الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الألفية أحد مصنفات ابن مالك التي سبقه ابنه إلى شرحها، ويعمل على أن يكون مختصرا بحيث يقارب ربع شرح ابن الناظم.
وأخذ من غير كتبهما كثيرا، فأخذ من أقوال إمام النحاة (1)، وما ورد في كتابه من أقوال العرب (2)، والعلماء السابقين، كالخليل (3) ويونس (4).
كما أخذ من كتب وأقوال العلماء الآخرين، كالفراء، والمبرد، والأخفش، وأبي علي الفارسي، وغيرهم كثير، إضافة إلى احتفاله بالقراءات للاستشهاد بها على المسائل النحوية التي يرى الأخذ بها، وإن خالف بذلك كبار علماء النحو، مع أنه يقدم رأي البصريين على غيرهم في الغالب.
ابن الوردي وابن مالك:
درس ابن الوردي ألفية ابن مالك على يد شيخه شرف الدين أبي القاسم هبة الله بن عبد الرحمن البارزي الجهني، الذي صنفت الخلاصة له وفي داره كما ذكر ابن الوردي (5)، وقد أجازه فيها، فكانت علاقته بها مبكرة، وقد اهتم بها ابن الوردي فمنحها
(1) ص: 132، 162، 165، 261، 377، 561، 353، 396، 636، وغيرها من المسائل النحوية.
(2)
ص: 132، 165، 281، 396، 476، 515، 662، وغيرها من المسائل النحوية.
(3)
ص: 162، 366، 377، 636، وغيرها من المسائل النحوية.
(4)
ص: 377، 585، 549، وغيرها من المسائل النحوية.
(5)
ديوان ابن الوردي 58 - 59.
اهتمامه، وأعطاها جلّ وقته، دراسة وتمعنى وتدريسا، فعرف دقائقها، وما لها من قيمة علمية، وما عليها من استدراكات، كما يراها هو، وما تحتاجه بعض موضوعاتها من إضافات وتتمات يحتاجها دارس هذا الفن. وقد درّسها طلابه مدة ليست بالقصيرة، وأجاز فيها عددا كبيرا منهم (1)، كما أجاز فيها عددا من العلماء الذين عاصروه.
وقد أشغلت هذه المنظومة عشاق هذا الفنّ منذ وضعها ابن مالك رحمه الله، تعلّما وتعليما، ولم يحظ كتاب في النحو بما حظيت به الألفية من العكوف على دراستها وحفظها والاجتهاد في شرحها والتعليق على شروحها، إلى يومنا هذا.
وإذا كان العلماء يأخذون من بعضهم دون الإشارة إلى مصادرهم أحيانا، وخاصة فيما اشتهر من سياقات وتعريفات، والتمثيل لها، فإن ابن الورد قد استفاد من كتب ابن مالك كثيرا، أخذ منها نصا، أو بتغيير قليل في بعض العبارات، وخاصة في بعض التعريفات والقضايا الخلافية دون إشارة، مما يؤخذ على ابن الوردي رحمه الله، ومن ذلك:
1 -
قوله في (الإضافة): «وتعرف اللفظية بتقدير انفصال المضاف، إمّا لكونه وصفا يعمل فيما أضيف إليه عمل الفعل ....
(1) ديوان ابن الوردي 57 - 58، 76.
وإمّا لتأوّله بما رأيته كذلك، كمرّ برجل مثلك، وشبهك، وغيرك، وحسبك، و:
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
تأويلها بمثالك (1)، ومشبهك، ومغايرك، ومحسبك، وممسك الأوابد.
وإمّا لجعله بمباشرة أو عطف معمول ما لا يعمل إلّا في نكرة، مثال المباشرة: لا أبا لك، ولا يدي لك، ولا أخا للمقتّر، فاللام مقحمة، وإضافتها مقدرة الزوال؛ إذ لا تعمل (لا) إلّا في نكرة، ومثال العطف: كم ناقة لك وفصيلها؟ . وربّ رجل وأخيه (2)».
هو قول ابن مالك في العمدة وشرحها (3).
2 -
وقوله في (التعجب) عند الاستشهاد بقول علي رضي الله عنه: وفي الحديث أنّ عليّا مرّ بعمّار رضي الله عنه فمسح التّراب عن وجهه، فقال:
«أعزز عليّ أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدّلا!
وفي هذا ثلاثة شواهد، أحدها: الفصل بالجار والمجرور.
الثاني: الفصل بالنداء.
(1) هكذا وردت في جميع النسخ. و (مثالك) ليست من الصفات التي تعمل عمل الفعل، ولو قال (بمماثلك) لوافق مراده.
(2)
الإضافة: 380 - 381.
(3)
العمدة مع شرحها: 487 - 488.
الثالث: حذف الباء من المتعجّب منه بعد أفعل؛ لكونه أن (1)».
وهذا نص ابن مالك في شرح العمدة (2).
3 -
وقوله في (المفعول له): «ينصب المفعول له، وهو كل مصدر أبان تعليلا، نحو جد شكرا، ودن شكرا، ولا بدّ من ظهوره ومشاركته المعلّل في الوقت والفاعل (3)» . هو لفظ العمدة (4) مع اختلاف قليل.
وغير ذلك من التعريفات والقضايا النحوية التي يجدها المتتبع لشرح ابن الوردي وكتب ابن مالك، والمقارن بينهما.
كما أن من الأمور المسلم بها أن التعرض لعمل الآخرين، وخاصة عند شرح المتون، والنظم العلمي بصفة أخص، مما يعتمد فيه صاحبه على الإيجاز الشديد، والاكتفاء بالتمثيل دون سرد الشروط، والإشارة إلى القاعدة دون تفصيل، والاكتفاء بالإيماء إلى الخلاف، كل ذلك وغيره يتيح للشراح مجالا لاستكمال قاعدة ما، أو شروط لم تذكر، أو الاختلاف في مسألة، وخاصة إذا اختلفت المدرسة، والمذهب النحوي، فقد يأخذ الشارح بالرأي ويرجحه، وقد يختلف معه، ويضعفه أو يردّه.
(1) التعجب: 454 - 455.
(2)
شرح العمدة: 750.
(3)
المفعول معه: 297.
(4)
العمدة مع شرحها: 395.
وهذا ما جرى بين ابن الوردي وابن مالك في شرح الألفية.
فقد وافقه في مسائل، ورجح رأيه فيها، وخالفه في أخرى، واستدرك عليه، وتعقب أقواله في بعض كتبه، وما وقع فيها من اختلاف أو إيجاز وتفصيل. وقد سبق ابن الوردي إلى الاستدراك على الناظم ابنه أول شرّاح الألفية، وكذا من جاء بعده كالمرادي والأشموني. وهذه نماذج من تلك المسائل والمواقف:
أ - مما وافق فيه ابن الوردي ابن مالك وأيد رأيه، أو عرضه دون تعليق ما يأتي:
1 -
قوله في وصل الضمير وفصله مع كان وأخواتها، وما ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر أو لا: «والمبيح لجواز اتصال الضمير وانفصاله، كونه إمّا ثاني ضميرين أولهما أخصّ وغير مرفوع، نحو: سلنيه، ومنعكها، وإمّا خبرا لكان أو إحدى أخواتها، كقوله صلى الله عليه وسلم في ابن صياد: إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإلّا يكنه فلا خير لك في قتله. وحكى سيبويه: عليه رجلا ليسني.
ودليل الانفصال قوله:
لئن كان إيّاه فقد حال بعدنا
…
عن العهد والإنسان قد يتغيّر
وخلتنيه من باب سلنيه، والشيخ رحمه الله يختار الاتصال، ومنهم من يختار الانفصال.
ومّما يشهد للاتصال وينصره قوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ ولا يكاد يعثر على
الانفصال إلّا في الشعر كقوله:
أخي حسبتك إيّاه وقد ملئت
…
أرجاء صدرك بالأضغان والإحن (1)»
2 -
وقوله في الإخبار عن المبتدأ: «وممّا يخبر به عن المبتدأ الجار والمجرور، والظرف، ك الْحَمْدُ لِلَّهِ * والسفر غدا؛ لتضمنهما معنى صادقا على المبتدأ، ولك تقديره بمفرد نحو كائن ومستقر، وهو الأرجح، أو جملة نحو: كان
أو استقر (2)».
فقد رجح رأي ابن مالك، الوارد في شرح الكافية الشافية قال: «وكونه اسم فاعل أولى لوجهين: أحدهما: أن تقدير اسم الفاعل لا يحوج إلى تقدير آخر، لأنه واف بما يحتاج إليه في المحل من تقدير خبر مرفوع
…
(3)».
3 -
وقوله في (كان وأخواتها): «وتقديم الخبر جائز إلّا مع دام، ومع المقرون بما النافية، ومع ليس، وهو اختيار الشيخ رحمه الله تعالى (4)» .
4 -
وقوله في (إنّ وأخواتها): «الخامس: أن تقع بعد القول المضمن معنى الظنّ، كقوله:
أتقول إنّك بالحياة ممتّع
…
وقد استبحت دم امرئ مستسلم؟
(1) النكرة والمعرفة: 131 - 133.
(2)
الابتداء: 171.
(3)
شرح الكافية الشافية: 349.
(4)
كان وأخواتها: 186.
أجاز فيه الشيخ في تنبيهاته الوجهين (1)».
يعني كسر همزة إن وفتحها. قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: «والمراد بقولي مطلقا التنبيه على أن القول صالح لأن تكسر بعده (إنّ) حين يقصد به معنى الظن، لأن أصل ما علّق به أن يكون محكيّا (2)» .
وقد أورد ابن الوردي نص شرح العمدة (3).
5 -
وقوله في (التمييز): «وإن كان عامل التمييز غير فعل، أو فعلا غير متصرف لم يتقدمه التمييز بإجماع، وإن كان فعلا متصرّفا فمنعه سيبويه وأجازه الكسائي والمازني والمبرد والشيخ رحمهم الله، ودليلهم كثير كقوله:
رددت بمثل السّيد نهد مقلّص
…
كميش إذا عطفاه ماء تحلّبا
ومثله:
إذا المرء عينا قرّ بالأهل مثريا
…
ولم يعن بالإحسان كان مذمّما (4)»
6 -
وقوله في (الإضافة): «وخالف الشيخ الجمهور وأجاز الفصل بين المضاف والمضاف إليه في صور:
الأولى: فصل المصدر المضاف إلى الفاعل بما تعلّق
(1) إن وأخواتها: 221.
(2)
شرح الكافية الشافية: 485.
(3)
انظر ص: 221 وشرح العمدة 229.
(4)
التمييز: 353 - 355.
بالمصدر من مفعول به أو ظرف، مثل: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ وكقوله:
يفركن حبّ السّنبل الكنافج
…
بالقاع فرك القطن المحالج
ويدلّ على أنه ليس بضرورة إنشاد الأخفش:
فزججتها بمزجّة زج
…
ج القلوص أبي مزاده
إذ يمكن زجّ القلوص أبو.
الثانية: فصل اسم الفاعل عن المضاف إلى مفعوله الأول بالثاني، كقوله:
ما زال يوقن من يؤمّك بالغنى
…
وسواك مانع فضله المحتاج
وقرأ بعضهم: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله وفي الحديث: «هل أنتم تاركو لي صاحبي» .
فلو كان الفاصل في الصورتين فاعلا اختصّ بالضرورة، كقوله:
ما إن وجدنا للهوى من طبّ
…
ولا عدمنا قهر وجد صبّ
وهذا يفهم لمن حقّق كلام الشيخ في الألفية، وإن لم ينبه عليه ابنه.
الثالثة: فصل المضاف بالقسم، كقولهم: هذا غلام - والله - زيد، وإنّ الشاة لتسمع صوت - والله - ربّها.
ومعنى البيت: أجز أن يفصل المضاف المشبه للفعل عن المضاف إليه بما نصبه المضاف في حال كونه مفعولا أو ظرفا، ف (ما) فاعل مرفوع بالمصدر وهو فصل، والفصل بغير ذلك ضرورة كبالأجنبي من المضاف في قوله:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما
…
يهوديّ يقارب أو يزيل
وقوله:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
…
...
وقوله:
يمرّ على ما تستبنه وقد شفت
…
غلائل عبد القيس منها صدورها
وقوله:
أنجب أيّام والداه به
…
إذ نجلاه فنعم ما نجلا
أراد نجب والداه به أيام إذ نجلاه.
وكالنعت في قوله:
نجوت وقد بلّ المراديّ سيفه
…
من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
أراد من ابن أبي طالب شيخ الأباطح.
وكالنداء في قوله:
كأنّ برذون أبا عصام
…
زيد حمار دقّ باللجام
أي: كأنّ برذون زيد يا أبا عصام (1)».
وواضح موافقة ابن الوردي للناظم في هذه المسألة وإن خالف رأي البصريين.
7 -
وقال في العطف على الضمير المجرور: «ولا يعطف على الضمير المجرور إلّا بإعادة الجارّ عند الأكثرين، مثل: وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ، * فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، وأجاز يونس والأخفش والكوفيون العطف دون إعادة الخافض، ووافقهم الشيخ لوروده نظما ونثرا كثيرا، مثل: تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ.
وحكى قطرب: ما فيها غيره وفرسه، ومثله:
لو كان لي وزهير ثالث وردت
…
من الحمام عذابا شرّ مورود (2)»
8 -
وفي حذف حرف النداء قال: «ويجوز حذف حرف النداء من غير الله تعالى ومندوب ومضمر ومستغاث. ووافق الشيخ الكوفيين فجعل حذفه من اسم الجنس واسم الإشارة مطّردا مستشهدا للأول بنحو قوله صلى الله عليه وسلم: «اشتدّي أزمة تنفرجي» . «ثوبي حجر» ، وقولهم:«أصبح ليل، أطرق كرا» ، وللثاني بقوله تعالى:
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ وقول ذي الرمة:
إذا هملت عيني له قال صاحبي
…
بمثلك هذا لوعة وغرام
(1) الإضافة: 402 - 410.
(2)
عطف النسق: 416 - 515.
وقول طائي:
ذي دعي الّلوم في العطاء فإنّ ال
…
لوم يغري الكريم في الإجزال
أي: ياذي (1)».
وغير ذلك مما اختاره ابن الوردي مما ذهب إليه الناظم مخالفا فيه رأي جمهور البصريين (2).
ب - وفي مقابل هذا فإن ابن الوردي - كما سبق - استدرك على الناظم بعض ألفاظ المنظومة باقتراح تعديل فيها لعدم شمولها بعض المسائل أو الشروط إلا بذلك التعديل، ويعبر بأسلوب فيه أدب جم مع الشيخ رحمهما الله تعالى، كقوله:«لكان ذلك أكثر فائدة، لعمّ، أو لكان أوضح، أو لكان أكمل، لخلص من ذلك» وغيرها من العبارات التي تدل على تقديره لابن مالك واحترامه لعلمه، فهي مسائل ليست جوهرية، وإنما هي من باب المحترزات أو المكملات. ومن ذلك:
1 -
قوله في (المعرب والمبني): «ولو كان الشيخ رحمه الله قال نحو هذا البيت:
والرفع فيهما انو، والكلّ انحذف
…
جزما وقد صححه بعض السلف
لكان أكثر فائدة؛ فإنّ بعض العرب يجري المعتلّ مجرى
(1) النداء 536 - 538.
(2)
انظر: 132، 186، 188، 354، 392، 402، 491، 511، 516، 536، 588، 626.
الصحيح، وعليه قراءة من قرأ: إنه من يتق ويصبر وقول من قال: .. (1)».
وذكر ثلاثة شواهد غير الآية الكريمة، وذلك استدراكا على قول ابن مالك في الألفية:
والرفع فيهما انو واحذف جازما
…
ثلاثهن تقضي حكما لازما (2)
2 -
وقوله في (النكرة والمعرفة): «ولم يذكر الشيخ في الألفية اسم الفعل، ولو قال بدل البيت نحو قولي:
ومن ضمير الرفع ما يستتر
…
كقم، أقم، نزال، تأتي، نشكر
لعمّ اسم الفعل المذكور (3)».
يعني أن المصنف لم يذكر في الألفية اسم الفعل مما يستتر فيه الضمير وجوبا حيث قال:
ومن ضمير الرفع ما يستتر
…
كافعل، أوافق، نغتبط، إذ تشكر (4)
ولقائل أن يقول: لم يرد ابن مالك الحصر، وإنما مثل ببعض ما يستتر فيه الضمير وجوبا، وترك غير اسم الفعل
كالمصدر النائب عن فعله، مثل: توضيحا المسألة، ولم يستدركه ابن الوردي، وابن الوردي نفسه مثل لاسم فعل الأمر دون المضارع.
(1) المعرب والمبني: 123.
(2)
الألفية: 12.
(3)
النكرة والمعرفة: 128 - 129
(4)
الألفية: 13.
3 -
وقوله في (الابتداء): «ويوهم كلام الشيخ أن مثل هذا لا يجوز أن يصدق عليه أن الفعل فيه خبر، فلو قال بدل البيت نحو:
أو كان فعل خبر، كابني قرا
…
أو قصد استعماله منحصرا
لكان أوضح؛ لأنّ التمثيل بابني قرا، المبتدأ فيه مفرد والفعل مسند إلى ضميره (1)».
استدراكا على قول بن مالك في الألفية:
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا
…
أو قصد استعماله منحصرا (2)
4 -
وكقوله في (أفعال المقاربة): «وربّما جيء لها باسم فاعل أيضا على ندور، قال كثيّر:
وكدت وقد سالت من العين عبرة
…
سما عائد منه وأسبل عائد
أموت أسى يوم الزّحام وإنّني
…
يقينا لرهن بالذي أنا كائد
والعائد: اللحوح.
ولم يذكر هذه المسألة الشيخ في الألفية
…
وكان يمكن الشيخ أن يغيّر البيت ويقول بدله نحو:
وشاع عنهم يكاد يوشك
…
وفي الندور كائد وموشك (3)»
حيث لم يشر ابن مالك في الألفية إلى ورود اسم الفاعل من
(1) المبتدأ: 176.
(2)
الألفية: 18.
(3)
أفعال المقاربة: 208 - 210.
(كاد) قال:
واستعملوا مضارعا لأوشكا
…
وكاد لا غير، وزادوا موشكا (1)
لكنه ذكره في الكافية وشرحها، قال:
«واستعملوا مضارعا لأوشكا
…
وكاد، واحفظ كائدا وموشكا»
وقال في شرح هذا البيت: «واستعمل منهما (يعني كاد وأوشك) اسم فاعل قليلا (2)» . وأورد شواهد على ذلك.
وقال في العمدة: «وكلها لا تتصرف إلا كاد وأوشك (3)» .
وقال في شرحها: «وندر استعمال اسم الفاعل من أوشك (4)» وذكر الشاهدين الواردين في شرح ابن الوردي. ثم قال: «وأندر منه استعمال فاعل كاد» وذكر بيت كثيّر.
ولعل الشيخ رحمه الله ترك ذكره في الخلاصة لندوره.
5 -
وقوله في (التنازع): «وإن كان أحد المفعولين في باب ظنّ جيء به مؤخّرا إن لم يمنع مانع من إضماره، مثاله مفعولا أوّلا، ظننت منطلقة وظنّتني منطلقا هند إيّاها، فإيّاها أول ظننت، لا يقدم ولا يحذف عند البصريين، ومثاله ثانيا لظننت أيضا، ظنّني وظننت زيدا عالما إيّاه، فإيّاه ثان لظنني، وهو كالأول في امتناع
(1) الألفية: 20.
(2)
شرح الكافية الشافية: 457، 459.
(3)
العمدة: 809.
(4)
شرح العمدة: 823 - 824.
تقديمه وحذفه، ولا اعتبار بما يتوهّم من كلام الشيخ هنا من قوله:
بل حذفه الزم إن يكن غير خبر
إذ يوهم وجوب حذف أول مفعولي ظنّ، وليس كذلك، بل لا فرق بين الأول والثاني في امتناع الحذف ولزوم التأخير، ولو قال بدل البيت المذكور:
واحذفه إن لم يكن مفعولا لظن
…
وإن يكن مفعول ظنّ أخّرن
لخلص من ذلك التوهّم (1)».
6 -
وقال في (الحال) بعد التعريف: «ولا نقول كما قال الشيخ: وصف فضلة منتصب، مفهم في حال. لأنه أدخل حكما في الحدّ بقوله: منتصب أيضا، فهو حدّ غير مانع؛ إذ يشمل النعت من نحو قولك: مررت (برجل راكب)(2) فمعناه في حال ركوبه، ولو قال بدل البيت المذكور نحو:
الحال وصف فضلة قد بينت
…
هيأة ما جاءت له فنصبت
لخلص من ذلك (3)».
يعني قول ابن مالك:
(1) التنازع: 290 - 291.
(2)
المناسب للتمثيل: رأيت رجلا راكبا.
(3)
الحال: 319.
الحال وصف فضلة منتصب
…
مفهم في حال كفردا أذهب (1)
ج - أما عند ما يتعقب المسألة في كتب ابن مالك، ويلاحظ عليها بعض الاختلاف، أو الاختصار في أحدها والتفصيل في آخر، وخاصة عند ما يقارن بينما ورد في المنظومة وغيرها من كتب الشيخ المنثورة، كالتسهيل والعمدة وشرحها وشرح الكافية الشافية، فإن عباراته تختلف، فيتعجب من ابن مالك حينا، ويستغرب حينا، ويصف عباراته بأنها موهمة أحيانا أخرى، كل ذلك مع محافظته على مكانة ابن مالك العلمية، فلا يذكره إلا باسم الشيخ، وإن اختلف معه، ومن ذلك:
1 -
نعم الشيخ لم يورد في الألفية (3) ولا ابنه (4) في شرحها هذه المسألة، وهي منع تقديم الحال على صاحبها المجرور بجرف جر
(1) الألفية: 32.
(2)
الحال: 327 - 328.
(3)
الألفية: 32 - 33.
(4)
شرح ابن الناظم (الحال): 123 - 136.
ممتنع الحذف، كما إذا كان المجرور فاعل أفعل التعجب، كمثال الشارح أحس بزيد مقبلا! أو كان قليل الحذف كما إذا كان فاعل (كفى) كقوله: كفى بزيد مقبلا.
وقد ذكر ابن مالك هذه المسألة في العمدة وشرحها بالتفصيل، واستشهد على القليل بشواهد من القرآن الكريم والشعر العربي (1). ولعله ترك ذلك في الخلاصة اختصارا، بدليل ذكره في غيرها.
أما في كتاب التسهيل فلم يذكر ابن مالك هذين المثالين ولا ما يماثلهما، وإنما ذكر في باب الحال أن تقديم الحال على صاحبها المجرور ضعيف، قال:«وتقديمه على صاحبه المجرور ضعيف على الأصحّ لا ممتنع (2)» .
وهذا القول ظاهره عام فيما إذا كان حرف الجر ممتنع الحذف أو قليل الحذف أو جائزه، ولم يمثل للممتنع والقليل، وإنما للجائز، كمررت بهند جالسة، ومررت جالسة بهند. أما في باب التمييز (3) فلم يورد المثالين، ولم يشر إلى هذا الحكم ألبتة.
2 -
وكقوله في (النعت): «ولا نقول كما قال الشيخ:
بمشقّ؛ لأنّ من المشتقّ أسماء زمان ومكان وآلة، ولا ينعت
(1) شرح العمدة: 424 - 425.
(2)
التسهيل: 110.
(3)
المرجع السابق: 114 - 115.
بها، بل بما كان صفة (1)».
يشير إلى قول ابن مالك:
وانعت بمشتق كصعب وذرب (2)
وإن ترك ابن مالك ذكر المشتقات التي يوصف بها، فلأنه معلوم عدم النعت بأسماء الزمان والمكان والآلة،
فاكتفى بذكر المشتق المصطلح عليه عند النحاة أنه يوصف به، وفصله في غير النظم، كما في شرح الكافية الشافية (3).
3 -
وقال في العطف ب (لا) في (عطف النسق)(4): «قال الشيخ في التنبيهات: وأجاز قوم العطف بها على المنادى، يا زيد لا عمرو. ولم أر ذلك مستعملا في كلام يحتجّ به. وممّن أنكر استعماله ابن سعدان، وهو من الحفاظ المتتبعين الموثوق بهم (5).
وعجب من الشيخ يعلم هذا ويجيز ذلك في الخلاصة (6)».
وما نسب ابن الوردي إلى ابن مالك صحيح، ولعل ما ذكر
(1) النعت: 481.
(2)
الألفية: 45.
(3)
شرح الكافية الشافية 1157.
(4)
عطف النسق: 512.
(5)
شرح العمدة 633.
(6)
قال في الألفية 48:
وأول لكن نفيا أو نهيا، ولا
…
نداء، أو أمرا، أو إثباتا تلا
وكذلك أجازه في الكافية الشافية وشرحها 1201، 1231.
ابن مالك في العمدة رأيه القديم، وأنه اطلع على رأي سيبويه في جواز ذلك فأخذ به في الخلاصة، فقد نسب المرادي (1) وخالد الأزهري (2) في شرح التصريح على التوضيح جواز العطف بلا في النداء إلى سيبويه.
4 -
وقال في إبدال الظاهر من الضمير: «فلو لم يفد إحاطة لم يجز إلّا عند الأخفش، وحمل عليه قوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فجعل الَّذِينَ بدلا من (كم) قال الشيخ: ويشهد له قول ذي الرمة:
وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى
…
بمستلئم مثل الفنيق المرجّل
وعجب منه يستشهد لمذهب الأخفش ويؤيّده، ولم ينبّه عليه في الخلاصة.
ويوهم قوله:
ومن ضمير الحاضر الظاهر، لا
…
تبدله
…
البيت
أنه يجوز إبدال المضمر من ضمير الحاضر، وليس كذلك؛ فإن المضمر لا يبدل منه أصلا، فلو قال بدل البيت والذي بعده نحو:
ولا يجئ ذو الكلّ بعد مضمر
…
لحاضر إن لم يحط في الأكثر
(1) شرح الألفية للمرادي 3/ 222.
(2)
شرح التصريح 2/ 149.
والمقتضي بعضا أو اشتمالا
…
بعد ضمير حاضر توالا
لحصل التنبيه على مذهب الأخفش، وزال التوهم، وكان أتمّ من وجوه تظهر بالتأمّل، وأقرب إلى كلامه في العمدة (1) فإنه قال فيها:«ويتبع بدل البعض والاشتمال ضمير الحاضر كثيرا، ولا يتبعه غالبا بدل الكلّ إلّا وهو بمعنى كلّ (2)» .
5 -
وقوله في باب (العدد)(3): «ولا نقول كما قال الشيخ:
في عدّ ما آحاده مذكّره
لئلّا يرد علينا التغليب، فإن التغليب يصدق عليه أنّ واحده مذكّر كما قلنا، وليس كلّ آحاده مذكرة .. ».
يستدرك على قول المصنف:
«ثلاثة بالتاء قل للعشرة
…
في عدّ ما آحاده مذكّرة (4)»
فإنه يرد عليه أيام الشهر التي تغلب عليها الليالي، مثل:
مكثت ثلاثا بين يوم وليلة، فتذكّر (ثلاث) مراعاة ل (لليلة) ولا يقال مكثت ثلاثة بين يوم وليلة.
6 -
وقال في باب (التأنيث): «وعجب من الشيخ يحكم في
(1) العمدة مع شرحها 578.
(2)
البدل: 530 - 532.
(3)
العدد: 657.
(4)
الألفية: 60.
الخلاصة على (فرتنى) امرأة، (خوزلى) و (خيزلى) مشية بتبختر، بالاستندار، ويحكم عليها في عمدته بالاشتهار (1)».
وذلك تعقيبا على اختلاف قول ابن مالك في عدّ هذه الأمثلة في أوزان الأسماء المقصورة المشهورة بين الخلاصة والعمدة، قال في العمدة: «ومشهور أمثلة المقصور
…
وفعللى وفوعلى وفيعلى (2)» ومثل في شرح العمدة (3) لذلك ب: فرتنى وخوزلى، وخيزلى، فجعل هذه الأوزان من الأوزان المشهورة، في حين ذكر في الخلاصة اثني عشر مثالا، للمشتهر، ولم يذكر هذه الأمثلة أو نحوها، وقال بعد ذلك:«واعز لغير هذه استندارا» فحكم بندرة غيرها، ومنها هذه الأوزان الثلاثة.
وقول ابن مالك في الخلاصة: «واعز لغير هذه استندارا» لا ينبغي حمله على العموم، فلا يقتضي ثبوت الندرة لغير ما ذكر، فلا تعارض بين قوليه. والله أعلم.
7 -
وقال في باب (جمع التكسير): «ويحفظ (4) في خصّ، المضاعف، ونؤي، المعتلّ، وفي فعل، كأسد، وشجن، على أنه جعله في عمدته (5) مقيسا (6)» .
(1) التأنيث: 679.
(2)
العمدة: 825.
(3)
شرح العمدة: 827.
(4)
يعني جمعها على (فعول).
(5)
العمدة مع شرحها 922 - 925.
(6)
جمع التكسير: 695.
يشير إلى قول ابن مالك في الخلاصة:
وبفعول
…
...
…
كذاك يطرد
وفي فعل اسما مطلق الفا، وفعل
…
له
…
(1)
يعني ما كان على وزن (فعل) مثلث الفاء ساكن العين صحيح اللام غير مضاعف العين فإنه يطرد جمعه على فعول.
ويستثنى من ذلك ما كان على (فعل) المضموم الفاء الساكن العين مضاعفها مثل: خصّ وخصوص، أو معتل
اللام، مثل:
نؤي ونؤوي وما كان على وزن: (فعل) بفتح العين، وما كان على وزن (فعل) بفتح الفاء والعين، كشجن وشجون، وأسد وأسود، فإن جمعها على (فعول) سماعيّ.
ويرى ابن الوردي أن بين المنظومة والعمدة تناقضا، فابن مالك في رأي ابن الوردي قال في المنظومة إن ما ورد على (فعل) من مضاعف العين ومعتل اللام، وكذا (فعل) مفتوح الفاء والعين لا يطرد جمعه على (فعول) وإنما يحفظ ولا يقاس عليه، في حين أنه ذكر في العمدة أنه قياسيّ، قال: «وفعول لنحو كعب وجند وأسد «وقال في شرحها: «وهو (يعني فعول) مقيس في كل:
.. (2)» وذكر الأوزان الأربعة ومثل لها.
والحقّ أن ابن مالك طرد وزن (فعول) جمعا لكل ما جاء
(1) الألفية: 67.
(2)
العمدة وشرحها: 922 - 925.
مفرده على (فعل) مثلث الفاء، ساكن العين، وكذا ما كان على (فعل) المفتوح الفاء والعين، في كل من المنظومة والعمدة. أما في التسهيل، وشرح الكافية الشافية، فقد فصّل، فجعله قياسيّا في كل ما كان على (فعل) مثلث الفاء، ساكن العين، غير مضعفها، ولا معتل اللام، أما ما كان على وزن (فعل) بضم الفاء وسكون العين من المضعف أو المعتل اللام أو العين أو كان على (فعل) مفتوحهما فجعله شاذّا (1).
وغير ذلك من المسائل (2).
وقد ألحق بعدد من الأبواب تتمات لم يذكرها ابن مالك في الألفية، يرى ابن الوردي أهميتها، وحاجة دارس النحو إلى معرفتها، وليست كلها ترقى إلى درجة من الأهمية إذا ما استثنينا منها ما ذكر من المصدر الآتي بدلا من فعله مما لا فعل له، وكذا ما أورد من أن اسم الهيأة من مصدر غير الثلاثي يكون بالإضافة، كانطلق انطلاق خائف (3).
(1) التسهيل 273 - 274 وشرح الكافية الشافية 1852 - 1853.
(2)
انظر: 104، 105، 106، 135، 209، 217، 218، 293، 310، 313، 332، 334، 435، 441، 464، 475، 481، 484، 513، 545، 558، 616، 636، 670،
720.
(3)
انظر هذه التتمات في: المفعول المطلق 296 واسم الهيأة 442. وأفعال المقاربة 211 والحال 350 والتمييز 355 والمضاف إلى الياء 413 وعمل المصدر 421 والتعجب 455 ونعم وبئس 468 والبدل 534 والنداء 551 وما لا ينصرف 598 والعدد 665.