الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثريداً وقامت تذبّ عنه حتى انتهى أكله، ثم سقته لبناً صريفاً وضريباً، فشرب ما شاء وجعل يتأملها مقبلة ومدبرة فملأت عينيه حسناً وقلبه هوىّ فسألها عن اسمها فقالت: عفيراء. فقال:
يا عفيراء من الذي دعوتيه بالملك الهمام؟ فقالت: مرثد العظيم الشأن حاشر الكواهن والكهّان، لمعضلة بعل بها الجان. قال يا عفيراء أتعلمين ما تلك المعضلة؟ فقالت: نعم أيها الملك، إنها رؤيا منام ليس بأضغاث أحلام، رأيت أعاصير زوابع بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر متدافع روي جارع وغرق كارع، وسمعت فيما أنت سامع دعاء ذي جرس صادع هلموا إلى المشارع. قال الملك: نعم هذه رؤياي فما تأويلها؟ قالت:
الزّوابع: ملوك تتابع. والنهر: علم واسع. والداعي: نبيّ شافع. والجارع: وليّ له تابع. والكارع:
عدوّ له منازع فقال الملك: أسلم هذا النبيّ أم حرب؟ فقالت: أقسم برافع السماء ومن أنزل الماء من العماء إنه لمبطل الدماء ومنطق العقائل نطق الإماء. قال الملك: إلى ماذا يدعو؟
قالت: إلى صيام وصلاة وصلة أرحام، وكسر أصنام، وتعطيل أزلام، واجتناب آثام. قال الملك:
من قومه؟ قالت: مضر بن نزار [ (1) ] ولهم نقع مثار يجلّى عن قتل وإسار. قال: يا عفيراء إذا ذبح قومه فمن أعضاده؟ قالت: أعضاده غطاريف يمانون طائرهم به ميمون يعزّيهم فيعزّون ويدمّث بهم الحزون وإلى نصر يعتزون.
فأطرق الملك يؤامر نفسه في خطبتها فقالت أبيت اللعن إن تابعي غيور، ولأمري صيّور وناكحي مقبور، والكلف بي تبور.
فنهض الملك مبادراً فجال في صهوة جواده وانطلق فبعث إليها بمائة ناقة كوماء.
تفسير الغريب
أوغل في طلب كذا: تابع في ذلك. والوغول: الدخول في الشيء بالقوة.
الذّرى: بوزن الحصى: كل ما يستتر به الشخص. والذروة بالكسر والضم من كل شيء أعلاه.
والجفنة المدعدعة [ (2) ] : هي التي ملئت ثم حرّكت حتى تراصّ ما فيها ثم ملئت بعد ذلك والعلبة المترعة: هي إناء من جلد والإتراع: الامتلاء.
الأرواح: الرياح. الصّريف: اللبن المحض يحلب أوان الحلاب يصرف عن الضرع إلى
[ (1) ] مضر بن نزار بن معد بن عدنان: جدّ جاهلي، من سلسلة النسب النبوي. من أهل الحجاز. قيل إنه أول من سن الحداء للإبل في العرب، وكان من أحسن الناس صوتا. أما بنوه فهم أهل الكثرة والغلبة في الحجاز، من دون سائر بني عدنان، كانت الرياسة لهم بمكة والحرم. الأعلام 7/ 249.
[ (2) ] انظر المعجم الوسيط 1/ 285.
الشارب. الضّريب من اللبن. الرائب يحلب عليه فيستضرب أي يغلظ.
بعل بها الجانّ: بفتح الباء وكسر العين المهملة بعدها لام، قال في النهاية: بعل بالأمر إذا دهش.
أعاصير زوابع: هي من الرياح ما يثير التراب فيعليه في الجو ويثيره. ساطع: مرتفع.
الجرس: الصوت. المشارع: المداخل إلى النهر.
روي جارع: أي من شرب منه جرعا روي. وغرق كارع: أي من أمعن غرق.
تتابع: جمع تبّع، وهو لقب كان لملوك اليمن وهو من الأتباع، لأن بعضهم كان يتبع في الملك والسّيرة بعضاً. والتّبع زعموا أنه اسم للظل.
العماء: الغيم والغمام. العقائل: الكرائم من النساء يسبيهنّ فيشددن النّطق على أوساطهن للمهنة والخدمة. النّقع: الغبار يثيره المتحاربون والخيل وغيرها.
الأعضاد: الأنصار الغطاريف [ (1) ] : السادة والتغطرف: التكّبر.
يدمّث: يسهل، يعتزون: ينتسبون.
يؤامر نفسه: هكذا يقال ويراد به يعارض الرأيين المتضادّين في النفس.
ولأمري صيّور: أي عاقبة يصير إليها، يقولونه على جهة التعظم.
جال: وثب. الصّهوة: مقعد الفارس من ظهر الفرس. كوماء [ (2) ] : عظيمة السّنام.
وروى ابن سعد وابن الجوزي عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص [ (3) ] رضي الله تعالى عنها قالت، قبيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم: كان خالد بن سعيد بن العاص [ (4) ] ذات ليلة نائماً فقال: رأيت كأنه قد غشيت مكة ظلمة عظيمة حتى لا يبصر امرؤ كفّه، فبينما هو كذلك إذ خرج نور من زمزم ثم علا في السماء فأضاء في البيت، ثم أضاءت مكة كلها ثم ضرب إلى نخل يثرب فأضاءها حتى إني لأنظر إلى البسر في النخل. فاستيقظت فقصصتها على أخي
[ (1) ] انظر اللسان 5/ 3270.
[ (2) ] من كوّم كومة بالضم إذا جمع قطعة من تراب ورفع رأسها ونظيره الصبرة من الطعام، انظر مختار الصحاح 357.
[ (3) ] أمة بنت خالد بن سعيد بن العاصي بن أمية، صحابية بنت صحابي، ولدت بأرض الحبشة، وتزوجها الزبير بن العوام، وعمّرت حتى لحقها موسى بن عقبة. التقريب 2/ 590.
[ (4) ] خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي. عن أبيه. وعنه ابن المبارك فرد حديث في (خ) وغيره. وثقه أبو بشر العبدي. الخلاصة 1/ 278.
عمرو بن سعيد [ (1) ] وكان جزل الرأي فقال: يا أخي إن هذا لأمر يكون في بني عبد المطلب، ألا ترى أنه خرج من حفرة أبيهم.
قال خالد: فإنه لمِمّا هداني الله للإسلام. قالت أم خالد: فأول من أسلم ابني وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا خالد: أنا والله ذلك النور وأنا رسول الله.
فقصّ عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد وأسلم عمرو بعده.
وروى ابن سعد عن حرام بن عثمان الأنصاري [ (2) ]- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم أسعد بن زرارة [ (3) ] من الشام تاجراً في أربعين رجلا من قومه، فرأى رؤيا أن آتياً أتاه فقال: إن نبياً يخرج بمكة يا أبا أمامة فاتبعه وآية ذلك أنكم تنزلون منزلا فيصاب أصحابك فتنجو أنت وفلان يطعن في عينه. فنزلوا منزلاً فبيّتهم فيه الطاعون فأصيبوا جميعاً غير أبي أمامة وصاحب له طعن في عينه.
وروى أيضاً وابن الجوزي، عن عمرو بن مرة الجهني [ (4) ] رضي الله تعالى عنه قال:
خرجت حاجا في جماعة من قومي في الجاهلية فرأيت في المنام وأنا بمكة نوراً ساطعاً خرج من الكعبة حتى أضاء لي من الكعبة إلى جبل يثرب وأشعر جهينة فسمعت صوتاً في النور وهو يقول: انقشعت الظلم وسطع الضياء وبعث خاتم الأنبياء. ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن فسمعت صوتاً في النور وهو يقول: ظهر الإسلام وكسرت الأصنام ووصلت الأرحام.
فانتبهت فزعاً فقلت لقومي: والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث. وأخبرتهم بما رأيت. فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا خبر أن رجلا يقال له أحمد قد بعث. فخرجت حتى أتيته فأخبرته بما رأيت فقال: يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الإسلام وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام وعبادة الله ورفض الأصنام وحج بيت الله وصيام
[ (1) ] عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو أمية الأشدق أحد الأشراف. قيل: له رؤية. عن أبيه وعمر وعثمان. وعنه بنوه أمية وموسى وسعيد، تغلّب على دمشق سنة تسع وستين ثم لاطفه عبد الملك ثم قتله غدرا سنة تسع وستين أو سبعين، قيل: ذبحه بيده. انظر الخلاصة 2/ 285.
[ (2) ] حرام بن عثمان الأنصاري، أحد بني سلمة. مات بعد خروج محمد بن عبد الله بن حسن، وقيل سنة خمسين ومائة بالمدينة وكان كثير الحديث ضعيفا. الطبقات لابن سعد 5/ 455.
[ (3) ] أسعد بن زرارة بن عدي بن عبيد بن ثعلبة بن غنيم بن مالك بن النجار أبو أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري.. قديم الإسلام يقال إنه أول من بايع ليلة القضية قال البغوي: بلغني إنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. الإصابة 1/ 32.
[ (4) ] عمرو بن مرة بن صعصعة، من سلوك، من عدنان: جد جاهلي من نسله «قردة بن نفاثة» من الصحابة، وعبد الله بن همام من الشعراء. الأعلام 5/ 85- 86.
شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنة ومن عصى فله النار، فآمن بالله يا عمرو بن مرة يؤمنك الله من هول جهنم. فقلت يا رسول الله، آمنت بما جئت به من حلال وحرام. ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به وهي:
شهدت بأنّ الله حقّ وأنّني
…
لآلهة الأصنام أوّل تارك
لأصحب خير النّاس نفساً ووالداً
…
رسول مليّك الناس فوق الحبائك
وروى أبو نعيم عن كعب ووهب بن منبّه رحمهما الله تعالى قالا: رأى بختنصّر في منامه رؤيا عظيمة أفزعته فلما استيقظ أنسيها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه وسألهم أن يعبروها له، فقالوا: قصها علينا. فقال: قد نسيتها. قالوا: فإنا لا نقدر على تأويلها حتى تقصّها. فدعا دانيال فأخبره بها فقال إنك قد رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ورأسه في السماء أعلاه من ذهب ووسطه من فضة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخّار، فبينما أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته قذفه الله بحجر من السماء فوقع على قنّة رأسه، قذفه حتى طحنه فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخّاره، حتى تخيل إليك أنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك ولو هبّت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرض كلّها، فصرت لا ترى إلا السماء. والحجر.
قال بختنصّر: صدقت، هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ قال: أمّا الصنم. فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره. وأما الحجر الذي قذف الله به الصنم فدين الله تعالى يقذف به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، فيبعث الله تعالى نبيا أميّاً من العرب فيدوّخ الله تعالى به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم، ويظهر على الأديان كما رأيت الحجر ظهر على وجه الأرض.
قال في الصحاح: داخ البلاد يدوخها قهرها واستولى على أهلها وكذلك دوّخ البلاد.