الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء
- يعني - فعليه ولا عليهم)) (1).
ثالثاً: طلب الإمامة في الصلاة إذا صلحت النية لا بأس به
؛ لحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال:((أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) (2).
والحديث يدلّ على جواز طلب الإمامة في الخير، وقد ورد في أدعية عباد الرحمن الذين وصفهم الله بتلك الأوصاف الجميلة أنهم يقولون:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (3). وليس ذلك من طلب الرياسة المكروهة؛ فإن
(1) ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 981، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 292.
(2)
أبو داود، برقم 531، والترمذي، برقم 209، والنسائي، برقم 672، وتقدم تخريجه في الأذان، آداب المؤذن، وصححه الألباني في الإرواء، 5/ 315.
(3)
سورة الفرقان، الآية:74.
ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يعان من طلبها، ولا يستحق أن يُعطاها من سألها (1)، فإذا صلحت النية وتأكدت الرغبة في القيام بالواجب والدعوة إلى الله عز وجل فلا حرج من طلب ذلك.
رابعاً: أولى الناس بالإمامة: الأقرأ (2) العالم فقه صلاته (3)، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم
(1) انظر: سبل السلام، للصنعاني، 2/ 86، والمنهل العذب المورود في شرح سنن الإمام أبي داود، للشيخ محمود بن محمد بن خطاب السبكي، 4/ 208.
(2)
الأقرأ: قيل: الأقرأ: هو أكثرهم قرآناً، وقيل: أجودهم وأحسنهم وأتقنهم قراءة، والصواب القول الأول؛ لحديث عمرو بن سلمة وفيه: ((
…
وليؤمكم أكثركم قرآناً))، [البخاري برقم 4302]؛ ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه:((وأحقهم بالإمامة أقرؤهم))، [مسلم برقم 672]، ومعناه: أكثرهم قرآناً، ولكن لو استووا في القرآن بحيث قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها، وأحسن ترتيلاً؛ لأنه الأقرأ بالنسبة لهؤلاء الذين استووا في كثرة الحفظ. [انظر: المفهم، للقرطبي، 2/ 297، والمغني، لابن قدامة، 2/ 14، ونيل الأوطار، للشوكاني، 2/ 390].
(3)
العالم فقه صلاته: أي يعلم شروطها، وأركانها، وواجباتها، ومبطلاتها، ونحو ذلك، قال الحافظ ابن حجر:((ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقاً)) فتح الباري، 2/ 171، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 296، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 4/ 291.
هجرة، فإن استووا فأقدمهم إسلاماً، لحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله (1) فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة (2)، فإن كانوا في
(1) يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله: فيه دليل واضح على أنه يقدم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي، وقال الإمام مالك والشافعي وأصحابهما: الأفقه مقدم على الأقرأ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، لكن في قوله صلى الله عليه وسلم:((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)): دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً، والصواب أن الأقرأ يقدم إذا كان عارفاً فقه صلاته. [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 178، والمفهم في تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/ 297، والمغني لابن قدامة، 3/ 11 - 12، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 171، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 389، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 296، والشرح الممتع لابن عثيمين،
4/ 289 - 291، وسبل السلام للصنعاني، 3/ 95].
(2)
فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة: الهجرة المقدَّم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره صلى الله عليه وسلم، بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في الأحاديث؛ لأن الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام قربة وطاعة، فقدم السابق إليها؛ لسبقه إلى الطاعة. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 15، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 179، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 390، وسبل السلام للصنعاني، 3/ 96.
الهجرة سواءً فأقدمهم سلماً - وفي رواية - سنّاً (1) ولا يؤمّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في سلطانه (2)، ولا يقعد في بيته على تكْرِمَتِه (3) إلا بإذنه)). وفي لفظ: ((يؤم القوم أقرؤهم
(1) الأقدم سلماً وفي رواية ((سنّاً))، وفي الرواية الأخرى ((فأكبرهم سنّاً))، وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام، والرواية الأخرى ((سنّاً)) راجع إلى سبق السن بالإسلام؛ لأن الأكبر سبق الأصغر. [انظر: المفهم للقرطبي، 2/ 298] وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 436:((ومن كان أقدم سلماً فهو أكبرهم سنّاً إلا أن يكونوا كفاراً ثم أسلموا، فأقدمهم إسلاماً هو من جنس أقدمهم هجرة)) [وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم،5/ 180، ونيل الأوطار للشوكاني،2/ 390،وسبل السلام للصنعاني،3/ 96،والمغني لابن قدامة،3/ 15].
(2)
ولا يؤمّنّ الرجل الرجل في سلطانه أي في موضع سلطته، وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف فيه، ويدخل فيه صاحب البيت والمجلس، وإمام المسجد، وأعظم السلطة السلطان الأعظم؛ لأن ولايته عامة، وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة للحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء، والسلطان مقدم على إمام المسجد وصاحب البيت، ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. [انظر: المفهم للقرطبي، 2/ 299، والمغني لابن قدامة، 3/ 42، وشرح النووي، 5/ 180، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 391، وسبل السلام للصنعاني، 3/ 97، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 299].
(3)
((ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه))، وفي رواية:((ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذنه))، والتكرمة: الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به، ووجه هذا المنع أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود عليها، وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها أو بيعها أولى. المفهم للقرطبي، 2/ 299،وشرح النووي على صحيح مسلم،5/ 180.
لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواءً
…
)) (1).
أما حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه الذي فيه: ((فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم ثم ليؤمَّكم أكبرُكم)) (2). فقدم الأكبر؛ لأنهم استووا في باقي الخصال والشروط؛ لأنهم هاجروا جميعاً، وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما يقدم به إلا السن (3).
فالمراتب خمس: يقدم الأقرأ، فالأعلم بالسنة، فالأقدم
(1) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم 673.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، برقم 628، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من الأحق بالإمامة، برقم 674.
(3)
انظر: شرح النووي على مسلم، 5/ 181، والمفهم للقرطبي، 2/ 301.