الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطاب أحد العبادلة السابق للإسلام مع أبيه أحد الستة المكثرين للرواية المتوفى سنة ثلاث أو أربع وسبعين. (لا يبلغ العبد) بالتعريف وفي رواية ابن عساكر عبد بالتنكير (حقيقة التقوى)، التي هي وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة. (حتى يدع ما حاك) بالمهملة، والكاف الخفيفة أي اضطرب (في الصدر) ولم ينشرح له وخاف الإثم فيه. وفي بعض نسخ المغاربة ما حك بتشديد الكاف، وفي بعض نسخ العراق ما حاك بالألف والتشديد من المحاكة، حكاهما صاحب عمدة القاري والبرماوي. وقد روى مسلم معناه من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا: البرّ حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطّلع الناس عليه. وفي أثر ابن عمر هذا إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كنه الإيمان وبعضهم لم يبلغه، فتجوز الزيادة والنقصان.
(وقال مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة غير مصغر على الأشهر المخزومي مولى عبد الله بن السائب المخزومي المتوفى وهو ساجد سنة مائة في تفسير قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ} [الشورى: 13] زاد الهروي وابن عساكر من الدين أي (أوصيناك يا محمد وإياه) أي نوحًا (دينًا واحدًا) خصّ نوحًا عليه السلام لما قيل أنه الذي جاء بتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأوّل من جاء بتحريم الأمهات والبنات والأخوات. لا يقال إن إياه تصحيف وقع في أصل البخاري في هذا الأثر، وإن الصواب وأنبياءه كما عند عبد بن حميد وابن المنذر وغيرهما. وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة، لأنه أجيب بأن نوحًا عليه السلام أفرد في الآية، وبقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عطف عليه وهم داخلون فيما وصى به نوحًا في تفسير مجاهد، وكلهم مشتركون في ذلك، فذكر واحد منهم يغني عن الكل على أن نوحًا أقرب مذكور في الآية، وهو أولى بعود الضمير إليه في تفسير مجاهد، فليس بتصحيف بل هو صحيح، وهذا التعليق أخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسند صحيح عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح.
(وقال ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما في تفسيره قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] سبيلاً أي طريقًا واضحًا وهو تفسير لمنهاجًا (وسُنّة). يقال شرع يشرع شرعًا أي سنّ، فهو تفسير لشرعة فيكون من باب اللف والنشر الغير المرتب، وسقطت الواو من وقال لابن عساكر، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح وقد وقع هنا في رواية أبي ذر وغيره باب بالتنوين، وهو ثابت في أصل عليه خط الحافظ قطب الدين الحلبي كما قال العيني أنه رآه ورأيته أنا كذلك في فرع اليونينية كهي، لكنه فيها ساقط في رواية الأصيلي وابن عساكر، وأيّده قول الكرماني أنه وقف على أصل مسموع على الفربري بحذفه، بل قال النووي: ويقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه بحذفه، ولا يصح إدخاله هنا لأنه لا يتعلق له بما نحن فيه، ولأنه ترجم لقوله عليه الصلاة والسلام: بُنِيَ الإسلام ولم يذكره قبل هذا، وإنما ذكره بعده وليس مطابقًا للترجمة.
وعلى هذا فقوله: [الفرقان: 77](دعاؤكم إيمانكم) من قول ابن عباس يشير به إلى قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} فسمي الدعاء إيمانًا والدعاء عمل، فاحتجّ به على أن الإيمان عمل وعطفه على ما قبله كعادته في حذف أداة العطف، حيث ينقل التفسير. وهذا التعليق وصله ابن جرير من قوله ابن عباس، وفي رواية أبي ذر لقوله تعالى {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.
2 - باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ
8 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ
َ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». [الحديث 8 - طرفه في: 4515].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير وفي الفرع خلافًا لأصله. وحدّثنا محمد بن إسماعيل يعني البخاري حدّثنا عبيد الله (بن موسى) بن باذام بالموحدة والذال المعجمة آخره ميم العبسي بفتح المهملة وتسكين الموحدة الشيعي الغير داعية المتوفى بالإسكندرية سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين، (قال: أخبرنا) وفي رواية الهروي، حدّثنا (حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن الجمحي المكي القرشي المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة، (عن عكرمة بن خالد) يعني ابن العاصي المخزومي القرشي، المتوفى بمكة بعد عطاء وهو توفي سنة
أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة، (عن ابن عمر) بن الخطاب عبد الله رضي الله عنهما، هاجر به أبوه واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وبيعة الرضوان والمشاهد، وكان واسع العلم متين الدين وافر الصلاح وتوفي سنة ثلاث وسبعين وله في البخاري مائتان وسبعون حديثًا (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(بني الإسلام) الذي هو الانقياد (على خمس) أي خمس دعائم، وقال بعضهم، على بمعنى من أي بني الإسلام من خمس، وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام، فكيف يكون الإسلام مبنيًّا عليها والمبني لا بدّ أن يكون غير المبني عليه، ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه:(شهادة أن لا إله إلاّ الله و) شهادة (أن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة) أي المداومة عليها، والمراد الإتيان بها بشروطها وأركانها، (وإيتاء الزكاة) أي إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في محله بعون الله، (والحج) إلى بيت الله الحرام، (وصوم) شهر (رمضان). بخفض شهادة على البدل من خمس، وكذا ما بعدها. ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي وهي والنصب بتقدير أعني، قال البدر الدماميني: أما وجه الرفع فواضح، وأما وجه الجر فقد يقال فيه إن البدل من خمس هو مجموع المجرورات المتعاطفة لا كل واحد منها.
فإن قلت: يكون كل منها بدل بعض، قلت حينئذ يحتاج إلى تقدير رابط اهـ. "ولا" في قوله: لا إله إلاّ الله، هي النافية للجنس وإله اسمها مركب معها تركيب مزج كأحد عشر، والفتحة فتحة بناء، وعند الزجاج فتحة إعراب لأنه عنده منصوب بها لفظًا وخبرها محذوف اتفافًا تقديره موجود، وإلاّ حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوع على البدلية من الضمير المستتر في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله لا وعليه جماعة. وفي هذه المسألة مباحث ضربت عليها بعد أن أثبتها خوف الإطالة، ثم إن هذا التركيب عند علماء المعاني يفيد القصر وهو في هذه الكلمة من باب قصر الصفة على الموصوف لا العكس، فإن إله في معنى الوصف.
فإن قلت: لمَ قدّم النفي على الإثبات فقيل لا إله إلا الله ولم يقل الله لا إله إلاّ هو بتقديم الإثبات على النفي؟ أجيب: بأنه إذا نفى أن يكون ثم إله غير الله فقد فرّغ قلبه مما سوى الله بلسانه
ليواطىء القلب وليس مشغولاً بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله تعالى بالجوارح الظاهرة والباطنية. ووجه الحصر في الخمسة أن العبادة إما قولية أو غيرها. الأولى الشهادتان، والثانية إما تركية أو فعلية، الأولى الصوم، والثانية إما بدنية أو مالية الأولى الصلاة، والثانية الزكاة أو مركبة منهما وهي الحج، وقد ذكره مقدّمًا على الصوم. وعليه بنى المصنف ترتيب جامعه هذا. لكن عند مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر تأخير الصوم عن الحج، فقال رجل وهو يزيد بن بشر السكسكي: والحج وصوم رمضان. فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيحتمل أن يكون حنظلة رواه هنا بالمعنى لكونه لم يسمع رد ابن عمر على يزيد أو سمعه ونسيه، نعم رواه ابن عمر في مسلم من أربع طرق تارة بالتقديم وتارة بالتأخير.
فإن قلت: لِمَ لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وأسقط الجهاد؟ أجيب: بأن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة لأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات. وفي قوله: بني الخ استعارة بأن يقدر الاستعارة في بني، والقرينة في الإسلام شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على هذه الأعمدة الخمسة، ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنية بأن تكون الاستعارة في الإسلام والقرينة بني على التخييل بأن شبه الإسلام بالبيت، ثم خيل كأنه بيت على المبالغة، ثم أطلق الإسلام على ذلك المخيل، ثم خيل له ما يلزم الخباء المشبه به من البناء، ثم أثبت له ما هو لازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية ثم نسبه إليه ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة.