الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرة الثالثة: عمارة أولاد آدم صلى الله عليه وسلم
روى ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- أن آدم صلى الله عليه وسلم لما توفي رفعه الله تعالى إلى الجنة ورفع الله تعالى إليه الخيمة التي تقدّم ذكرها. قال: وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتاً بالطين والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وخفي مكانه.
وذكر السهيلي- رحمه الله تعالى- أن الذي بناه شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم.
المرة الرابعة: عمارة سيدنا إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم
وجزم ابن كثير بأن الخليل أول من بنى البيت مطلقاً، وقال: إنه لم يثبت خبر عن معصوم أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل. انتهى. وفيه نظر لما ذكر من الآثار السابقة واللاحقة.
وروى ابن سعد عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم رضي الله تعالى عنه والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن شيبة وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس. - رضي الله تعالى عنهما- واللفظ له: أن أول ما اتخذ النساء المناطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً لتعفّي أثرها عن سارة. وفي لفظ: أول ما اتخذت العرب جرّ الذيول عن أم إسماعيل. قال الحافظ: والسبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فحملت منه بإسماعيل.
قال أبو جهم [ (1) ] وكان سن إبراهيم حينئذ سبعون سنة وكان إسماعيل بكر أبيه. انتهى.
فلما ولدته غارت منها سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدّت به وسطها وهربت وجرّت ذيلها لتخفي أثرها على سارة. ويقال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم شفع فيها، وقال لسارة: حلّلي عن يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك.
ويقال أن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة. انتهى كلام الحافظ.
وفي حديث أبي جهم أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام فركب إبراهيم البراق وجعل إسماعيل أمامه- وهو ابن سنتين- وهاجر خلفه ومعه جبريل يدلّه على موضع البيت ومعالم الحرم، فكان لا يمرّ بقرية إلا قال إبراهيم: بهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول: لا حتى قدم مكة، وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر، والعماليق يومئذ حول
[ (1) ] أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، وأمّه بشيرة بنت عبد الله من بني عدي بن كعب. أسلم يوم فتح مكة ومات بعد قتل عمر بن الخطاب. انظر طبقات ابن سعد 6/ 8.
الحرم، وهم أول من نزل مكة ويكونون بعرفة، وكانت المياه يومئذ قليلة وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة حمراء مدرة، وهو يشرف على ما حوله، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم حين دخل من كداء، وهو الجبل الذي يطلعك على الحجون والمقبرة: بهذا أمرت. قال إبراهيم بهذا أمرت؟
قال نعم.
فانتهى إبراهيم إلى موضع البيت فعمد إلى موضع الحجر فآوى فيه هاجر وإسماعيل وأمرها أن تتخذ فيه عريشاً. انتهى.
وفي حديث ابن عباس أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم جاء بهاجر وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد.
قلت: ولا مخالفة بين الكلامين كما زعمه في شفاء الغرام، لاحتمال أن يكون إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنزلهما أولا عند الدوحة، ثم نقلهما إلى موضع الحجر، أو بالعكس والله- تعالى- أعلم. وليس بمكة أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء. ثم قفل إبراهيم.
وفي حديث أبي جهم: ثم انصرف إبراهيم راجعاً إلى أهله بالشام. انتهى.
وترك إسماعيل وأمّه عند البيت. فتبعته أم إسماعيل فأدركته بكداء، فنادته ثلاثا:
يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ إلى من تدعنا؟
فقالت ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها، فأجابها في الثالثة: إلى الله تعالى. قالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا حسبي.
وفي لفظ: رضيت تركتنا إلى كاف. ثم رجعت.
وفي حديث: أبي جهم: فجعلت عريشاً في موضع الحجر من سمر وثمام، وانطلق إبراهيم صلى الله عليه وسلم حتى وقف على كداء ولا بناء ولا ظل ولا شيء يحول دون ابنه فنظر إليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة.
وفي حديث ابن عباس: أنه لما تواري عنهما استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه، قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.
وجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السّقاء عطشت فانقطع لبنها، وعطش إسماعيل، وجعلت تنظر إليه يتلوّى. وفي لفظ: يتلبط. وفي لفظ يتلمّط. وفي لفظ: فلما ظمئ جعل يضرب بعقبيه كأنه ينشغ للموت، فانطلقت كراهية أن
تنظر إليه، وقالت: يموت وأنا غائبة عنه أهون عليّ وعسى الله أن يجعل في ممشاي خيراً، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض إليها، فقامت عليه والوادي يومئذ عميق، فقامت تستغيث ربها وتدعوه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم ترى أحداً فهبطت من الصفا حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها. ونظرت هل تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلذلك سعى الناس بينهما وكان ذلك أول ما سعى بين الصفا والمروة.
وفي حديث أبي جهم: وكان من قبلها يطوفون بالبيت ولا يسعون بين الصفا والمروة ولا يقفون بالمواقف انتهى.
وكانت في كل مرة تتفقّد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تسمّعت فسمعت أيضاً فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك. وفي لفظ: جبريل. وفي حديث عليّ عند الطبراني بإسناد حسن: فناداها جبريل: من أنت؟ قالت: هاجر أم ولد إبراهيم. قال: فإلى من وكلكما؟ قالت:
إلى الله تعالى. قال: وكلكما إلى كاف.
وفي حديث أبي جهم: فلما كان الشوط السابع ويئست سمعت صوتاً فاستمعت فلم تسمع إلا الأول: فظنت أنه شيء عرض لسمعها من الظمأ والجهد، فنظرت إلى ابنها وهو يتحرك، فأقامت على المروة ملياً، ثم سمعت الصوت الأول فقالت: إني سمعت صوتك فأعجبني، إن كان عندك خير فأغثني، فإني قد هلكت وهلك ما عندي. فخرج الصوت يصوّت بين يديها وخرجت تتلوه قد قويت له نفسها حتى انتهى الصوت عند رأس إسماعيل ثم بدا لها جبريل عليه السلام فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم. انتهى.
فبحث بعقبه أو قال: بجناحه. وفي لفظ: فقال بعقبه هكذا: وغمز عقبه في الأرض، وفي لفظ: فركض جبريل برجله. وفي لفظ: ففحص الأرض بإصبعه. فنبعت زمزم حتى ظهر الماء، وفي لفظ: ففاض الماء، وفي لفظ: فانبثق الماء فوق الأرض. فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر وفي لفظ تحّوضه. وفي لفظ: فجعلت تفحص الأرض بيديها وتقول: هكذا وهكذا. وفي لفظ، تحظّر الماء بالتراب خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنّتها وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء- كانت زمزم عينا معينا» .
وفي لفظ: ظاهراً.
فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك: لا تخافي الضّيعة فإن ها هنا بيت الله يبنيه
هذا الغلام وأبوه. وأشار لها إلى موضع البيت.
وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله وإن الله لا يضيع أهله.
وفي حديث أبي جهم: فكان ثدياها يقطران لبناً وكان ذلك اللبن طعاماً وشراباً لإسماعيل وكانت تجتزئ بماء زمزم وقال لها الملك: لا تخافي أن ينفد هذا الماء وأبشري فإن ابنك سيشبّ ويأتي أبوه من أرض الشام فيبنيان ها هنا بيتاً يأتيه عباد الله تعالى من أقطار الأرض ملبّين الله جل ثناؤه شعثاً غبراً فيطوفون به، ويكون هذا الماء شراباً لضيفان الله تعالى الذين يزورون بيته. فقالت: بشرك الله تعالى بخير. وطابت نفسها وحمدت الله تعالى.
وأقبل غلامان من العماليق يريدان بعيراً لهما أخطأهما وقد عطشا، وأهلهما بعرفة فنظرا إلى طير تهوي قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا: أنّى يكون الطير على غير ماء؟! فقال أحدهما لصاحبه: أمهل حتى نبرد ثم نسلك في مهوى الطير. فأبردا ثم تروحا فإذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبي قبيس فنظرا إلى الماء وإلى العريش فنزلا وكلّما هاجر وسألاها متى نزلت فأخبرتهما. وقالا لمن هذا الماء؟ فقالت: لي ولولدي فقالا: من حفره؟
فقالت: سقيا من الله تعالى. فعرفا أن أحدا لا يقدر أن يحفر هناك ماء وعهدهما بماء هناك قريب وليس به ماء، فرجعا إلى أهلهما من ليلتهما فأخبراهم فتحولوا حتى نزلوا معهما على الماء فأنست بهم ومعهم الذرية فنشأ إسماعيل بين ولدانهم.
وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم يزور هاجر في كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام. فزارها بعد ونظر إلى من هناك من العماليق وإلى كثرتهم وغمارة الماء فسرّ بذلك.
ولما بلغ إسماعيل تزوج امرأة منهم من العماليق فجاء إبراهيم زائراً لإسماعيل وإسماعيل في ماشيته يرعاها ويخرج متنكباً قوسه فيرمي الصيد مع رعيته، فجاء إبراهيم إلى منزله فقال:
السلام عليكم يا أهل البيت. فسكتت امرأة إسماعيل فلم تردّ إلا أن تكون ردّت في نفسها.
فقال: هل من منزل؟ فقالت: لاها الله إذن. قال: فكيف طعامكم وشرابكم؟ فذكرت جهداً فقالت: أمّا الطعام فلا طعام وأما الشراب فإنما نحلب الشاة المصر أي الشّخب وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ. قال: فأين ربّ البيت؟ قالت: في حاجته. قال: فإذا جاء فأقرئيه السلام وقولي له: غيّر عتبة بابك. ورجع إبراهيم إلى منزله.
وأقبل إسماعيل راجعاً إلى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل، فلما انتهى إلى منزله سأل امرأته: هل جاءك أحد: فأخبرته بإبراهيم وقوله وما قالت له ففارقها وأقام ما شاء الله أن يقيم.
وكانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة، فضيّعوا حرمة الحرم، واستحلّوا فيه أموراً عظيمة، ونالوا ما لم يكونوا ينالون. فقام فيهم رجل منهم يقال له عمّوق فقال: يا قوم أبقوا على أنفسكم، فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من هذه الأمم، فلا تفعلوا وتواصلوا ولا تستخفّوا بحرم الله تعالى وموضع بيته. فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا في هلكة أنفسهم.
ثم إن جرهما وقطوراء وهما أبناء عم خرجوا سيّارة من اليمن أجدبت عليهم بلادهم فساروا بذراريهم وأموالهم، فلما قدموا مكة رأوا فيها ماء معيناً، وشجرا ملتفاً، وبناء كثيراً، وسعة من المال ودفئاً في الشتاء. فقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأعجبهم ونزلوا به.
وكان لا يخرج من اليمن قوم إلا وعليهم ملك يقيم أمرهم، سنّة فيهم جروا عليها واعتادوها ولو كانوا نفراً يسيراً. وكان مضاض بن عمرو [ (1) ] على قومه من جرهم، وكان على قطوراء السّميدع رجل منهم، فنزل مضاض بمن معه من جرهم على مكة بقعيقعان فما [حاز [ (2) ]] ، ونزل السّميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد فما حاز.
وذهب العماليق إلى أن ينازعوهم أمرهم، فعلت أيديهم على العماليق. فأخرجوهم من الحرم كله فصاروا في أطرافه ولا يدخلونه، وكلّ على قومه لا يدخل أحدهما على صاحبه.
وكانوا قوما عرباً، وكان اللسان عربياً. وكان إبراهيم يزور إسماعيل. ونظر إسماعيل إلى رعلة بنت مضاض [ (3) ] فأعجبته، فخطبها إلى أبيها. انتهى.
هكذا في حديث أبي جهم ذكر العماليق وأن إسماعيل تزوّج منهم الأولى، وأن الثانية من جرهم، وليس ذلك في حديث ابن عباس، بل فيه: أن الأولى والثانية من جرهم، ونصه- بعد أن ذكر قصة زمزم: وكانت أم إسماعيل كذلك حتى مرّت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء. وفي لفظ: كانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة، فأرسلوا جرياً أو جريّين، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأم
[ (1) ] مضاض بن عمرو بن نفيلة الجرهمي: من ملوك العرب في الجاهلية. كان محبا للغزو، كثير المعارك، مقيما في الحجاز، تابعا لليمن. وكان قبل الميلاد بزمن بعيد. ويقال: إن إسماعيل النبيّ تزوج بنته وجميع ولد إسماعيل منها.
انظر الأعلام 7/ 249.
[ (2) ] في أ: فما جاوز.
[ (3) ] رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهميّ: امرأة إسماعيل بن إبراهيم، وأمّ «العرب المستعربة» وهم الطبقة الثالثة بعد العرب البائدة والعرب العاربة. وإن صحت رواية من جعل قحطان من نسل إسماعيل، فتكون رعلة أم القحطانيين والعدنانيين جميعا. وفي أصحاب الأنساب من يسميها «السيدة بنت مضاض» قال أبو الفداء: تزوج إسماعيل امرأة من جرهم، ورزق منها اثني عشر ولدا. وقال القلقشندي: لما نزل إسماعيل مكة، تزوج من جرهم وتعلم لغتهم. الأعلام 3/ 28.
إسماعيل عند الماء فقالوا: تأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء.
قالوا: نعم.
قال ابن عباس: - رضي الله تعالى عنهما- قال: النبي صلى الله عليه وسلم: فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا فأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشبّ الغلام ونشأ بين ولدانهم، وتعلم العربية منهم وألفهم وأعجبهم حين شبّ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل.
فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. وفي لفظ: وكان عيش إسماعيل الصيد، يخرج يتصيّد، فسألها عن عيشهم، فقالت: بشرّ نحن في ضيق وشده. وشكت إليه. قال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له: يغيّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس بشيء فقال: هال جاءكم أحد؟
قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، كالمستخفّة بشأنه، فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا في جهد وشدة فقال لها: هل أوصاك بشيء؟ قالت نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم امرأة أخرى.
فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله تعالى، ثم أتاهم بعد ذلك، فلم يجده، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله تعالى. قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم واللبن. قال: فما شرابكم؟
قالت: الماء. اللهم بارك لهم في اللحم واللبن والماء. وفي لفظ: في طعامهم وشرابهم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم حبّ لدعا لهم فيه» .
قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
وفي حديث أبي جهم: فجاء إبراهيم زائراً لإسماعيل فجاء إلى بيته فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله. فقامت إليه المرأة فردّت عليه ورحّبت به، فقال: كيف عيشكم؟ فقالت: خير عيش بحمد الله عز وجل، نحن في لبن كثير، ولحم كثير، وماؤنا طيّب.
قال: هل من حبّ؟ قالت: يكون إن شاء الله تعالى، ونحن في نعم. قال: بارك الله لكم. قالت:
فانزل رحمك الله فاطعم واشرب. قال: لا أستطيع النزول. قالت فإني أراك شعثاً أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت. فجاءت بالمقام وهو يومئذ حجر رطب أبيض مثل المهاة ملقى في بيت إسماعيل، فوضع عليه قدمه اليمنى وقدّم إليها شقّ رأسه وهو على دابته، فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حوّلت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى عليه وقدم إليها
رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيسر، فالأثر الذي في المقام من ذلك. قال: أبو الجهم: فلقد رأيت موضع العقب والأصابع.
ثم اتفقا فقالا: فلما فرغت المرأة تغسل رأسه قال لها: إذا جاء إسماعيل فاقرئي عليه السلام. وقولي له: ثبّت عتبة بابك، فإنّ بها صلاح المنزل. فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال: هل أتاكم من أحد بعدي؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ حسن الهيئة. وأثنت عليه. فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير. قال: ما أوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك.
وفي حديث أبي جهم: ولقد كنت عليّ كريمة ولقد ازددت كرامة. فصاحت وبكت، فقال: مالك؟ فقالت: ألا أكون علمت من هو فأكرمه وأصنع به غير الذي صنعت فقال لها: لا تبكي ولا تجزعي، فقد أحسنت ولم تكوني تقدرين أن تفعلي فوق الذي فعلت، ولم يكن ليزيدك على الذي صنع بك.
فولدت لإسماعيل عشرة ذكور أحدهم نابت.
بناء إبراهيم للبيت فلما بلغ إسماعيل ثلاثين سنة وإبراهيم يومئذ ابن مائة سنة أوحى الله تعالى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا. فقال إبراهيم: أي رب أين أبنيه؟ فأوحى الله- تعالى- إليه: أن اتبع السّكينة، وهي ريح لها وجه وجناحان، ومع إبراهيم الملك والصّرد، فانتهوا إلى مكة.
وفي حديث ابن عباس: ثم لبث عنهم إبراهيم ما شاء الله تعالى ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد.
قال معمر الراوي لحديث ابن عباس: وسمعت رجلاً يقول: إنهما بكيا حتى أجابتهما الطير. انتهى.
ثم قال: يا إسماعيل أن الله تعالى أمرني بأمر. فقال: اصنع ما أمرك به. قال: وتعينني؟
قال: وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال:
فعند ذلك رفع القواعد من البيت.
وفي حديث أبي جهم: فنزل إسماعيل إلى موضع البيت الذي بوّأه الله تعالى لإبراهيم وموضع البيت ربوة حمراء مدرة مشرفة على ما حولها، فحفر إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم وليس معهما غيرهما أساس البيت يريدان أساس آدم الأول، فحفرا عن ربض البيت، يعني حوله، فوجدا صخرة لا يطيقها إلا ثلاثون رجلا، وحفرا حتى بلغا أساس آدم صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد بسند صحيح: أن القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك.
وفي لفظ آخر: أن القواعد كانت في الأرض السابعة. رواه ابن أبي حاتم. انتهى.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، أي المقام، فوضعه له فقام عليه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
وفي حديث: أبي جهم: وحلّقت السّكينة كأنها سحابة على موضع البيت فقالت: ابن عليّ. فلذلك لا يطوف بالبيت أحد أبداً كافر ولا جبّار إلا رأيت عليه السّكينة.
فبنى إبراهيم البيت فجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه ثلاثين ذراعاً وطوله في الأرض اثنين وعشرين ذراعاً، وأدخل الحجر وهو سبعة أذرع في البيت، وكان قبل ذلك زرباً لغنم إسماعيل، وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفاً، وجعل له بابين وحفر له بئراً عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما يهدى للبيت، وجعل الركن علماً للناس.
فذهب إسماعيل إلى الوادي يطلب حجراً، ونزل جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بالحجر الأسود، وكان قد رفع إلى السماء حين غرقت الأرض لمّا رفع البيت، فنزل به جبريل فوضعه إبراهيم موضع الركن، وجاء إسماعيل بحجر من الوادي فوجد إبراهيم قد وضع الركن، فقال: من أين هذا الحجر؟ من جاءك به؟ قال إبراهيم: من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك.
ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت وأدخل الحجر في البيت جعل المقام لاصقاً بالبيت عن يمين الداخل.
وروى البيهقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- قال: لمّا أغرق الله الأرض رفع البيت فوضع تحت العرش، ومكثت الأرض خراباً ألفي سنة، فلم تزل على ذلك حتى كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأمره الله سبحانه وتعالى أن يبني بيته، فجاءت السّكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم، ولها وجه كوجه الإنسان، فقالت: يا إبراهيم، خذ قدر ظلي فابن عليه ولا تزد شيئاً ولا تنقص. فأخذ إبراهيم قدر ظلّها ثم بنى هو وإسماعيل البيت، ولم يجعل له سقفاً، وكان الناس يلقون فيه الحليّ والمتاع، حتى إذا كاد أن يمتلئ اتّعد له خمسة نفر ليسرقوا ما فيه، فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس فسقط على رأسه فهلك، وبعث الله سبحانه- عند ذلك حيّة
بيضاء سوداء الرأس والذنب، فحرست البيت خمسمائة عام لا يقربه أحد إلا أهلكته، فلم تزل كذلك حتى بنته قريش.
وروى الأزرقي عن عثمان بن ساج [ (1) ]- رحمه الله تعالى- قال: بلغنا- والله تعالى أعلم- أن خليل الله- سبحانه وتعالى عرج به إلى السماء، فنظر إلى الأرض: مشارقها ومغاربها، فاختار موضع الكعبة، فقالت له الملائكة: يا خليل الله اخترت حرم الله في الأرض فبناه من سبعة أجبل، ويقولون خمسة، فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم من تلك الجبال.
وروى الأزرقي عن علي- رضي الله تعالى عنه- وعن مجاهد، وعن بشر بن عاصم [ (2) ] متفرقين، أن إبراهيم- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- أقبل من إرمينية
- وقال مجاهد: من الشام. ومعه السّكينة والملك والصّرد دليلا، يتبوّأ البيت كما تتبوّأ العنكبوت بيتها، فحفر فأبرز عن أسّها أمثال خلفة الإبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلا ثم قال الله تعالى:«قم فابن لي بيتاً» قال: يا رب وأين أبني؟ فبعث الله- سبحانه وتعالى سحابة فيها رأس تكلّم إبراهيم، فقالت: يا إبراهيم، إن ربك يأمرك أن تخطّ قدر هذه السحابة، فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها، فقال له الرأس: قد فعلت.
وفي لفظ: فقالت السكينة: يا إبراهيم ربضت على البيت؟ قال: نعم. فارتفعت السحابة، فأبرز عن أسّ ثابت في الأرض، فبناه إبراهيم، فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من جبابرة الملوك ولا أعرابي جلف إلا وعليه السكينة والوقار.
وروى الأزرقي عن قتادة رحمه الله تعالى قال: ذكر لنا أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بني البيت من خمسة أجبل: من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء.
قال السهيلي رحمه الله تعالى: انتبه لحكمة الله تعالى كيف بناها من خمسة أجبل، فشاكل ذلك معناها، إذ هي قبلة الصلوات الخمس عمود الإسلام الذي بني على خمس، وكيف دلّت عليه السكينة إذ هي قبلة الصلوات الخمس والسكينة من شأن الصلاة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وائتوها وعليكم السّكينة»
[ (3) ] .
وروى الأزرقي عن ابن إسحاق أن الخليل صلى الله عليه وسلم لما بنى البيت جعل طوله في السماء
[ (1) ] عثمان بن عمرو بن ساج الأموي مولاهم. عن الزهري مرسلا. وعن سهيل بن أبي صالح. وعنه سعيد بن سالم القدّاح.
قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن حبان. ثقة. الخلاصة 2/ 219.
[ (2) ] بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثّقفي. عن أبيه وابن المسيّب. وعنه ابن جريج ونافع بن عمر. وثقة ابن معين.
توفي بعد الزّهري.
[ (3) ] أخرجه البخاري 2/ 390 كتاب الجمعة (908) ، ومسلم 1/ 420- 421 كتاب المساجد ومواضع الصلاة (151/ 602) .
تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عنده الحجر، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي اثنين وعشرين ذراعاً، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعاً، وجعل عرض سقفها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً، وجعل بابها بالأرض غير مبوّب، وجعل جبّاً على يمين من دخله يكون خزانة للبيت.
وذكر ابن الحاج المالكي [ (1) ]- رحمه الله تعالى- في مناسكه شيئاً من خبر بناء إبراهيم البيت، ثم قال: وكان صفة بناء إبراهيم البيت أنه كان مدوّراً من ورائه، وكان له ركنان وهما اليمانيان، فجعلت له قريش حين بنوه أربعة أركان. انتهى.
إبراهيم يؤذن بالحج قال أبو جهم: وأمر إبراهيم بعد فراغه من البناء أن يؤذّن في الناس بالحج، فقال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال الله جل ثناؤه:«أذّن وعليّ البلاغ» .
فارتفع على المقام- وهو يومئذ ملصق بالبيت- فارتفع به المقام حتى كان أطول الجبال، فنادى وأدخل إصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه شرقاً وغرباً يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فأجيبوا ربّكم عز وجل. فأجابه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف البيت كلها: لبيك اللهم لبيك. أفلا تراهم يأتون يلبّون؟ فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل وذلك قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج، فهي الآية.
قال محمد بن عمر الأسلمي راويه رحمه الله تعالى: وقد روى أن الآية هي أثر إبراهيم على المقام.
وروى الفاكهي [ (2) ] بإسناد صحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيها الناس، كتب عليكم الحج. فاستمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك.
[ (1) ] محمد بن محمد بن محمد بن الحاج، أبو عبد الله العبدري المالكي الفاسي، نزيل مصر: فاضل. تفقه في بلاده، وقدم مصر، وحج. وكف بصره في آخر عمره وأقعد. وتوفي بالقاهرة، عن نحو 80 عاما. له «مدخل الشرع الشريف» ، قال فيه ابن حجر: كثير الفوائد، كشف فيه عن معايب وبدع يفعلها الناس ويتساهلون فيها، وأكثرها مما ينكر، وبعضها مما يحتمل. وله «شموس الأنوار وكنوز الأسرار» و «بلوغ القصد والمنى في خواص أسماء الله الحسنى. توفي سنة 737 هـ. الأعلام 7/ 35.
[ (2) ] محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي: مؤرخ. من أهل مكة. كان معاصرا للأزرقي، متأخرا عنه في الوفاة له «تاريخ مكة» . توفي 272 هـ. الأعلام 6/ 28.
وروي أيضا عنه قال: والله ما بناه بقصّة ولا مدر، ولا كان لهما من السعة والأعوان ما يسقّفانه.
وروى أيضا عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: كان إبراهيم يبني كل يوم ساقاً.
القصّة بالفتح: الجير. الساق: العرق من الحائط.
وروى ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما فرغ إبراهيم صلى الله عليه وسلم من بناء البيت قال: يا رب، قد فرغت. قال: أذن في الناس بالحج. قال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ. قال: يا رب كيف أقول؟ قال: قل: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء ومن في الأرض، ألا ترى أنهم يأتون من أقصى الأرض يلبّون؟.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: لما أمر الله- سبحانه وتعالى إبراهيم أن يؤذّن بالحج صعد أبا قبيس فوضع إصبعيه في أذنيه، ثم نادى: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحجّ، فأجيبوا ربكم. فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجاب أهل اليمن، فما من حاجّ يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة ألا من كان أجاب يومئذ إبراهيم.
إبراهيم يتعلم مناسك الحج قال أبو جهم: فلما فرغ إبراهيم من الأذان ذهب به جبريل فأراه الصّفا والمروة، وأقامه على حدود الحرم، وأمره أن ينصب عليه الحجارة، ففعل ذلك إبراهيم وكان أول من أقام أنصاب الحرم ويريه إياها جبريل.
فلما كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب إبراهيم صلى الله عليه وسلم بمكة حين زاغت الشمس قائماً وإسماعيل جالس، ثم خرجا من الغد يمشيان على أقدامهما يلبيان محرمين مع كل واحد منهما إداوة يحملها وعصا يتوكأ عليها، فسمى ذلك اليوم يوم التروية.
وأتيا منى فصلّيا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، وكانا نزلا من الجانب الأيمن ثم أقاما حتى طلعت الشمس على ثبير، ثم خرج إبراهيم يمشي هو وإسماعيل حتى أتيا عرفة وجبريل معهما، يريهما الأعلام حتى نزلا بنمرة، وجعل يريه أعلام عرفات، وكان إبراهيم قد عرفها قبل ذلك، فقال إبراهيم: عرفت. فسّميت عرفات.
فلما زاغت الشمس خرج بهما جبريل حتى انتهى بهما إلى موضع المسجد اليوم، فقام إبراهيم فتكلم بكلمات وإسماعيل جالس، ثم جمع بين الظهر والعصر ثم ارتفع بهما جبريل إلى