهملة- وهي الأرض الصّلبة وهذا على سبيل إنابة فعل مناب فعل، يعني لا يجوز إجزاء منجدل على أن تكون مطاوعا لجدل لما يلزم منه أن يكون آدم منفصلاً من الأرض الصلبة، بل هو ملقّى عليها. والطينة: الخلقة من قولهم: طانه الله على طينتك. والجارّ الذي هو «في» ليس بمتعلق بمنجدل، لما يلزم منه أن يكون آدم مظروفاً في طينته، إنما هو خبر ثان لأنّ، والواو وما بعدها في محل نصب على الحال من المكتوب،
[ (1) ] عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد بن سهم السهمي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين، من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليال الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح. تقريب التهذيب 1/ 436.
[ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 2044 في كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام (16- 2653) .
[ (3) ] عرباض، بكسر أوله وسكون الراء بعدها موحدة وآخره معجمة، ابن سارية السلمي، أبو نجيح، صحابي، كان من أهل الصفة، ونزل حمص، ومات بعد سبعين. تقريب التهذيب 2/ 17.
[ (4) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 66، 128 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 9 وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 321 وذكره الهيثمي في المجمع 8/ 226 وزاد نسبته للطبراني والبزار.
[ (5) ] أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي، نزيل بغداد، أبو عبد الله، أحد الأئمة، ثقة حافظ، فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين، وله سبع وسبعون سنة. التقريب 1/ 24.
[ (6) ] الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي الإمام المشهور صاحب شرح المشكاة وحاشية الكشاف وغيرهما. كان في مبادئ عمره صاحب ثروة كبيرة فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات إلى إن كان في آخر عمره فقيرا وكان كريما متواضعا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة مظهرا فضائحهم مع استيلائهم على بلاد المسلمين في عصره شديد المحبة لله ولرسوله كثير الحياء ملازما للجمعة والجماعة ملازما لتدريس الطلبة في العلوم الإسلامية. انظر البدر الطالع 1/ 229.
والمعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء تخلّقه لمّا يفرغ من تصويره وإجراء الروح.
وقال الحافظ أبو الفرج ابن رجب [ (1) ] رحمه الله تعالى في اللطائف: المقصود من هذا الحديث أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله تعالى ويخرجه إلى دار الدنيا حيّاً، وأن ذلك كان مكتوباً في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم صلى الله عليه وسلم، وفسّر أمّ الكتاب باللّوح المحفوظ وبالذّكر في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سأل عن أمّ الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون، فقال لعلمه كن كتاباً. فكان كتاباً.
ولا ريب أن علم الله تعالى قديم أزلي لم يزل عالماً بما يحدثه من خلقه، ثم إن الله تعالى كتب ذلك عنده في كتاب عنده قبل أن يخلق السماوات والأرض كما قال تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
وفي صحيح البخاري [ (2) ] عن عمران بن حصين [ (3) ] رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كلّ شيء، ثم خلق السماوات والأرض»
[ (4) ] .
وقوله في هذا الحديث:
ليس المراد به- والله أعلم- أنه حينئذ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين وإنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوباً في أم الكتاب في ذلك الحال قبل نفخ الروح في آدم وهو أول ما خلق الله تعالى من النوع الإنساني.
وجاء في أحاديث أخر أنه في تلك الحالة وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة. وهذه مرتبة ثالثة وهو
[ (1) ] عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السّلامي البغدادي ثم الدمشقي، أبو الفرج، زين الدين: حافظ للحديث، من العلماء.
ولد في بغداد ونشأ وتوفي في دمشق. من كتبه «شرح جامع الترمذي» و «جامع العلوم والحكم» و «فضائل الشام- خ» و «الاستخراج لأحكام الخراج» و «القواعد الفقهية» و «لطائف المعارف» و «فتح الباري، شرح صحيح البخاري» لم يتمه، و «ذيل طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى» و «الاقتباس من مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس» و «أهوال القبور» و «كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة- ط» وغير ذلك توفي سنة 795 هـ. الأعلام 3/ 295.
[ (2) ] محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا، ثقة الحديث، من الحادية عشرة، مات سنة ست وخمسين، في شوال، وله اثنتان وستون سنة التقريب 2/ 144.
[ (3) ] عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد، أسلم عام خيبر، وصحب، وكان فاضلا، مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة. التقريب 2/ 82.
[ (4) ] أخرجه البخاري 4/ 222، كتاب بدء الخلق باب في قول الله تعالى وَهُوَ الَّذِي (3191) .
انتقاله صلى الله عليه وسلم من رتبة العلم والكتابة إلى رتبة الوجود العيني الخارجي. فإنه صلى الله عليه وسلم استخرج من ظهر آدم ونبئ فصارت نبوّته موجودة في الخارج بعد كونها كانت مكتوبة مقدرة في أم الكتاب.
فعن ميسرة- بفتح الميم وسكون المثناة التحتية- الفجر [ (1) ]- بفتح الفاء وسكون الجيم- رضي الله تعالى عنه قال: «يا رسول الله، متى كنت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد» .
رواه الإمام أحمد والبخاري في تاريخه والحاكم وصححه.
قال الإمام أحمد في رواية منها: وبعضهم يرويه متى كتبت من الكتابة؟ قال: «كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد» . رواه ابن عساكر
فتحمل هذه الرواية مع حديث العرباض السابق على وجوب نبوته صلى الله عليه وسلم وثبوتها وظهورها في الخارج، فإن الكتابة إنما تستعمل فيما هو واجب شرعاً كقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ أو قدراً كقوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟
قال: «وآدم بين الروح والجسد» [ (2) ] .
رواه الترمذي [ (3) ] وحسنه.
وعن الصّنابحيّ [ (4) ] مرسلاً- وهو بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الموحدة ومهملة- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله متى جعلت نبيا؟
قال: «وآدم بين الروح والجسد» [ (5) ] .
رواه أبو نعيم
[ (6) ] .
[ (1) ] ميسرة الفجر وهو أبو بديل بن ميسرة العقيلي الذي روى عن عبد الله بن شقيق، الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 42.
[ (2) ] أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة 5/ 585 كتاب المناقب باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم (3609) قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي الباب عن ميسرة الفجر والحاكم في المستدرك 2/ 609 كتاب التاريخ باب ذكر مراكبه صلى الله عليه وسلم، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 130.
[ (3) ] محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السّلمي التّرمذي أبو عيسى، صاحب الجامع، أحد الأئمة، ثقة حافظ من الثانية عشرة، مات سنة تسع وسبعين، التقريب 2/ 198.
[ (4) ] عبد الرحمن بن عسيلة، بمهملة، مصغرا، المرادي، أبو عبد الله الصّنابحي، ثقة، من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك، التقريب 1/ 491.
[ (5) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 17.
[ (6) ] أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، الحافظ الكبير، أبو نعيم، الأصفهاني. الجامع بين الفقه والتصوف والنهاية في الحديث وله التصانيف المشهورة، منها كتاب «الحلية» وهو كتاب جليل حفيل، وكتاب «معرفة الصحابة» ، وكتاب «دلائل النبوة» ، وكتاب «تاريخ أصفهان» . قال الخطيب البغدادي: لم ألق في شيوخي أحفظ منه ومن أبي حازم الأعرج. ولد في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي في المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة. -