الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى {الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ولكريمة باب في الوضوء وقول الله الخ. وفي نسخة صدر بها في فرع اليونينية عقب البسملة كتاب الطهارة باب ما جاء في الوضوء، وهو أنسب من السابق لأن الطهارة أعمّ من الوضوء، والكتاب الذي يذكر فيه نوع من الأنواع ينبغي أن يترجم بنوع عام حتى يشمل جميع ذلك،
ولا بدَّ من التقييد بالماء لأن الطهارة تطلق على التراب كما قاله الشافعي، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح يطهر بالفتح فيهما وهي لغة النظافة والخلوص من الأدناس حسيّة كالأنجاس أو معنوية كالعيوب يقال: تطهرت بالماء وهم قوم يتطهرون أي يتنزهون عن العيب وشرعًا، كما قال النووي في شرح المهذب رفع حدث أو إزالة نجس، أو ما في معناهما أو على صورتهما كالتيمم والاغتسالات المسنونة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة ومسح الأُذنين والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة وطهارة المستحاضة وسلس البول.
(قال أبو عبد الله) يعني البخاري مما سيأتي موصولاً (وبيَّن) وفي رواية الأصيلي قال: وبين
(النبي-صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء) المجمل في الآية السابقة غسل الأعضاء (مرة) للوجه (مرة) لليد إلى آخره، فالتكرار لإرادة التفصيل والنصب على أنه مفعول مطلق أو على الحال السادّة مسدّ الخبر أي يفعل مرة. وقال في الفتح: وهو في روايتنا بالرفع على الخبرية اهـ. وهو أقرب الأوجه، والأوّل هو الذي في فرع اليونينية فقط.
(وتوضأ) صلى الله عليه وسلم (أيضًا) وضوءًا (مرتين مرتين) كذا في رواية أبي ذر ولغيره مرتين بغير تكرار، (و) توضأ عليه الصلاة والسلام أيضًا (ثلاثًا) أي ثلاث مرات، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وثلاثًا بالتكرار (ولم يزد) عليه الصلاة والسلام (على ثلاث) أي ثلاث مرات، بل ورد أنه ذم من زاد عليها كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند أبي داود وغيره بإسناد جيد أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال:"من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" أي ظلم بالزيادة بإتلاف الماء ووضعه في غير موضعه، وظاهره الذم بالنقص عن الثلاث وهو مشكل.
وأجيب: بأن فيه حذفًا تقديره من نقص من واحدة فقد أساء. ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد مرفوعًا: "الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا فمن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ". وهو مرسل ورجاله ثقات. وقال في المجموع عن الأصحاب وغيرهم: إنّ المعنى زاد على الثلاث أو نقص منها. قال: واختلف أصحابنا في معنى أساء وظلم، فقيل: أساء في النقص وظلم في الزيادة. فإن الظلم مجاوزة الحدود ووضع الشيء في غير محله، وقيل: عكسه لأن الظلم يستعمل بمعنى النقص لقوله تعالى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] وقيل: أساء وظلم فيهما. واختاره ابن الصلاح لأنه ظاهر الكلام اهـ.
وأجيب أيضًا: بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم اقتصر على قوله فمن زاد فقط كما رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره بل عدّ مسلم قوله أو نقص مما أنكر على عمرو بن شعيب، وإنما تحسب غسله إذا استوعب العضو فلو شك في العدد أثناء الوضوء، فقيل: يأخذ بالأكثر حذرًا من زيادة رابعة، والأصح بالأقل كالركعات والشك بعد الفراغ لا عبرة به على الأصح لئلا يؤدّيه الأمر إلى الوسوسة المذمومة، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر على ثلاثة بالهاء، والأصل عدمها إذ المعدود مؤنث لكنه أوّله بأشياء، وفي أخرى على ثلاث.
(وكره أهل العلم) المجتهدون (الإسراف فيه) كراهة تنزيه وهذا هو الأصح من مذهبنا وعبارة إمامنا الشافعي في الأم: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه أي لم أحرمه لأنه قوله: لا أحب يقتضي الكراهة. وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث، وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم. ثم عطف المؤلف على السابق لتفسيره قوله (وأن يجاوزوا) أي أهل العلم (فعل النبي صلى الله عليه وسلم)، فليس المراد بالإسراف إلا المجاوزة عن فعله صلى الله عليه وسلم الثلاث، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: ليس بعد الثلاث شيء.
2 - باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُور
هذا (باب) بالتنوين (لا تقبل) بضم المثناة
الفوقية على ما لم يسم فاعله (صلاة) بالرفع نائب عنه. وفي رواية بفرع اليونينية موافقة لما عند المؤلف في ترك الحيل لا يقبل الله صلاة (بغير طهور) بضم الطاء الفعل الذي هو المصدر، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل وبفتحها الماء الذي يتطهر به. وهذه الترجمة لفظ حديث ليس على شرط المؤلف رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وقد قال القاضي عياض في شرحه: إنه نص في وجوب الطهارة، وتعقبه أبو عبد الله الأبّي بأن الحديث إنما فيه أنها شرط في القبول والقبول أخصّ من الصحة وشرط الأخص لا يكون شرطًا في الأعم، وإنما كان القبول أخص لأن حصول الثواب على الفعل، والصحة وقوع الفعل مطابقًا للأمر فكل متقبل صحيح دون العكس، والذي ينتفي بانتفاء الشرط الذي هو الطهارة القبول لا الصحة، وإذا لم تنتف الصحة لم يتم الاستدلال بالحديث، والفقهاء يحتجون به وفيه من البحث ما سمعت.
فإن قلت إذا فسرت الصحة بأنها وقوع الفعل مطابقًا للأمر فالقواعد تدل على أن الفعل إذا وقع مطابقًا للأمر كان سببًا في حصول الثواب، قلت: غرضنا إبطال التمسك بالحديث من قبل االشرطية وقد اتّضح، ثم نمنع أنها سبب في حصول الثواب لأن الأعم ليس سببًا في حصول أخصه المعين انتهى.
ويجاب بأن المراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الأجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الأجزاء الذي القبول ثمرته عبّر عنه بالقبول مجازًا لأن الغرض من الصحة مطابقة العبادة للأمر، وإذا حصل ذلك ترتب عليه القبول، وإذا انتفى القبول انتفت الصحة لما قام من الأدلة على كون القبول من لوازمها، فإذا انتفى انتفت.
وأما القبول النفي في نحو قوله: من أتى عرّافًا لم يقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلّف القبول، ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحبّ إلي من جميع الدنيا.
قال ابن عمر: لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} [المائدة: 27].
135 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. [الحديث 135 - طرفه في: 6954].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) بالظاء المعجمة (قال: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بتشديد ميم الأوّل وضم ميم الثاني وفتح النون وتشديد الموحدة المكسورة (أنّه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول):
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقبل) بضم المثناة الفوقية (صلاة من) أي الذي (أحدث) وصلاة بالرفع نائب عن الفاعل وفي رواية لا يقبل الله بالنصب على المفعولية من أحدث أي وجد منه الحدث الأكبر كالجنابة والحيض والأصغر الناقض للوضوء (حتى) أي إلى أن (يتوضأ) بالماء أو ما يقوم مقامه فيقبل حينئذ. قال في المصابيح، قال لي بعض الفضلاء: يلزم من حديث أبي هريرة أن الصلاة الواقعة في حال الأحدث إذا وقع بعدها وضوء صحّت، فقلت له: الإجماع يدفعه. فقال: يمكن أن يدفع من لفظ الشارع وهو أولى من التمسك بدليل خارج، وذلك بأن تجعل الغاية للصلاة لا لعدم القبول، والمعنى صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ لا تقبل اهـ.
والذي يقوم مقام الوضوء بالماء هو التيمم أو أنه يسمى وضوءًا كما عند النسائي بإسناد صحيح من حديث أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" فأطلق عليه الصلاة والسلام على التيمم أنه وضوء لكونه قائمًا مقامه، وإنما اقتصر ذكر الوضوء نظرًا إلى كونه الأصل، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثًا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة.
واستدل بهذا الحديث على أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء وما بعدها مخالف لما قبلها، فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا وفيه الدليل على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريًّا أو اضطراريًا لعدم التفرقة في الحديث بين حدث وحدث في حالة دون حالة.
(قال رجل من حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم بلد باليمن وقبيلة أيضًا: (ما الحدث) وفي رواية فما الحدث. (يا أبا هريرة؟ قال)