الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبزار بإسناد حسن، وأبو عوانة في صحيحه. وأخرجه مسلم أيضًا عن عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته.
وبالجملة: فهو حديث جليل حتى قال القرطبي: يصلح أن يقال له أم السُّنَّة لما تضمنه من جمل علمها. وقال عياض: إنه اشتمل على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداءً وحالاً ومآلاً، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر والتحفّظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه اهـ.
38 - باب
(باب) بالتنوين مع سقوط الترجمة لأبي الوقت وكريمة وسقط ذلك للأصيلي وأبي ذر وابن عساكر، ورجح النووي الأوّل بأن الحديث التالي لا تعلق له بالترجمة السابقة. وأجيب بأنه يتعلق بها من جهة اشراكهما في جعل الإيمان دينًا، لكن استشكل من جهة الاستدلال بقول هرقل مع كونه غير مؤمن. وأجيب بأن هرقل لم يقله من قبل رأيه إنما رواه عن الكتب السالفة، وفي شرعهم كان الإيمان دينًا وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وتداولته الصحابة.
51 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ. [انظر الحديث 7].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالزاي ابن محمد بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوّام القرشي المدني المتوفى بالمدينة سنة ثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني. (عن صالح) هو ابن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بفتحها ابن عتبة
أحد الفقهاء السبعة بالمدينة (ابن عبد الله بن عباس أخبره قال أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) بتثليث أوّله وللأصيلي ابن حرب (أن هرقل قال له) أي لأبي سفيان (سألتك هل يزيدون أم ينقصون) وفي الرواية السابقة الاستفهام بالهمزة وهو القياس لأن أم المتصلة مستلزمة. وأجيب بأن أم هنا منقطعة أي بل ينقصون فيكون إضرابًا عن سؤال الزيادة واستفهامًا عن النقصان على أن جار الله أطلق أنها لا تقع إلا بعد الاستفهام فهو أعمّ من الهمزة (فزعمت) وفي السابقة فذكرت (أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم) أي أمر الإيمان كما في الرواية السابقة. (وسألتك: هل يرتد) وفي السابقة أيرتد بالهمزة (أحد سخطة) بفتح السين وفي رواية ابن عساكر أحد منهم سخطة (لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت) وفي السابقة فذكرت (أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد) بفتح المثناة التحتية والخاء ولم يذكر هذه اللفظة وتاليها في الرواية السابقة، وبين المؤلف وبين الزهري هنا ثلاثة أنفس، وفي السابقة اثنان أبو اليمان وشعيب، واقتصر هنا على هذه القطعة من جملة السابقة لتعلقها بغرضه هنا وهي تسمية الدين إيمانًا، ونحو هذا الحذف يسمونه خرمًا، والصحيح جوازه من العالم إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة، والظاهر أن الخرم وقع من الزهري لا من البخاري لاختلاف شيوخ الإسنادين بالنسبة إلى المؤلف، ولعل شيخه ابن حمزة لم يذكر في مقام الاستدلال على أن الإيمان دين إلا هذا القدر، وإنما يقع الخرم لاختلاف المقامات والسياقات، فهناك بيان كيف الوحي يقتضي ذكر الكل ومقام الاستدلال يقتضي الاختصار، ورواته كلهم مدنيون وفيهم ثلاثة من التابعين مع التحديث والإخبار والعنعنة.
39 - باب فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
هذا (باب فضل من استبرأ لدينه) أي الذي طلب البراءة لأجل دينه من الذمّ الشرعي أو من الإثم واكتفى بالدين عن أن يقول لعرضه ودينه لأنه لازم له، ولا ريب أن الاستبراء للدين من الإيمان.
52 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» . [الحديث 52 - طرفه: 2051].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو نعيم) بضم النون الفضل بن دكين بمهملة مضمومة وفتح الكاف واسمه عمرو بن حماد القرشي التيمي الطلحي المتوفى بالكوفة سنة ثماني أو تسع عشرة ومائتين
(قال: حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة واسمه خالد بن ميمون الهمداني الوادعي الكوفي المتوفى سنة سبع أو تسع وأربعين ومائة (عن عامر) الشعبي، وفي فوائد ابن أبي الهيثم من طريق يزيد بن هارون عن زكريا قال: حدّثنا الشعبي فحصل الأمن من
تدليس زكريا أنه (قال: سمعت النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ابن سعد بسكون العين الأنصاري الخزرجي وأمه عمرة بنت رواحة، وهو أوّل مولود للأنصار بعد الهجرة، المقتول سنة خمس وستين، وله في البخاري ستة أحاديث. وقول أبي الحسن القابسي ويحيى بن معين عن أهل المدينة إنه لا يصح للنعمان سماع من النبي صلى الله عليه وسلم يرده قوله هنا سمعت النعمان بن بشير (يقول):
(سمعت رسول الله) وفي رواية النبي (صلى الله عليه وسلم) وعند مسلم والإسماعيلي من طريق زكريا وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أُذنيه (يقول: الحلال بيّن) أي ظاهر بالنظر إلى ما دل عليه بلا شبهة (والحرام بين) أي ظاهر بالنظر إلى ما دلّ عليه بلا شبهة (وبينهما) أمور (مشبهات) بتشديد الموحدة المفتوحة أي شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين. وفي رواية الأصيلي وابن عساكر مشتبهات بمثناة فوقية مفتوحة وموحدة مكسورة أي اكتسبت الشبهة من وجهين متعارضين (لا يعلمها) أي لا يعلم حكمها (كثير من الناس) أمن الحلال هي أم من الحرام، بل انفرد بها العلماء إما بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك، فإذا تردّد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد وألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فالمشتبهات على هذا في حق غيرهم وقد يقع لهم حيث لا يظهر ترجيح لأحد الدليلين، وهل يؤخذ في هذا المشتبه بالحل أو الحرمة أو يوقف؟ وهو كالخلاف في الأشياء قبل ورود الشرع، والأصح عدم الحكم بشيء لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع، وقيل الحل والإباحة، وقيل المنع، وقيل الوقف. وقد يكون الدليل غير خالٍ عن الاحتمال فالورع تركه لا سيما على القول بأن المصيب واحد وهو مشهور مذهب مالك ومنه ثار القول في مذهبه بمراعاة الخلاف أيضًا، وكذلك روي أيضًا عن إمامنا الشافعي أنه كان يراعي الخلاف، ونص عليه في مسائل، وبه قال أصحابه حيث لا تفوت به سُنّة عندهم.
(فمن اتقى) أي حذر (المشبهات) بالميم وتشديد الموحدة، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر المشتبهات بالميم والمثناة الفوقية بعد الشين الساكنة، وفي أخرى الشبهات بإسقاط الميم وضم الشين وبالموحدة (استبرأ) ولأبي ذر فقد استبرأ بالهمز بوزن استفعل (لدينه) المتعلق بخالقه (وعرضه) المتعلق بالخلق أي حصل البراءة لدينه من النقص ولعرضه من الطعن فيه، ولابن عساكر والأصيلي لعرصه ودينه، (ومن) شرطية وفعل الشرط قوله (وقع في الشبهات) التي أشبهت الحرام من وجه والحلال من آخر، وللأصيلي المشتبهات بالميم وسكون الشين وفوقية قبل الموحدة، ولابن عساكر المشبهات بالميم والموحدة المشددة وجواب الشرط محذوف في جميع نسخ الصحيح، وثبت في رواية الدارمي عن أبي نعيم شيخ المؤلف فيه ولفظه قال: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام (كراع) أي مثله مثل راعٍ وفي رواية كما في اليونينية كراعي بالياء آخره (يرعى) جملة مستأنفة وردت على سبيل التمثيل
للتنبيه بالشاهد على الغائب، ويحتمل أن تكون من موصولة لا شرطية فتكون مبتدأ والخبر كراع يرعى، وحينئذ لا حذف. والتقدير الذي وقع في الشبهات كراع يرعى مواشيه (حول الحمى) بكسر الحاء المهملة وفتح الميم المحمي من إطلاق المصدر على اسم المفعول والمراد موضع الكلأ الذي منع منه الغير وتوعد على من رعى فيه (يوشك) بكسر المعجمة أي يقرب (أن يواقعه) أي يقع فيه. وعند ابن حبّان: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، فمن أكثر من الطيبات مثلاً فإنه يحتاج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق فيقع في الحرام فيأثم وإن لم يتعمد لتقصيره أو يفضي إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية ومن تعاطى ما نهي عنه أظلم قلبه لفقد نور الورع، وأعلى الورع ترك الحلال مخافة الحرام كترك ابن أدهم أجرته لشكه في وقاء عمله وطوى من جوع شديد.
فائدة: بالله ما لم تعلم حلّه يقينًا اتركه كتركه