الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى الآجريّ [ (1) ] في كتاب الشريعة، عن سعيد بن أبي راشد [ (2) ] قال: سالت عطاء [ (3) ] رحمه الله تعالى: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نبيّاً قبل أن يخلق الخلق؟ قال: إي والله وقبل أن تخلق الدنيا بألفي عام.
قال الحافظ ابن رجب: عطاء هذا الظاهر انه الخراساني، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من كتابة نبوته صلى الله عليه وسلم في أمّ الكتاب عند تقدير المقادير. ويرحم الله القائل حيث قال:
سبقت نبوّته وآدم طينة
…
فله الفخار على جميع النّاس
سبحان من خصّ النّبيّ محمّداً
…
بفضائل تتلى بغير قياس!
تنبيهان
الأول: ما اشتهر على الألسنة بلفظ:
«كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»
قال ابن تيمية [ (4) ] والزّركشي [ (5) ] والشيخ وغيرهم من الحفّاظ: لا أصل له. وكذا:
[ (-) ] الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 202- 203، والأعلام 1/ 150، وميزان الاعتدال 1/ 52.
[ (1) ] محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري: فقيه شافعي محدث. نسبته إلى آجر (من قرى بغداد) ولد فيها، وحدث ببغداد، قبل سنة 330 ثم انتقل إلى مكة، فتنسك، وتوفي فيها. له تصانيف كثيرة، منها «أخبار عمر بن عبد العزيز» و «أخلاق حملة القرآن» و «أخلاق العلماء» و «التفرد والعزلة» و «حسن الخلق» و «الشبهات» و «تغير الأزمنة» و «النصيحة» و «كتاب الأربعين حديثا» و «كتاب الشريعة» وغير ذلك. الأعلام 6/ 97، ووفيات الأعيان 1/ 488.
[ (2) ] سعيد بن أبي عن يعلى بن مرة وعنه عبد الله بن عثمان بن حثيم له عندهما حديثان، الخلاصة 1/ 378.
[ (3) ] عطاء بن أبي رباح القرشي، مولاهم أبو محمد الجندي اليماني، نزيل مكة وأحد الفقهاء والأئمة. عن عثمان، وعتّاب بن أسيد مرسلا، وعن أسامة بن زيد، وعائشة، وأبي هريرة وأم سلمة وعروة بن الزّبير وطائفة. وعنه أيّوب وحبيب بن أبي ثابت، وجعفر بن محمد، وجرير بن حازم، وابن جريج وخلق. قال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث، انتهت إليه الفتوى بمكة وقال أبو حنيفة: ما لقيت أفضل من عطاء. وقال ابن عباس- وقد سئل عن شيء- يا أهل مكة تجتمعون عليّ وعندكم عطاء. وقيل: إنه حج أكثر من سبعين حجة. قال حمّاد بن سلمة: حججت سنة مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة، انظر الخلاصة 2/ 230.
[ (4) ] أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقيّ الدين ابن تيمية: الإمام، شيخ الإسلام. ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ونقل إلى الإسكندرية. ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712 هـ، واعتقل بها سنة 720 وأطلق، ثم أعيد، ومات معتقلا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته. كان كثير البحث في فنون الحكمة، داعية إصلاح في الدين. آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان. وفي الدرر الكامنة أنه ناظر العلماء واستدل وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرّس وهو دون العشرين. أما تصانيفه ففي الدرر أنها ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة، وفي فوات الوفيات أنها تبلغ ثلاثمائة مجلد، منها «الجوامع» في السياسة الإلهية والآيات النبوية، ويسمى «السياسة الشرعية» و «الفتاوى» خمسة مجلدات، و «الإيمان» و «الجمع بين النقل والعقل» «منهاج السنة» و «الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان» وغير ذلك توفي سنة 728 هـ، الأعلام 1/ 144.
[ (5) ] محمد بن بهادر بن عبد الله، العالم العلامة، المصنف المحرر، بدر الدين أبو عبد الله المصري، الزركشي. مولده سنة خمس وأربعين أخذ عن الشيخين جمال الدين الإسنوي وسراج الدين البلقيني، ورحل إلى حلب إلى شهاب الدين-
الثاني: قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله تعالى روحه: لم يصب من فسرّ قوله صلى الله عليه وسلم:
«كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد»
[بأنه] سيصير نبيّاً، لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير إليه في المستقبل لم تكن له خصوصية بأنه نبيّ وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم لأجلها اخبر أمته الخبر إعلاماً لأمته، ليعرفوا قدره عند الله تعالى ثم قال: فإن قلت: النبوة وصف لازم أن يكون الموصوف به موجوداً، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك؟.
قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله:
«كنت نبيا»
إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها، مهيّأة لذلك فأفاضه عليه من ذلك الوقت فصار نبيّاً وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخّر جسده الشريف المتّصف بها.
واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المضافة عليه من الحضرة الإلهية إنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وحقيقته معجّل لا تأخر فيه، وكذا استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوة، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقّله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصا.
وأثر كعب السابق أول الباب الأول يؤيد ما قاله.
وقال بعض العارفين: لما خلق الله الأرواح المدبّرة للأجسام عند وجود حركة الفلك أول ما خلق الله الزمان بحركة، كان أول ما خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صدرت الأرواح عن الحركات الفلكية [ (1) ] فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه بالنبوة وآدم
[ (-) ] الأذرعي وتخرج بمغلطاي في الحديث، وسمع الحديث بدمشق وغيرها. قال بعض المؤرخين: كان فقيها أصوليا، أديبا، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى، توفي في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة. انظر ابن قاضي شهبة 3/ 167، 168.
[ (1) ] هذا الكلام لا دليل عليه وهذه مجرد دعوى جاء العلم ببطلانها.
لم يكن، كما قال:«بين الروح والجسد» فاقتضى قوله: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» أن يكون حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء، ثم انتهى الزمان إلى وجود جسمه صلى الله عليه وسلم وارتباط الروح به، فظهر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بكليته جسماً وروحاً، فكان له الحكم أولاً باطناً في جميع ما ظهر من الشرائع على يدي الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ثم صار له الحكم ظاهراً فنسخ كل شرع وإن كان الشرع واحداً وهو صاحب الشرع، فإنه قال:«كنت نبيّاً» ما قال: كنت إنساناً ولا كنت موجوداً، وليست النبوة إلا بالشرع المقرر من عند الله تعالى، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء في الدنيا
.