الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم ومكانه
وفيه فصلان:
الأول: في بيان يومه، وشهره، وعامه
.
الصواب: أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين.
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه»
[ (1) ] .
وروى يعقوب بن سفيان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين.
وفي بعض الطرق عند ابن عساكر: وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وكانت وقعة بدر يوم الاثنين.
قال ابن عساكر: المحفوظ أن وقعة بدر ونزول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يوم الجمعة.
وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خرّبوذ رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين طلع الفجر.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي قتادة مصرح به.
وروى الأربعة عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي رحمه الله تعالى في شرح البردة ولبعضهم في ذلك.
يا ساعةً فتح الهدى أرفادها
…
لطفاً وقد منح الجزا إسعادها
لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي
…
فاق الشهور جلالةً إذ سادها
حيث النبوة أشرقت بمآثرٍ
…
كالشّهب لا يحصى الورى تعدادها
حيث الأمانة والرّسالة قد بدت
…
يعلي لمكّة غورها ونجادها
قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وأما ما روي من تدلّي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا.
[ (1) ] أخرجه مسلم 2/ 819، كتاب الصيام (197- 162) وأحمد في المسند 2/ 200.
قال الزركشي: وهذا لا يصلح أن يكون تعليلاً فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهاراً.
شعر:
يا ساعةً نلنا السّعادة والهنا
…
فيها بخير العالمين محمّد
تمّت لنا أفراحها بظهوره
…
وتكمّلت في شهر مولد أحمد
غيره لبعضهم رحمه الله تعالى.
توالت أمور السّعد في خير ساعةٍ
…
بمولد خير الرّسل في ساعة السّعد
فيا طيب أوقاتٍ ويا طيب مولدٍ
…
ويا طيب مولودٍ حوى سائر المجد
قال ابن كثير والحافظ وغيرهما: ثم إن الجمهور على أن ذلك كان في شهر ربيع الأول.
قال السهيلي: وهو المعروف. ونقل بعضهم فيه الإجماع.
يقول لنا لسان الحال منه
…
وقول الحقّ يعذب للسّميع
فوجهي والزّمان وشهر وضعي
…
ربيعٌ في ربيع في ربيع
قال بعض أهل المعاني: كان مولده صلى الله عليه وسلم في فصل الربيع وهو أعدل الفصول ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة وشمسه معتدلة في العلوّ والهبوط، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض، وينعقد في سلك هذا النظام، ما هيّأ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من أسماء مربّيه ففي الوالدة والقابلة الأمن والشّفاء وفي اسم الحاضنة البركة والنماء، وفي مرضعيه صلى الله عليه وسلم الآتي ذكرهما الثواب والحلم والسّعد.
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة [خلت] منه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن جابر وابن عباس. قال في الغرر: وهو الذي عمل العمل. وقيل لليلتين خلتا منه وقدمه في الإشارة، وقيل لثمان. ونقل أبو عمر عن أصحاب الزّيج أنهم صححوه ورجحه ابن دحية. وقال الحافظ: إنه مقتضى أكثر الأخبار. وقيل: لعشر. حكاه الدمياطي عن جعفر الباقر وصححه. وقيل: لسبع عشرة. وقيل لثماني عشرة، وقيل: في أوله حين طلع الفجر.
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: عام الفيل. قال ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور. وقال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ [ (1) ] شيخ البخاري: وهو الذي لا يشك فيه أحد من
[ (1) ] إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بالزاي الأسدي الحزامي أبو إسحاق المدني أحد كبار العلماء المحدثين. وثقة ابن معين والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وذمه أحمد لكونه خلط في القرآن. قال يعقوب الفسوي: مات سنة ست وثلاثين ومائتين. الخلاصة 1/ 57.
العلماء. وبالغ خليفة بن خياط وابن الجزّار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيّم فنقلوا فيه الإجماع.
وروى البيهقي والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي في مختصره، وصحّحه في تاريخه الكبير عن يحيى بن معين، عن حجّاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل.
قال الحافظ في شرح الدّرر: والمحفوظ لفظ العام. وقيل: يطلق اليوم ويراد به مطلق الوقت، كما يقال يوم الفتح، ويوم بدر، فإن كان المراد حقيقة اليوم فيكون أخص من الأول وبذلك صرح ابن حبان في تاريخه فإنه قال: ولد عام الفيل في اليوم الذي بعث الله فيه الطير الأبابيل على أصحاب الفيل. قال: ثم وجدت الحديث عن ابن مسعود عن يحيى بن معين بسنده المذكور قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل يعني عام الفيل.
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل كنا لدين.
وسأل عثمان بن عفان [ (1) ] قباث بن أشيم الكناني ثم اللّيثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسنّ منه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقفت بي أمي على خذق الفيل أخضر محيلا.
مخرمة بفتح الميم وإسكان الخاء المعجمة. ومات على دينه. لدين: قال أبو ذر المشهور فيه: لدتين بالتاء يقال فلان لدة فلان إذا ولد معه في وقت واحد. قال الجوهري: لدة الرجل تربه والهاء عوض عن الواو الذاهبة منه، لأنه من الولادة. وهما لدان والجمع لدات ولدون. التّرب بكسر التاء المثناة الفوقية وإسكان الراء وبالموحدة: من ولد معك. قباث بضم القاف ويقال بفتحها، قال الحافظ: وهو المشهور، ثم موحدة خفيفة ثم مثلثة. ابن أشيم بمعجمة وتحتانية وزان أحمد.
وعلى هذا فقيل بعد الفيل بخمسين يوماً. قال ابن كثير: وهو أشهر. وصححه
[ (1) ] عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، أبو عمرو المدني، ذو النورين، وأمير المؤمنين، ومجهّز جيش العسرة، وأحد العشرة، وأحد الستة، هاجر الهجرتين. وعنه أبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأنس ومروان بن الحكم وخلق. غاب عن بدر لتمريض ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم. قال ابن عمر: كنا نقول على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. وقال ابن سيرين: كان يحيي الليل كله بركعة. قتل في سابع ذي الحجة يوم الجمعة سنة خمس وثلاثين. قال عبد الله بن سلام: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا يغلق إلى يوم القيامة. رضي الله عنه. الخلاصة 2/ 219، وسيأتي في المناقب مفصلا.
المسعودي والسهيلي. وزاد أنه الأشهر والأكثر وقيل بزيادة خمس.
وذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزميّ رحمه الله تعالى أن قدوم أصحاب الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم. وقد قال ذلك غيره. وزاد يوم الأحد. وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر [ (1) ] رحمه الله تعالى قال: كان قدوم أصحاب الفيل في النصف من المحرم ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة.
وصحح الحافظ الدمياطي هذا القول. وقيل بأربعين يوماً. وقيل بشهر وستة أيام. وقيل بعشر سنين. وقيل بثلاثين عاماً. وقيل بأربعين عاماً. وقيل بسبعين عاماً.
وقيل لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل.
وقيل في صفر. وقيل في ربيع الآخر. وقيل في المحرّم لخمس بقين منه. وقيل في عاشوراء.
قال السهيلي رحمه الله تعالى: أهل الحساب يقولون وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان، وكان لعشرين مضت منه.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: نظرت في أن يكون صلى الله عليه وسلم ولد في ربيع وأن يكون ذلك في العشرين من نيسان فرأيته بعيداً من الحساب يستحيل أن يكون مولده في نيسان إلا أن يكون مولده في رمضان.
وقال الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله تعالى: وافق شهر ربيع من شهور الروم العشرين من شباط. انتهى. ويقال: شباط بالإعجام والإهمال.
قال الدمياطي رحمه الله تعالى: في برج الحمل. قال في النور: وهذا يحتمل أن يكون في أوائل نيسان وأن يكون في آذار. ثم قال السّهيلي. وولد بالغفر من المنازل وهو مولد النبيين، ولذا قيل:
خير منزلتين كانت في الأبد
…
هو ما بين الزّباني والأسد
لأن الغفر يليه من العقرب زبانيها، ولا ضرر في الزبانين إنما تضر العقرب بذنبها، ويليه من الأسد أليته وهو السماك والأسد لا يضرّ بأليته وإنما يضر بمخلبه ونابه.
[ (1) ] محمد بن علي زين العابدين بن الحسين الطالبي الهاشمي القرشي، أبو جعفر الباقر: خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان ناسكا عابدا، له في العلم وتفسير القرآن آراء وأقوال ولد بالمدينة وتوفي بالحميمة سنة 114 هـ ودفن بالمدينة الأعلام 6/ 270، 271، والتهذيب 9/ 350.
وقال ابن دحية: أظن السهيلي نسي السنبلة وظن أن السماك من الأسد.
قال أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله تعالى في المدخل: فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السموات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟
فالجواب من أربعة أوجه:
الأول: ما ورد في الحديث من أن الله تعالى خلق الشجر يوم الاثنين [ (1) ] . وفي ذلك تنبيه عظيم وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتدّ بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم لتحصيل ما يبقي حياتهم، على ما جرت به حكمة الحكيم سبحانه وتعالى.
فوجوده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر في هذا اليوم قرّة عين بسبب ما وجد من الخير العظيم والبركة الشاملة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أن ظهوره صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه إشارة ظاهرة لمن تفطّن لها بالنسبة إلى اشتقاق لفظة ربيع إذ أن فيه تفاؤلاً حسناً وبشارة [ (2) ] لأمته صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن الصّقلي رحمه الله تعالى: لكل إنسان من اسمه نصيب. هذا في الأشخاص وكذلك في غيرها، وإذا كان كذلك ففصل الربيع فيه تنشقّ الأرض عمّا في باطنها من نعم المولى سبحانه وتعالى وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم، فتنفلق الحبة والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها، فتبهج الناظر عند رؤيتها وتبشّره بلسان حالها بقدوم ينعها. وفي ذلك إشارة عظيمة إلى الاستبشار بابتداء نعم المولى سبحانه وتعالى، ألا ترى أنك إذا دخلت إلى البستان في مثل هذه الأيام تنظر إليه كأنه يضحك لك، وتجد زهرة كأن لسان حاله يخبرك بما لك من الأرزاق المدّخرة والفواكه. وكذلك الأرض إذا أبهج نوّارها كأنه يحدثك بلسان حاله كذلك أيضاً.
فمولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه من الإشارات ما تقدّم ذكر بعضه. وذلك إشارة ظاهرة من المولى تبارك وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنه رحمة للعالمين.
وبشرى للمؤمنين. وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين وحماية للكافرين بتأخير
[ (1) ] أخرجه أحمد 2/ 327.
[ (2) ] في أ: ببشارته.