الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد وهو مصادم للأدلة القطعية الدالّة على دخول طائفة من عصاة الموحدين النار ثم يخرجون بالشفاعة؟ أجيب: بأن هذا مقيد بمن يأتي بالشهادتين تائبًا ثم يموت على ذلك، أو أن المراد بالتحريم هنا تحريم الخلود لا أصل الدخول أو أنه خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل بالطاعات ويجتنب المعاصي، أو من قال ذلك مؤديًا حقه وفرضه، أو المراد تحريم النار على اللسان الناطق بالشهادتين كتحريم مواضع السجود.
(قال) معاذ (يا رسول الله أفلا) بهمزة الاستفهام وفاء العطف الحذوف معطوفها والتقدير أقلت ذلك فلا (أخبر به الناس فيستبشروا) نصب بحذف النون والتقدير فأن يستبشروا، ولأبي ذر فيستبشرون بالنون أي فهم يستبشرون. (قال) صلى الله عليه وسلم:(إذًا) أي إن أخبرتهم (يتَّكلوا) بتشديد المثناة الفوقية أي يعتمدوا على الشهادة المجردة، وللكشميهني ينكلوا بنون ساكنة وضم الكاف من النكول وهو الامتناع أي يمتنعوا عن العمل اعتمادًا على مجرد التلفّظ بالشهادتين (وأخبر) وفي رواية أخبر بغير واو (بها معاذ عند موته) أي موت معاذ (تأثمًا) بفتح المثناة الفوقية والهمزة وتشديد المثلثة نصب على أنه مفعول له أي تجنبًا عن الإثم إن كتم ما أمر الله بتبليغه حيث قال:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
فإن قلت: سلمنا أنه تأثم من الكتمان، فكيف لا يتأثم من مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام في التبشير؟ أجيب بأن النهي كان مقيدًا بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك أو أن النهي إنما كان للتنزيه لا للتحريم، وإلاّ لما كان يخبر به أصلاً. وقد روى البزار من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: لا تعجل ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيًا لأن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها. قال: فرده فرده. وقد تضمن هذا الحديث أن يخص بالعلم قوم فيهم الضبط وصحة الفهم ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله ومن يخاف عليه الترخيص، والاتكال لتقصير فهمه وهو مطابق لما ترجم له المؤلف.
129 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لَا. إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا» .
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري نزيل بني تميم، المتوفى بالبصرة سنة سبع وثمانين ومائة (قال: سمعت أبي) سليمان المتوفى بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائة (قال: سمعت أنسًا) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر أنس بن مالك (قال ذكر لي) على صيغة المجهول ولم يسمّ أنس من ذكر له ذلك وهو غير قادح في صحة الحديث لأن متنه ثابت من طريق أخرى، وأيضًا فأنس لا يروي إلا عن عدل صحابي أو غيره فلا تضر الجهالة هنا، ويحتمل أن يكون عمرو بن ميمون أو عبد الرحمن بن سلمة.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ): زاد في رواية غير أبوي ذر والوقت ابن جبل ومقول القول (من لقي الله) أي مات حال كونه (لا يشرك به شيئًا) حين الموت (دخل الجنة) وإن لم يعمل صالحًاً إما قبل دخوله النار أو بعده بفضل الله ورحمته، واقتصر على نفي الإشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء ولم يذكر إثبات الرسالة لأن نفي الإشراك يستدعي إثباتها للزوم أن من كذب رسل الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو كافر أو هو نحو من توضأ صحت صلاته أي عند وجود سائر الشروط فالمراد من لقي الله موحدًا بسائر ما يجب الإيمان به (قال) معاذ وفي رواية أبي ذر فقال:(ألا أبشر الناس) بذلك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) تبشرهم ثم استأنف فقال (أخاف أن يتكلوا) بتشديد المثناة الفوقية أي أخاف اتكالهم على مجرد التوحيد، وفي رواية كريمة وأبي الوقت قال: لا إني أخاف، وعلى الرواية الأولى ليست كلمة النهي داخلة على أخاف فافهم.
50 - باب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ.
هذا (باب الحياء) بالمد (في) تعلم (العلم) وتعليمه (وقال مجاهد) أي ابن جبر التابعي الكبير مما وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن المديني عن ابن عيينة من منصور عنه بإسناد صحيح على شرط المؤلف، (لا يتعلم العلم مستحييٍ) بإسكان الحاء وبياءين أخيرتهما ساكنة من
استحيا يستحيي على وزن يستفعل، ويجوز فيه مستحي أي بياء واحدة من استحى يستحي على وزن مستفع، ويجوز مستح من غير ياء على وزن مستف (ولا مستكبر) يتعاظم ويستنكف أن يتعلم العلم ويستكثر منه وهو أعظم آفات العلم، فالحياء هنا مذموم لكونه سببًا لترك أمر شرعي وليست لا ناهية بل نافية ومن ثم كانت ميم يتعلم مضمومة.
(وقالت عائشة) رضي الله عنها مما وصله مسلم (نعم النساء نساء الأنصار) برفع نساء في الموضعين، فالأولى على الفاعلية، والثانية على أنها مخصوصة بالمدح والمراد من نساء الأنصار نساء أهل المدينة (لم يمنعهن الحياء) عن (أن يتفقهن) أي عن التفقه (في) أمور (الدين).
130 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ -تَعْنِي وَجْهَهَا- وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟» . [الحديث 130 - أطرافه في: 282، 3328، 6091، 6121].
وبالسند إلى المؤلف قال (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام على الأشهر واقتصر عليه في فرع اليونينية وهو البيكندي (قال: أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بمعجمتين الضرير التيمي (قال: حدّثنا هشام) وفي رواية ابن عساكر بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن زينب ابنة) وفي رواية الأربعة بنت (أم سلمة) وأبوها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، توفيت سنة ثلاث وسبعين ونسبت لأمها أم المؤمنين أم سلمة بيانًا لشرفها لأنها ربيبته صلى الله عليه وسلم (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها أنها (قالت):(جاءت أُم سليم) بضم المهملة وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة والنون النجارية الأنصارية وهي والدة أنس بن مالك (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق) ليس الاستحياء هنا على بابه، وإنما هو جارٍ على سبيل الاستعارة التبعية التمثيلية أي أن الله لا يمتنع من بيان الحق، فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه، وإنما قالت ذلك بسطًا لعذرها في ذكر ما تستحيي النساء من ذكره عادة بحضرة الرجال لأن نزول المني منهنّ يدل على قوّة شهوتهنّ للرجال (فهل) يجب (على المرأة من غُسل) بضم الغين وفي رواية من غسل بفتحها وهما مصدران عند أكثر أهل اللغة. وقال آخرون بالضم الاسم وبالفتح المصدر وحرف الجر زائد (إذا) هي (احتلمت) أي رأت في منامها أنها تجامع (قال) وفي رواية أبي ذر وابن عساكر فقال (النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليها غسل (إذا) أي حين (رأت الماء) أي المني إذا استيقظت فإذا ظرفية، ويجوز أن تكون شرطية أي إذا رأت وجب عليها الغسل، وجعل رؤية المني شرطًا للغسل يدل على أنها إذا لم ترَ الماء لا غسل عليها. قالت زينب:(فغطت أم سلمة) رضي الله عنها أو قالته أم سلمة على سبيل الالتفات من باب التجريد كأنها جرّدت من نفسها شخصًا فأسندت إليه التغطية إذ الأصل فغطيت قال عروة أو غيره (تعني وجهها) بالمثناة الفوقية ولابن عساكر بالتحتية وعند مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضًا فيحتمل حضورهما معًا في
هذه القصة. (وقالت) أم سلمة (يا رسول الله وتحتلم المرأة) بحذف همزة الاستفهام وللكشميهني أو تحتلم بإثباتها وهو معطوف على مقدّر يقتضيه السياق أي أترى المرأة الماء، وتحتلم؟ (قال) صلى الله عليه وسلم (نعم) تحتلم وترى الماء (تربت يمينك) بكسر الراء والكاف أي افتقرت وصارت على التراب وهي كلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب. (فبِمَ) بحذف الألف (يشبهها ولدها) وفي حديث أنس في الصحيح: فمن أين يكون الشبه ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيّهما علا أو سبق يكون منه الشبه. وفي هذا الحديث ترك الاستحياء لمن عرضت له مسألة.
131 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هِيَ النَّخْلَةُ» .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس ابن أُخت إمام دار الهجرة مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) المشهور (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ثبت ابن عمرو الترضي لابن عساكر.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي) وللأصيلي هي بإسقاط
الواو (مثل المسلم) بفتح الميم والمثلثة وفي رواية مثل بكسر الميم وسكون المثلثة (حدّثوني ما هي.
فوقع الناس في شجر